q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

التحرر من فخ الادمان

اللامبالاة وباء العصر (11)

الإدمان مشكلة متفاقمة وشائعة، لاسيما في الوقت الحاضر، لكن يمكن احتوائها مع هذه المعالجات التي قد يراها البعض صعبة، لكن هي في الحقيقة سهلة على كل من يتحمّل ولديه القدرة والصبر على الطاعة، والصبر عن ارتكاب المعصية، وحينئذ سوف يكون الطريق معبّدا يسهل على سالكيه التخلص من مشكلة الإدمان...

ذكرنا أسباب عديدة تؤدي إلى الإدمان، ومن اهمها هو اللامبالاة، لأن الذي لا يهتم بحياته بشكل منهجي مستدام، سيصل الى سلوكيات عشوائية مرضية سيئة، فكيف يمكن الوقوف امام الوقوع في السلوكيات العشوائية؟ وماهي طرق الوقاية من الإدمان؟ وكيف يمكن معالجة حالات الإدمان؟

الإدمان ظاهرة مرتبطة بقدرة تحكم الإنسان بإدارة حياته، فكلما كان الإنسان مهتما بطريقة إدارة حياته، سيكون قادرا على تجنّب الوقوع في السلوكيات السيئة، والتفكير المنهجي المسؤول هو الذي يمكّن الإنسان من أن يبني حصونا ودروعا تقيه من الوقوع في سلوكيات سيئة كالإدمان.

طرق الوقاية من الإدمان

ان أهم عامل في بناء الدرع الحصين أمام الإدمان هو التربية الصحيحة والمسؤولة، وهناك سبل تساعد على الوقاية من الإدمان هي:

تحكيم البناء الأسري بالمعنويات

النقطة الأولى: تحكيم التربية بالمعنويات في الأسرة، فهذا يؤدي إلى تماسكها، لأن التفكك الأسري وعدم الإشباع العاطفي والاجتماعي والنفسي الصحيح للإنسان، يحصل بسبب تركيز الأسرة في التربية على العوامل المادية، لكن العوامل المعنوية هي التي تحقق الإشباع الحقيقي للإنسان، فلا يقع في انحرافات سلوكية ولا في الإدمان، كما أن تحكيم الأسرة بالمعنويات يعطي العائلة وعيا ثقافيا وأخلاقيا للفرد، فينمو نموا نفسيا سليما يقي الفرد من مختلف الانحرافات. فالتربية بالمعنويات درع حصين للوقاية من الانحرافات السلوكية.

خطر الوقوع في الرسائل المتناقضة

النقطة الثانية: الاعتدال في أساليب التربية، يقي الفرد من الوقوع في الرسائل المتناقضة، فالإنسان حين يسير في طريق الحياة يحتاج إلى إضاءة وإرشاد وهداية، وإلى فهم صحيح للشيء الذي يريد ان يفعله، ففي بعض الأحيان يكمن سبب الوقوع في الانحرافات هو الرسائل المتناقضة التي يرسلها الأبوان.

في بعض الأحيان يعطي الأب أو الأم رسالة غير صحيحة للأبناء، فالأب قد يضلل ابنه ويعطي لابنه وصفة خاطئة طمعا في مكسب وامنية لم يحققها، لكن الأب سوف يكتشف لاحقا بعد فوات الآوان أن التضليل الذي مارسه مع ابنه قاده إلى عاقبة سيئة أو غير سليمة، والمطلوب هو الاعتدال في التربية أن لا يكون مفْرِطا ولا مفرِّطا، ولا يمارس القوة والعنف والتشدد في أسلوب التربية لأنه يوجد تناقض بين الضغط المتشدد وبين الإرشاد والتوجيه.

يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، فالرشد والنمو الصالح في عدم الاكراه، والاكراه يؤدي الى الضلال والانحراف.

الإرشاد من الأساليب الناعمة واللّينة في عمليات التربية لأنها ممارسة مصدرها العقل، فالإرشاد أمر عقلي، وهذا العقل لا ينسجم مع الشدة والعنف، وحين يمارس الأب العنف والشدة ضد الأبناء، فإن العقل يتوقّف عن الاستجابة، بل على العكس من ذلك، ينعكس هذا العنف والشدة على النفس، فتؤدي إلى غلوائها، وغلواء النفس يؤدي إلى تطرفها ومرضها، فالعقل يحتاج إلى هداية لينة ناعمة، فالمقصود من الاعتدال في التربية هو التنمية السليمة للوصول الى غايات صحيحة.

وعن الامام علي (عليه السلام): (حق على العاقل أن يستديم الاسترشاد، ويترك الاستبداد).

كذلك بالنسبة للتفريط في التربية وعدم توجيه الرسائل الصحيحة للعقل، حيث لا تصل الرسائل الصحيحة للعقل في عمليات بناء السلوك، وعدم وجود ترشيد تربوي وتثقيفي مستمر، أي الأمور متروكة بلا توجيه، فمن باب الدلال والتدليل يترك الأب تربية طفله ويهمل ارشاده ويفرّط في توجيهه فتتبدد غايات التربية.

فعن الامام علي (ع): (مَا بَالُكُمْ لَا سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ وَلَا هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ)، فالتربية بهذا المعنى لها مدخلات استرشادية، ومخرجات مقصودة.

الشدة في عملية التربية والاهمال يؤديان إلى رسائل متناقضة في النفس والعقل، وبدورها تؤدي إلى اضطراب داخلي يجعل الإنسان ضعيفا مفكّكا قابلا لأي انحراف لاسيما الإدمان الذي يمثل حالة بحث عن الإشباع المفقود والاسترشاد الضائع.

لذلك من أهم طرق الوقاية في التربية هو الاعتدال، أي لا إفراط ولا تفريط وهما من سلوكيات الجاهل، فعن الإمام علي (عليه السلام): (لا ترى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا)، والتربية هي علم وثقافة، ولابد للأسرة والأبوين أن يتحصّلا على العلم والثقافة اللازمة لتربية أبنائهم تربية صالحة.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (ثمرة التفريط الندامة، وثمرة الحزم السلامة).

المسؤولية نمط حياة

النقطة الثالثة: الاهتمام بالمسؤولية كنمط حياتي للفرد، لكي يتحمل الإنسان مسؤولية حياته ونفسه لتصبح نمطا صالحا وليس استثناءً، فالمسؤولية يتعلمها الفرد منذ نعومة أظفاره ويسير في هذا الطريق لتصبح المسؤولية عنده ملَكَة وقدرة ونهج ثابت في داخل نفسه، فيصبح نمطا حياتيا يعطيه الرؤية الحكيمة. المسؤولية تجعل الفرد يتصرف بحكمة، فيكون قويا أمام الأهواء والإغراءات والرغبات التي قد تدمّر نفسيته وذاته.

الاهتمام بالتربية على المسؤولية يعطي قوة وحكمة، وينمي قوة الإرادة، والوقوف أمام التحديات والاغراءات التي قد تصادف الفرد في حياته، وكذلك تساعده على حسن الاختيار وثقافة الاهتمام بالغير، فيكون قادرا على اتخاذ قراراته بنفسه. ويجب على الفرد سلوك طريق الوقاية حتى لو كان مليئا بالتحديات والصعاب، لأن نتائج عدم سلوك طريق الوقاية ستكون أشد عليه.

بناء الروتين الإيجابي

النقطة الرابعة: بناء الروتين الإيجابي، حيث الروتين امر حتمي تقتضيه الطبيعة الإنسانية.

فالإنسان يعتاد منذ الصغر على سلوكيات معينة في الأكل والشرب والنوم والملبس وفي التعامل مع الآخرين، وفي التعامل مع الخارج والداخل، هذا الأمر المتكرر يسمى بالروتين، وفي اكثر الأحيان يتشكل الروتين من خلال اللاشيء، أي يتشكل بطريقة عشوائية فيكون روتينا سيّئا لأنه متشكل من مجموعة عادات سيئة وهذا يعبر عن عدم الاهتمام في بناء الروتين الإيجابي والصحيح.

إن الوقوع في الروتين الذي تتحكم به العادات العشوائية غير المنضبطة يؤدي إلى حالات الانحراف كالإدمان، فلابد من وجود سبيل لبناء الروتين الإيجابي المعتدل والمرن وليس المتشدّد والمتصلب، وهذا يعني بناء العادات الجيدة عند الإنسان، مثال ذلك إذا كان هناك شخص معتاد على التدخين، فيتطور ذلك من السيجارة إلى (الأرجيلة) او السيجارة الالكترونية، وهذا ليس انتقالا إيجابيا بل سيّئا، وبدلا من أن يتخلى الإنسان عن تدخين السيجارة، يذهب إلى عادة جديدة أسوأ. لذلك لابد من بناء الروتين الإيجابي من خلال الانتقال الى العادات الجيدة.

وعن الامام علي (عليه السلام): (العادة عدو متملك).

كذلك لابد أن تقوم الأسرة في بناء عادات إيجابية للفرد حتى يتحول إلى روتين إيجابي، يمنع من سقوط الإنسان في الانحراف، وبالنتيجة سوف تُبنى منظومة سلوك رصين وجاد، وهذا يعتمد على التغذية السليمة، حيث المغذّيات مهمة في حياة الإنسان لأن السلوك الإنساني من المغذيات التي تأتيه من الخارج من أب أو أم أو صديق أو مدرسة.

وعن الامام علي (عليه السلام): (غالبوا أنفسكم على ترك العادات تغلبوها، وجاهدوا أهواءكم تملكوها).

إذاً لابد من وجود مغذيات حكيمة للسلوك المتراكم عند الإنسان، لتفادي السلوك السّيئ، لأن التغذية إذا كانت سيئة تنعكس على السلوك، فالطفل إذا مسك بيده (الموبايل) وأخذ منه تغذية سيئة مستمرة، سوف تتشكل عنده سلوكيات على ضوء التغذية التي تأتيه من هذه التكنولوجيا العشوائية.

وبناء الروتين الإيجابي يحتاج إلى تغذية مستمرة وممنهجة، ولكن ليست متشددة ومتصلبة وإنما ليّنة حكيم، حتى تصل إلى بناء شخصية قوية وسلوك معتدل قوي أمام الإغراءات التي قد تأتي إليه وتضع نفسها بين يديه.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (تخير لنفسك من كل خلق أحسنه، فإن الخير عادة، تجنب من كل خلق أسوأه، وجاهد نفسك على تجنبه، فإن الشر لجاجة).

كيف يمكن معالجة حالات الإدمان؟

هناك وقاية يمكن اتخاذها قبل حصول الأمر، نستطيع أن نسميها بـ (البنية التحتية) وهي مهمة جدا في الوقاية من عملية الوقوع في الإغراءات والسلوكيات السلبية، ولكن إذا حدث الوقوع في الإدمان لأسباب كثيرة، فكيف نستطيع أن نعالج هذه الحالة؟

إن التربية السيئة كما ذكرنا سابقا تؤدي إلى تحطيم الإرادة، لأن الإنسان عندما يتعرض للرسائل المتناقضة ولا يحصل على الإشباع الحقيقي، والتغذية الفكرية السليمة فإن ذلك يؤدي إلى هشاشة إرادته ومن ثم الوقوع في فخ الادمان، والأساس في حياة الإنسان هو الإرادة والقدرة على الاختيار وحسن الاختيار، لذلك هناك خطوات يمكن من خلالها معالجة ضعف الإرادة عند الإنسان وعلاج ازمة الإدمان، وهي:

بناء الأهداف المستقبلية

الخطوة الأولى: العلاج ببناء الأهداف المستقبلية، بناء الهدف عند الإنسان يعطيه قوة وإرادة وقدرة على أن ينظر إلى الأمام، لأن كثيرا من المشكلات تحدث بسبب البقاء في الخلف، ولكن الأهداف المستقبلية، تساعد الإنسان على التخلص من عبء الماضي من أجل أن ينظر إلى حياة مستقبلية صالحة، قائمة على أهداف جيدة. فالعلاج ببناء الأهداف المستقبلية، يقوم بالتحفيز على حب العمل والارتقاء بالنشاط والتقدم بالإنتاج. وعن الامام (عليه السلام): (عليك بإدمان العمل في النشاط والكسل).

وإذا أراد الفرد ان يتخلص من الإدمان السلبي نحو الإدمان الإيجابي، فهو بحب العمل والاستدامة عليه الذي يبقيه في حالة نشاط مستمر ولا يكون كسولا، فالإدمان على العمل يعد من أهم العوامل التي يمكن أن تعالج الإنسان. فالعمل يحرك الروح الإيجابية في الفرد ويمتص الطاقة السلبية حيث يتفاعل مع حالته الإنتاجية ونمو الغايات الوجودية في نفسه وافكاره.

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يقول: (إني لأحب أن أداوم على العمل وإن قل).

حين يقع الفرد في الإدمان فأحيانا يكون السبب هو غياب المهارات التي تقوده إلى العمل المنتج، فإذا تمت معالجة هذا النقص واستطعنا أن نعطي الإنسان مهارات جيدة بحيث يستطيع أن يؤدي عملا جيدا، فسوف تتم معالجة الإدمان، والفراغ كما ذكرنا في المقال السابق قد يكون سببا رئيسا من أسباب الوقوع في الإدمان. والبطالة بكل أنواعها تتسبب بتكرس الحالة العدمية من اليأس والإحباط ويكون الهروب منها بالإدمان.

صناعة التفكير الإيجابي

الخطوة الثانية: صناعة التفكير الإيجابي، وحصول الشخص المصاب بالإدمان على الطاقة الإيجابية للشعور بالقدرة والقوة، واستجابته بفاعلية للصعوبات والتحديات التي يواجهها، وذلك من خلال إيجاد الحاضنات الإيجابية التي ترعاه وتغذيه بالأفكار الإيجابية، وتوقظ فيه جذوة الامل والثقة والامل بالحياة والمستقبل، فالأجواء الإيجابية تصنع التفكير الإيجابي، وتساعد المدمن على العلاج، وسوف تُبنى إرادته من خلال الاستجابة بفاعلية لهذا العلاج بحيث يكون قادرا على مواجهة العقبات والصعوبات التي تقف أمامه وعدم هروبه وانهزامه منها.

ولكن التواجد الدائم في أماكن ينتشر فيها التفكير السلبي يؤدي الى سيطرة اليأس والانهزام والتفكير السلبي، وذلك يؤدي إلى انتكاسة المدمن أكثر فأكثر، فالإحباط والتشاؤم مقبرة للمدمنين.

الانخراط في الواقع الإلهي

الخطوة الثالثة: وهي خطوة مهمة بحثها علماء النفس وعلماء الاخلاق، وهي التسليم لله سبحانه وتعالى، فهو الطريق الأنجح للعلاج، لأنهم كلما أرادوا أن يعالجوا حالة الإدمان، بطريقة نفسية وجسدية وجدوا أن الطريق مسدود أمامهم، وأفضل علاج وجدوه هو نزع أنانية الإنسان وماديته ومحوريّته عن نفسه ويتخلى عن الذات المهووسة والمغرورة، بأن يسلم نفسه كاملا لله سبحانه وتعالى، فيصبح هناك تواصل قوي مع الله سبحانه وتعالى.

بالنتيجة فإن الإنسان المصاب بالإدمان سوف يحصل على تغذية روحانية ومعنوية، تعطيه القدرة على أن يقوّي إرادته لمواجهة الإدمان، والعبادة هي أحد جوانب هذا النوع من العلاج، وكذلك التأمّل والتركيز والتفكير بهذه الطريقة، أي أن الإنسان يخرج من نفسه وذاته، لكون نفسه وذاته ملوثتان بسبب عبء الماضي وسيطرة البؤس المتراكم في نفسه، وفي ماضيه الكثير من الأزمات والصدمات التي حصلت في حياته.

فعندما يستسلم ويسلّم أمره لله سبحانه وتعالى سوف يدخل في بعد جديد، مختلف عن تلك الأبعاد القديمة، وهو بعد الله، وهو بعد عظيم، بعض الناس الذين يُصابون بأمراض صعبة جدا، فغالبا ما يرافق المرض الصعب آلام شديدة، ويشعر المريض بالتشاؤم واليأس، لكنه عندما يسلّم أمره لله سبحانه وتعالى بعمق فان الروحانية تتسلل الى داخله، ويواجه مرضه بقوة ورباطة جأش.

كما هو حال الإنسان الذي يعيش في السجن، فهو ليس عنده سوى الله سبحانه وتعالى، وعندما يسلّم أمره لله سوف يستطيع أن يقاوم كل المصاعب التي تحصل له وهو في السجن، وهذا يعني الخروج من النفس والذات والاستسلام لله سبحانه وتعالى، وهذا العلاج من المهم جدا أن يتمسك به الإنسان دائما، بمعنى أنه علاج يصلح لكل إنسان، في الأزمات والشدائد والمصائب، وفي السراء والضراء وفي كل الأحوال لابد للإنسان أن يسلم أمره لله سبحانه وتعالى.

وهذا الأمر هو أحد السبل التي توصل الإنسان إلى اليقين، وتخرجه من حالة القلق والشك والتردد، ومن التفكير السلبي، وتعطيه بعدا معنويا ونورا داخليا يضيء ذاته، فيستطيع أن يتدرب ويمارس ويروض نفسه على مقاومة الانحرافات، ومقاومة الإدمان.

وجاء في الحديث القدسي (أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): تريد وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد).

التسليم الواقعي لله تعالى

علينا أن نفهم هذا الحديث جيدا من أجل التسليم الواقعي لله عزّوجل، وشئنا أم أبينا فإنه تعالى يفعل ما يريد، إذا أعطيناه، ما يريد هو، لا ما نريد نحن، كذلك أعبدني من حيث أريد، لا من حيث تريد أنت، هناك معان كثيرة في هذا الحديث القدسي، ولكن إذا أردنا أن نستفيد منه ضمن موضوعنا، هو أن تدخل في الواقع الإلهي، لأنه هو الواقع الذي يوصلك إلى الطريق الصحيح: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) سورة طه، 124.

إن الإنسان الذي يتعب ويُرهَق بسبب صناعة واقعه البديل الخاص به، وهو غير الواقع الإلهي، فإنه سوف يشقى ويتعب نفسيا وروحيا ولا يصل إلى ما يريد، لأن الحقيقة الأساسية التي لابد أن يدركها الإنسان، هي أن الواقع الحقيقي هو واقع الله سبحانه وتعالى وقوانينه، ونظامه الكوني، ولابد للإنسان أن يستسلم لهذا الواقع ويعيش فيه، لكي يضمن العيش في حياة سليمة وصحيحة.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا عباد الله أنتم كالمرضى ورب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب وتدبيره به، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه، ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين).

هذا الحديث يوضّح المعاني والمضامين التي تطرقنا إليها في أعلاه، فلا يصح أن تفعل وتعيش الحياة التي تشتهيها أنت لأنها قائمة دائما على الرغبات والشهوات، وتؤدي بك إلى طريق آخر غير الطريق الذي فيه نجاتك وخلاصك وهو طريق الله سبحانه وتعالى.

إدمان التأمّل بقدرة الله

الخطوة الرابعة: العلاج المعنوي، وهي مترابطة مع خطوة التسليم، لكن في ابعاد اخرى، ويتم العلاج المعنوي من خلال الارتباط بالله سبحانه وتعالى وأوليائه كالأئمة المعصومين (عليهم السلام)، من خلال زياراتنا وارتباطنا الوثيق بهم (عليهم السلام).

الإنسان عندما يتحقق ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، وشعوره بالوجود الكوني الكبير وتناغمه مع غاياته وانسجامه مع قواعده، يشعر بأهميته وهدفيته ويجد معناه في الحياة، ويشعر بمسؤوليته، وهذا كله عبارة عن علاج معنوي يؤدي إلى التخلص من حالة الإدمان.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (أفضل العبادة، إدمان التفكّر بالله وبقدرته)، وهذا هو التأمّل الذي يدفع الإنسان لمعالجة تفكيره ونفسه، فيغذّيها بمشاعر صادقة ومفاهيم مستقيمة وأفكار جديدة، هذه هي التغذية التي تنتج من خلال التأمل في قدرة الله سبحانه وتعالى، حيث يخرج الإنسان من الحالة العبثية والمأساوية، ومن حالة المعاناة واليأس التي يعيشها، والحالة السلبية التي تحيط به، فيعطيه بعدا آخر جديد يعالجه تدريجيا، ويحقق نوعا من الشفاء الذاتي.

و(الشفاء الذاتي) يعني أن يعالج نفسه ذاتيا، حتى الأمراض الجسمية يمكن أن تعالّج من خلال الشفاء المعنوي، والتأمل لاسيما التأمل في قدرة الله تعالى، وبالنتيجة تحقيق انتماء الإنسان لهذه الحياة ولهذا الكون وعدم شعوره بالاغتراب وأنه مهمَل وغير موجود في هذا العالم.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (من عرف نفسه عرف ربه)، وعن الإمام علي (عليه السلام): (ينبغي لمن عرف نفسه أن يلزم القناعة والعفة).

وهناك خطوات أخرى يمكن الاستفادة في علاج الإدمان منها:

الالتزام بالعبادات والشعائر الدينية فعن الامام الصادق (عليه السلام): (عليكم بحج هذا البيت فأدمنوه، فإن في إدمانكم الحج دفع مكاره الدنيا عنكم وأهوال يوم القيامة).

ومنها: الإدمان على فعل الخير والانتظام الدائم عليه هو ادمان إيجابي يحقق الاشباع الحقيقي.

وعن الامام علي (عليه السلام): (من لبس الخير تعرى من الشر). وعن الإمام علي (عليه السلام): (الخير أسهل من فعل الشر).

ومنها: مكافحة الرغبات المادية ومواجهتها بقوة الإرادة والاعتياد الإيجابي.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (الرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن، والزهد في الدنيا راحة القلب والبدن). وعن الامام علي (عليه السلام): (أيها الناس، تولوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها).

وفي الختام: ان الإدمان مشكلة متفاقمة وشائعة، لاسيما في الوقت الحاضر، لكن يمكن احتوائها مع هذه المعالجات التي قد يراها البعض صعبة، لكن هي في الحقيقة سهلة على كل من يتحمّل ولديه القدرة والصبر على الطاعة، والصبر عن ارتكاب المعصية، وحينئذ سوف يكون الطريق معبّدا يسهل على سالكيه التخلص من مشكلة الإدمان.

* سلسلة حوارات تبث على قناة المرجعية تحت عنوان (جواهر الأفكار)

اضف تعليق