q
سواءٌ أكنتَ طالب دكتوراه أم رئيس مؤسسة بحثية، ثمة أدوات وممارسات تعينك على تعظيم أثر أفكارك، وتعزيز تطورك المهني، ومساعدة الآخرين على إخراج أفضل ما لديهم، كان على أوستِن جراي أن ينتظر حتى شهر مايو ليبدأ العملَ في مختبرِه، ولكنه ليس حديث عهدٍ بالقيادة وممارساتها...
بقلم: كريس وولستُن

سواءٌ أكنتَ طالب دكتوراه أم رئيس مؤسسة بحثية، ثمة أدوات وممارسات تعينك على تعظيم أثر أفكارك، وتعزيز تطورك المهني، ومساعدة الآخرين على إخراج أفضل ما لديهم.

كان على أوستِن جراي أن ينتظر حتى شهر مايو ليبدأ العملَ في مختبرِه، ولكنه ليس حديث عهدٍ بالقيادة وممارساتها. حصل جراي، وهو متخصص في مجال السموم المائية، على شهادتَي البكالوريوس والماجستير من كُلّية "ذا سيتادِل" The Citadel (أو "القلعة")، وهي مؤسسة تعليمية عسكرية في مدينة شارلستُن بولاية ساوث كارولاينا بالولايات المتحدة. في ساحة الكلية، يصطفُّ الطلبة حاملين بنادقهم، ويسيرون في خُطًى منتظمة على إيقاع المارش العسكري، ويخضعون دوريا لتفحّص بِزّاتهم، ويؤدون التحية العسكرية لمن يعلونهم في الرتبة.

في مختبرات "ذا سيتادِل"، أشبع جراي رغبته في أن يدلف الحقل العلمي. وخارج تلك المختبرات، ترقَّى الباحث الشاب سريعًا في الرُّتب العسكرية، حتى أصبح، بحلول العام الأخير في دراسته الجامعية، في 2012، قائد سَرِيّة، وهي رتبة جعلته قائدًا على 105 من زملائه. لم تَخْلُ رحلة تَرَقِّي جراي من صعوباتٍ واجهَتْه على المستوى الشخصي، إلا أنها كانت أيضًا شاهدًا على التغيير الذي حدث في الولايات المتحدة؛ فجراي رجل أسود، بينما كلية "ذا سيتادِل" مؤسسة تضرب بجذورها في ثقافة جيش الجنوب، الذي حارب ضد القوى الاتحادية في الحرب الأهلية الأمريكية للإبقاء على نظام استعباد السُّود؛ بل إن راية جيش الجنوب لا تزال مُشْرَعة فوق الكنيسة الصغيرة المُلحَقة بالمؤسسة. يقول جراي: "كنتُ ثاني قائد سرية من العرق الأسود في تاريخ الكُلّية"، وهو الذي كان، حتى شهر مارس الماضي، باحثًا في درجة ما بعد الدكتوراه في جامعة ديوك الأمريكية، التي يقع مقرها في مدينة دُرَم بولاية نورث كارولاينا.

يدرك جراي أن إدارته مختبرًا بحثيًا ستكون مختلفةً عن قيادة زملائه في الكلية العسكرية، ولكنه واثق أيضًا أن المهارات التي اكتسبها سوف تُعينه على إصابة نجاح في وظيفته الجديدة، بوصفه أستاذًا مساعدًا على مسار الوظيفة الدائمة بالجامعة والمعهد التقني لولاية فيرجينيا (التي يُطلق عليها جامعة فيرجينيا التقنية، أو "فيرجينيا تِك")، ومقرُّها مدينة بلاكسبرج الأمريكية. فلِكَي يبلغ الباحث الشاب رتبة قائد سرية، كان عليه أن يتعلم كيف يتواصل بكفاءة مع أفراد ذوي خلفيات مختلفة، وأن يحظى باحترامهم، وأن يطبِّق هو نفسه كل ما يطلبه من الآخرين، ليكون مَثلًا يُحتذَى. وكلها مهارات مفيدة في الحياة المدنية – والبحث العلمي من حقولها – كما هي في الحياة العسكرية. يقول الباحث: "لولا التجربة التي مررتُ بها في الكلية العسكرية، لما توفرَتْ لدَيّ مهارات القيادة التي أحوزها اليوم".

مفاتيح القيادة

لكي تكون قائدًا ناجحًا، تحتاجُ إلى اكتساب بعض المهارات، وتبنِّي منظورٍ بعينه. إليك ثلاث نصائح مفيدة لتحصيل كليهما.

اعرف ذاتك. تقييم "الذكاء الشعوري" وتعزيزه أمران في غاية الأهمية. ويُقصد بالذكاء الشعوري الوعيَ بما يختلج في النفس من انفعالات، والتعبير عنها بصورة سوية لدى التعامل مع الغير. وبالنسبة إلى كثير من الباحثين، تبقى مسألة الوعي بالذات – وما يعرض لها من انفعالات – من أهم المسائل التي ينبغي الانتباه إليها، والعناية بها تحسينًا وتطويرًا. فحريٌّ بالباحثين المتطلعين إلى القيادة أن يتبصَّروا بكيفية استقبال الآخرين لمواقفهم وسلوكياتهم، كما أشارَتْ جننجز، المدربة لدى شركة التطوير المهني "كامبردج إجزيكِتيف ديفيلوبمنت"، الكائنة بالمملكة المتحدة.

حافظ على إيجابيتك. خلال الأوقات العصيبة، قد يكون التفاؤل موردًا شحيحًا، ولكنَّ القادة المُجيدين قادرون على الغوص فيما وراء أسباب الجَزَع، ليجدوا مصادر التفاؤل، وفقًا لما أفادَت به الباحثة آنا فلافيا نوجويرا، بجامعة كامبيناس البرازيلية. تقول نوجويرا: "من واجبي أن أبثَّ التفاؤل في طلابي؛ فبدون الأمل، لا يستطيعون المضيَّ قدُمًا، والتطلع إلى المستقبل". وأضافت أن الصعوبة إنما تكمُنُ في الموازنة ما بين التفاؤل والواقعية، وفي التوثق من أن تفاؤلنا لا ينال من دقة حُكمنا على الواقع ومعطياته.

تحلَّ بالمرونة على الدوام. تَشغل إيفيلين جيتاو منصب مديرة برنامج تعزيز الكفاءة البحثية لدى مركز أبحاث السكان والصحة الأفريقي، بالعاصمة الكينية نَيروبي، ويُملي عليها عملها أن تُكيِّف أسلوبها ليتوافق مع هؤلاء الذين تتواصل معهم على نحوٍ منتظم. فعملها الحالي يتطلب شخصية جادة، صارمة، بالنظر إلى أنها تتواصل في أكثر الأحيان مع مسؤولين رفيعي المستوى، في الجامعات وغيرها من مؤسسات البحث العلمي. أما عملها السابق، لدى الأكاديمية الأفريقية للعلوم، فكان يتطلب شخصية مختلفة. تقول: "عملي في مجال الابتكار البحثي كان يُحتِّم عليَّ أن أكون قائدةً تبثُّ فيمن حولها حيوية وحماسًا. وهذا دورٌ يختلف كثيرًا عن الدور الذي أؤديه الآن".

وترى كيت جنِنجز، المدربة الرئيسة في برنامج "من المختبر إلى القيادة"، التابع لمؤسسة "كامبردج إجزيكِتيف ديفيلوبمنت" Cambridge Executive Development، المعنيَّة بالتطوير المهني، ومقرُّها المملكة المتحدة، أنَّ الباحث يستطيع في كل مرحلة من مراحل مسيرته المهنية في الحقل العلمي أن يبدأ في تطوير المهارات التي من شأنها أن تعزز فرصه في أن يكون قائدًا، في مختبره الخاص، أو في غيره من مواقع العمل العلمي (انظر: "مفاتيح القيادة"). تُعِين المهاراتُ القيادية الباحثين على الترويج لأفكارهم، وإعطاء دَفعةٍ لمسيرتهم المهنية، ولكنَّ ثمة باحثين يتحفظون ويترددون في قبول دور القائد. وكثيرًا ما رأَتْ جننجز ذلك رُؤيا العين: باحثين عباقرة في مختبراتهم، ولكنهم يخفقون في تشجيع زملائهم ومرؤوسيهم، وشحذ هِممهم.

منظور جديد

لكي يكون العالِم قائدًا بحق، من وجهة نظر جنِنجز، لا بد له من تكوين علاقات قوية مع المحيطين به؛ وهي مهارة غالبًا ما تتطلَّب اتباع منهج جديد في التفكير. وتقول: "صحيح أن العالِم بحاجة إلى أن يتحلَّى بدرجة عالية من التصميم، والقدرة على أداء العمل الفردي، إلا أن العوامل التي أسهمَتْ في نجاحه على المستوى الشخصي قد لا تُصيب النجاح ذاته عند محاولة إخراج أفضل ما لدى الآخرين".

تخلع المهارات القيادية على صاحبها ميزاتٍ هائلة في مجال بيولوجيا الثدييات المائية، وهو مجال تشتد فيه المنافسة البحثية، على حد قول ريبِكا بويز، وهي طالبة في عامها الثاني من برنامج الدكتوراه بجامعة أوكلاند في نيوزيلاندا. منذ مرحلة مبكرة من حياتها المهنيّة، لم تفوِّت بويز فرصة للمبادرة لتحسين مهاراتها القيادية. وكلما سنحَتْ فرصة، حرصَتْ على اغتنامها في التعريف بعملها البحثي. وخلال سنوات دراستها الجامعية بجامعة بانجور البريطانية، شاركَتْ الباحثة الشابة بعمل تطوعي في المؤتمر السنوي لجمعية الثدييات المائية الأوروبية، إذ عاونَتْ فريق التسجيل في المؤتمر، وأسهمت في تسويق المنتجات التذكارية التي عُرضَتْ على هامش المؤتمر. تكرَّر ذلك من الباحثة في ثلاثة مؤتمرات، تعرَّفَتْ فيها إلى باحثِين في مختلف المراحل المهنية، وتواصلَتْ معهم عن كَثب. وعلى أثر جهودها تلك، انتخبها زملاؤها لتكون ممثلة الطلبة في إدارة المؤتمر. تَضمَّن هذا الدور قيادة فريق الطلبة المتطوِّعين، وتنظيم الفعاليات الطلابية في المؤتمر. كما أتيح لها العمل جنبًا إلى جنبٍ مع غيرها من أعضاء لجنة تنظيم المؤتمر، التي ضمَّت لفيفًا من الباحثين البارزين في مجال الثدييات المائية. وعلَّقت على ذلك بقولها: "كانت فرصةً ليعرفني هؤلاء الباحثون".

تحرص بويز دومًا على لَفْت الأنظار إلى عملها ومهاراتها. فقد كانت ضمن فريق الطلاب المساهمين في تنظيم المؤتمر الدولي للثدييات المائية، الذي عُقد عام 2019 في مدينة برشلونة الإسبانية. ثم إنها اختيرَتْ عضوةً بلجنة قسم الطلاب بفرعَي جمعية الثدييات المائية الدولية في كل من نيوزيلاندا وأستراليا. وعبر هذا الدور الذي تؤديه الباحثة، تُتاح لها المشاركة في تنظيم المؤتمرات، واستقدام الرُّعاة. تقول: "إنها طريقة رائعة لإبراز قدراتي الإدارية والتنظيمية لمُدرائي والمُشْرِفِين على عملي مستقبلًا".

لا تعرف الباحثة بعدُ أيَّ طريقٍ ستسلُك في مسيرتها المهنية. قد تلتحق بمؤسسة للحفاظ على الثروات المائية الطبيعية، وربما يتسنَّى لها في نهاية المطاف أن تُدير مختبرها الجامعيَّ الخاص. ولكنها تعرف أن ما يجتمع لها من مهارات وخبرات قيادية سيفتح لها أبوابًا، ويهيِّئ لها أسباب النجاح في مجالها البحثي، الذي تستعر فيه المنافسة على اقتناص الوظائف. وتقول: "أنصح كل الطلاب في حقل علم الأحياء البحرية بأن يسعوا إلى أداء أدوار تمكِّنهم من تطوير مهاراتهم القيادية".

لمهارات القيادة أهمية خاصة لدى باحثِي ما بعد الدكتوراه، بحسب قول ماثياس بارث، الباحث في شؤون التعليم العالي بجامعة ليوفانا، بمدينة لونيبرج الألمانية. بارث عضو في الفريق الذي يتولى إدارة برنامج "أكاديمية باحثي ما بعد الدكتوراه للقيادة التحويلية"، وهو برنامج تدريبي يستهدف الباحثين في مجال حفظ البيئة واستدامة الموارد. صحيح أنَّ باحثي ما بعد الدكتوراه مطالَبون برفع إنتاجهم من الأعمال البحثية، وما يستلزمه ذلك من تجميع للمصادر والاستشهادات، ولكن عليهم أيضًا أن يتعلموا كيفية التواصل مع كل الجهات ذات الصلة بحقلهم البحثي، ليضمنوا أن لأفكارهم الأكاديمية أثرًا في عالم الواقع. ويؤكد بارث أنه "لا مجال للاختيار" ما بين التركيز على الأبحاث، والتركيز على التواصل؛ إذ "ينبغي الجمع بين الأمرين كليهما".

من بين الأهداف الأساسية لبرنامج التدريب، معاونة باحثي ما بعد الدكتوراه على تعلُّم مهارات التعارف والتواصل داخل مجال "متشعِّب" مثل مجال أبحاث حفظ الموارد والاستدامة؛ ذلك أنه يضم باحثين من مشارِب بحثية متنوعة، منها الفيزياء، والكيمياء، والعلوم السياسية، وعلم الاجتماع. ويقول بارث إن هذا المجال يُملي على الباحثين المنضوين تحته "أن تتوفر لهم مهارة تقسيم المسائل البحثية الكبيرة إلى جزئيات محددة، وتوزيعها بينهم كفريق"، كلٌّ على حسب تخصصه. في سياق كهذا، تمثل مهارات التواصل أحد أهم متطلبات القيادة، وفقًا لبارث، الذي وجَّه حديثه إلى باحثي هذا المجال قائلًا: "عليهم أن يتوصلوا إلى لغة مشتركة، تكون مفهومة لكلٍّ منهم، على اختلاف تخصصاتهم الأكاديمية، وتتيح التحاور فيما بين تلك التخصصات".

يذهب بارث إلى أن الباحثين الذين يَقصرون تركيزهم على عملهم البحثي، ويتجاهلون مهارات القيادة، إنما يُعَرِّضون أنفسهم للإخفاق في المراحل التالية في مسيرتهم المهنية. ومن ثم، يرى أن تنظيم المزيد من برامج التدريب على المهارات القيادية، الموجَّهة تحديدًا إلى باحثي ما بعد الدكتوراه، من شأنه أن يؤتي ثمارًا مهمة في المستقبل. بغير تلك البرامج، سيكون الباحثون مطالَبين بأن يتعلَّموا تلك المهارات بأنفسهم، إلا أنهم في الواقع قلَّما يُقبِلون على تعلُّم تلك المهارات وإتقانها، على حد قول بارث، الذي أضاف: "لباحثي ما بعد الدكتوراه دور بالغ الأهمية في حقل البحث العلمي، ولكن لا توجد برامج كافية لدعمهم".

إدراكًا لتلك الأهمية، أولَتْ إيفيلين جيتاو، مديرة برنامج تعزيز الكفاءة البحثية، التابع لمركز أبحاث السكان والصحة الأفريقي بالعاصمة الكينية نَيروبي، اهتمامًا بالغًا إلى تقديم الدعم لزملائها، ووضعَتْه على رأس أولوياتها، بوصفها قائدةً في مضمار البحث العلمي. وقد كان العام الماضي بمثابة امتحان لمدى صمود تلك الأولوية. تقول: "كان اهتمامنا الأول ألا يتعثَّر الباحثون خلال الجائحة. فإذا كان الطلبة بحاجة إلى المساعدة لتحسين مهاراتهم، فإنهم أحوَج إلى هذه المساعدة للإبقاء على حظوظهم في إكمال الدراسة في أوقات الأزمات".

الصبر من شيَم القادة

تعاونت جيتاو وفريقها مع مؤسسات عديدة لدعم طلبة الدكتوراه. ومن هذه المؤسسات، مؤسسة الدعم الخيري للأبحاث الطبية "وِلكم" Wellcome، ومقرها لندن، التي وفرت لباحثي الدكتوراه صورًا شتَّى من الدعم، منها الدعم المالي، بحيث يُتاح للباحثين وقت أطول للانتهاء من دراسة الدكتوراه، ولا سيما الباحثين المُثقَلين بنفقات أطفالهم. غير أنَّ جيتاو، قبل أن تطلب مزيدًا من التمويل، كان عليها أن تتوثَّق من أنَّ برنامج تعزيز الكفاء البحثية الذي تديره كان يعمل بأعلى كفاءة ممكنة. ومن هذا المنطلَق، أخضعت كل عنصر في ميزانية البرنامج للفحص والتدقيق، بحثًا عن أي فرصة للتوفير أو الاقتصاد. ترى جيتاو أن كفاءة القيادة تتطلَّب أحيانًا شيئًا من الصبر على أداء المهام التي قد تُصيب المرءَ بالضجر، وتقول: "كانت العملية مُمِلَّة للغاية، ولكنها كانت ضرورية لإقناع جهات التمويل".

تَلَقَّت جيتاو أول مِرانٍ لها على المهارات القيادية في مرحلة مبكرة؛ فقد بدأت حياتها المهنية في ميدان البحث العلمي قبل نحو عقدين، حين كانت منظومة البحث في القارة الأفريقية على أعتاب توسُّع ونمو سريعَيْن. ومن هنا، كان حرص جيتاو على أن تكون عنصرًا فاعلًا في ذلك التوسع. تقول: "بوصفي باحثة ما بعد الدكتوراه، آنذاك، شاركتُ في لجان بناء الكفاءات، وتقدَّمتُ لإنشاء منظومة لتنظيم البيانات وإدارتها في المختبر الذي كنت أعمل به".

وفي بقعة أخرى من العالَم، تعكف آنا فلافيا نوجويرا، عالِمة الكيمياء بجامعة كامبيناس البرازيلية، على وضع ما يتوافر لديها من مهارات قيادية في خدمة الآخرين، ودعمهم. تدير نوجويرا مركز الابتكار والطاقات الجديدة، وهو معهد بحثي تموله الحكومة البرازيلية بالتعاون مع شركات من القطاع الصناعي في البرازيل. وبحُكم منصبها هذا، تُشرِف على نحو 240 باحثًا، بينهم كثرة من باحثي الدكتوراه وما بعد الدكتوراه. ويُنتظَر أن تنفد الزمالات البحثية المتاحة لباحثي ما بعد الدكتوراه بحلول نهاية العام الجاري، ولذا تقود نوجويرا جهودًا ترمي إلى تحصيل التمويل مجدَّدًا لبرامج الزمالة. وتلك مهمة تتطلب من نوجويرا تسخير كل ما لديها من مهارات الإقناع. تقول: "إننا نواجه صعوبة في إقناع المؤسسات المموِّلة بأننا نحتاج ضخًا ماليًا طارئًا لسد العجز المتزايد في ميزانيتنا".

شراكات في ظل الجائحة

تقول نوجويرا إن الخطر نفسه محدقٌ بالزمالات البحثية لطلاب الدكتوراه، وذلك بسبب غياب التمويل الحكومي. ومن ثَمّ، فإنها تتواصل مع عددٍ من شركات القطاع الخاص، من أجل استحداث شراكات لدعم باحثي الدكتوراه وما بعد الدكتوراه، الذين صارت مسيرتهم المهنية أقل استقرارًا بسبب الجائحة. كما لجأت نوجويرا أيضًا إلى المؤسسات البرازيلية التي تقدِّم مِنَحًا للأغراض البحثية، إذ طلبت منها زيادة حجم التمويل للمنح الدراسية. وقالت: "نِصف الباحثين لدي سيفقدون وظائفهم بنهاية العام الجاري. وما لم أحصل على التمويل اللازم في عام 2021، فلن تتوفَّر لديَّ الموارد البشرية التي سأحتاج إليها في 2022".

في سبتمبر من عام 2020، حصلت نوجويرا على جائزة "القيادة في الحقل الأكاديمي للباحثات البرازيليات في مجال الكيمياء"، المقدَّمة من منظمة "أخبار الهندسة والكيمياء"، والجمعية الأمريكية للكيمياء. تقول نوجويرا إن الجائزة كانت بمثابة دعم لمنظورها في القيادة، وهو منظور يضفي أهمية على العلاقات الشخصية، دون التخلي عن صرامة الأهداف، والتمسك بتحقيقها. ثم إنها كانت تقديرًا لجهودها في تطوير مواد مبتكرة للخلايا الكهروضوئية. وتقول نوجويرا إنها تعرَّضَتْ لضغوطٍ هائلة طوال مسيرتها المهنية في سبيل إثبات أن النساء قادرات على شَغْل المناصب القيادية. وفي أحيان كثيرة، تجد نفسها مطالَبة ببذل جهدٍ أكبر مما يبذله أقرانها الرجال للدفاع عن قراراتها. النقطة الأهم، وفقًا لنوجويرا، تكمُنُ في أن تكون القرارات من الوجاهة والإحكام بحيث تصمُد للمراجعة والتمحيص. وتقول: "يُظهر بعض الزملاء مقاومةً للأوامر إذا ما صدرَتْ من سيدة. صحيحٌ أنهم يتقبلونها في النهاية، لأن هذا ما يجب أن يكون، وصحيح أنني أنجح في إنجاز ما اعتزمتُ إنجازه، ولكن ذلك يستغرق وقتًا أطول، ويستلزم جهدًا أكبر".

وبالعودة إلى جراي، الذي يتطلع إلى أن يضع ما اكتسب من مهارات القيادة موضع التطبيق والاختبار في وظيفته الجديدة في "فيرجينيا تك"، فإنه يقول: "آملُ أن يكون سلوكي مثالًا يرى فيه الزملاء كيف يتصرف الباحث داخل المختبر، وكيف يُجري بحثه"، ويضيف: "الأمر بالنسبة لي هو استحضار للقيم الجوهرية التي تعلَّمتها في الكلية العسكرية. فقد عشنا هناك وفق منظومة صارمة، لا مكان فيها للكذب، أو الخداع، أو السرقة، ولا يُقبَل فيها التهاون مع مَن يقترف أيًّا من تلك الممارسات. كان يتعين علينا دومًا أن نتحلّى بالصدق والنزاهة فيما نُجري من بحث".

ومما يُذكَر عن جراي أيضًا أنه عضو مؤسس للجنة التنوع الشامل، التابعة لجمعية باحثي السموم البيئية بأمريكا الشمالية، ويشارك في إدارتها. وعن هذا الدور، الذي يتطلب درجةً عالية من الدأب والقدرة على الإقناع، يقول جراي: "يظنُّ كثيرون أنهم يؤدون دورهم كما ينبغي في تعزيز التنوُّع في الأوساط البحثية"، وتابع بقوله: "ولكن عندما نقول لهؤلاء إن في إمكاننا فعل المزيد، فإننا قد نلقى منهم كثيرًا من المقاومة، وكثيرًا من السُّخط".

في دورَيْه المشار إليهما، في "فيرجينيا تك" ولجنة التنوع، يأمل جراي أن يطور مهاراته القيادية باستمرار، بينما هو منخرطٌ في النهوض بأعباء الوظيفتين. ففي نظره، كما في نظر آخرين، القيادة مهارة لا يمكن الاكتفاء منها، أو إتقانها إتقانًا لا مزيد عليه؛ إذ هناك دومًا متسع للتطوير والتحسين. يقول جراي: "أعتزم أن أكون دائمًا أمينًا مع نفسي، وأن أكون في حالة تعلُّم واستقبال للمعرفة".

* كريس وولستُن صحافي مستقل، يقيم في ولاية مونتانا بالولايات المتحدة.

......................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق