q
ما هو التأمين الصحي؟ وماهي فوائده للأفراد المؤمن عليهم، وماهي فوائده للدول والمؤسسات، ولماذا تلجأ العديد من الدول والمنظمات إلى اعتماده؟ ولماذا لم يجر اعتماد نظام التأمين الصحي في عدد من الدول، تحديدا الدول الفقيرة مع أنها بحاجة إلى أموال من خارج الموازنة السنوية لتغطية التكاليف الصحية الباهظة...

الكثير من الدول والمنظمات والجمعيات والأفراد العاديين يحبذون فكرة التأمين الصحي أو التأمين الطبي، وبالنظر إلى الفوائد التي يحصل عليها المؤمن عليهم من الأمراض والحوادث؛ صار (التأمين الصحي) أحد أهم المشروعات الصحية التي تفتخر بإنجازها عدد كبير من الدول والمنظمات، كونه يحقق لها أهدافا استراتيجية كبرى على المستوى الصحي والمالي والتنموي، فضلا عن أنه يحث الناس على التكافل الاجتماعي فيما بينهم.

فما هو التأمين الصحي؟ وماهي فوائده للأفراد المؤمن عليهم، وماهي فوائده للدول والمؤسسات الراعية، ولماذا تلجأ العديد من الدول والمنظمات إلى اعتماده؟ ولماذا لم يجر اعتماد نظام التأمين الصحي في عدد من الدول، تحديدا الدول الفقيرة اقتصاديا مع أنها بحاجة إلى أموال من خارج الموازنة السنوية لتغطية التكاليف الصحية الباهظة؟

يُعرف التأمين الصحي على أنه (ذلك النوع من التامين الذي يهتم بالأخطار الصحية والأمراض التي تواجه الفرد، وهو يغطي تكاليف الفحص الطبي والتشخيص والعلاج) وتُعرفه منظمة الصحة العالمية على أنه (وسيلة لدفع بعض أو كل تكلفة الرعاية الصحية، فهو يحمي المؤمن عليهم من دفع التكلفة العالية للأعلاج، ومنه فان أساس التأمين الصحي قيام المنتفع "المؤمن عليه" بدفع اشتراك منتظم لمؤسسة إدارية تكون هي المسؤولة عن إدارة المدفوعات في إطار نظام لدفع نفقات العلاج إلى مقدي الخدمة الصحية).

وفي العادة يضم التأمين الصحي ثلاثة أطراف أساسية، تتمثل في المستفيد (المؤمن له) وشركة التأمين (المؤمن) والمستشفى أو المستوصف (مقدم الخدمة الصحية) ولا شك أن تنظيم العلاقة بين الأطراف الثلاثة مع تطور أسلوب التعامل بينهم، يساعد في الارتقاء بمستوى الخدمة الصحية وضمان حصول جميع الأطراف على حقوقهم.

وللتأمين الصحي فوائد عدة، ومن فوائده أنه يساهم في تمويل نفقات القطاع الصحي الباهظة، فلا يمكن لأي دولة تحمل نفقات القطاع الصحي دون مشاركة المجتمع. ويساهم في تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي لفئات الموظفين والعمال في القطاع الخاص. ويساهم أيضا في تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة للسكان، وتخفيف الضغط على المرافق الصحية العامة.

يقوم التأمين الصحي على فكرة أن بعض المواطنين قد يمرض، ولا يكون قادرا على دفع تكاليف علاجه، أو يستطيع أن يدفع بعضها، ويعجز عن دفع البعض الآخر. كما أن الدولة الواجب عليها تأمين تكاليف علاجه من الناحية النظرية غير قادرة على تحمل تلك الكلفة لأسباب كثيرة، أو أنها تكتفي بتوفير أساسيات المستلزمات الطبية مثل توفير المستشفيات أو المراكز الصحية، وتحمل رواتب الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحي، وتوفر بعض العلاجات الأساسية إلا أنها لا تكون قادرة على توفير كل مستلزمات العلاج للأمراض المختلفة وللمواطنين كافة.

والسبيل الوحيد لضمان علاج من لا يستطيع تحمل كلفة علاجه هو أن يجمع عدد من المواطنين مثل أن يجمع موظفو وزارة التجارة مثلا، وينشؤوا صندوق تحت مسمى (صندوق الضمان الصحي) بان يتعهد كل واحد منهم أن يدفع اشتراكا شهريا محددا من راتبه لصالح الصندوق على أن يدفع له الصندوق كلفة علاجه أو جزء منه حسب النظام الداخلي للصندوق في حال مرضه.

أو يجتمع أهل محلة ما ويقرروا أن يؤسسوا صندوقا لهم يدفع كل شخص منهم مبلغا ثابتا من المال شهريا أو فصليا أو سنويا، تخصص هذه الأموال للمرضى من أهل المحلة، تحديدا لمساعدتهم في علاج من لا يستطيع دفع كلفة علاج مرضه، على وفق الاتفاق بين أهل المحلة أنفسهم.

وقد تقوم الدولة كونها المسؤولة عن المحافظة على صحة المواطنين وتوفير الخدمات الصحية لهم بإلزام موظفيها كافة باستقطاع جزء من رواتبهم شهريا على شكل نسبة محددة قانونا، مثل 1% أو 2%، وتودع هذه الأموال شهريا في صندوق الهيئة المؤسسة لهذا الغرض على أن تقوم هذه الهيئة بدفع كلفة العلاج للموظفين الذين يمرضون أو يتعرضون إلى حوادث تؤثر على صحتهم. وقد تقوم هذه الهيئات والصناديق، سواء كانت حكومية أو غير حكومية باستثمار أموال الصندوق في مشروعات تصب لصالح المؤمن عليهم مثل إنشاء مراكز صحية خاصة للمؤمن عليهم، أو توفير خدمات إضافية صحية لهم أو اجتماعية تعود بالفائدة عليهم. وهو بذلك نظام اجتماعي يقوم على التعاون والتكافل بين الأفراد لتحمل ما يعجز عن تحمله أحدهم بمفرده.

ومن جهة أخرى فان (التأمين الصحي) يساهم في توفير مورد مالي لتمويل نفقات القطاع الصحي الباهظة التكاليف، ويخفف الأعباء عن الميزانيات العامة للحكومات والمؤسسات أو الشركات أو الأفراد المسؤولين عن علاج العاملين لديهم، حيث تبين من تجارب الدول المتقدمة الغنية أنه لا يمكن لأي دولة مهما بلغت قوتها الاقتصادية أن تتحمل نفقات القطاع الصحي الباهظة بالكامل، ومن دون مشاركة الأفراد المستفيدين من هذه الخدمات.

وقد أكدت الدراسات العلمية بشأن فوائد (التأمين الصحي) أن تطبيق نظام التأمين الصحي سوف يؤدي إلى توفير أكبر قدر من الخدمات الصحية لأفراد المجتمع، وسيكون حافزا قويا لتقديم خدمات صحية متميِّزة تواكب التطور التقني العالمي، وسيساعد على إذكاء رُوح التنافس بين مقدِّمي الخدمات الطبية، مما يقلِّل مِن تكلفة العلاج على مستوى الفرد والأسرة، ويخفِّف العبء عن المستشفيات الحكومية فتقوم بتحسين مستوى خدماتها.

والعكس صحيح أيضا، فمن دون وجود (التأمين الصحي) فان المريض إما أن يصبر على مرضه، وإما أن يلجأ إلى بيع ممتلكاته ومدخراته، وإما أن يستدين من الغير، وإما أن يضطر إلى القيام بأعمال غير شرعية وغير قانونية، بهدف الحصول على المال اللازم لعلاجه مثل الاختلاس أو السرقة أو الابتزاز وغيرها من الأعمال التي يمكن أن توفر له جزء من تكاليف علاجه الصحية الباهظة.

ورغم تبني العديد من الدول لنظام التأمين الصحي، وقطع شوط طويل في تأسيس نواة هذا النظام الصحي إلا أن بعضها تخلى عن هذه الفكرة فيما بعد. ولعل أحد الأسباب هو الاستجابة لدعوة منظمة العمل الدولية التي أنشئت في أواخر العقد العشرين والتي دعت إلى ما يسمى "الخدمات الطبية لجميع أفراد المجتمع من مهام الحكومات باعتبارها من الخدمات العامة الضرورية وينظر إليها على إنها نوع من أنواع التأمين أو الضمان الصحي) ومن الأسباب أيضا هو ظهور فكرة (أن علاج الأمراض ورفع المستوي الصحي في الغالب ليس سلعة كمالية لا يطلبها إلا الأغنياء فالمرض يصيب الجميع بل إنه أكثر حدوثا في حالة الفقر بسبب سوء التغذية وسوء الظروف المعيشية... إلخ، فإذا لم يستطيع فرد أو أسرة تحمل أقساط التأمين للفقر أو البطالة أو لأي سبب آخر فإن حياتهم تكون عرضة لمختلف المشكلات الصحية وغيرها).

ولعل هذه المشكلات وأمثالها هي مما دعا بعض المجتمعات الرأسمالية مثل بريطانيا إلى التخلي عن التأمين الصحي التجاري، والعمل على دعم ربط دخل الفرد بإمكانية حصوله على الخدمات الطبية، وذلك بتبني نظام تقديم الخدمات الطبية لجميع أفراد المجتمع، وبدون استثناء كجزء من مهام الحكومة التي ترى من واجبها تقديم الحاجات الأساسية للمواطنين كحق مكتسب.

أما في العراق، فقد ظل النظام الصحي مرتبط مباشرة بالحكومة، فهي مسؤولة عن صحة المواطن، وهي مسؤولة من الناحية النظرية عن تقديم الخدمات الصحية لمن يحتاجون لها. ومن المفروض أن توفر الخدمات الطبية لجميع مواطنيها بلا استثناء، من خلال المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الطبية، إلا أن الدولة في الغالب من الناحية الواقعية تكون عاجزة عن توفير كل الخدمات الصحية أو أنها لا توفرها بالمستوى المطلوب.

وبالنظر لسوء الخدمات الصحية الطبية الحكومية من ناحية، وزيادة كلفة الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات الخاصة من ناحية ثانية، ابتكرت الدولة نظام العيادات الصحية، ونظام الأجنحة الخاصة، وهي أماكن تخصص في كل مستشفى أو مركز صحي توفر فيه خدمات طبية جيدة مقارنة بالخدمات التي تقدمها المستشفيات نفسها. وتحظى باهتمام خاصة ورعاية خاصة للمرضى الراقدين فيها مقابل أن يدفع المريض تكاليف علاجه، وهي أقل نسبيا من تكاليف العلاج في المستشفيات الخاص، إلا أنها لم تحل مشكلة المواطنين المعوزين والفقراء وذوي الدخل المحدود، وهم غالبية المجتمع العراقي، وظلت هذه المستشفيات والردهات والأجنحة الخاصة حكرا على من يتمكن من دفع أجورها الباهظة أو يبيع ما لديها من مدخرات من أجل الحصول على خدمات طبية مفيدة وفعالة.

بسبب ذلك شجعت الدولة الوزارات الحكومية أن تؤسس صناديق للضمان الصحي لمنسوبيها وموظفيها من أجل تغطية جزء من نفقات الصحة من خلال قطع مبلغ مالي شهري (اختياري) وقد فعلت في السنوات الأخيرة كل من وزارة الداخلية والشباب والدفاع هذه الصناديق، ولكنها مازالت في بداياتها البسيطة ولم ترتق إلى مستوى خدمة منسوبيها، ويجد الكثير من الموظفين صعوبات جمة في الحصول على الأموال أو جزء من الأموال التي أنفقوها من أجل العلاج والتداولي.

وفي عام 2020 صدر قانون الضمان الصحي رقم (22 لسنة 2020) وبحسب هذا القانون فان الضمان الصحي هو (خدمات صحية تقدمها المستشفيات الحكومية والأهلية، تشمل الفحوصات والتحاليل والأدوية والعمليات الجراحية إلى المواطنين بموجب عقد بين هيئة الضمان الصحي والمستشفيات).

ويحث القانون المذكور آنفا على تأسيس (هيئة الضمان الصحي) في ضمن وزارة الصحة، بهدف تأمين التغطية الصحية الشاملة للشخص المضمون، وتحقق مبدأ العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي، وتقليل الأعباء المالية على المواطنين والحد من الفقر، وتعدد مصادر تمويل القطاع الصحي، وخلق بيئة جيدة للتنافس وتطوير أداء العاملين والمؤسسات الصحية في القطاعين العام والخاص، وتحسين جودة الخدمات الطبية المقدمة من خلال تنظيم العمل في القطاع العام والخاص والمنافسة في الخدمات الطبية، وتشجيع القطاع الخاص والاستثمار في مجال الصحة( المادة5).

ويشمل بدل القسط الشهري المدفوع من رب الأسرة الفئات أدناه ويعفون من دفع القسط الشهري. (أ - الزوج أو الزوجة. ب - الأولاد لغاية عمر) ٢١(سنة والمستمرين بالدراسة لغاية سن (٢٤ (سنة. ج - البنات العازبات والمطلقات والأرامل من غير الموظفات. د - الوالدين (إذا كانا غير موظفين أو متقاعدين). ه - الأخوات العازبات من غير الموظفات والمتقاعدات) (المادة 28/أولا).

وفيما يتعلق بنسب التغطية الصحية، فقد حدد القانون نسب معينة يدفع المشمولون بالقانون من قيمة الدواء، وكلفة المختبر، والأشعة، والأسنان، والعمليات الجراحية. حيث يدفع المشمولون بهذه القانون النسب التالية للعمليات الجراحية (أ- 10% من كلفة العلميات الجراحية عند إجراءها في المستشفيات الحكومية (الأجنحة الخاصة العاملة بنظام الضمان الصحي) ب- 25% من كلفة العلميات الجراحية عند إجراءها في المستشفيات غير الحكومية) إلا أن هذا القانون وهذه الهيئة لم تر النور حتى الآن.

نخلص مما تقدم:

1. تشهد المجتمعات البشرية زيادة كبيرة في أعداد السكان، ورغم التطور الهائل في القطاع الصحي إلا أن ذلك لم يمنع من انتشار أمراض وأوبئة مختلفة بفعل نشاطات الإنسان الضارة بالبيئة تثير قلق الحكومات جميعا.

2. على الرغم من انتشار المستشفيات والمراكز الصحية العامة والخاصة إلا أن المواطنين ما زالوا لم يحظوا بالعناية الطبية اللازمة، إما لسوء الخدمات كما في القطاع العام، وإما للكلفة الباهظة كما في القطاع الخاص

3. تعد فكرة التأمين الصحي إحدى أهم الأفكار الطبية والاجتماعية التي يمكن أن توفر جزء من كلفة العلاج لمن ليس لديه القدرة على دفع تكاليف التداوي أو جزء منها، لاسيما إذا كان الفقراء والذوي الدخل معفيين من دفع الرسوم والاشتراكات.

4. إن العراق آخذ بنظام التأمين الصحي بهدف ضمان توفير صحة جيدة للمواطنين من خلال تأسيس هيئة للضمان الصحي تتولى توفير خدمات صحية جيدة للمواطنين لا سيما المشتركين في صندوق الهيئة إلا أن هذه الهيئة لم تر النور، ونحن بحاجة إلى الدعوة إلى تفعلها.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2021
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق