q
ما تقوم به الدول الكبرى من صناعة وإدارة الحروب بهذه الكثافة يؤكد أن العالم الذي بنى آماله على عقلانيتها حين جعلها مسؤولة عن الأمن الدولي وحلم بتحقيق توازن يجنبه الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، قد أخطأ كثيراً في حساباته، فهذه القوى العظمى لا تهتم إلا بمصالحها الذاتية ومشاريع نفوذها...
بقلم: حسن إسميك

تحدثت في مقالي الذي نُشر مؤخراً عن الجدل التاريخي بين مفهومي "قوة المنطق"، و"منطق القوة"، الذي وسم التفاعلات الإنسانية، منذ بداياتها الأولى البسيطة، إلى أن تعقدت وبلغت المستويات التي نراها ونعاينها اليوم، وقلت إن علينا دائماً "أن نفكر – كأفراد أو كدول – بامتلاك القوة، لكن وفي الوقت ذاته يجب أن يكون هناك منطق يحكمها ويعقلها، فالقوة من دون منطق جبروت وطغيان وعنف، والمنطق بلا قوة عاجز ومستهدف"، لذلك لا بد من الخروج عن كلا الطريقين نحو طريق ثالث لا ينفيهما، بل يجمع بينهما على النحو الصحيح. وفي الحقيقة لم أكتب ذلك المقال عن مجرد ترف فكري بقصد التنظير أو تقديم المواعظ، فهو أبعد ما يكون عن ذلك أو عن أي شكل من أشكال اليوتوبيا الحالمة، ولا أزال أؤكد أن ميل الكفة لصالح "منطق القوة" بمقابل "قوة المنطق" إلى الحدود الهائلة التي نشهدها اليوم يجعل العالم كله في خطر محدق.

وقد تعلمت من الفلسفة أن الصيرورة تحكم العالم كقانون أزليّ لا جدال فيه، يحرّكها صراع الأضداد الدائم. وكان الفيلسوف اليوناني هيراقليطس قبل أكثر من 2500 عام قادراً على الحديث عن الانسياب الدائم في الأشياء، كأساس للتطور، معبراً عن جدلية النظري والعملي من خلال أقواله عن التغيير وصراع الكل ضد الكل. وإذا كانت الفلسفة هي التفسير العقلي للوجود، فإن فلسفة السياسة هي القراءة النظرية لتجارب الواقع العملي، ووضع المعايير والمبادئ الضامنة لتوجيه التغيير نحو تعزيز العدل والحق، وليس نحو الخطر الجسيم كما يحصل اليوم أمام غياب أصوات عاقلة تعيد تصويب مجرى البشرية بعيداً من الحروب والعداوة والصراع اللا منتهي.

عدوى الحروب

استشرت الحرب في معظم دول العالم كالعدوى الذي لا مفرّ منه، حروب هنا وصراعات هناك، وغاب صوت العقلاء سواء من ساسة أو أساتذة جامعيين أو أصحاب النزعة الإنسانية التي تمجد القيم والأخلاق، وتُغلِّبها على القيم المادية التي باتت تقود العالم اليوم إلى مجهول قد يكون حرباً عالمية ثالثة لا تستثني أحداً ولا يمكن التكهن بنتائجها، فأين الحكماء في السياسة والدين والإنسانية؟ هل تخلى الكلّ عن مسؤولياته الأخلاقية وانخرط في لعبة الصراع؟ أم التزم الصمت وفضَّلَ الانكفاء أمام لامبالاة أصحاب القرار ومصالح القوى الكبرى وضجيج السلاح الذي لا يهدأ؟

إذاً، يحتدم الصراع والنزاع بمختلف أشكاله في كلّ جزء من العالم اليوم، وعلى جميع المستويات، وفي حين كان هيراقليطس يرى أن "الصراع لا يقود إلى فناء الأشياء بل إلى قيامها وجعلها ممكنة الوجود"، يبرز الآن هذا الصراع متخذاً بُعداً جديداً كحرب بين الفناء والبقاء، إذ أن حتمية التطور البشري باتت تصطدم بشدّة مع احتدام المنافسة بين الجماعات من أجل السيطرة على الحاضر والمستقبل، ولا يترك التسارع الهائل في هذا التطور ومتطلباته المتزايدة متسعاً من الوقت للتفكير في حلول أو خيارات مدروسة، وكأن فحوى القانون الذي يقود كل من يمتلك قوّة ما في العالم هي الآتي: "لا أحد ينتظر، إذا كان بإمكاني الحصول على ما أريد بضربة واحدة فلماذا أرسم له خططاً بعيدة وعدوّي رابض على بابي؟". هكذا يحضر "المسدس على الطاولة" دائماً، ويرتفع صوت الحرب والتهديد والوعيد، ولا يعود بالإمكان سماع أيّ صوت آخر.

عصر السرعة... لا وقت للتفكير!

بعد حربين عالميتين اثنتين، خُيّل للكثيرين أن العالم تعلّم الدرس، وبدا أن الجميع قد سارع نحو الاحتكام إلى قانون دولي والسير تحت قيادة منظمة تعنى بحماية حقوق الإنسان بشكلٍ يمنع تكرار المأساة للمرة الثالثة، كان هذا تصور النزعة لدى المدرسة المثالية في العلاقات الدولية، والتي رأت أن التعاون من أجل سلام الشعوب ونمائها هو ما سيكون سمة المرحلة المقبلة، في حين برزت مدرسة ثانية "واقعية" رأت بوضوح أن مصالح القوى الكبرى هي التي ستحكم العالم، حيث لا يحكم سوى قانون "القوة"، وبالتالي فإن الصراعات ستستمر وتتمدد وتتخذ أشكالاً مختلفة مع مرور الوقت، ولسنا بحاجة للإشارة إلى صحة هذا الاتجاه حسب اعتقادي! حيث تشير البيانات إلى تطور جغرافية الصراع المادية والجيوسياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإلى ارتفاع متوسط مدة الحروب الأهلية من خمس سنوات في عام 1950 إلى خمسة عشر عاماً بحلول العام 2000، بالتوازي مع تزايد عدد الصراعات المسلحة من أقل من 20 قبل عام 1950، إلى ذروة 52 في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مولدة أنماطاً جديدة من العنف، حسب ما نشر مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

خلال فترة الحرب الباردة، كانت القوى العظمى حذرة جداً في تقاسم مناطق النفوذ بينها من خلال الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية، فكانت تعمل على نشر أيديولوجيتها في أي بلد قبل أن تفكر بالتمدد عسكرياً، ولقد أسهمت الجهود المكثفة للوساطات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بتراجع عدد الصراعات إلى ما دون 35 في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ليعود ويرتفع بشكل حاد بعد عام 2011، ويزداد عدد قتلى المعارك حول العالم أربعة أضعاف. إذاً، تبدو الصورة اليوم مقلوبة تماماً، حيث تسبق آلة الحرب الفتاكة أي حوار أو مفاوضات، فتحدث الصراعات أولاً، ثم يبدأ التفاهم على قاعدة الغالب والمغلوب، إذ لا وقت عند أحد للتفكير!

ورغم كل ما حمله التطور التقني والتكنولوجي وتقدم العلوم من وعود بتحسين حياة البشر، فقد خلق هذا التطور من ناحية ثانية طلباً متزايداً على الموارد الأساسية للصناعة، ومع ازدياد عدد سكان العالم تفاقمت الحاجة إلى تسريع الإنتاج، ما خلق وقوّى التنافس بين الدول على الموارد وتوسيع مناطق النفوذ، تتجلى أحدث مظاهر هذا التنافس في السباق بين أوروبا وأميركا وروسيا والصين على تقاسم الأراضي في منطقة المحيط المتجمد الشمالي، ما ينذر بحروب آتية مدمرة وكارثية، لن يستطيع أحد التكهن بآثارها.

من الواضح إذاً أن الجانب الإنساني قد بدأ بالتراجع أمام الآخر المادي في العلاقات الدولية، تراجع يحمل تناقضاً جوهرياً، إذ وبدل أن يحصل الإنتاج والتطور تلبية لحاجة البشر، نجد أنهم صاروا ضحيته الأولى، وفي حين تزداد الدول الغنية والقوية قوة وثروة، تزداد مساحات المقابر للموتى جوعاً أو كضحايا الحروب في الدول الفقيرة، ما يؤكد أيضاً صحة مقولة الفيلسوف الإنكليزي هوبز: "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان".

هل اتخذ العالم قراراً دائماً بالحرب؟

وأمام تلك "الذئبية" في العلاقات الإنسانية، تتنحى معظم وسائل وجهود إدارة الأزمات وحلّ الخلافات بين الدول بطرق سلمية، أو حتى إذا حضرت فسرعان ما تبدو عديمة الفائدة أمام لغة الحرب، أو التهديد بالحرب، كأسلوب للتعامل بين مختلف الجماعات، إذ لا يتطلب الأمر سوى أن يتقاذف الساسة الاتهامات ويتبادلون تصعيد الأمور. ولنا فيما يحصل اليوم وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية خير مثال على استفحال هذا النمط التصعيدي في العلاقات الدولية. بات خيار الحرب، واحداً من الخيارات السياسية الاعتيادية، ولم يعد شنُّها بالأمر الجلل، وصار اللجوء إليها يتم بسهولة، وحتى قبل التفكير بالحلول الأقل كارثية، كالتفاوض والوساطات وغيرها.

صعّدت روسيا، فصعّد الغرب، واستمر الاستفزاز المتبادل إلى أن اتخذ بوتين قرار الحرب، الأمر الذي أرى فيه خطأ استراتيجياً كبيراً، فرض على الغرب – ومن خلال أوكرانيا – الاستثمار فيه لإضعاف روسيا واستنزاف قدراتها، فيطول أمد الحرب، ويزداد ضحاياها وتزداد تكاليفها أمام أنظار العالم كله. ولا أظن أن انتهاء القتال في أوكرانيا سيعني انتهاء هذا النمط من الحروب، فالوضع في تايوان على شفى حفرة من نار، وقد يزداد التصعيد في أية لحظة ليتحول إلى حرب مع الصين، وأيٌّ من هذه الحروب – في ظل الاستقطاب الهائل الذي يعيشه العالم اليوم – مؤهلة في كل لحظة لتصير حرباً عالميةً تشمل كل الدول من مشارق الأرض إلى مغاربها.

من ناحية ثانية، إن ما يعزز اتجاه العالم نحو الصراع المسلح لحلّ مشاكله سريعاً، هو دخول خوارزميات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، الأمر الذي يعتقد كثيرون أنه سيكون أشد فتكاً مقارنة بصاروخ نووي، ويصفه الخبراء بالثورة الثالثة للحروب بعد البارود والأسلحة النووية، فهي تتيح تحديد أهداف معينة (قد يكون شخصاً واحداً) خارج حدود الدول، وتدمير ذلك الهدف بدقة من دون الحاجة إلى تدخل بشري، ويعتقد أحد المتخصصين في علوم الذكاء الاصطناعي أن تكلفة سرب مُكوَّن من 10.000 طائرة بدون طيار قادرة على إبادة نصف مدينة تصل الآن إلى أقل من 10 ملايين دولار، ما يعني أننا نستطيع الحصول على قاتل سياسي دقيق لا تتعدى تكلفته ألف دولار! يحدث كل هذا اليوم مع غياب الثقة في التعويل على المسؤولية الأخلاقية لدى الساسة أو أصحاب القرار لثنيهم عن استخدام هذه التقنيات بأبشع الصور الممكنة ومن دون ضوابط.

وبإمكان أي رجل سياسة مغامر أو متهور ممن حفلت بهم الساحة العالمية خلال العقود الأخيرة، أن يتخذ قراراً سريعاً بحرب إبادة دون أن يستطيع أحد ردعه، فمن يضمن - على سبيل المثال - عدم قيام كوريا الشمالية التي تجري تجارب صاروخية ناجحة بشكل متواتر، وتهدد جارتها الجنوبية باستمرار، من يضمن عدم شنِّها هذه الحرب في أي لحظة؟ خاصة وأن جنون استعراض السلاح يبدو كآفة معدية بات يغذيها استعداد الجميع للانخراط في هذه اللعبة الكارثية، وبشكل صار خارجاً عن السيطرة وسمح حتى لأصغر الجماعات المتطرفة في أي مكان بالعالم بامتلاك أسلحة فتاكة تهدد فيها أمن الدول الداخلي والخارجي، وتفرض نفسها كقوى فاعلة في المشهد الدولي الملتهب، بخاصة حين تستخدمها القوى الداعمة لها حين تريد شن حرب هنا أو إثارة فوضى هناك، وهذا أشد تعبير عن طغيان الحرب على المستوى الجزئي والكلي في العلاقات الدولية الراهنة.

الأساس الثاني الذي يرتكز عليه التوتر الدولي المتصاعد بعد تطوير السلاح هو الإعلام. يفتقد العالم أجمع إلى إعلام يدفع نحو السلام أو يروج له، بل وعلى العكس، تسارع الماكينات الإعلامية إلى التلفيق وتشويه الحقائق وتحريض مختلف الفئات والمجموعات بعضها ضد بعض بشكل ممنهج، مستفيدة من التطور الهائل الذي جعل هذه المكنات في متناول كل يد، لتستغل ذلك في ضمان استمرار الصراع القائم وخلق صراعات جديدة في المجتمعات كما بين الدول. ورغم قدرة الإعلام على لعب الدور المعاكس تماماً، طبعاً في حال توافرت الإرادة لدى المتحكمين به، إلا أن احتكام الإعلام للمصالح السياسية سيفرض عليه قيمها وقوانينها بالضرورة.

إن ما تقوم به الدول الكبرى من صناعة وإدارة الحروب بهذه الكثافة مؤخراً يؤكد أن العالم الذي بنى آماله على عقلانيتها حين جعلها مسؤولة عن "الأمن الدولي" وقراراته، وحين حلم بتحقيق توازن يجنبه الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، قد أخطأ كثيراً في حساباته، فهذه القوى العظمى لا تهتم إلا بمصالحها الذاتية ومشاريع نفوذها، ويبدو أن النظام الدولي الحالي غير قادر البتة على المحافظة على الأمن والسلام الدوليين، بخاصة مع اتساع نطاق الحروب وتعدد جبهاتها.

هذه لمحة موجزة عن السلوك الدولي الراهن، والذي ينعكس أزمات واختناقات اقتصادية لا تستثني أحداً، فكميات الطاقة المطروحة في الأسواق تتقلص، وكُلف الإنتاج والأسعار ترتفع في جميع أنحاء العالم، حتى باتت دول كثيرة تواجه عجزاً متفاقماً في الغذاء وتأمين الحاجات الضرورية، وهذا بدوره سيقود إلى مزيد من الحروب الداخلية تحت مسميات مختلفة، وهي ليست في جوهرها إلا صراعاً من أجل البقاء يجعل التغيير الذي تحدثنا عنه بداية يسير في اتجاه واحد: مزيد من الحرب والقتل والفقر يهدد أمماً كاملة وضعت يوماً ثقتها في من تخلى عن مسؤولياته أمام مصالحه.

أين عقلاء العالم؟

إذا كان الساسة بمثابة الحوذي الذي يقود مركبة العالم فيحق لنا السؤال إلى أين سيسير هؤلاء بنا؟ ومن يضمن عدم إفلات اللجام في لحظة ما؟ شخصياً لا أعتقد أن العالم قد خلا من العقلاء والحكماء سواء في ميادين السياسة أو الفلسفة، والذين كان لنظرائهم في السابق دور حاسم في صناعة وتوجيه سياسة البلدان، إذ قدموا من خلال عملهم إجابات وافية عن المسائل الأساسية في تنظيم المجتمعات وتوزيع السلطة ونقد أشكال الحكومات والمؤسسات، وحددوا أفضل أشكال العلاقة بين الفرد والآخرين بناء على دراسة وفهم طبيعة الإنسان باعتباره "حيواناً اجتماعياً وسياسياً"، وقد جرى كل ذلك ضمن إطار قيم العدالة والخير والحق، ذلك الإطار الذي يدفع بالحال إلى أن يتولى الحكم سياسيون عاقلون لا تقودهم غرائزهم أو مصالحهم وغرورهم، فيبقوا ملتزمين بالمعايير الإنسانية والضوابط الأخلاقية.

غير أن ما نلحظه اليوم هو اتساع الهوّة بين هؤلاء الحكماء والسياسيين، ويرجع ذلك في الدرجة الأولى إلى ادّعاء السياسيين بأن الحكماء يقدمون حلولاً مثالية بعيدة من الواقع، وأنهم - أي السياسيون - هم الأقدر على تقدير مجريات الأمور ومصالح الناس، فكانت النتيجة انكفاء العقلاء وأصحاب الضمير واقتصار عملهم على التنظير الذي لا يصل مسامع القادة ولا يكترثون به إن وصل، ورغم أن هذا التباعد ليس بجديد في السياسة، غير أنه لم يشهد مثل هذه القطيعة سابقاً، وكل ما أسلفت ذكره من اتجاه العالم نحو الحروب المتتالية إنما سببه الرئيس هو استئثار السياسيين (الذين تقودهم مصالحهم بالدرجة الأولى) بوضع القوانين وصناعة القرارات المهمة.

نحتاج اليوم ومن دون تأخر إلى عقلنة السياسة، وإلى وجود حكماء قادرين على استقراء الحلول من الواقع السياسي بعيداً من المثالية المفرطة وعن اقتصار الحديث على "ما يجب أن يكون"، والانتقال بنا إلى صناعة الممكن. وينبغي على هذه الأصوات ألا تبقى خافتة، فنحن بأمسّ الحاجة إلى التخلص من عقلية القرون الوسطى القائمة على الكراهية والحرب، ولا بد من انتقال هذا النمط الفكري من حيز التمييز الديني والعرقي والمذهبي، إلى عقلية أكثر انفتاحاً ومعاصرة، تقدس الإنسان وتلغي الفروقات وتقضي على "الذئبية" في العلاقات الإنسانية لتحلّ مكانها مبادئ التعاون والشراكة الغنية بالأبعاد الروحية والقيم الإنسانية المثالية.

من جهة ثانية، يحتاج العالم إلى إصلاح مؤسساته ومنظماته وتوجيهها في خدمة القضايا الإنسانية أكثر من قبل، كما يحتاج إلى التفكير ملياً والعمل بجد على إعادة هيكلة المنظمات الدولية التي تسيطر عليها الدول العظمى، مع التأكيد على ضرورة تفعيل دور الدول الفقيرة والمهمشة – صاحبة المصلحة الأولى في السلام – في صميم قراراته، فهي قد تكون أكثر فاعلية في هذه المنظمات من الدول العظمى التي أعمتها القوة وطغى على تفكيرها البعد المادي المتحكم في سلوك قادتها.

وإذا كان التغيير حتمياً فيجب أن يكون لدعم الإنسانية وليس لفنائها، كما يجب في هذا الإطار أن يتم توجيه الطاقات والقدرات وتوظيف التطور الهائل بكل أبعاده وأشكاله في خدمة قضايا الصحة والتعليم والتنمية ومكافحة العنف والإرهاب، وتوجيهها أيضاً لمساعدة الشعوب الفقيرة على العيش بكرامة.

ولكي تتحقق هذه الآمال الكبرى، فهي بحاجة ماسة إلى اجتماع حكماء العالم على هدف واحد يكون مفاده نسج وتمتين السلام في العالم أجمع، واعتبار هذا الهدف غاية الجميع وشرط الحفاظ على مصلحتهم من دون نزاع. ولكي تتحقق هذه الآمال ويسود السلام الدولي في العالم لا بد من التمسك بمقولة هيراقليطس بضرورة الإصغاء إلى اللوغوس أو صوت العقل!

* المصدر: النهار العربي

اضف تعليق