q
النظام بما هو هو محط نظر العقل وملاحظته ومنشأ لصدور الحكم فيه، فمن ملاحظة ظاهرة ما يتوصل العقل الى ما وراءها من الصانع المدبر والخالق الهادف، من دون قياسها بشيء أو تشبيهها بشيء أو اجراء تجارب عليها. أي أن العقل بمجرد الاطلاع على الجهاز بما له من نظم...
بقلم: الشيخ جعفر الهادي

«برهان النظام» الذي يعد من أوضح البراهين والأدلة على وجود الخالق الصانع للنظام الكوني، ليس برهاناً حسياً بمعنى أن تكون جميع مقدماته مأخوذة من الحس ومبنية على الادراكات الحسية، ولا من مقولة التمثيل، أو الاستقراء اللذين يكون الملاك فيهما هو التشابه بين فردین (كما في التمثيل) أو التشابه بين أفراد متعددين (كما في الاستقراء)، ولا برهاناً تجريبياً بمعنى أن يكون الملاك فيه هو تعميم الحكم على أساس المماثلة الكاملة بين الاشياء المجربة وغير المجربة.

بل هو «برهان عقلي خالص» يحكم فيه العقل بأمر بعد ملاحظة نفس الشيء وماهيته، وبعد سلسلة من المحاسبات العقلية، من دون تمثيل أو اسراء حكم كما يتم ذلك في التمثيل أو التجربة.

وبعبارة أخرى أن النظام بما هو هو محط نظر العقل وملاحظته ومنشأ لصدور الحكم فيه، فمن ملاحظة ظاهرة ما يتوصل العقل الى ما وراءها من الصانع المدبر والخالق الهادف، من دون قياسها بشيء أو تشبيهها بشيء أو اجراء تجارب عليها.

أي أن العقل بمجرد الاطلاع على الجهاز بما له من نظم وتناسق وهدفية يحكم بأنه لا يمكن أن يوجد من دون علم أو شعور واسع.

وبهذا يتبين أن تقرير برهان النظام بصورة «الاستدلال التمثيلی» أو «البرهان التجريبي» بواسطة الفلاسفة والحكماء الغربيين ليس الا تقریراً ساذجاً صبيانياً!!

ومن هنا نجد «هیوم» في اعتراضه على هذا البرهان يشير تارة إلى التمثيل والتشابه واخرى الى التجربة، والحال أن بين «برهان النظام» وقضية التمثيل والتجربة بوناً شاسعاً وبعيداً، كما عرفت، كما أن بين التمثيل والتجربة فرقاً واضحاً كذلك.

اذن فتقریر «برهان النظام» تارة بأننا شاهدنا جميع المصنوعات البشرية المنظمة لا تخلو عن صانع ماهر فلابد للكون المنظم من صانع خالق أيضاً لشباهته بتلك المصنوعات البشرية.

واخرى باننا جربنا المصنوعات البشرية فوجدنا انها لا توجد الا بدخالة فاعل عاقل وصانع قادر، فلابد أن يكون الكون كذلك.

أقول: أن تقرير برهان النظام بهاتين الصورتين تقرير عامي بعيد عن روح البرهان وحقيقته، وهو ينم عن فقدان مدرسة فلسفية متكاملة تقرر هذا البرهان بصورته الصحيحة، فان هذا البرهان لا يرتبط أبداً لا بالتمثيل ولا بالتجربة، بل يحكم العقل فيه ـ وبعد أن يلاحظ طبيعة النظام وماهيته ـ بأنه صادر من فاعل عاقل، وخالق قدير.

وبذلك يعرف أن هذا البرهان ليس مبنياً على التشابه بين مصنوعات البشر، والموجود الطبيعي، كما جاء في اعتراض «هيوم» حتى يقال بالفرق بين الصنفین، ويقال: هذا صناعي، وذلك طبيعي، ولا يمكن اسراء حكم الأول إلى الثاني.

ولا على التماثل الذي هو الملاك في التجربة حتى يقال: انا جربنا ذلك في المصنوعات البشرية، ولم نجربه في الكون لعدم تكرار وقوعه، وعدم وقوفنا على تواجده مراراً، فلا يصح سحب حكم الأول على الثاني، وتعديته اليه.

بل هو برهان عقلي مستقل ذو حكم صادر من العقل ناشئ من ملاحظة نفس الشيء المنظم دون سواه. واليك تفصيل ذلك.

برهان النظام مركب من مقدمتين:

ان برهان النظم يبتني على مقدمتين: احداهما حسية والأخرى عقلية.

وكون احداهما حسية لا يضر بكون البرهان عقلياً، فان دور الحس ـ هنا ـ ينحصر في اثبات الموضوع فقط، أي اننا ندرك بالحس وجود هذا النظام المتقن في الكون لا أكثر، وأما الحكم فهو يرجع الى العقل، ولأجل ذلك يسمى برهاناً عقلياً، وهو نظير ما اذا ثبت بالحس أن هاهنا مربعاً، فان العقل يحكم ـ من فوره ـ بأن أضلاعه الأربعة متساوية في الطول.

وبعبارة أخرى: ان كل برهان يتألف من مقدمتين: صغری وكبری،

والصغرى «حسية» أي أن الحس يتكفل باثباتها، والكبری «عقلية» يتكفل العقل بإثباتها.

اذا عرفت هذا يجدر بنا أن نقرر برهان النظام كما هو التعرف عدم ارتباط هذا البرهان بالتمثيل أو التجربة، كما توهم «هیوم» وأضرابه، ولتعرف أن برهان النظام برهان عقلي محض لا يرد عليه ما يرد على الاستدلال التمثيلي أو التجريبي من اشكالات، واليك بيان المقدمتين: الصغرى والكبرى.

أما الصغرى: وهي أن الكون جهاز منظم فيقع اثباتها على عاتق المشاهدات الحسية ونتائج العلوم الطبيعية التي تكشف لنا عن مظاهر النظام والتناسق في الكون، من دون النظر الى كيفية نشأتها وتواجدها، وقد مر عليك تفصيل الكلام في هذا المجال في الفصول السابقة.

وأما الكبری: وهي أن النظام الكوني من صنع خالق قدير وصانع عليم فاليك بيانها:

عندما يلاحظ الانسان النظام السائد على الكون ينطرح أمامه احتمالان حول مصدر هذا النظام منشأه هما:

1 ـ إما أن يكون النظام المتقن الذي زود به الجهاز قد وجد بدخالة عقل واسع وشعور هادف.

2 ـ وإما أن يكون قد وجد صدفة، ومن دون دخالة مثل ذلك العقل والشعور، وهنا یتدخل العقل فيقضي بصحة أحدهما، وبطلان الآخر واليك حكم العقل.

أن العقل يحكم برابطة منطقية بين النظم (بأركانه الثلاثة: الترابط والتناسق وتوخي هدف معین) ودخالة الشعور، كما يحكم برابطة رياضية بين النظام ودخالة العقل.

على ان كل واحد من هذين التقريرين بيان لبرهان النظام.

واليك ـ فيما يأتي ـ الأول ثم الثاني تباعاً.

أ ـ الارتباط المنطقي بين النظام ودخالة الشعور:

ان العقل يسري في الكون نظاماً، والنظام ليس في حقيقته الا عبارة عن امور ثلاثة:

١ ـ الترابط بين اجزاء متنوعة مختلفة من حيث الكمية والكيفية.

2 ـ ترتيبها وتنسيقها بنحو يمكن التعاون والتفاعل فيما بينها.

3 ـ حتى يتحقق الهدف المطلوب والغاية المتوحاة من ذلك الجهاز المنظم.

والنظام بهذا المعنى موجود في كل أجزاء الكون من ذرته الى مجرته.

فاذا نظر العقل ذلك في كل جوانب الكون ابتداء من الذرة ومروراً بالإنسان والحيوان والنبات وانتهاء بالنجوم والكواكب والمجرات ورأى فيها اجزاء مختلفة في الكمية والكيفية أولا، ومنسقة ومرتبة بنحو خاص ثانياً ورأى كيف يتحقق بذلك الهدف المنشود من وجودها ثالثاً، حكم من فوره بان ذلك لا يمكن أن يصدر الا من فاعل عاقل، وخالق هادف شاعر، يوجد الاجزاء المختلفة كماً وكيفاً، ويرتبها وينسقها بحيث يمكن أن تتفاعل فيما بينها وتتعاون لتحقيق الهدف المطلوب من وجودها.

وهذا الحكم الذي يصدره العقل لا يستند إلى شيء غير النظر الى ماهية النظام وطبيعته الابية عن الصدور من دون فاعل عاقل مدبر، فلا هو يستند إلى التشابه ولا هو يستند إلى التجربة كما تخيل هيوم واضرابه.

ان ملاحظة العقل لما في جهاز العين، او الاذن، أو المخ أو القلب، أو الخلية. من النظام بمعنی تحقیق اجزاء مختلفة كماً وكيفاً، وتناسقها بشكل يمكنها من التعاون والتفاعل فيما بينها، ويتحقق الهدف الخاص منها تدفع العقل الى الحكم بانها من فعل خالق عليم لاحتياجها إلى دخالة شعور وعقل وهدفية وقصد. وبهذا تبين أن بين الجهاز المنظم ودخالة العقل والشعور رابطة منطقية وان شئت قلت: أن ماهية نفس النظام بمقوماته (الثلاثة الترابط والتنسيق والهدفية) تنادي بلسانها التكويني أن النظام مخلوق عقل واسع وشعور كبیر.

هذا عن حكم العقل بذلك منطقياً، واما حكم العقل بذلك رياضيا فاليك بيانه:

ب ـ الارتباط الرياضي بين النظام ودخالة الشعور:

ان العقل عندما يرى اجتماع ملايين الشرائط اللازمة لاستقرار الحياة على الارض بحيث لو فقد بعضها لاختلت الحياة.

أو عندما يري الاجتماع في الاجزاء والعناصر اللازمة للإبصار في العين بحيث لو فقد جزء واحد او تقدم أو تأخر عن مكانه المعين لاختلت عملية الرؤية واستحال الابصار يحكم بان هناك عقلا جباراً ارسی مثل هذا النظام، وأوجد مثل هذا التنسيق والانسجام، والترتيب والتوفيق وبالتالي حكم بدخالة الشعور في ذلك ونفي حصوله بالصدفة والاتفاق، لان اجتماعها عن طريق الصدفة يمكن أن يؤدي الى آلاف الصور والكيفيات الاخرى غير هذه الصورة المناسبة وحينئذ یكون احتمال استقرار هذه الصورة من بين تلك الالاف من الصور ـ من طريق الصدقة ـ احتمالا ضعيفاً جداً يكاد يبلغ الصفر الرياضي في ضئالته، وهو ما لا يذهب اليه انسان عادي فضلا عن العاقل المحاسب.

اجل ان هذه المحاسبية الرياضية التي يجريها العقل اذا هو شاهد النظام السائد في الكون، تدفعه الى ان يحكم بان هناك علة عاقلة اختارت هذه الصورة من بين آلاف الصور بقصد وارادة، وجمع تلك الشرائط اللازمة بهذا الشكل المناسب للحياة.

وقد اشرنا الى هذا الأمر عند برهان محاسبة الاحتمالات فراجع تزدد معرفة.

وبهذا يبقى برهان النظام قوياً صامداً سليماً عن اي نقد لانه لا يرتبط بشيء كالتمثيل أو التجربة كما تصور هیوم، انه حكم العقل وحده الذي ينتهي اليه العقل عن طريق النظر والتفكير في نفس ماهية النظام من دون تنظيره بشيء، وبهذا يتساوى الموجود الطبيعي والمصنوع البشري.

فان العقل اذا رفض القبول بأن الساعة وجسدت بلا صانع او ان السيارة وجدت بلا علة فإنما هو لأجل ملاحظة نفس الظاهرة «الساعة والسيارة» حيث يرى انها تحققت بعد ما لم تكن، فيحكم من فوره بان له موجداً وليس هذا الحكم الا لأجل الارتباط المنطقي بين وجود الشيء بعد العدم ولزوم وجود فاعل له.

وان شئت قلت: لأجل قانون العلية والمعلولية الذي يعترف به العقل في جميع المجالات.

كما أن حكم العقل في المقام بأن الموجود المنظم مخلوق لعقل كبير ناشئ من الارتباط المنطقي بين النظام ودخالة الشعور أو استحالة ظهور النظام صدفة للمحاسبة الرياضية التي مرت، لا لأن العقل مثل أو جرّب فتوصل الى هذه النتيجة.

وحصيلة الكلام ان طبيعة النظام في هذه الأشياء، وماهيته تنادي بلسان تكوينها بانها صادرة عن فاعل شاعر وخالق عاقل وهذا هو الذي يجعل العقل يذعن بوجود مثل هذا الخالق وراء النظام الكوني من دون النظر الى شيء آخر.

دلالة الآية على ذي الآية

لقد اثبت الالهيون في ابحاث «نظرية المعرفة» نوعاً آخر من المعرفة هي:

التعرف على ذي الآية عن طريق الآية، وهو يختلف عن التمثيل، والتجربة.

في التمثيل والتجربة نتوصل الى معرفة الحكم الكلي من اسراء حكم الشيء المجرب الى الأفراد التي تقع في عرضه، فهي اذن معرفة حاصلة من الوقوف على الأفراد الكائنة في عرض واحد، وملاحظتها واحدة بعد الاخر، وإسراء الحكم من بعضها إلى بعض.

واما «المعرفة عن طريق الآيات» فتكون معرفة عمقية بمعنى اننا نتوصل من رؤية الآية إلى معرفة ما وراءها من الفاعل وخصوصیاته.

والاهتداء إلى المؤثر من وجود الاثر هو من هذا القبيل فالانسان يعرف المؤثر من الوقوف على أثره كما أن الاهتداء إلى صفات المؤثر من خصوصيات الأثر هو أيضاً من هذا القبيل وبرهان النظام من هذا القسم.

وينبغي أن نعرف أن «معرفة ذي الآية عن طريق الآية» على قسمين:

1 ـ ما ينتقل فيه الانسان من «معرفة الآية إلى معرفة صاحبها» وتكون الآية وصاحبها كلاهما من الامور الطبيعية القابلة للحس، وان كان أحدهما محسوساً بالفعل (وهو الآية) والاخر غائباً عن الحسن (وهو صاحب الآية) وان كان يمكن أن يقع في افق الحس.

2 ـ ما ينتقل فيه الانسان من مشاهدة الامور الحسية الى امور غير حسية وقضايا خارجة عن اطار المادة وآثارها.

وبعبارة أخرى: ان الانسان في هذا النوع من المعرفة يستدل بما يرى على ما لا يرى من غير فرق بين أن يكون غير المرئي من الامور الحسية الغائبة عن الحس، أو من الأمور المجردة الخارجة عن اطار الحس مطلقاً.

والقسم الاول يشكل المعلومات الطبيعية المادية بينما يشكل الثاني العلوم العقلية المحضة.

والحكم بصحة واعتبار القسم الأول (أي الاستدلال بما يرى على ما لا یری من الامور الحسية المادية الغائبة عن الحس) يستلزم الحكم بصحة القسم الثاني (وهو الاستدلال بما يرى على ما لا يرى من الأمور المجردة الخارجة عن نطاق الحس) أيضاً وذلك لعدم وجود الفرق بين القسمين.

ولتوضيح القسمين نذكر الأمثلة التالية:

نماذج من معرفة المؤثر بالاثر:

واليك أولا بعض الأمثلة على الاستدلال بما يرى على ما لا يرى من الامور الحسية المادية الغائبة عن الادراك الفعلي:

١ ـ القليل منا زار العواصم الكبرى مثل طوكيو او لندن مثلا، ولكننا مع ذلك نذعن جميعاً بوجودها وذلك من خلال التعرف على آثارها، وهي الصنائع والمنتوجات التي تنتجها، والاشياء التي تصل الينا منها.

2 ـ ليس بيننا من عاصر الروم أو اليونان الاغريقيين وعايشهم واحتك بهم وجهاً لوجه ولكننا جميعاً نذعن بوجودهم في التاريخ الاطلال والاثار الباقية عنهم، والمؤلفات التي خلفوها وراءهم.

هذا في الاستدلال بما يرى من الأمور الحسية على ما لا يرى من الامور الحسية الغائبة عن الادراك الفعلي.

واما الأمثلة على الاستدلال بما يرى من الأمور الحسية على ما لا یری من الأمور غير الحسية الغائبة عن ادراكنا، مثل الصفات النفسية التي نهتدي اليها من خلال مشاهدة الافعال:

1 ـ ليس منا من رأي شخص المتنبي أو ابن سینا وقابلهما وجهاً لوجه، لكننا اذا وقفنا على ديوان المتنبي مثلا أو الشفاء الذي ألفه ابن سينا، وتعرفنا على ما فيهما من خصوصيات شعرية أو فلسفية أو طبية ادركنا فوراً أن الأول كان شاعراً حماسياً، والثاني كان فيلسوفاً قديراً وطبيباً ماهراً، أي اننا استدللنا بالخصوصيات المحسوسة لنا في أثرهما على الصفات النفسية التي كان يتجلی ويتصف بهما ذانك الرجلان والتي هي غائبة عن ادراكنا.

وبعبارة أخرى: اننا اهتدينا الى خصوصيات العلة الغائبة عنا من معرفة خصوصيات المعلول المحسوسة لنا.

2 ـ اننا لا نحس بواسطة الحواس الصفات التي تكمن في وجود الأشخاص وفي بواطن نفوسهم ولكننا نهتدي اليها من خلال آثارها التي تنعكس على تصرفاتهم ومواقفهم.

فاذا كانت هذه العلوم هي من العلوم والمعارف المعتبرة في الحياة الانسانية فبرهان النظم من هذا القسم ليس الا، لأن برهان النظم يعتمد على معرفة خصوصيات العلة من معرفة خصوصيات الاثر، أي انه معرفة ذي الآية من الآية.

فلماذا يذعن المادي بكل الحقائق التاريخية ويؤمن بالكثير من المعارف حول الشخصيات السياسية والعلمية والعسكرية السالفة وحول صفاتهم وخصوصياتهم كما يعترف بوجود الكثير من المدن ـ مثلا ـ من خلال آثارها ومنتوجاتها مع انه لم يشاهدها بأم عينيه ولا بباقي حواسه، ولكنه يرفض الاعتراف بخالق قدير عليم للنظام الكوني، رغم وجود الآيات الكثيرة الدالة عليه؟ وماذا هو الفرق ـ تری ـ بین ذلك القسم وهذا القسم من المعرفة؟؟

انه لا فرق بينهما في الحقيقة فكلاهما استدلال بما یری علی ما لا يری، وكلاهما من مقولة معرفة ذي الآية من طريق الآية.

ان العقل السليم اذا لاحظ الكون وشاهد ما فيه من الانسجام بين الظواهر على اختلافها والهدفية استدل بذلك على وجود فاعل عاقل وخالق مدبر خلق وقدر ونظم ودبر، وليس هذا الامن باب دلالة الآية على ذي الآية التي تشكل احدى الوان المعرفة البشرية وطريقاً مهماً من طرقها الأساسية المعترف بها للحصول على المعلومات الغائبة عنه.

اليس يقول شاعرهم:

ان آثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا الى الاثار

هذا ولقد اشار القرآن الكريم الى هذا اللون من المعرفة واكد على أهميته ودعى الى سلوكه اذ قال:

1 ـ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾. (الروم ـ 21)

2 ـ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ﴾. (الروم ـ 23)

3 ـ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ﴾. (الشوری ـ 2۹)

وبهذا تبين أن برهان النظام انما هو من مقولة الاستدلال بالآية على ذي الآية فلا يرتبط بالتمثيل أو التجربة حتى يرد عليه أي اشكال.

أما التمثيل فواضح جداً، وأما التجربة فلان شرطها الاصيل هو وقوع الطرفين ـ في التجربة ـ في نطاق وافق الحس، فالإنسان عندما يجرب تبدل الماء بالنار الى البخار فانه يشاهد الماء ونفس التبدل والبخار، واما في هذا القسم فانه لا يشاهد الا نفس الآية من دون أن يشاهد ذي الآية، ومن دون أن يقع في افق الحس، وانما یستدل بها عليه، وهذا نوع من المعرفة لا يمت الی التجربة بصلة.

* مقتبس من كتاب الله خالق الكون

اضف تعليق