q
هل بإمكانك تغيير بيئة تبدو عصية على التغيير؟، هكذا تُبادر بسؤال آخر قبل أن تنهي اجابتك على الأول، ويقترحون عليك في النهاية ترك الكتابة، والكف عن وجع الرأس. قد لا أكون الوحيد من بين الذين توجّه لهم هكذا أسئلة، وأظنهم في حيرة من أمرهم عند البحث عن إجابة...

لمن تكتب، فلا أحد يقرأ، ولا حكومة تسمع؟، ومن الكتابة في هذا الزمان العراقي ما يعد انتحارا بحسب عنوان مقال زميلنا رباح آل جفر الذي استهل به رحلته الكتابية في جريدتنا الزمان. هكذا يقول أكثر الأصدقاء أينما جمعني بهم لقاء، وما يقولون صحيح، وليس بمقدوري نفيه، فالقراءة تراجعت عما كانت عليه قبل عقود، ولم يعد للأشخاص مزاج للقراءة، واذا قرأوا فما الجدوى؟، فالثقافة التي كانت معيارا للتمييز بين الأشخاص فقدت بريقها، وتراجعت قيمتها، وتقدمت عليها معايير جديدة، يندى الجبين لذكر بعضها، والأخرى تعذر الناس لاعتمادها، لأن الواقع هكذا، وعليك ان تكيّف نفسك كيفما يكون، فلا خاسر غيرك عندما تسبح ضد التيار، لذا لا غرابة في مقولة الفيلسوف مدني صالح عندما نصح أحد طلبته أن يكون شرطيا عندما اشتكى له من صعوبة الحياة مع فوج للشرطة وضعه القدر معهم أثناء الحرب وهو الطالب الذي تخرج للتو من قسم الفلسفة.

يستغرب كثيرون عندما تطالع كتابا في سيارة نقل عام، ويصوبون نحوك نظرات تنطوي على دهشة، وأظنهم يقولون مع أنفسهم (كم بطران هذا الرجل؟). الناس تبحث عن الجدوى الواقعية في كل شيء، وهذا من حقها، وعندما لا يجدونها، فما الداعي للقراءة؟

فالثقافة لا تبني بيتا، ولا تشتري سيارة، ولا تضعك في المنصب الذي تستحقه، بل كثير من أصحاب المناصب العليا ليس لهم منها شيء، وظنوا ان مهارات اللغو الفارغ تنويرا، يقولون أطنانا من الكلام، وليس فيه من معنى، فلا تُحبط من عدم اجادتهم التهميش على كتاب رسمي، او التداخل في ندوة، كما هو حال بعض الذين اطلقت عليهم الفضائيات تسمية المحللين الاستراتيجيين، وأرادت من وجودهم ليس التنبؤ بما سيحدث او الوقوف على أسباب ما حدث، او التعرف الى تداعياته، بل كل همها ملأ فراغ زمني بأي كلام.

كنا نتعلم من وسائل الاعلام اللغة وأساليب التعبير وطرق الالقاء والأفكار العميقة، ويتطلع القائمون عليها الى الارتقاء بثقافة الشارع الى ثقافة النخبة، واذا بثقافة الشارع هي السائدة، واذا بجل المقدمين وضيوفهم من الذين يشيعون السطحي من الثقافة بلغة ركيكة، وتشبه طبيعتها تلك التي تتداولها شرائح لا تحكمها معايير مجتمعية.

وهل بإمكانك تغيير بيئة تبدو عصية على التغيير؟، هكذا تُبادر بسؤال آخر قبل أن تنهي اجابتك على الأول، ويقترحون عليك في النهاية ترك الكتابة، والكف عن وجع الرأس. قد لا أكون الوحيد من بين الذين توجّه لهم هكذا أسئلة، وأظنهم في حيرة من أمرهم عند البحث عن اجابة، قال استاذ علم الاجتماع الزميل محمود محمد سلمان انه (يجر أذنيه) لصبري واصراري على التحدي، فقلت: يكفيني اطلاق الصرخات كما أطلقها صديقي الدكتور اللبناني اسامة كبارة في كتابه الشيق (صرخات في البرية) الذي ما أن أُنهي قراءة مقال منه حتى أجدني أكثر رغبة في قراءة الذي بعده، ومازالت صرخات كبارة تملأ وديان وسهول لبنان، وأردفها بصرخات اخرى في الفيس بوك، لكن أحدا من ولاة الأمر لم يشعر بما تحمله تلك الصرخات من مآس يكابدها اللبنانيون كل لحظة.

ومازال آل جعفر حذرا، وليس بمقدوره تسمية الأشياء بأسمائها، فليس بوسعك الافلات مما في الغابة من وحوش بمجرد قولك لأحدهم على (عينك حاجب). ومع كل هذا الحذر قال لي الناقد الكبير الدكتور فاضل عبود التميمي: من حسن حظ كتاب المقالات في الصحافة العراقية ان السياسيين لا يقرأون، ثمة كنز يلهيهم عما نكتب، ويبدو ان التميمي يتوقع حدوث كوارث فيما لو كان السياسيون يقرأون، هذا ونحن لم نسم، فما بالك لو سمينا. يُراد الكتابة من خارج الغابة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق