q
في ظل الارتفاع المستمر في درجة حرارة كوكب الأرض، يتبادر إلى الذهن تساؤل حول مصير الأشجار في مناطق الغابات المختلفة حول العالم، وما إذا كان تزايُد مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيساعد على نمو الأشجار، أم أن التقلبات الحادة في درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار قد تعوق قدرة الأشجار على الاستمرار في النمو؟...
بقلم محمود العيسوي

في ظل الارتفاع المستمر في درجة حرارة كوكب الأرض، يتبادر إلى الذهن تساؤل حول مصير الأشجار في مناطق الغابات المختلفة حول العالم، وما إذا كان تزايُد مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيساعد على نمو الأشجار، أم أن التقلبات الحادة في درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار قد تعوق قدرة الأشجار على الاستمرار في النمو؟

وعلى الرغم من البساطة التي قد يبدو عليها ذلك التساؤل، إلا أنه يُمثل إحدى الركائز الأساسية التي يرتكز عليها الباحثون المعنيون بدراسة الأشجار، وهو سؤال لم تكن إجابته مفهومة جيدًا قبل الآن، ومفادها أن نمو الشجرة يعتمد اعتمادًا أساسيًّا على القدرة على إجراء عملية التمثيل الضوئي، وكذلك الظروف البيئية التي تؤثر على نمو خلايا الشجرة.

وفي السياق، قدم فريق من الباحثين الدوليين بقيادة جامعة "يوتا" الأمريكية إجابةً عن هذا التساؤل قد تكون أكثر مصداقيةً، مشيرين إلى أن "معدلات نمو الأشجار لا تقتصر بشكل عام على عملية البناء الضوئي، بل بقدرة خلايا الأشجار على النمو، وهو ما يعني أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في الطريقة التي نتوقع بها نمو الغابات في ظل التغيرات المناخية".

تتوقع الدراسة، التي تم تمويلها من مؤسسات أمريكية متنوعة، منها وزارة الزراعة الأمريكية و"مؤسسة ديفيد ولوسيل باكارد"، و"مؤسسة العلوم الوطنية"، ووزارة الطاقة الأمريكية، ونشرتها دورية "ساينس"، أن الغابات قد لا تكون لديها القدرة على امتصاص الكمية نفسها من الكربون من الغلاف الجوي مستقبلًا، كما يعتقد البعض.

من جهته، يوضح ويليام أنديريج -الأستاذ المساعد في كلية العلوم البيولوجية بجامعة "يوتا"، والباحث الرئيسي في الدراسة- أن "نمو الشجرة يشبه الحصان الذي يجر عربةً ويتحرك بها إلى الأمام على الطريق"، مضيفًا: "ولكننا في الأساس لا نعرف ما إذا كان البناء الضوئي يمثل الحصان في أغلب الأحيان، أم أنه يتمثل في تمدد الخلايا وانقسامها، والإجابة عن هذا السؤال مهمة للغاية من أجل تفسير كيفية استجابة الأشجار للتغيرات المناخية".

من الأمور الأساسية التي تعلمناها في المرحلة الابتدائية أن الأشجار تنتج غذاءها من خلال عملية البناء الضوئي، التي تعتمد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون والماء، وتحويلهما في وجود ضوء الشمس إلى أوراق وجذوع خشبية، إلا أن هناك أبعادًا أخرى لكيفية نمو الأشجار، إذ إن تحويل الكربون المكتسب من التمثيل الضوئي إلى لحاء يتطلب أيضًا تمدد الخلايا وانقسامها.

ويشير أنطوان كابون -باحث ما بعد الدكتوراة في كلية العلوم البيولوجية بجامعة "يوتا"، والمؤلف الرئيسي للدراسة- إلى أن الشجرة تحصل على الكربون من الغلاف الجوي خلال عملية التمثيل الضوئي، وهذا هو مصدر الكربون للأشجار، ثم تستهلك الشجرة الكربون في بناء خلايا جديدة، وبالتالي فإن هذه الخلايا الخشبية تمثل بالوعة الكربون الخاصة بالشجرة.

يقول "كابون" في تصريحاته لـ"للعلم": إذا كان نمو الشجرة يعتمد على مصدر محدود للكربون، فإنه يقتصر فقط على مقدار التمثيل الضوئي الذي يمكنها فعله، وبالتالي يمكن التنبؤ بمعدلات نمو الأشجار باستخدام بعض النماذج الرياضية، إلا أنه في المقابل، وفق هذه الفرضية، فإن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من شأنه أن يسمح للأشجار بالنمو بمعدلات أكبر.

يضيف "كابون": أما إذا كان نمو الشجرة لا يقتصر في الأساس على مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإنها تنمو وفق قدرة خلاياها على الانقسام وسرعتها، ولعل هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على قدرة الشجرة على التمثيل الضوئي، وعلى معدل نمو الخلايا، وتشمل هذه العوامل درجة الحرارة، وتوافُر المياه، والعناصر الغذائية.

ولحسم الإجابة عن هذا التساؤل، عقد الباحثون مقارنات بين مصادر الكربون ومعدلات غرق الأشجار في عدد من الغابات بأمريكا الشمالية وأوروبا واليابان وأستراليا، لقياس معدلات بالوعات الكربون، إذ كان الأمر سهلًا نسبيًّا، كما جمع الباحثون عينات من الأشجار التي تحتوي على سجلات للنمو.

يقول "كابون": "من خلال استخراج نواة الجذع من سيقان الأشجار، وقياس عرض كل حلقة بطول الجذع، فإن ذلك يتيح -بشكل أساسي- وضع نموذج لإعادة بناء نمو الأشجار كما في السابق، وبالرغم من أن قياس مصادر الكربون كان أمرًا أكثر صعوبة، إلا أنه أصبح ممكنًا؛ إذ تم قياس مصدر الكربون من خلال 78 برجًا من أعمدة الغلاف الجوي، بارتفاع 30 قدمًا أو أكثر، في مناطق الغابات".

ويتابع: بناءً على هذه القياسات وبعض الحسابات الأخرى، يمكننا تقدير إجمالي التمثيل الضوئي للأشجار في الغابة، ونرى أن نمو الأشجار لا يعتمد فقط على مستويات الكربون بقدر ما يعتمد على الظروف البيئية والمناخية المحيطة بالشجرة، مما يعني أن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى إعادة توزيع مصادر وبالوعات الكربون لكثير من الغابات حول العالم.

اضف تعليق