q
ومع ان للتنمية الفكرية وكالات عديدة كالمدرسة ووسائل الاعلام والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني، لكن التجربة أثبتت لاسيما في العراق، ان كثيرا من هذه الوكالات انحرفت عن المسارات الصحيحة في أداء وظائفها، فما زالت ماثلة في الذاكرة تلك الأدوار الكارثية التي أدتها العديد من وسائل الاعلام...

أسئلة كثيرة تعبر بمجملها عن حاجة ملحة في ظرف مكتظ بالاستثنائي من التحديات والخانق من الأزمات في مسيرة أريد لها الارتقاء، فاذا بها تكابد العثرات تلو العثرات، هذه الأسئلة أثارها المؤتمر العلمي السابع والدولي الأول الذي نظمته كلية الاعلام بالجامعة العراقية بعنوان (التنمية والبناء الفكري في المحتوى الاعلامي)، فتأملت جلساته في فحواها والتباحث في شائكها.

لقد أسعدنا المؤتمر بجودة تنظيمه وحسن ادارته، ونوعية أبحاثه، وحضوره العربي، وتحسسه العالي لضرورة تجديد الحديث عن التنمية الفكرية بعد ان لاقت اهمالا واضحا، لاسيما تلك المستندة الى استراتيجيات مدروسة، بالرغم من تمظهر الاهمال واقعيا بسلوكيات شاذة ووقائع غريبة واتجاهات أبعد ما تكون عن الانتماء الوطني.

وبهذا يأتي المؤتمر للبحث في السبل الاعلامية التي من شأنها اكساب المجتمع ما يكفي من الحصانة لمواجهة تهديدات فكرية يتعرض لها من التنظيمات المتطرفة التي تمكنت من النفاذ لعقول شبابنا، او من ذلك الفكر الذي عُلب غربيا بأشكال براقة للنيل من هوية الامة وشخصيتها، بما يحول دون استنهاض الهمم واستعادة الأدوار وتعزيز الثقة.

ومع ان للتنمية الفكرية وكالات عديدة كالمدرسة ووسائل الاعلام والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني، لكن التجربة أثبتت لاسيما في العراق، ان كثيرا من هذه الوكالات انحرفت عن المسارات الصحيحة في أداء وظائفها، فما زالت ماثلة في الذاكرة تلك الأدوار الكارثية التي أدتها العديد من وسائل الاعلام ورجال الدين ومنظمات المجتمع المدني الشكلية والوهمية، لكن هذا لا يلغي ما يمكن لوسائل الاعلام أن تفعله في اطار التنمية بمختلف أشكالها.

وفي هذا الجانب انشغل مؤتمر كلية الاعلام الذي ركز شعاره على محتوى وسائل الاعلام التقليدية وامتداداتها الالكترونية، وليس الاعلام الجديد المتمثل بالمواقع الالكترونية العامة والاجتماعية التي تقع في غالبها خارج السيطرة، وكأن المؤتمر يريد القول ان الوسائل التقليدية أهملت ما هو تنموي وانشغلت بما هو سياسي، بل انها حتى في المجال السياسي لم تمارس دورا تنمويا واضحا، وهذا ما يقتضي الايضاح، فضلا عن اجابة الأسئلة المتعلقة بالأسباب التي حالت دون ذلك، وكيفية تفعيل وظيفة التنمية في وسائل الاعلام، وما يرتبط بعناصرها بدءا من القائم بالاتصال ومرورا بالمحتوى وانتهاء بالمتلقي.

يدرك القائمون على المؤتمر حجم الصعوبات التي تكتنف هذا الموضوع في عالم افتراضي أحكم سيطرته على الجمهور، وبفاعلية منقطعة النظير أخذ يهشم في شواطيء التقليدي من الاعلام، وما يشكله ذلك من اهتزازات في مختلف المنظومات، فهل بمقدور التقليدي استعادة زمام المبادرة، ام اننا سائرون نحو التشكل العشوائي لمنظوماتنا الثقافية والفكرية، وترك المدرسة لوحدها تصارع التحديات التي يعج بها الميدان.

لقد أحاط المؤتمرون بمجمل التحديات وعلاقتها بما يشهده المجال الاتصالي من تطورات مذهلة، وما يفرضه الواقع السياسي من تعقيدات، وقدموا توصيفات دقيقة لطبيعتها، لكنهم مروا على سطوح الحلول دون الغوص في أعماقها، لضيق الوقت وتشعب الموضوع وتنوع ارتباطاته.

وليس من باب توجيه أصابع الاتهام لوسائلنا الاعلامية، وكأنها الوحيدة العاملة في مجال التنشئة بحسب دفاع زميلي الاستاذ الدكتور أحمد عبد المجيد رئيس تحرير جريدة الزمان طبعة العراق، من دون أن ينكر الضعف في بعض جوانب الأداء، لكننا نؤكد ان أداء سائبا يهيمن على مشهدنا الاعلامي، انتهى بالمحصلة الى غلبة المحتوى الدعائي على المحتوى الاعلامي الموضوعي على حد قول الاستاذ الدكتور كاظم المقدادي. وليس صدفة تحقق هذه الغلبة، فلامبالاة الجهات المعنية بتنظيم العمل الاعلامي، ومحاكاتها لتجارب اعلامية في مجتمعات تختلف عن مجتمعنا بمنظوماتها الثقافية ومستويات استقرارها ورسوخ أنظمتها، قادت الى هذه الفوضى التي يتعذر معها ضبط الأداء وايقاف الانحراف.

وعليه فان اصلاح الاعلام أصبح مقدمة لابد منها لأي اصلاح نعتزم القيام به، وهذا ما يدعونا للاقتراح على عمادة كلية الاعلام التي عرف عنها حسن اختيار موضوعات مؤتمراتها، الى تنظيم مؤتمر لتقييم الأداء وكيفية الاصلاح.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق