q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

كيف تتفوق على نفسك؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

المطلوب من كلّ إنسان أن لا يفرح أو يأسى على شيء ما يحبه ويهواه، وعليه أن يتذكّر دائماً أنّ كلّ النعم التي عنده هي من الله عزّ وجلّ، فإن تجدّدت فهي نعمة أخرى ينبغي الشكر عليها، وإن زالت فهذا شأن الدنيا ونعيمها، فكلّها أمانة عند الإنسان لابدّ أن يفارقها يوماً تأخّر أو تقدّم...

(إذا استعان المؤمن بالله وجاهد ضد نفسه، أتاه المدد والنصر)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

لا يوجد أي اعتراض على الإنسان عندما يكنّ المحبة والاحترام لنفسه، ليس في ذلك ضير، بل هذه الصفة (احترام النفس) مهمة طالما كانت تسير في دائرة التساوي مع الآخرين في المحبة، ومراعاة حقوقهم ومشاعرهم ومصالحهم، بمعنى لا يصحّ للإنسان أن يحب لنفسه أكثر مما يحبه لأخيه.

ولكن حين تكون هناك مبالغة في حب النفس، والرضوخ لأهوائها، هنا سوف يحدث الشرخ بين أن يكون الإنسان عادلا في تعامله مع الناس أو العكس، إذ غالبا ما تكون مصالحه (الجاه، والمال، والنفوذ)، في المقدمة بغض النظر عمّا يتسبب به ذلك من أذى للآخرين والتجاوز على حقوقهم.

تحقيق الجاه على حساب الآخر مرفوض، وصنع النفوذ من غمط حقوق الآخرين غير مقبول، فإذا آمن الإنسان بأن كل ما يملكه من امتيازات مادية أو معنوية أو سواها، هي ملك لله تعالى، وهي أمانة في عنق الإنسان، حينئذ سوف يسل الطريق القويم في تعامله مع الآخرين، كذلك في حال فقده لأي من هذه الامتيازات فإن الأمر بالنسبة له سيان، أي لا يتأثر بما فقده ولا بما كسبه أو ربحه.

لذا من الأهمية بمكان أن نتنبّه إلى خاصية مهمة، من الأفضل أن تكون مكمّلة لشخصيتنا، ونعني بها، عدم الحزن والتأثر مما نخسره لأي سبب كان، وكذل عدم الفرح والزهو بما نحققه من مكاسب كبيرة أو سواها، فكل هذا ليس ملكا للإنسان، بل رزقٌ مكتوب له من الرزّاق، وعليه أن يفرح به ولا يحزن عليه، ولا يؤثر ذلك في علاقاته وتعاملاته الإيجابية مع الناس.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيّمة:

(علينا أن لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما أُوتينا، من المال أو الجاه أو السمعة. فربما لا يُصعق أحدنا ويموت لو فاتته الملايين من الأموال أو جاءته بغتة، ولكن قد لا نكون كذلك لو امتُحنّا في الجاه والمكانة الاجتماعية).

هناك مسألة تُعدّ من البديهيات، وهي تخص الاختلاف بين الكلمات وتحويلها إلى عمل، فهي من حيث النطق سهلة، ويمكن إطلاقها عبر اللسان، أو التكلّم بها وتكرارها مرات ومرات، هذا أمر يسير على الإنسان، لكن الأمر الصعب، وأحيانا يكون بالغ الصعوبة، هو تطبيق الكلمات التي ينطق بها.

الفرق بين مضمون الكلام وتطبيقه

أيضا هناك من ينطق بكلمات ومضامين وأفكار جميلة ومهمة وغنية في محتواها، فهو قادر على أداء هذا الأمر كونها غاية في السهولة، فليس عليه سوى تحريك لسانه كي يتفوّه بما يرغب ويريد من كلما، لكن أين تكمن الصعوبة، وأين يحدث الاختبار العصيب، إنه يحدث عندما تتم المقارنة بين ما يقوله الإنسان وما يطبقه.

يمكننا أن نقول من الأفضل لنا أن لا نحزن على ما خسرنا، ولا نفرح بما ربحنا، هذا كلام لا صعوبة فيه من حيث النطق، ولكن هل يستطيع الإنسان فعلا أن يختبر نفسه بصدق وجدية عندما يخسر نفوذه (ومنصبه) وأمواله، هل يمكنه درء أمواج الأحزان التي تتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال؟

يوجد من بلغ إلى هذا المستوى من القدرة، وهم الندرة النادرة، والقلة القليلة التي بلغ مستوى إيمانها التي الدرجة التي تعصمها من الحزن إذا خسرت (جاهها)، وتحجب عن الفرح إذا كسبت ماديا ومعنويا، لذا من المهم بل بالغ الأهمية، أن يتمكن الإنسان من تحويل ما يؤمن وينطق به، إلى تطبيق يمكن أن يتجسد واقعيا.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا (هذه الكلمات من السهل على الإنسان لفظها، وهي لا تستغرق من لسانه سوى لحظات، ولكنها غاية الصعوبة عن تحويلها إلى عمل).

كيف يمكن للإنسان أن يبلغ المستوى المطلوب من التقوى والإيمان، بحيث يجرّد نفسه من قدراتها عليه؟؟، هل هناك وسائل أو أساليب أو عوامل تساعده وتعينه على تطويع نفسه وترويضها، بما يجعلها سائرة في (طريق الله)؟؟

العلماء الأفاضل وأعلام الدين يقولون بلى، يوجد ما يساعد الإنسان على بلوغ مرتبة المساواة بين ما يقوله وما يفعله، مهما كان القول سهلا بسيطا والعمل به صعبا وثقيلا، أول هذه الخطوات التمرين والتدريب المستمر في ترويض النفس، وحصرها في حيز ما يقبله الله تعالى ويرضاه، وهو في كل الأحوال في صالح الإنسان، حتى لو جاء في إطار الخسارة.

بمعنى ليست كل خسارة يتعرض لها الإنسان سوف تؤذيه، ولا كل ربح يحصل عليه يفيده، فالخسارة الآن قد تكون مربحة ومريحة له في نهاية المطاف، لكن الإنسان يتعامل مع الأمور بظاهرها وآنيتها، وقد لا يرى ما في (الظل) المختفي من الأحداث، ولهذا جاء في الآية الكريمة (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) سورة البقرة آية 216.

تدريب النفس للسير في طريق الله

لهذا من أهم الخطوات التي يجب أن يتمسك بها الإنسان ويؤديها دونما جزع أو ضجر أو ملل، هو تمرين النفس وإجبارها مع الوقت على التقرّب والسير في طريق الله، فهو وحده الطريق الذي يحميها من التفاخر الأجوف بالنفوذ أو المال أو المنصب، وطريق الله يحمي الإنسان من التكبّر والتمسك بالجاه الذي قد يتحول إلى جبروت لا يمكن أن يقهره، فيتحول إلى طاغية حتى مع أقرب الناس إليه.

إذا أهم خطوات مقارعة النفس والتفوق عليها، هو تدريبها على كيفية السير في طريق الله، وفي هذه الحال سوف يجد الإنسان كل المعاونة والمساعدة الإلهية التي تبلغ به إلى مرافئ الأمان، والفوز بالدارين، وهو الفوز الأعظم والأجلّ والأغنى.

يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) هذا الأمر فيقول:

(هذه الأمور قولها سهل، كما الاستماع إليها، ولكن المهم هو العمل، وهذا يحتاج إلى تمرين وتذكّر دائم، والإنسان إذا سار في طريق الله تعالى فإنّه يعينه بلا شكّ، وقد وعد الله المؤمنين ذلك).

ومع مرور الزمن وتكرار التمرين والإصرار، سوف يبلغ الإنسان درجة إخضاع نفسه لصالحه ولصالحها أيضا، وليس صحيحا أن يطلق لها العنان، فالنفس بطبيعتها التكوينية ميّالة للسهولة وللرغبات، وكثير منها يمهّد للانحراف.

لذا مهم أن يبلغ الإنسان درجة التساوي في رد الفعل والمشاعر تجاه ما يخسره وما يكسبه، فهذه الأمور كلها مرتبطة بإرادة إلهية، وإذا بلغ الإنسان هذه القناعة، فإنه سوف يكون في منأى من الصفات غير الحميدة التي لا تليق بالإنسان وهو سيد الكائنات.

نعمة الله إن جاءت أو زالت، فهي منه وإليه، وما على الإنسان سوى أن يدرّب نفسه على الإقرار بأن كل ما يملكه ويمتلكه هو من عند الله تعالى.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن:

(المطلوب من كلّ إنسان أن لا يفرح أو يأسى على شيء ما يحبه ويهواه، وعليه أن يتذكّر دائماً أنّ كلّ النعم التي عنده هي من الله عزّ وجلّ، فإن تجدّدت فهي نعمة أخرى ينبغي الشكر عليها، وإن زالت فهذا شأن الدنيا ونعيمها، فكلّها أمانة عند الإنسان لابدّ أن يفارقها يوماً تأخّر أو تقدّم).

الغاية مما تقدّم في أعلاه، هي سعادة الإنسان، وهذا يعتمد على قدراته، وصبره، والتزامه، وإصراره على تدريب نفسه، على القناعة والقبول بأن كل ما لدية ليس ملْكا له.

اضف تعليق


التعليقات

زيتون
العراق
جزاكم اللَّه خيراً2021-11-18