q
نظرية تدفق الاتصال عبر مرحلتين تُقسم تدفق المعلومات القادمة من وسائل الاعلام إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي انتقال المعلومات إلى قادة الرأي المهتمين بها، وفي المرحلة الثانية ينقل قادة الرأي المعلومات المتلقاة إلى الافراد إضافة إلى التصور الشخصي للقادة لتلك المعلومات وآرائهم وتفسيراتهم لها...

تعتمد القنوات التلفزيونية الفضائية في برامجها المختلفة على مشاركة متحدثين ضيوف وليس موظفين في تلك القنوات، يظهرون بصفة محللين أو خبراء أو معلقين أو ناطقين أو مستشارين أو شهود أو مسؤولين، في مجالات السياسة والاقتصاد والقانون والإعلام والعلوم والثقافة والأمن، وتشكل الأحاديث مادة تلفزيونية مهمة، لا يمكن الاستغناء عنها في نشرات الاخبار والتقارير والبرامج الحوارية والتغطية الميدانية، ويمثل هؤلاء المتحدثون النخبة الفكرية التي تسهم في (صناعة الرأي العام) كما يفترض، من خلال مخاطبة الجمهور عبر القنوات التلفزيونية وتحليل القضايا وشرح الظواهر وتقديم البدائل واقتراح الحلول ومعالجة الأزمات وصنع القرار.

إن دور المتحدثين في القنوات التلفزيونية العراقية، في ظل مناخ الحرية الواسع، وغياب المركزية الإعلامية، قد أصبح ظاهرة تستحق البحث في ايجابياتها وسلبياتها، وبخاصة أن ثمة اتهامات للمتحدثين التلفزيونيين من قبل وسائل الاعلام والجمهور في آن معاً، بالتحيز وعدم توفر المهنية والموضوعية والمصداقية، ومن ثم ينبغي أن تتولى إدارات القنوات معرفة مؤهلات هؤلاء المتحدثين ومواصفاتهم وتخصصاتهم ونشاطاتهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم التي لا بد أن تظهر في خطابهم الاعلامي إزاء النظام السياسي الحالي في العراق ومشكلاته وأزماته.

يمكن أن نسترشد بنظرية (الخطوتين) أو (قادة الرأي) في تفسير دور المتحدثين في القنوات التلفزيونية، وهي من أقدم نظريات الاتصال الجماهيري في منتصف القرن العشرين وما تزال صالحة حتى اليوم، وقادة الرأي هم مجموعة من الافراد الذين لهم تأثير على سلوك الآخرين نتيجةً لتميزهم من نواح مختلفة مثل: شخصيتهم، ومهاراتهم، أو اطلاعهم على الشأن العام، وغالباً ما يكونون أكثر استخداماً لوسائل الاتصال من غيرهم، وقد نشأ هذا المفهوم عن نظرية تدفق الاتصال ذو الخطوتين (Two Step Flow Theory) التي اقترحها بول لازرسفيلد وإليهو كاتز.

نظرية تدفق الاتصال عبر مرحلتين تُقسم تدفق المعلومات القادمة من وسائل الاعلام إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي انتقال المعلومات إلى قادة الرأي المهتمين بها، وفي المرحلة الثانية ينقل قادة الرأي المعلومات المتلقاة إلى الافراد إضافة إلى التصور الشخصي للقادة لتلك المعلومات وآرائهم وتفسيراتهم لها. وقد تغير دور قادة الرأي في ظل تطور وسائل الاعلام الحديثة، وبخاصة التلفزيون، فأصبحوا يخاطبون الجمهور عبر وسائل الاعلام فضلاً عن الخطاب المباشر.

البرامج الحوارية الساخنة تعد من أكثر البرامج التلفزيونية انتشاراً في الفضائيات العراقية اليوم، وهناك انطباعات في أوساط المشاهدين أن تلك الحوارات لا تخدم الحقيقة ولا تسهم في معالجة الأزمات، بل أن تلك الحوارات اصبحت وقوداً في حرائق سياسية مشتعلة منذ زمن طويل!

يقسم هذا النوع من البرامج الحوارية إلى ثلاثة أنواع:

أ- حوار الرأي: يعتمد على استطلاع رأي شخصية معينة في موضوع ما.

ب- حوار المعلومات: ويهدف للحصول على معلومات أو بيانات تخدم هدفاً معيناً.

ج- حوار الشخصية: ويستهدف هذا القالب تسليط الضوء على شخصية ما وتقديم الجوانب المختلفة منها للمشاهد.

يعتمد نجاح هذا النوع من البرامج على اختيار الشخصية المناسبة ومدى كفاءة مقدم الحوار، وطريقة وضع الأسئلة بحيث تكون مباشرة وبسيطة، وفي الوقت نفسه قوية وواضحة، ولا تكون الأسئلة مما يحتمل الإجابة عنها بنعم أو لا، ولكن يفضل اختيار أسئلة تسمح للضيف بأن يخرج اجابات تقريرية او تفسيرية، ويفضل ان يبتعد المعد عن الاسئلة الإيمائية التي تتضمن في طياتها الإجابة التي يجب ان يرد بها الضيف، ومن المهم ان يستفز المعد الشخصية المجرى معها الحوار بأسئلة تجعله يقدم معلومات جديدة ومشوقة أو آراء مهمة.

لعل من أنواع البرامج الحوارية، التي لم يتطرق لها أكاديمياً بالشكل الكافي هي المداخلات التلفزيونية مع الجماهير أو ضيوف البرامج عن بعد، والتي شغلت حيزاً مهماً في كثير من القنوات التلفزيونية بفضل الثورة الكبيرة في الاتصالات التي أوجدت لوناً جديداً من الحوار تحت مسمى (المداخلات) سواء عبر التليفون أو الشاشة عن طريق الأقمار الاصطناعية أو تطبيقات الإنترنيت، وأصبح حوار المداخلات من ضرورات ما يقدم للمشاهد التلفزيوني، وهي تعكس نبض الشارع دون شك، ولكنها في الفضائيات العراقية ما تزال غائبة، بسبب خشية القنوات من فتح خطوط المواجهة المباشرة مع الجمهور المتحفز.

هناك جوانب أخرى في الحوار التلفزيوني تخص الأقوال وحركات الجسد أو التكامل بين (التعبير اللفظي) و(التعبير الصوري)، وهي ظاهرة لم تحظ بالاهتمام من قبل أغلب مقدمي الحوارات في الفضائيات العراقية، ففي لغة التلفزيون تهيمن الصورة عادة على المشاهد، وفي ضوء ذلك يمكن أن نقول ان المذيع (المحاوِر) والشخصية (المحاوَر) المشتركان في الحديث التلفزيوني يستخدمان لغتين منفصلتين تماماً، اللغة اللفظية المنطوقة، وهي اللغة المناسبة لنقل المعلومات حول الوقائع والأحداث والظواهر والتعبير المنطقي والدقيق والتوضيح وحل المشكلات، ولغة الجسد التي تستخدم بشكل لا شعوري وتعبر عن الجوانب الأكثر حقيقية في ذواتنا ومشاعرنا وحاجاتنا واتجاهاتنا، والمشكلة، كما يرى البعض، في الأحاديث التلفزيونية أن معظمها كلام، وإذا ما صدقت مقولة ان الأفعال أوضح من الكلام، تصبح الملاحظة ونقل الحركات والإشارات والتعابير أقرب الى الحقيقة، وتصبح المقابلة أكثر مقدرة على أن تُظهر (to show) من أن تنقل (to tell).

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق