q
يواصل الزوار الكرام تدفقهم مشيا على الأقدام، إلى ضريح سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، متوجهين لمدينة كربلاء المقدسة من جميع الجهات، داخل العراق وخارجه، وذلك في مناسبة سنوية هي زيارة الأربعين التي تعد أضخم تجمع بشري في العالم يصل عدد المشاركين إلى أكثر من عشرة ملايين زائر...

يواصل الزوار الكرام تدفقهم مشيا على الأقدام، إلى ضريح سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، متوجهين لمدينة كربلاء المقدسة من جميع الجهات، داخل العراق وخارجه، وذلك في مناسبة سنوية هي زيارة الأربعين التي تعد أضخم تجمع بشري في العالم يصل عدد المشاركين إلى أكثر من عشرة ملايين زائر.

عمل طوعي جبار

تتكرر هذه الظاهرة الجماهيرية سنويا، وتتسم بزخمها البشري العالي، ويرافقها عدد من الظواهر والفعاليات، تُنسَب إلى هذه الزيارة حصرا ولا يوجد لها مثل في تجمعات أخرى في العالم، ومن أهم الظواهر تلك القدرة الهائلة والمنظَّمة وذلك العمل الطوعي الجبار الذي يتمكن من خدمة ملايين الزوار على مدار الساعة.

فضلا عما يرافق هذه الفعالية الجماهيرية من قصص وحكايات ولقطات ومواقف إيجابية، يجب أن نعمل على توثيقها والاستفادة منها لتطوير الإنسان العراقي خصوصا و (كل الناس) بوجه العموم، ولا ينحصر هذا التطور على الفرد بعينه، بل من المهم أن يشمل ذلك الاقتصاد والاجتماع والثقافة والأخلاقيات وغيرها.

لكن هناك من يتساءل لماذا هذا الإهمال لـ (المشّاية) وزيارة الأربعين من الدارسين المثقفين ومن المفكرين، ولماذا يترددّ المثقف من إبداء موقف واضح، ويتردد الباحث من التعمّق في رصد وبحث هذه الظاهرة (المشاية وزيارة الأربعين) وما يرافقها من فعاليات جماهيرية كبيرة؟

ترفّع ثقافي في التعاطي مع زيارة الأربعين

شبكة النبأ المعلوماتية تجوّلت في مواقع التواصل الاجتماعي، ورصدت كتابات من هذا النوع، تتطرق للمشاية ولزيارة الأربعين التي نعيش أجواءها هذه الأيام، حيث يتدفق ملايين الزوار نحو كربلاء المقدسة كما يحدث في كل سنة.

الكاتب محمد الكاظم يقول في تعليق له، هناك ترفّع ثقافي في التعاطي مع الزيارة الأربعينية بسبب السياسة. ثم هناك عامل يتعلق بغياب الكتابات الجادة، ويضيف قائلا: هذان الأمران جعلا المثقف خجولاً في تفكيك الظاهرة.

وفي منشور له في صفحته الخاصة يقول الكاتب محمد الكاظم:

(المشاية) أكبر ظاهرة تعبر عن الثقافة والمجتمع العراقيين، فهي تنطوي على الكثير من المفردات الانثروبولوجية والدينية والثقافية والاجتماعية وهي أكبر مختبر للدراسات الانسانية، وانا اشخّص حالة استعلاء اكاديمي وثقافي غير مبرر على هذه الممارسة التي تمثل خصوصية عراقية لها غواطسها العميقة، وتفاعلاتها السوسيوثقافية، وتأثيرها الناعم. ومن الثابت لديّ ان للسياسة دوراً في هذا التغييب، وربما تلعب الرواسب الايديولوجية التي تلقي بظلالها على العقل الأكاديمي وعقل المؤسسة الثقافية الرسمية دوراً في الترفع البحثي-بالحاء- مع هذه الخصوصية العراقية الفريدة التي يشارك الملايين في صناعتها.

مناخ ثقافي عراقي شامل

المشاية جزء مهم من الثقافة العراقية، وهي مناخ تنصهر فيه التقاليد، والشعائر، والعقائد، والقيم، والفقه، والتاريخ، والمسرح، والشعر، والقصص، والاناشيد، والعادات، والطعام، والملابس وغيرها من مفردات الثقافة التي تميز شعباً عن آخر. هذه المفردات كلها تدور حول الشخصية الرمزية الأبرز في كل تأريخ العراق، شخصية الامام الحسين (ع)، كما تنصهر فيه انثروبولوجيا سبعة الآلاف سنة من عمر العراق الذي نعرفه. ويضيف الكاظم قائلا:

لذلك يمثل هذا التجاهل والترفع المسيس في الغالب ممارسة فوقية تجاه مشاعر الملايين الذين لا نعرف انتماءاتها او توجهاتها السياسية ولا خلفياتها الاجتماعية ولا مستوى تفقهها، لكننا نعرف انها حملت جزءا كبيرا من روح العراق وعقله وسارت بها إلى كربلاء. فإذا كانت اهتمامات ومشاعر ملايين الناس في بلد الباحث والمفكر والمثقف لا تشغله، فما الذي يشغله إذن؟

التحليل النفسي والاجتماعي والانثروبولوجي

من جهته تداخلَ الباحث والكاتب صباح محسن كاظم، مع منشور محمد الكاظم أعلاه فقال: قرأت عن المسيرة المليونية المذهلة، مقالات هنا وهناك من خلال عملي بالكتابة بمجلات العتبات من الحرية في ٢٠٠٣ لليوم.. أما ككتاب أظن لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة أهم كتاب للدكتور سليم جوهر.. ضمنته بكتابي الرمز والمسرح اعتمد التحليل النفسي والاجتماعي والإنثروبولوجي.. الإعلام العراقي معظمه قاصر ومقصر، أما الأكاديمي لديه عقدة الدونية حتى لا ينظر له من الآخر ينصر طائفته لذلك يغطس رأسه بالرمال.

أما الكاتب إبراهيم سبتي فقد علّق قائلا: من المثير للعجب هذا التجاهل او تناولها احيانا بخجل واضح.

في حين قال الكاتب سامي نسيم: إنها ثروة وطاقة مازالت لم تستثمر بشكل حقيقي وجاد لثورة إصلاحية كبرى لنهضة علمية وثقافية واقتصادية وأكثر من ذلك.

الكاتب المسرحي المبدع علي عبد النبي الزيدي علّق قائلا: هذه أروع الصور السنوية على قلبي والله والتي انتظرها بشوق.

القنوات الفضائية والبرامج التحليلية

فيما علّق الكاتب عبد الحسين العسكري على منشور محمد الكاظم قائلا: كم ارجو ان تتبنى بعض القنوات الفضائية الهادفة برامج تحليلية تظهر هذه الدراسات والافكار بالتحليل المنهجي العلمي، وان يساهم الباحثون والأكاديميون بذلك بمساحة كبيرة الى درجة ان تكون هي الغالبة على ظهور الصورة التقليدية التي تتبنى النقل المباشر مع التسجيل الصوتي. نحن نمتلك الفعالية والتحليل المنهجي لكن ذلك كما ذكرت جنابك يستعلي عليه البعض (المثقف)، فلنفتح نافذة طرح الدراسات ولتأخذ مساحتها على المسامع اكثر منها مرزومة على الرفوف.

وكان ردّ كاتب المنشور محمد الكاظم حول المداخلة أعلاه: الفضائيات مشغولة بالانتخابات، وكل فريق مشغول بأكل لحم الفريق الآخر، وهي أجهل وأعجز من ان تناقش مثل هذه الملفات. الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى لا تقل خراباً عن خراب مؤسساتنا.

أما الكاتب وليد الشيخ Waleed Alshykhفعلّق قائلا: زيارة الأربعين وطقوس المشي تم تناولها كثيرا في الدراسات الانثروبولوجيا والاجتماعية، على مستوى الدراسات العليا وفي تصوري أن الصديق فرج الحطاب أنجز دراسة لجامعة أمريكية عن ذلك للماجستير...

وهنا تساءل محمد الكاظم قائلا: ما الذي يجعل جامعة أمريكية تهتم بدراسة الزيارة؟ أليس من باب اولى ان نهتم نحن بها باعتبارها ظاهرة عراقية؟ أنا متأكد ان هناك كتابات في هذا المجال لكنها قليلة.

لم تُدرَس زيارة الأربعين دراسة علمية

الكاتب حسين علاوي علّق من جهته بالقول: نعم لم تُدرس دراسة علمية واقعية.. وهناك حالة من التغييب من قبل الكثير من القنوات التي تنقل احتفالات الشعوب بأساطيرها.. وتهمل اكبر المسيرات في التاريخ لإحياء هذه الواقعة.

من جهته قال أبو زيد النجار: اعتقد ان حساسية الموضوع تجعل الكثيرين يقرأون المنشور ويتغاضون عن التعليق مع انه حدث كبير ويستحق الدراسة والتحليل لما يتضمنه من ابعاد عقائدية وروحية ونفسية واجتماعية كبيرة وعميقة وظاهرة عراقية خالصة أهل العراق أولى بدراستها. لقد أصبت كبد الحقيقة، حيث أن مناسبة الأربعين فعلا ظاهرة عراقية ثقافية بامتياز، أتمنى على المعنيين وخصوصا المثقفين ان ينزلوا من بروجهم العاجية ويتناولنها بالدراسة والتمحيص.

ماراثون شعبي متميز

وقال جاسم محمد كاظم: اعتقد لو كانت الاساليب التي تتبع الآن في مراسم زيارة الاربعين خصوصا ومناسبة شهر محرم في دول اخرى وهذا الحب المليوني الفلكي لها من قبل عامة الناس، لأخرجت مسلسلات وأفلام ومسرحيات تنال أعلى جوائز العالم.

من ناحيته وصف علي التميمي زيارة الأربعين بأنها: ماراثون شعبي متميز بكل معاني الإرث الحضاري من كرم ومروءة وجرأة وتحدي.

فيما قال عمّار إبراهيم: أدين المثقف أولا فاغلبهم يترفع ويرى فيها جهلا وتسطيحا للقضية، بل ويتعالى بعضهم في ان يكون جزءا من هذه الممارسة، فيما يلجأ قسم منهم الى ممارستها سرا وكأنما فيها ما يجرح مكانته السامية!....

في الختام، ألا تستحق هذه الفعالية المليونية السنوية أن تُدرَس بشكل جاد وحقيقي بما يوازي (تميّزها)، بكونها أضخم تجمّع جماهيري على المستوى العالمي؟، وإذا كان الآخرون غير معنيين بزيارة الأربعين والمشاية، أليس من الصحيح أن يقوم المثقف والباحث والمختص بدراسة وقراءة وبحث هذا التجمع السنوي الضخم، والتوصل إلى نتائج تنعكس إيجابيا على العراقيين في الاقتصاد والاجتماع والفكر وما شابه؟، إنه تساؤل نتمنى الإجابة عنه من قبل المعنيين.

اضف تعليق


التعليقات

حسين
موفقين2021-09-22