q
نوافذ التواصل الاجتماعي مثل تويتر، فيسبوك، انستغرام، يوتيوب، تصبح مصدراً إعلاميا ينافس وكالات الأنباء التقليدية، وتتفوّق عليها، في سرعة الرصد، والتقاط الصورة الحية، والفيديو اللحظي، من لبّ الحدث، جاعلةً من المواطن الشاهد، إعلاميا، يحقّق السبْق، من دون قصد في أغلب الحالات، إنْ لم تكن كلّها...

نوافذ التواصل الاجتماعي مثل تويتر، فيسبوك، انستغرام، يوتيوب، تصبح مصدراً إعلاميا ينافس وكالات الأنباء التقليدية، وتتفوّق عليها، في سرعة الرصد، والتقاط الصورة الحية، والفيديو اللحظي، من لبّ الحدث، جاعلةً من المواطن الشاهد، إعلاميا، يحقّق السبْق، من دون قصد في أغلب الحالات، إنْ لم تكن كلّها.

لقد تغيّرت الطريقة التي تتم بها المراقبة الخبرية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ففي حين كان الناس في السابق، يتابعون الأحداث بشكل أساسي عن طريق القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف التقليدية، فإنّ عدداً لا يحصى من الوسائل الرقمية الجديدة أصبحت الأكثر فعالية في استهلاك الحدث، خبراً، وثيمةً.

لم تعد الحقيقة بحاجة الى برهان، بأنّ التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية هي المصدر الخبري لدى غالبية سكان العالم، وتحولت بين العراقيين من كونها مجرّد تسلية، الى نافذة إعلامية، تصدّر الخبر وتستورده، ويتجسّد ذلك في حديث المتابع السياسي، والخبير القانوني طارق حرب بأن “العراقيين يتهافتون على التواصل الاجتماعي بكل أنواع نوافذه، بعدما كان اهتمامهم منصبّا على فيسبوك في أول الأمر».

يقول حرب: “بدأ اهتمامي يتوسع باتجاه واتس آب وفايبر، في حين أسارع الى مراجعة فيسبوك المهيمن على خياراتي».

والاستنتاج الذي تفرضه المتابعة، هو أن الكثير من العراقيين باتوا يؤثرون متابعة الأخبار عبر وسائل التراسل الفوري مثل “واتساب” و”فايبر”، و”تلغرام”، على متابعتها عبر وسائل الإعلام، لينسجم ذلك مع ما توصلت إليه دراسة أجراها معهد (Digital News Report) بالتعاون مع جامعة أكسفورد، بأن المتابعين يمزجون بين شبكات التواصل وتطبيقات الهواتف الذكية، للتراسل الفوري، في الدراية بالأخبار.

لمسة في التطبيق

إنه عصر الفيض الخبري، العابر للحدود، غير المسيطر عليه من قبل سلطات رقابية، ما أوقع الضرر في مصداقية المحتوى، المنفتح الأسارير، بلمسة في التطبيق، ويقع على عاتق المتابع، استشراف مدى صوابه.

وخلص الفريق البحثي بقيادة سنان آرال من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في تقرير في مجلة (Science) إلى أن الكذب ينتشر بشكل أكبر وأبعد وأسرع وأعمق لاسيما في المحتوى السياسي، مقارنة بالأخبار الباطلة عن الكوارث الطبيعية أو الأساطير أو المعلومات المالية.

في هذا الصدد، يتحدث الباحث والناشط المجتمعي سعيد ياسين موسى عن أن «الآونة الأخيرة شهدت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في صناعة الرأي العام، بغض النظر عن دقة ما يتم تداوله من موضوعات، وأصبحت لدينا صفحات وهمية تستخدم في جرائم الابتزاز، مع بروز تحدٍ كبير حول التزييف العميق في صناعة الفيديوهات، كما أصبح تسويق أخبار سياسية معينة، أداة لأجل الضغط السياسي».

وبحسب موسى، «تبرز من جراء ذلك مسؤولية كبيرة للدولة والمجتمع في ضبط استخدام هذه المواقع بالشكل الذي ينفع المجتمع والأفراد من خلال الترويج للسلوك الإيجابي بشكل يعزز السلم المجتمعي وترسيخ التربية والتعليم والتثقيف والتوعية، الأمر الذي يدفع الى أطر قانونية تجرّم الترويج للكراهية والاعتداء على خصوصية الأفراد وتصدير الأخبار المفبركة».

ودفع الاهتمام بالمنصات الاجتماعية كمصادر أخبار، الشركات الى تطوير خوارزميات تكشف الكذب، وتهمّش “الأخبار الملفقة» التي تتنافس على جذب الانتباه بالعناوين المثيرة والقصص السخيفة.

لكن الكاتب والباحث أحمد الشريفي يتحدث عن أن “تسويق الأخبار الكاذبة لا يمكن له أن يمر بسهولة في التواصل، لأنّ التجربة والملاحظة المدعومة بالبحث العلمي، هي المصدر الأساس». وملاحظة الشريفي، فيها الكثير من المعقولية، ذلك أنّ منصة (Buzzfeed) التي لديها أكثر من 17 مليون مشترك، تمكنت من إرساء سلوك رقمي صادق وموثوق قابل للمشاركة ويحظى بالإعجاب، وأن ما يتم تضخيمه بشكل مفرط على وسائل التواصل الاجتماعي، بات كشفه سهلا.

حركة المرور إلى وسائل التواصل

تبرهن استطلاعات غربية، أنّ نحو 50 بالمئة من مستخدمي الإنترنت، سمعوا عن آخر الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يتابعوها في أية محطة إخبارية، وفي حالات الأحداث الساخنة، تزداد حركة المرور إلى وسائل التواصل الاجتماعي أضعافا مضاعفة من تلك التي تخص الوكالات التقليدية.

والتواصل الاجتماعي، يحفّز الناس على التزاور الخاطف والتصفح السريع، محولا التركيز من كونه عموديا يغوص في النص الى أفقي يمر على العناوين بسرعة، ويرمق مقاطع الفيديو بكيفية أسرع، وعلى هذا الأساس تُصنّف وسائل التواصل الحديثة بأنها تنشر الثقافة السطحية الأفقية على حساب البحث العلمي والتقصّي العميق.

الإعلام البديل

الباحث العراقي الدكتور حيدر سلمان يتحدث عن أن «الإعلام البديل أصبح أكثر تأثيراً من الإعلام التقليدي المرئي والمسموع بشكل لافت على مستوى العالم»، مشيرا إلى أنه «من الصعب تصور توقف مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام، ولو افترضنا حدوث ذلك، فإن الإنسان لابد من أن يجد البديل»، متوقعاً «ظهور وسائل تواصل جديدة، أكثر استجابة لمتطلبات العصر، لاسيما المتعلقة بصناعة الخبر وتصديره».

في ما يتعلق بالحالة العراقية، يؤكد رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين، أن «شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت ذات تأثير كبير في نشر الأخبار والأفكار في المجتمع العراقي، بسبب كثرة المشتركين والأعداد الكبيرة المنضمّة لتلك الشبكات، واعتمادهم عليها لتقصي الخبر والمعلومة»، معتبرا أن «هذه الشبكات مفيدة للباحثين والمراقبين ليتعرفوا على أفكار وأذواق المستخدمين وكيفية توجيه الخطاب لهم».

غير أنّ علاء الدين يرى أن «اعتماد شبكات التواصل الاجتماعي كمصدر خبري لن يكون صحيحا، لأنّ الدقة والحذر في اعتماد المعلومة ضرورة، ويجب أن يكون من خلال مصادر موثوقة ومعتمدة ومعروفة بمصداقيتها».

تحول

وعلى افتراض توقّف مواقع التواصل الاجتماعي، يشير علاء الدين، إلى أن «ذلك سيكون ضربة كبيرة للمجتمع وللمواطن، إذ إنّ هذه المواقع أصبحت مرتكزاً مهما في حياة المواطنين وأداة لتواصلهم بشكل مباشر، وهي تخدم التجارة والمواقع الخدمية والمراكز البحثية لإيصال المعلومة بشكل سريع وبكلفة قليلة».

الكاتب والباحث قاسم الغراوي يتحدث عن أن «الصحيفة إذا كانت تشترك مع باقي وسائل الاتصال الجماهيري في الكثير من الوظائف والأهداف، فإنها تبقى متميزة بقدرتها على التوثيق، حتى غدت ذاكرة حية تختزن جزءاً مهما من التجربة الإنسانية على مدى قرون، منذ تطوير يوهان جونتبرج آلة الطباعة في العام 1447».

يرى الغراوي أن «الإنترنت كوسيلة اتصال حديثة ساعدت على خلق بيئة إعلامية ذات خصائص مختلفة تغيرت من خلالها الأدوار التقليدية للمرسل أو المستقبل»، معتبرا أن «مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى أحد أهم مصادر المعلومات الأولية لوسائل الإعلام، وفي إيران مثلا، كان (تويتر) الوسيلة الوحيدة التي اطلع من خلالها العالم على أحداث ما يسمى بالثورة الخضراء».

ويستطرد الغراوي، أن «هذا التحول في المصدر الخبري، أبْرَزَ ظاهرة المواطن الصحفي الذي لعب دورا مهما في توثيق الأحداث بالصورة والصوت، لا سيما في الأحداث التي عصفت بالبلدان العربية، والتي اعتمدت عليها القنوات الفضائية وشجعت عليها».

ماذا لو توقفت السوشيال ميديا؟

وبيْن الإيجابيات المبرهَن عليها في أن مواقع السوشيال ميديا تتيح قدراً أكبر من حرية التعبير، وبين الشكوك التي تنتاب الكثيرين تجاهها بشأن الدقة والمصداقية والموضوعية، فإن المتفق عليه أنها تجاوزت دورها، كأداة تواصل وتسلية، إلى كونها آلية متطورة لجمع المعلومات، وقياس اتجاهات الرأي، ومصدر أخبار لنحو 5 مليارات من السكان في العالم، الأمر الذي يدفع الى دراسة علمية بالعراق تحصي أعداد رواد المنابر، والنتائج الاجتماعية والمعرفية المتحصّلة من ذلك.

وعلى افتراض السؤال، عن توقف نوافذ السوشيال ميديا، فإن الأجوبة عليه واقعية، إذ ستعود عمليات التعليم أعواماً إلى الوراء، وتصبِح الأعمال أكثر بطئا وأقل إنتاجاً، بل حتى عمليات القبض على المطلوبين للعدالة تصبح أكثر صعوبة، وتنسيق الثورات لن يتم بيسر، والتواصل سيكون في مأزق، لكن الإيجابية الوحيدة ربما هي في عودة الإنسان الى الحياة الواقعية بعدما أصبح افتراضياً في أغلب تفاصيل فعالياته اليومية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق