q
الإشكالية التي وقعت بها الحكومات السابقة والحالية وربما يستمر ذلك الى القادمة هي الخروج عن الوظائف الأساسية المناطة بها، والابتعاد عن مشروعيتها عبر الملاحقة المستمرة للعناصر الفعالة من المجتمع وتكرار المشاهد الدموية التي بينت مدى التخلي عن الإنسانية، متناسية الازمة الوجودية المتنامية في المجتمعات العربية وهي الشمولية في كل شيء...

أول سؤال قد يوجه اليك في المطار او أي بلد آخر هو، من أي بلد انت او من أي دولة؟، فلا غنى لأي شخص مهما بلغ من المرتبة العلمية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، عن الانتساب الى بلد معين يعيش على ارضه ويكوّن اسرة ويرعاها وبذلك تستمر الحياة، وتشترك بنفس الامر الملايين من البشر على ارجاء المعمورة.

ببساطة لو طرح علينا السؤال الآتي، بماذا الفرد يحتاج الدولة ولماذا؟، فماهي الإجابة على ذلك برأيكم احبتي القراء؟، هل سيحتاج الدولة لتدعمه في حربه ضد دول الجوار؟، ام لبناء امبراطورية حزبية خاصة به تمهيدا لدخوله العملية السياسية من أوسع أبوابها؟، بالتأكيد المواطن يحتاج الوطن ليشعر بالطمأنينة بأن هنالك رقعة يلجأ اليها في المصائب وتساعده على تخطي الازمة.

ظهر مفهوم الدولة مع بداية ظهور الحضارات البشرية المعروفة كالحضارة السومرية والاكدية والبابلية وغيرها من الحضارات الضاربة في عمق التاريخ، وعقب ذلك الظهور اختلفت التسميات والآراء حول الهدف من وجود الدولة وماهي الحاجة لأقامتها على مدى العصور السالفة، حتى استقر الحال الى ما وصلت اليه من تسمية شائعة وأسباب وجود ذلك الكيان المادي والمعنوي.

يرى من سبقنا في البحث والتناول ان الدولة وجدت لأنهاء حالة الفوضى التي تتعرض لها الشعوب المختلفة، فمن خلال وجود الدولة يمكن ان يكون للمواطن الساكن على ارضها حصانة ودرع يمنع الاعتداءات من الوصول اليه او التطاول عليه، فالدولة تعني القانون الذي يرسخ نظرية العقد الاجتماعي والتي ترى نشأة الدولة تأتي نتيجة إجماع الشعب والحكام على قيام كيان مُحق للحق ومُبطل للباطل.

بدون قيام الدولة المستندة على القوانين واللوائح التي تنظم حياة الأشخاص لا يمكن ان تسير الأمور بعدالة كما يريد ان يعيش الانسان، فقد يكون تغييب القانون، يفسح المجال لبروز شريعة الغاب وتصبح هي الثقافة السائدة في الأوساط المجتمعية وبذلك تحدث العديد من حالات الظلم على طبقات واسعة من المجتمع.

وفي الفترات الأخيرة على وجه التحديد يمكن القول ان الحاجة من الدولة في العراق انتفت، وأصبحت الحكومة هي من تمارس الظلم بحق المواطنين وهي المسؤولة عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطنين، فالدولة بالاعتداءات المتكررة على حياة الافراد وتنغيص معيشتهم فقدت الكثير من شرعيتها.

وغاب في الفترات الماضية نهج العدالة الاجتماعية من خلال الممارسات السيئة من قبل السلطات القائمة، فبدلا من توفير السلم والامن المجتمعي، صارت الحكومات هي مصادر التخويف للمواطنين والعامل الرئيس في خلق الفوضى والذعر بين الأهالي الذي يبحثون عن المعين لهم وتخليصهم من الهموم التي تلاحقهم من زمن الى آخر.

ويرى المواطن الى الدولة على انها السبيل الوحيد الذي يطور حياته ويأخذ بيده نحو السمو والرفعة بجميع الاتجاهات، فهي الوسيلة التي من خلالها تكتمل مصالح المواطنين وتوفر لهم البيئة الصالحة والمساعدة على التطور والتقدم، للارتقاء بالإنسان وتعمير الأرض التي اصطفاه الله ليكون خليفته فيها.

وفي أحيانا كثيرة نلمس في واقعنا المعاش ان الدولة أصبحت هي مصدر العنف، وتكرر ذلك جميع المؤسسات التابعة لها، حتى تمادى الامر الى شرعنة العنف ضد المواطنين، وهي تستمد هذه الشرعية من المكانة التي منحها لها الشعب، وتحول بعد ذلك حتى أصبح الظلم والاضطهاد غاية من غايات وجود الدولة وسبب من أسباب قوتها وتحكمها في مصائر الشعب.

ففي الآونة الأخيرة باتت مشاهد القمع للحركات الاحتجاجية والتلاعب الواضح والتشديد على وسائل الإعلام، اذ تترجم جميع هذه المشاهد المتكررة حجم التحكم والرغبة في السيطرة على حرية الافراد الذين بدأ التضييق عليهم وسط تفرج وعدم تحريك ساكن من قبل أصحاب الحل والعقد على المستوى الاجتماعي، لحماية حقوق المواطنين من الاعتداء المتواصل.

الإشكالية التي وقعت بها الحكومات السابقة والحالية وربما يستمر ذلك الى القادمة هي الخروج عن الوظائف الأساسية المناطة بها، والابتعاد عن مشروعيتها عبر الملاحقة المستمرة للعناصر الفعالة من المجتمع وتكرار المشاهد الدموية التي بينت مدى التخلي عن الإنسانية، متناسية الازمة الوجودية المتنامية في المجتمعات العربية وهي الشمولية في كل شيء وعدم الاعتراف بالأنظمة العصرية التي تدعي المجيء لمصلحة الانسان بينما هي من تسببت بكل معاناته وساد لديه الاعتقاد بعدم الحاجة الى الدولة.

اضف تعليق


التعليقات

مصطفى عبدالحسين
العراق
الدولة اداة ادارة شؤون الافراد والجماعات ، وبغض النظر عن موضوعة جوهرها فقد ذكر الإمام علي عليه السلام أن لابد للناس من إمارة برة أو فاجرة، لغرض تسيير امور المجتمع، وقد خيل للماركسية أنها اداة قهر طبقي، وبزوالها كما تنبأت يزول الظلم والاستبداد، ومثل هذا ما حصل ولن يحصل، اما السلطة الحاكمة اليوم فهي انعكاس لنمط الدولة التي كررت التمثيل الطائفي اللبناني وأمعنت في ذلك التمثيل المكوناتي لتصبح إثنو-طائفية، بدل أن تعكس واقع اقتصادي تسوقه طبقات وفئات اجتماعية منتجة، وهنا يكمن الخلل، بعدم وجود قوى اجتماعية قادرة على إلغاء ذلك وجلب صيغة أكثر واقعية، بعيدا عن دغدغة مشاعر المكونات، والتذكير بمظالم عقود من التهميش لدى بعضها.2022-06-06