q
لقد انتهى وقت الانتظار. نُشرَتْ بالفعل الصورة العلمية الأولى التي التقطها التلسكوب الفضائي جيمس ويب التابع لوكالة ناسا، وهو ما جعل علماء الفلك في حالة اندهاش. فقد أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن الصورة التاريخية، وهي أعمق صورة فلكية للكون البعيد...
بقلم: ألكسندرا ويتز

لقد انتهى وقت الانتظار. نُشرَتْ بالفعل الصورة العلمية الأولى التي التقطها التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لوكالة ناسا، وهو ما جعل علماء الفلك في حالة اندهاش. فقد أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن الصورة التاريخية، وهي أعمق صورة فلكية للكون البعيد، خلال مؤتمر صحفي عُقِد في البيت الأبيض يوم الاثنين. وستَنشر وكالة ناسا المزيد من الصور في 12 يوليو.

تَعرض الصورة الأولى، التي فُرضتْ عليها حراسة مشددة قبل الكشف عنها، القدراتِ التحويلية للتلسكوب. فتُظهِر الصورة آلاف المجرات البعيدة في كوكبة «السمكة الطائرة»، أكثرَ خفوتًا من أي مجرات شوهدتْ من قبل، في بقعة من السماء لا تزيد مساحتها عن تلك التي تغطيها حبة رمل على طول ذراع.

وقال بايدن عند نشر الصورة إنها تُظهِر "أقدم ضوء مُوَثَّق في تاريخ الكون، من أكثر من 13 مليار — دعوني أقول ذلك مرة أخرى — 13 مليار سنة مضتْ". وأضاف: "من الصعب حتى استيعاب ذلك".

تقول فيفيان يو، عالمة الفلك بجامعة كاليفورنيا بمدينة إرفاين: "أنا مندهشة تمامًا". وتستطرد قائلة: "لا يسعني سوى التحديق في الصورة ومحاولة فهم ماهية كل هذه اللطخات ولماذا توجد هناك".

يتوقع العلماء أن يُحدِث «ويب»، أكبر تلسكوب أُطلِق في الفضاء، ثورةً في دراسة الكون. واختيرت الدفعة الأولى من الصور التي من المُزمَع إصدارها، من بينها لقطة الحقل العميق، لتشمل جميع الأهداف العلمية الرئيسية للمرصد: الكون في مراحله المبكرة، وتطور المجرات والنجوم، والكواكب خارج النظام الشمسي.

تلسكوب تحويلي

على عكس تلسكوب «هابل» الفضائي — أحد أكبر التلسكوبات الفضائية وأشهرها — يكتشف «ويب» بشكل أساسي الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء. وبدراسة الأضواء تحت الحمراء، يمكن أن يخترق سُحُب الغبار التي تحجب النجوم الوليدة، ويمكنه أن يتعمق في الكون أكثر من أي وقت مضى. يقول زولت ليفاي، عالم فلك متقاعد ومُعالج صور عمل لعقود على صور «هابل»: إن «ويب» "ليس الإصدار الثاني من «هابل»، إنه حقًا تلسكوب مختلف تمامًا". ويضيف "ما ننظر إليه هو عبارة عن ضوء غير مرئي".

لا يُمكِن رؤية المجرات التي تقع بعيدًا جدًّا عن الأرض إلا في الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء، لأن تمدد الكون قد حوّل ضوءها من الجزء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسي إلى الأشعة تحت الحمراء. تُظهر أولى صور «ويب» للحقل العميق هذا التأثير بشكل هائل حول عنقود من المجرات المعروفة باسم SMACS 0723، والتي تقع على بعد نحو 4 مليارات سنة ضوئية من الأرض. وتنحني جاذبية العناقيد وتضخم ضوء الأجسام الموجودة خلفها، مما يسمح لعلماء الفلك بإلقاء نظرة خاطفة على الأجسام البعيدة للغاية.

تقول ليزا دانج، عالمة فلك بجامعة ماكجيل في مونتريال بكندا: "ما يلفت انتباهي هو المجرات المشوهة". وتضيف: "إنها تبدو وكأنها ليست المجرات الأخرى التي نعرفها".

تُظهِر الصورة الأولى لتلسكوب «ويب» المجرات التي قد يعود تاريخها إلى أكثر من 13 مليار سنة، رجوعًا إلى الانفجار العظيم تقريبًا الذي أسفر عن تشكُّل الكون قبل 13.8 مليار سنة. إنه يستدعي إلى الأذهان العديد من الصور الأيقونية عميقة الحقل التي التقطها هابل. وقد كشفتْ أولى تلك الصور، التي جرى إعدادها على مدار 10 أيام خلال عطلة عيد الميلاد في عام 1995، أنه على ما يبدو أن بقعة فارغة من السماء كان منتشر فيها الآلاف من المجرات التي لم تكن مرئية من قبل. استغرق تجميع أول صورة للتلسكوب «ويب» 12.5 ساعة فقط، مقارنةً بالأسابيع التي استغرقها «هابل» لرصد الحقول العميقة الأخرى.

يتخصص «ويب» أيضًا في التَّنْظِير الطَّيْفِيّ، ودراسة كيفية تفاعل الضوء مع المادة عند أطوالٍ موجية مختلفة. فيمكن لأطياف الأشعة تحت الحمراء للأجسام الفلكية التي سينتجها «ويب» أن تكشف عما صُنعتْ منه الأجسام من النَّاحية الكيميائية — بدرجة تعجز الصور عن الوصول إليها. تقول إليزابيث كيسلر، مؤرخة في جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا وقد درست التأثير الجمالي لصور «هابل»: "هذا هو المكان الذي ستصدر عنه بعض العلوم المثيرة حقًا".

تأتي الصور العلمية الأولى التي التقطها «ويب» بمثابة مُتَنَفَّس لمشروع التلسكوب، الذي عانى سنوات من التأخير وتجاوزات في التكاليف بمليارات الدولارات. ووُضِع تصوُّر «ويب» في البداية في عام 1989، وقد كلف وكالة ناسا في نهاية المطاف ما يقرب من 10 مليارات دولار أمريكي. وهو يُعَد المرصد الفضائي الأكثر تعقيدًا على الإطلاق. كان على مرآته الأولية التي يبلغ عرضها 6.5 متر أن تنطلق مطوية، ومن ثم تفتح مثل الفراشة التي تنشر جناحيها من خلال سلسلة من المناورات التي تستجلب القلق. كان على المهندسين اختبار حاجب الشمس المُلحَق به، والذي يُقَدَّر حجمه بحجم ملعب التنس — وهو مصنوع من طبقات رقيقة جدًّا من غشاء البوليمر المُغَطَّى بالألومنيوم — عدةَ مرات للتأكد من أنه سينتشر بشكل سليم ومن ثم يحمي أدوات التلسكوب في حالة التجمد العميق للفضاء الخارجي.

ساهم شركاء وكالة ناسا ووكالتا الفضاء الأوروبية والكندية، بما يقرب من مليار دولار أخرى إجمالًا من أجل جعل التلسكوب حقيقة ملموسة. وأُطلِق «ويب» في نهاية المطاف في ديسمبر 2021 وأمضى ستة أشهر في تجهيز أدواته للعلوم؛ ومن المُتَوَقَّع أن يعمل لمدة 20 عامًا على الأقل.

العالم يراقب

سُميَّ التلسكوب باسم «ويب» على اسم جيمس إدوين ويب، الذي أدار وكالة ناسا خلال أوج برنامج أبولو لاستكشاف القمر في ستينيات القرن الماضي. وقد دعا بعض علماء الفلك إلى إعادة تسمية التلسكوب، نظرًا لأن جيمس ويب شغل دورًا قياديًا بارزًا في وزارة الخارجية الأمريكية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كانت الوزارة تحظى بمكان الصدارة فيما يتعلق بجهود الحكومة الأمريكية للتعرف على الموظفين المثليين والموظفات السحاقيات وإطلاق النار عليهم. وذكرت وكالة ناسا أنها ليس لديها دليل يبرر تغيير اسم التلسكوب. ويواصل كبير مؤرخيها بالإنابة، جنبًا إلى جنب مع مؤرخ آخر، بحث المسألة، ومن المُتَوَقَّع إصدار تقرير عن نتائجها التي توصلوا إليها قريبًا.

لا تمثل الصور الأولى الواردة من «ويب» سوى جزء ضئيل من العلم الذي سيجعل الوصول إليه ممكنًا. وقد استغرق التقاط هذه الصور أكثر من 120 ساعة من الرصد خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتشمل الدراسات المقبلة استكشاف كوكبي المشتري وزحل، والنجوم الصغيرة الخافتة المعروفة باسم الأقزام الحمراء، والمجرات البعيدة التي يصطدم بعضها ببعض، والكواكب الصخرية الساخنة الموجودة حول النجوم الأخرى. وتتوقع يو، التي تتولى أمور زمن الرصد على «ويب»، الحصولَ على بياناتها الأولى بالفعل من التلسكوب يوم الخميس. فذلك هو الوقت الذي سيرفع فيه فريق «ويب» عمليات رصد اندماج المجرات على أحد مواقع الويب لتتمكن هي وزملاؤها من الوصول إليها.

ويتذكر ليفاي العمل على بعض إصدارات الصور الأكثر شهرة في «هابل»، مثل نشر الصور التي اُلتُقطتْ بعد أن زار رواد الفضاء التلسكوب الذي يدور حول الأرض لرفع مستوى أجهزته. ويقول: "أنت تعلم أن العالم كله يراقب، وأنه من الأفضل لك أن توصل ذلك"، يبدو أن «ويب» قد فعل ذلك بالضبط. يقول ليفاي: "إنه يعمل بشكل أفضل مما توقعه أي شخص". ويضيف: "وهذا رائع".

اضف تعليق