q
هذه المعايشة المتوترة بين مكونات السياسية للنظام السياسي العراقي ضرورة ملحة في وجه التغيير الذي يمكن ان يؤدي الى الذهاب نحو المجهول، وبذلك فإن التغيير الذي يدعو اليه التيار الصدري مراراً وتكراراً لا يرقى الى مستوى تغيير النظام السياسي بقدر ما يعني تغيير بعض الوجوه والشخصيات...

ارتبط اسم التيار الصدري بمصطلح الاصلاح السياسي خلال السنوات الـ10 الماضية من خلال المواقف الاحتجاجية الكثيرة، وشديدة اللهجة في بعض الاحيان، التي صدرت عن السيد مقتدى الصدر زعيم هذا التيار السياسي، مما جعل منه احد اهم صانعي قيم الاحتجاج وتكتيكاته في الحياة السياسية العراقية.

والاصلاح السياسي مصطلح يشير الى كل الخطوات الواجب اتخاذها بشكل مباشر او غير مباشر لتحسين سياسة معينة او تعديل خطأ موجود في النظام السياسي، وبهذا المعنى فإن خطوات التيار الصدري منذ عام 2016 الى اليوم ترى ان هنالك انحرافاً قد حصل في العملية السياسية العراقية، ومن الواجب تصحيحه.

ولكن هنالك سؤال محوري يدور حول الاسباب الجوهرية لعدم قدرة التيار الصدري على الوفاء بوعود الاصلاح على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه التيار عبر كتلة الاحرار في الانتخابات البرلمانية عام 2014 بحصوله على 34 مقعد، وعبر تحالف سائرون في الانتخابات البرلمانية عام 2018 بحصوله على 54 مقعد من أصل 329.

بالتركيز على ثنائية (الاصلاح-التغيير) التي باتت تفسر معظم قرارات السيد مقتدى الصدر ومواقفه الاخيرة، نجد انه يستخدم الراديكالية (مصطلح سياسي يعني الرجوع الى الجذور او الاصل) لتوجيه الاسلوب السياسي في مسعاه للوصول الى حلول للمشكلات السياسية التي تواجه النظام السياسي لعراقي، وذلك بالرجوع الى المبادئ الديمقراطية للنظام نفسه (التوافقية ومثيلاتها).

اي ان الثنائية المذكورة آنفاً تتعارض مع الطرق المتبعة من قبل التيار الصدر للإصلاح والتغيير، وبذلك يكون التيار الصدري انتقل بصورة عملية من معارضة النظام القائم الى التعايش مع مثالبه، بسبب الخوف من تغيير النظام السياسي بشكل يضر مكتسبات الاسلام السياسي (الشيعية منها خاصة)، إذا ما رأينا ان التيار الصدري هو تيار سياسي شعبي أكثر من كونه حزب سياسي، يكتسب شعبيته من خلال اساس عقائدي يرجع الى آل الصدر.

يرى السيد مقتدى الصدر ان هذه المعايشة المتوترة بين مكونات السياسية للنظام السياسي العراقي ضرورة ملحة في وجه التغيير الذي يمكن ان يؤدي الى الذهاب نحو المجهول، وبذلك فإن التغيير الذي يدعو اليه التيار الصدري مراراً وتكراراً لا يرقى الى مستوى تغيير النظام السياسي بقدر ما يعني تغيير بعض الوجوه والشخصيات السياسية المسؤولة داخل هذا النظام، وبذلك يكون قد حقق هدفين في آن واحد وهما: الالتزام بتوجيهات المرجعية الدينية في النجف الاشرف التي تنص على ان "المجرب لا يجرب"، وتحقيق الهدف المعلن للتيار امام جماهيره وبالتالي الحصول على التأييد.

هذا المفهوم المتردد للإصلاح والتغيير يتناقض مع البراغماتية التي كان السيد مقتدى الصدر يروج لها عبر خطاباته وتغريداته في منصة تويتر، فبدلاً من التركيز على النتائج العملية للقرارات والافعال واستثمارها سياسياً، وخاصة ما فعله حراك (تشرين) من تغييرات ثقافية وقيمية لملايين الشباب العراقيين، انصب التركيز على جذور النظام السياسي التوافقية التي تعتمد على المحاصصة في ظل مخاوف من تشظي العملية السياسية أكثر مما هي عليه.

وعليه، فإذا لم يتم استثمار مواقف حراك (تشرين)، وتصحيح المفاهيم السياسية الخاصة بالتيار، فديمومة هذا الكيان السياسي مهددة بالزوال، لأنها تفقد رأسمالها المجتمعي والاحتجاجي، وبالتالي فهذا الكيان يعرض نفسه لان يكون هشاً امام الصدمات المستقبلية لنظام سياسي متهالك.

* طالب دراسات عليا في العلوم السياسية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق