q
توصف بالدول الريعية، حيث يشكل الريع بكل عائداته المالية الكبيرة وسهولة الحصول عليها خطراً اخذ يهدد كيانها السياسي ووحدتها الاجتماعية وبدلاً من أن يكون نعمة أصبح نقمة، ليشكل الريع النفطي حالة مرضية مزمنة على أن يكون علاج لمشكلاتها التنموية، فالنمو الكبير في عائدات النفط لا نجد له انعكاس...

ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (إشكاليات الدولة الريعية: التنمية، الحداثة، الفساد)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

قدم الورقة النقاشية الأستاذ الدكتور باسم علي خريسان، وأدار الجلسة الحوارية نيابة عنه الدكتور قحطان حسين طاهر، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:

"تعد الكتابة عن الدولة الريعية بكل إشكالياتها المختلفة والمتعددة وبكل جوانبها الايجابية والسلبية من مجالات البحث العلمي المهمة، وبالأخص في الدول التي أخذت توصف بالدول الريعية، حيث يشكل الريع بكل عائداته المالية الكبيرة وسهولة الحصول عليها خطراً اخذ يهدد كيانها السياسي ووحدتها الاجتماعية وبدلاً من أن يكون نعمة أصبح نقمة عليها وجعلها تعيش ما يوصف بالمرض الهولندي أو المتلازمة الهولندية، ليشكل الريع وبالأخص الريع النفطي حالة مرضية مزمنة على أن يكون علاج لمشكلاتها التنموية، لتشهد الكثير من تلك البلدان تراجع كبير في مؤشرات التنمية العالمية، فالنمو الكبير في عائدات النفط لا نجد له انعكاس واضح في عملية التنمية والتحديث الشاملة في البلد ولأهمية الموضوع سوف تعالج الورقة ثلاث إشكاليات متلازمة للدولة الريعية وهي كل من: إشكالية التنمية وإشكالية الحداثة وإشكالية الفساد، أما الإشكاليات الأخرى فهي متعددة لا مجال لتناولها في هذه الورقة.

أولاً: إشكالية التنمية: الجمود والانسداد

لا يمكن لأي دولة الخروج من حالة التخلف العام وما تحمله من جمود وانسداد شامل دون وضع خطة تنموية شاملة تساهم في وضع الأسس والقواعد الثابتة للبناء العام في البلاد والدفع به بقوة نحو بناء مجتمع متطور قادر على الإبداع والابتكار معتمد على ذاته في إدارة شؤونه العامة، وإذا كانت التنمية كمفهوم وعملية تصف حالة مقابلة للتخلف نجدها أخذت تتطور بفعل التطور العالمي الكبير في مختلف جوانب الحياة، فبعد أن كانت التنمية ينظر لها في بعدها الاقتصادي فقط توسعت لتكون تنمية شاملة تشمل مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية..الخ، وبعد أن كانت التنمية تركز على البعد الكمي والمادي في الحياة أخذت تشمل الجوانب النوعية وغير المادية وبالأخص الجوانب المعرفية والإبداعية، لذلك برز لدينا مفهوم التنمية الشاملة والتنمية البشرية، فضلاً عن ذلك لم تعد التنمية تركز على مرحلة زمنية محددة وإنما أصبح التحدي هو كيفية بناء تنمية مستدامة تكون قاعدة ترتكز عليها عملية التقدم في البلاد، هذا التطور في مفهوم التنمية فرض تحديات على الدول وبالأخص على الدولة الريعية التي وقفت عند المفهوم الضيق للتنمية وهو التنمية الاقتصادية الاستهلاكية، دون أن تعمل على بناء قاعدة اقتصادية إنتاجية تساهم في تنويع مصادر الدخل القومي لديها، وبدلاً من أن يكون الريع النفطي من خلال ما يوفره من عائدات مالية كبيرة عنصر داعم لعملية التنمية فيها، شكّل عنصر ضعف لعمليته التنموية، حيث اكتفت تلك البلدان بعملية تنموية شكلية دون العمل على تعميق الفعل التنموي بنيوياً ودون الانتقال بالتنمية من المفهوم الاقتصادي الضيق إلى المفهوم الواسع واكتفت في تنمية الجوانب المادية وأهملت الجوانب المعرفية والابتكارية، ولم تعمد إلى جعل التنمية عملية مستدامة تساهم في ضمان مستقبل الأجيال القادمة وتحقيق الأمن والاستقرار فيها، وإذا ألقينا نظرة على أثر الريع النفطي في تراجع التنمية وضعفها سوف نجد ذلك الأثر واضح في الكثير من البلدان الريعية، ولعل العراق في مقدمتها حيث لا يزال الريع النفطي يستخدم في مجالات اقتصادية استهلاكية ولا يساهم في بناء بنية تحتية تكون رافعة لإحداث تنمية شاملة -بشرية- مستدامة.

ثانياً: إشكالية الحداثة: غياب الروح وحضور الجسد

شكلت الحداثة تحدي مهم للدول النامية ومنها الدول الريعية، فالانتقال بالمجتمعات من حالتها التقليدية نحو بناء دولة ومجتمع حداثوي- قادر على النهوض بالواقع المأزوم الذي تعيشه تلك الدول في مختلف مجالاتها الحياتية- شكّل تحدي كبير لها، ويرجع ذلك إلى الفهم غير الدقيق والضيق للحداثة فبدلاً من أن تكون الحداثة مشروع يعمل على تفكيك البنى التقليدية المتعارضة مع مفهوم الدولة الحديثة مثل القبيلة والدين بمفهومة الضيق السلفي للحياة والطائفية والانتماءات الجهوية نجد الأنظمة الحاكمة عمدت على تكريس تلك البنى في بنية الدولة وجعلها من أدواتها في التأسيس لشرعيتها في الحكم وممارسة الإقصاء والتهميش تجاه الآخر، وبدلاً من عقلنة الدولة وأتمتتها بعيداً عن شبكات المحسوبية والزبائنية سارت بالاتجاه المعاكس في اعتماد التخادم القائم على المحسوبية والزبائنية في إدارة البلاد وتوظيف فوائض الريع النفطي التي تجعلها صاحبة الثروة وبيدها أدوات القمع وشراء الذمم فضلاً عن مساومة شعوبها في تقديم رشوة اقتصادية من خلال التوسع في الوظيفة العامة ليكون أعداد الموظفين متضخم في البلدان الريعية مع تقديم بعض الخدمات في قطاعات الصحة والتعليم ليكون الانجاز الحداثوي في البعض منها قد يصل إلى الصفر كما في العراق، هذا مع احتكار الدولة لكثير من المفاصل الاقتصادية وفرض رأسمالية الدولة التي تمول مشاريعها من خلال فوائض الريع الكبيرة والتي تكون في أغلبها مشاريع استهلاكية لتعيش تلك البلدان نوع من التحديث المادي في حين تغيب فيها الحداثة بمشروعها الشامل الذي يضمن عقلنة وتنظيم الحياة وبناء مدنية راسخة تساهم في تعزيز روح المواطنة وتتجاوز الانتماءات الضيقة بمختلف أشكالها، لتشكل الحداثة الروح في جسد الدولة والمجتمع.

ثالثاً: إشكالية الفساد: العنف البنيوي وغياب السلام

يعد الفساد من الإشكاليات البنيوية الملازمة لبنية الدولة الريعية، حيث تقع أغلب الدول الريعية في مستويات متدنية في مؤشرات الفساد في العالم، حيث أحتل العراق المرتبة (162) في مؤشر الفساد العالمي للعام 2020، ويلعب التحالف الخفي بين السلطات الحاكمة والرأسمالية الطفيلية دوراً خطير في السيطرة على الجزء الأكبر من الفوائض المالية الريعية على حساب أغلبية الشعب لتتحول تلك الدول إلى دول تعاني من مظاهر العنف البنيوي الخفي وليكون الانجاز فيها مع تعاظم الموارد في أدنى مستوياته وتصبح الدول الريعية تحت رحمة أسعار النفط، فمع أي انخفاض في الأسعار تجد نفسها عاجزة عن تلبية متطلبات المجتمع ومن ثمة تجد شرعيتها الريعية في خطر لتجد نفسها أمام خيار لا ثاني له وهو اللجوء إلى وسائل القمع المختلفة لمواجهة الحركات الاحتجاجية المطلبية وخير مثل على ذلك حركة تشرين الاحتجاجية في العراق، حيث أسهم انخفاض أسعار النفط في عجز الحكومة على الاستجابة للكثير من حاجات ومطالب الشعب ليكون العنف الوسيلة الحاضرة في التعامل مع تلك الحركات الاحتجاجية، فضلاً عن ترحيل العديد من المشاكل البنيوية التي تنخر في جسد الدولة، لتجد موازنة العام 2021 نفسها أمام مشاكل عديدة تم ترحيلها من السنوات السابقة ولعل أبرزها العنف البنيوي وغياب السلام الذي كان للفساد اليد الطولى في حدوثه".

ولإغناء الموضوع بالمزيد من الأفكار تم طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الأول: هل أن الاقتصاد الريعي هو السبب الوحيد لغياب التنمية وانتشار الفساد؟ أم توجد أسباب بنيوية أخرى في جسد المجتمع والدولة؟.

السؤال الثاني: ماهي أقصر السبل للخروج بالبلاد من لعنة الريع المدمرة من خلال التغلب على التحديات التي تحول دون إمكانية تحقيق ذلك وبالأخص في دولة مثل العراق؟.

المداخلات

مأزق التنمية مرهون بالاقتصاد الريعي

الدكتور مناضل الجواري أوضح قائلا:

"من الصعب التطرق إلى مفهوم التنمية أو البناء التنموي دون الإلمام الكافي بالموارد الريعية وإمكانية استغلالها بل وإدارتها بالشكل المناسب والمطلوب من الناحية الاقتصادية لوضع أسس صحيحة للتنمية بكافة أنواعها: بشرية، مستدامة، إقتصادية، اجتماعية...الخ.

فقد تتباين البلدان العربية في مواردها الاقتصادية وتكوينها الجغرافي والاجتماعي والثقافي، وأن مأزق التنمية مرهون بدراسة الاقتصاد الريعي وآليات ترشيده صوب التنمية الاقتصادية، فالاقتصاد الريعي هو أساس دخل الدولة وإيراداتها، وعلى الدولة أن توجه هذه الإيرادات الريعية لأغراض إنتاجية ببناء مؤسسات اقتصادية كمرتكزات للتنمية، وهذه المؤسسات الإنتاجية أن تخدم الطلب المحلي أولا قبل الطلب الخارجي وخدمة السوق المحلية قبل السوق العالمي، كي نعوض عن المستورد من السلع المختلفة التي تكلف البلد عملة صعبة ليست بالقليلة، والطلب المحلي أو الداخلي بشقيه الاستهلاكي –تغطية حاجات المجتمع الاستهلاكية واستثماري- وسيط لتلبية حاجات المؤسسات التي تعتمد على الخارج في مدخلاتها الإنتاجية.

إذن هذا هو المحور الأول في السياسة الاقتصادية وتعاملها مع موضوع الريع وبناء التنمية، ولم تشير الأدبيات الاقتصادية بالشكل الكافي عن الخيارات المتاحة أمام الدولة الريعية وكان الريع هو مجرد توافر موارد، قد أشار بعض الاقتصاديين إلى أن الدولة الريعية هي بشروط منها أن يكون الدخل الريعي هو السائد وأن تكون الدولة مصدر النسبة الأعظم من الإنفاق، فقصور السياسة الاقتصادية والقائمين عليها هو الموضوع المهم، والإجابة عن السؤال المتعلق بالخروج من إشكالية الاقتصاد الريعي وحلم الاقتصاد الإنتاجي بل ومن لعنة الموارد أو المرض الهولندي الذي تتصف به البلدان النفطية ومنها العراق.

فالنرويج، وماليزيا وكوريا وغيرها من دول النمور الآسيوية فاجأت العالم بحسن الإدارة الاقتصادية وتحقيق معدلات النمو العالية خلال مدة قليلة ذلك كونها اعتمدت أسس ونظريات اقتصادية وتعاملت بشكل صحيح مع الموارد الاقتصادية سواء المحلية أو رأس المال الأجنبي، المحور الثاني يتعلق بالدولة وقوانينها وتشريعاتها الاقتصادية الدافعة للاقتصاد وتنظيم العلاقة بين التابع والمتبوع كما يقال، فعلى الدولة أن تمتلك آلية توفيق للأولويات سواء للاقتصاد أو للمجتمع وأدوات المسائلة عن أوجه الإنفاق في الاقتصاد، وأن يكون الريع في خدمة الإنتاج والإنتاج في خدمة الريع أوجه تكامل بين الريع والإنتاج، ويفضل أن يكون إنتاجا استثماريا ليس استهلاكيا فقط، فالاقتصاد الريعي هو عبارة عن مزيج بين كل من الفوضى الاقتصادية والمرض الهولندي –لعنة الموارد- أو لعنة النفط حصرا Dutch Disease، فهو اقتصاد متذبذب وغير عادل واقتصاد الإقصاء كونه يهمش القطاعات الاقتصادية، ويتوجب إضافة إلى التوجه الإنتاجي تفعيل دور القطاع الخاص والاهتمام بالعنصر البشري وإنشاء صناديق الثروة السيادية وأن تكون الدولة مشرفة وراعية للقطاع الخاص والقطاعات الاقتصادية".

دولة غير مستقرة اقتصاديا

الدكتور اسعد كاظم شبيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة:

"من دون شك تمثل الدولة الريعية، وهي الدولة التي تعتمد في اقتصادها على النفط دولة غير مستقرة اقتصاديا وسريعة التعرض إلى أزمات اقتصادية أو مالية مع أي أزمة إقتصادية إقليمية أو دولية تخص انخفاض أسعار النفط أو إيجاد البدائل عنه، وهناك عدد من الشواهد عن الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعرضت لها الدول وكان تداعياتها أخطر عن الدول ذات الإقتصاد الريعي فتدخلت هذه الدول في تقشف لسنوات وكثرة عليها المديونية الدولية، ولا يزال العراق يعيش هذه التداعيات رغم حجم صادرته النفطية والأخطر من ذلك في العراق هو مشكلة ترافقت مع الإقتصاد الريعي تضخم الفساد وسوء الإدارة، وهذا ما هو حاصل في العراق الذي رغم صعود أسعار النفط ووصوله إلى 70 دولار إلا أنه لا يزال يعيش اقتصاده حالة من التبعثر وعدم الإستقرار والسبب في ذلك أنه إلى جانب المديونية الدولية والفساد يعيش حالة الاستيراد الدائم لكل المواد الاستهلاكية وتصل نسبة الاستيراد إلى 95% حيث يستورد كل شي حتى الماء والمشتقات النفطية رغم أن العراق يشتهر بهما.

الحل والمعالجات سهلة في حال توافرت الإرادة السياسية الوطنية وهو تنوع اقتصاديات الدولة والانتقال من الإقتصاد الواحد أو الريعي المعتمد على النفط إلى الإقتصاد المتنوع وهذا يشمل تطوير الإقتصاد الزراعي، والسياحي والصناعي، التجاري وما إلى ذلك".

الأرضية الفاسدة أوجدت الريع

الباحث حسن كاظم السباعي:

"لا ريب أن الاقتصاد الريعي ليس السبب الوحيد لغياب التنمية وانتشار الفساد، بل هنالك عدة أسباب أخرى دخيلة مثل؛ المستوى الثقافي للمجتمع وبنيته الاجتماعية، وأيضا ما أشار إليه الأستاذ الباحث: من أمر الدين بالنظرة الضيقة (السلفية)، والقومية والطائفية والعنصرية بجميع أشكالها، وكذلك العامل الجيوسياسي وطريقة التعامل مع دول الجوار، وغير ذلك من الأمور.. وبسبب استغلال النظام للاقتصاد الريعي استغلالا سيئا يعتبر اليوم سلبيا كنتيجة لسبب أو أسباب وليس لأنه السبب المولِّد لغياب التنمية أو انتشار الفساد. وبعبارة أخرى؛ إنَّ الأرضية الفاسدة هي التي أوجدت الريع المذكور بهذه الكيفية، فلو كانت الأرضية صالحة لكانت قادرة على تحويل الريع إلى نعمة لا نقمة ككرامة ناقة النبي صالح عليه السلام التي حوَّلها القوم إلى نقمة وبلاء. وخذ مثال ذلك بعض الدول التي استفادت من الريع ونجحت اقتصاديًا وتنمويًا نتيجة العوامل التي أوجدت تلك الأرضية المطلوبة، فالكرامة الاقتصادية توجب الكرامة الاجتماعية، والريع كذلك كان كرامة لكنه تحول إلى عذاب وغضب.

لو عدّدنا السبل فإننا سنقف أمام أفق لا متناهي منها، لكن السبيل الأقصر يمكن اختصاره بمفهوم واحد؛ وهو إصلاح النظام السياسي والعقلية الحاكمة، ذلك لأنَّ أي جهدٍ آخر يبذل خارج هذا الإطار سيؤدي إلى نتيجة عكسية أو يخلق أزمات مشابهة أو موازية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال إصلاح القاعدة، وبعبارة أخرى؛ إنَّ المجتمع هو الذي ننتظر منه هذا الوعي والإصلاح والتغيير لا النظام القائم وذلك من خلال التعليم المكثّف والعمل الثقافي والاستنارة الفكرية وإيجاد نظرة علمية إلى جميع الأمور لتغيير العقلية، وكل ذلك بحاجة إلى ضمائر حيّة ونفسيات عزيزة، وبكلمة واحدة؛ لابد من ثورة عنيفة -بالمعنى الجذري- لإحياء الضمائر الميتة وتنبيه النفسيات المستشرية بالفساد والظلم، فالتنمية الحقيقية تبدأ من تنمية النفوس، والبنية الأساسية تقوم على أساس هدم الفاسدين، أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين فإنها تتحقق بعد ترسيخ دعائم الدولة البديلة القائمة على ضمان كرامة المواطن واحترامه، ولن يحصل ذلك إلا بعد أن يمارس المواطن عملية هدم لذلك الأساس الجائر، وذلك بمختلف الأساليب المدنية والحضارية.

الاقتصاد الريعي سببه ثقافي

الدكتور علاء الحسيني أستاذ جامعي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

"إن الاقتصاد الريعي ليس السبب الوحيد لعرقلة التنمية، إنما هناك عدة أسباب قد تكون اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية، وأنا أعزوها بالدرجة الأولى للجانب الثقافي، حيث أن ثقافة المجتمع العراقي هي ثقافة ريعية بامتياز حتى وأن كان النفط نضب أو توقف أو انحدرت أسعاره يبقى الكثير من شرائح المجتمع العراقي تنظر إلى الدولة وإلى الحاكم ما يمكن أن يحصل من فرص اللجوء إلى الوزارات والتعيين وما شاكل ذلك، فالثقافة اليوم ليست ثقافة متبلورة بالتالي هي ليست ثقافة المبادرة هي السائدة في المجتمع العراقي، إنما ثقافة الإتكالية وهذه مشكلة حقيقية يعاني منها المجتمع العراقي، تجد أن أغلب الخريجين اليوم أعينهم منصبة نحو وزارات الدولة ويبحثون عن فرصة عمل لدى الدوائر الحكومية والروتين الحكومي لكن لو استبدلنا هذه الثقافة بثقافة المبادرة بمشاريع صغيرة أو متناهية الصغر لكان التوجه مختلف من قبل الشاب العراقي لو كان هناك أيضا ثقافة اجتماعية سائدة للعمل بالقطاع الخاص وتبني المشاريع من قبل الشباب والبدء بها رغم العقبات التي تواجهه بالدرجة الأساس مادياً أو معنويا، بالنتيجة أن مشكلتنا مشكلة ثقافية بامتياز ثم هناك مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية في البلد ولم نصل لبناء إستراتيجية حقيقية لليوم وكل الحكومات العراقية كانت تضع بحسبانها تشجيع وتنمية القطاع الخاص لكنها نفسها وضعت العقبات للتنمية وقانون الاستثمار مثال على ذلك والفساد هو أحد الآفات التي عرقلت مسألة الاستثمار بالبلد بالإضافة لمشكلة الروتين الحكومي القاتل والميراث القانوني الذي لا يزال يطغى على دوائر الدولة ويسبب كل المشاريع الاستثمارية والبنيوية والنظرة لكثير من القطاعات على أنها مجال غير مربح أو غير ذي فائدة حقيقية.

الاقتصاد الريعي سبب رئيسي

حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

"أغلب الدولة النامية هي ذات اقتصاد ريعي، ويعتبر الاقتصاد الريعي سبب رئيسي للفساد بإعتبار تركز الموارد الطبيعية بيد جهة معينة وتحتكرها وتحرم الجهات الأخرى مع غياب الرقابة، حيث تعتبر الدولة الريعية غير عادلة لأنها تستثمر أو تجهد المردود الطبيعي لجيل معين وتحرم أجيال قادمة من هذه الموارد، كما وتساعد الدولة الريعية بانتشار الأمية لأن الثقافة ضد الدولة الريعية يعتبر حجر عثرة في طريقها فهي تساعد على تفشي الأمية لكي لا يكون هناك منافس قوي لها، لذلك على الدولة الذهاب إلى الإنتاج بعيدا عن الاعتماد على المورد الطبيعي حتى لا تحرم الأجيال القادمة".

الريع سبب للنزاع والصراع السياسي

الدكتور حيدر آل طعمه أستاذ جامعي وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:

"التجربة الدولية للدولة الريعية تفصح بكل صراحة بأن الريع سبب للنزاع والصراع السياسي على السلطة، والكثير من البلدان ومنها فنزويلا ونيجيريا تسبب الريع بانهيار الدولة وإفلاسها أيضاً بسبب الصراع والنزاع على هذا المورد، ودائما ما يتم مقايضة الصوت الانتخابي بمزايا تُقدم للجمهور ومصادرة الحقوق السياسية للناخبين، ومن ضمنها التصويت واختيار النخبة الحاكمة مقابل عدم مطالبتهم بالضرائب ومنحهم مزايا وخدمات حكومية، وهذه الأمور بطبيعة الحال تجعل الحكومة غير منتجة وتجعل التنمية الحقيقية موضوع مغيب على اعتبار أن التنمية تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي حقيقي وزيادة متوسط نمو الفرد، وهذا الأمر يتحقق في ظل الدولة الريعية باعتبار إيرادات النفط في تزايد ومتوسط نصيب الفرد في تزايد.

أما على مستوى تجربة الدولة الريعية في العراق فهي مرتبطة بعدة عوامل منها: موقع العراق الجغرافي والتنوع الديني والتكالب على السلطة وهو جزء من توازنات وليس بلد مستقل لذلك لا يمكن التفكير بالتنمية الاقتصادية بدون التفكير بتغيير النظام السياسي القائم، حيث أن تشكيلة النظام السياسي القائم مستحيل أن تخرج بنظام إنتاجي لأنها قائمة على الريع وقائمة على ضمان سكوت المواطنين قدر الإمكان من خلال منحهم الرواتب والامتيازات والخدمات العامة".

عدم وجود حرية اقتصادية

حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:

"تعتبر لُب المشكلة هو دور الدولة في الاقتصاد ويترافق مع هذا هو الريع النفطي، بما أن الدولة تفرض هيمنتها على كل المجالات الاقتصادية والقطاع الخاص يعتبر خامل أو يعتبر دوره مرحلي أو مؤقت ولا تستعين الدولة به إلا في وقت الأزمات، فلذلك على الدولة تلافي هذه المشكلة، الدولة العراقية بعد ٢٠٠٣ أصبحت تعتمد بالأساس على الريع النفطي ولا توجد حرية اقتصادية للتسهيل على المستثمرين بل أن الحكومة تقوض عمل القطاع الخاص بازدياد الفساد".

الاعتماد على مبدأ شراء الذمم

محمد الصافي باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات:

"الدولة هي التي رسمت هذه الثقافة الريعية وجزء منها الحكومات المتعاقبة بالمقارنة مع الدول التي تمتلك تنوع بالمصادر رغم أن لديها جانب ريعي في اقتصادها فالعراق في العهد الملكي كان لديه تنوع ولا يعتمد على النفط بالدرجة الأساس بل كان هناك تنوع بالمصادر مثل الزراعة والصناعات البسيطة وبعض الإيرادات، على عكس اليوم الذي يتم به هدر المصادر الأخرى والتأثير على بقية المصادر، وكذلك اعتماد الحكومات المتعاقبة على مبدأ شراء الذمم وذلك بإستخدام الثروات وإعطائهم بعض الامتيازات للحفاظ على الشكل السياسي القائم من خلال علاقة تخادمية وبقاء الأوضاع الاقتصادية على حالها، بينما إذا سمحت الحكومة بالحرية الاقتصادية للناس فسيكونون غير ملزمين بالطاعة للحكومة.

الاقتصاد للغرب والتنمية للبلدان النامية

سماحة الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام:

"يقول بعض الاقتصاديين أن مفهوم التنمية هي تسويق للدول النامية حتى تبقى على مشاريعها الصغيرة ولا تذهب وراء الاقتصاد، لذلك يقولون الاقتصاد للغرب والتنمية للبلدان النامية، المشكلة أن الأخطاء تبقى وتتضخم ولا يقوم أحد بحلها.

إذا لاحظنا تاريخ العراق النفطي فإن النفط قد ظهر بالثلاثينات في العراق، وكان العراق في وقتها بلد زراعي وبلد صاعد زراعيا ويعتبر من أفضل الدول في العالم زراعيا حتى في الحرب العالمية كان هو سلة غذاء كبيرة جدا، وبعد الخمسينات أصبح الاعتماد على النفط أكبر في البنية التحتية، وبعد الانقلاب العسكري وظهور النظام الاشتراكي ازداد الاعتماد على النفط أكثر وأكثر مع إنعدام القطاع الخاص وسيطرة القطاع العام، ولكن بعد الحروب حتى القطاع العام قد انتهى وأصبح الاعتماد بشكل كبير على الريع النفطي، وأن هذا الريع النفطي وقع في أيدي إقطاعيات جديدة قائمة على المحاصصة استولت على الريع كله وأعطتها لقواعدها الانتخابية دون غيرها".

توصيات واستنتاجات

الدكتور أحمد الميالي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد: "لمواجهة إشكالية الدولة الريعية لابد من وجود إرادة سياسية تعتمد على الخبرات المالية والاقتصادية في الدولة أو الخبرات العالمية لتنفيذ الآتي:

1- تنويع مصادر الاقتصاد الإنتاجي والتقليل من مركزية الاقتصاد لصالح المبادرة الفردية والقطاع الخاص.

2- تفعيل وتحسين واستثمار أمثل لنظام الضريبة والجباية والكمارك وضريبة العمل، فلابد من فرض الضريبة التصاعدية على أصحاب الدخل المرتفع، وكذلك اقتطاع نسبة 1% فقط للودائع فوق 100 ألف دولار بما يؤمن إيرادات تصل إلى مليارات الدولارات، أو فرض ضريبة تصاعدية استثنائية من هذا النوع لمرّة واحدة بمتوسط 5% فقط يؤمن إيرادات بقيمة مليارات الدولارات أيضا.

3- تفعيل نظام رقابة مالي وقضائي صارم لكل هدر أو فساد.

4- تفعيل وتقوية منظومة وآليات استرداد الأموال المهربة والمختلسة خارج العراق.

5- تطبيق آلية التبادل النقدي مع دول العالم عبر المبادلة بإيداع العملة الأجنبية مقابل العملة المحلية وإعطاء تلك الدول مشاريع تنموية في العراق بشكل استثمارات يعمل على دعم السياسة النقدية والمالية للعراق وقوة الدينار العراقي وتأمين احتياطي من العملة الصعبة، والعمل على توجيه المصارف الحكومية على تسهيل الائتمان بما يعزز أداء الاقتصاد المحلي.

6- إعادة النظر بالكثير من التشريعات التي تقيد الاقتصاد العراقي والذهاب نحو المصارف التعاونية التي من الممكن أن تعين المشاريع الصغيرة.

7- التوسع في فكرة المحاصيل الزراعية والصناعات الزراعية لحد ما والاتجاه نحو إحياء المصانع الحكومية أو الأهلية والذهاب نحو خصخصتها أو مشاريع المشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص.

8- إدارة الملفات الاقتصادية من قبل مختصين بالجانب الاقتصادي ولا يرتبطون بجهات سياسية ولا يكون للقرار السياسي تأثير في توجيه السياسة الاقتصادية.

وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور قحطان حسين طاهر، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق