q
الكثير من الأهداف النبيلة والتطلعات البعيدة والمشاريع الكبرى، تصبح وبالاً على المجتمع الإنساني. إذا كانت العملية الإدارية لا تنسجم وظروف العصر أو خصائص المجتمع.. فلا يكفي أن يكون الهدف سليماً أو التطلع نبيلاً أو المشروع استراتيجياً، وإنما من الضروري أن يكون معه نسق إداري متطور...

إن الخصخصة كنمط لإدارة العملية الاقتصادية، بالاشتراك مع القطاع العام، تعتمد على فلسفة اقتصادية واجتماعية مفادها، أن اطلاق قدرات المجتمع وفسح المجال للرأسمال الوطني في البناء الاقتصادي، يعد من الركائز الأساسية لعملية التنمية الشاملة.. لأنها تتجه إلى إشراك كل الطاقات والامكانات الاقتصادية والمالية والتجارية نحو بناء اقتصاد وطني متين ومقتدر.

وعلى المستوى التاريخي، كانت مساهمات القطاع الأهلي الخاص في الاقتصاد الوطني تتجه إلى إشباع احتياجات السوق المحلية من البضائع والمواد الاستهلاكية المختلفة، وصنع فرص عمل جديدة لليد العاملة المحلية.

ومن الطبيعي أن مؤدى مشروع الخصخصة هو توسع وظائف ومهمات ومسؤوليات القطاع الخاص في مسيرة الاقتصاد الوطني.

ومن البديهي أن توسع وظائف القطاع الخاص ومهامه على مستوى الاقتصاد إدارة وتنفيذاً، يؤكد على ضرورة العمل على تطوير المسألة الإدارية عند هذا القطاع الحيوي، حتى يتمكن من القيام بهذه المهمات والوظائف على أكمل وجه.

وتنبع أهمية العناية بالعملية الإدارية، والعمل على تطويرها وتحديثها لدى القطاع الخاص، من الحاجة الدائمة والمستمرة إلى العنصر البشري المدرب والقادر على إنجاز أهداف العملية الاقتصادية الوطنية.. ومن المؤكد أن الروتين الإداري أو ما يسمى بالبيروقراطية الإدارية، تعتبر عائقاً حقيقياً أمام تحقيق تلك الغايات والأهداف الوطنية.

لذلك فإن تطوير العملية الإدارية وتنميتها، بمثابة العمل العلاجي للمعوقات الإدارية التي تمنع النمو وتحقيق الإنجازات.

كما أن القطاع الأهلي الخاص بأنشطته المختلفة والمتعددة لا يتحرك في جزيرة معزولة عن المجتمع والناس، بل هو يتحرك وينشط اقتصادياً وتجارياً في وسط الناس. وبالتالي فإن غياب العملية الإدارية المتطورة لدى هذا القطاع، سينفر الجمهور من أنشطته وأعماله.

لأن الإدارة بمعناها الواسع هي حلقة الربط بين القطاع الخاص والجمهور. وهي التي تؤدي إلى التفاف الجمهور والمستهلكين على أنشطة القطاع الخاص ومشاركتهم الايجابية فيه.. وينبغي القول في هذا المجال أيضاً أن الكثير من المشاكل التي تعترض سبيل الخصخصة في المجتمعات هي مشاكل إدارية، لذلك من الأهمية بمكان العناية بعملية التحديث الإداري في كل جوانب عملية الخصخصة، إطاراً إدارياً، وهياكل إنتاجية، وأنظمة تسويقية، ومتطلبات وطنية.. والتحديث الإداري الذي نقصده هو الوصول إلى مستوى الكفاءة والخبرة المطلوبة في النظم والإجراءات والأساليب والتخطيط في العملية الاقتصادية والتجارية.

فالإدارة مفهوماً وأدوات وطرائق وأنساقاً هي الجسر الرابط بين تطلعات المجتمع وطموحاته وحقائق الحياة والوجود الحضاري، بحيث أنه لا يمكن لأي مجتمع إنساني أن يحقق تطلعاته بدون النسق الإداري والعملية الإدارية برمتها. فهي التي تترجم تلك التطلعات إلى خطط مرحلية واستراتيجيات متعددة، وتوزع الأدوار بما ينسجم وحجم كل قطاع أو شريحة في المجتمع.

وبهذا نقرر أن الكثير من الأهداف النبيلة والتطلعات البعيدة والمشاريع الكبرى، تصبح وبالاً على المجتمع الإنساني. إذا كانت العملية الإدارية لا تنسجم وظروف العصر أو خصائص المجتمع.. فلا يكفي أن يكون الهدف سليماً أو التطلع نبيلاً أو المشروع استراتيجياً، وإنما من الضروري أن يكون معه نسق إداري متطور.

فالإدارة تخطيطاً وبرامج وأطراً، مسألة جوهرية في عملية الخصخصة الاقتصادية.. ونظرة سريعة إلى المجتمعات المتقدمة في هذا الحقل، نجد أن أحد أبعاد وأركان التطور والتقدم الرئيسية والتي أدخلت هذه المجتمعات في عصر جديد من التقنية الحديثة والتطور المذهل هو البعد الإداري.. إذ أن الأنساق الإدارية المتطورة والمنسجمة وروح العصر والحضارة، هي التي هيأت أسباب الاستفادة من كل الامكانات والقدرات المتاحة في سبيل تحقيق الهدف العام ومشروع النهوض الشامل.

ونحن وأمام التوجه الجديد الذي تعيشه بلادنا. القاضي بخصخصة الاقتصاد وفسح المجال للقطاع الأهلي للمساهمة في البناء الوطني العام. نؤكد على مسألة الإدارة وضرورة تحديثها وتطويرها، والقفز بها إلى مستوى حضاري متقدم.. وذلك للاعتبارات التالية:

1ـ تركيز الجهود:

إن العملية الإدارية، بمثابة الوعاء الذي يحتضن كل الكفاءات والقدرات، ويوجه جهودها في اطار بوتقة واحدة.. وبدون الإطار الإداري المتطور والفعّال، تبقى الجهود مبعثرة، والأنشطة متباعدة أو متضاربة مع بعضها البعض.. لذلك فإن النسق الإداري المتطور والحديث مسألة مهمة وضرورية في أي جهد انساني عام أو خاص، لأنه يركز الجهود، ويوجه الأعمال والنشاطات في اطار واحد.

وتركيز الجهود هو جزء أساسي من عملية التنظيم الأمثل لهذه الطاقات والجهود التي يوفرها النسق الإداري. فتبقى الإدارة الحديثة اطاراً حيوياً وضرورياً لمسألة تنظيم الجهود وتوجيه الطاقات وتركيز الفعل الإنساني.. فلا يكفي أن يكون هدف المرء سليماً ونبيلاً، حتى يتسنى للمرء النجاح، وإنما لا بد أن تكون هناك وسائل وأساليب متطورة لتحقيق ذلك الهدف.. والإدارة كعلم وفن ما هي إلا وسيلة حضارية لتحقيق تلك الأهداف النبيلة التي يحملها الإنسان الفرد والمجتمع.

2ـ صناعة الكفاءة البشرية:

إننا لا يمكننا أن نحقق نجاحاً يذكر في مشروع الخصخصة، بدون أن نحق تنمية إدارية وتطويراً هيكلياً لنشاطاتنا وأعمالنا. وهذه التنمية الإدارية والتطوير الهيكلي يعتمدان على تطوير الإنسان نفسه.. لذلك فإن مربط الفرس في عملية التحديث الإداري هو بناء الإنسان وتنمية كفاءاته ومواهبه. وإن نجاحنا في هذه العملية هو الذي يؤهلنا لعمليات التطوير في حقول الحياة المختلفة لأن الرأسمال الحقيقي لأي مشروع هو بناء الإنسان، لأنه صانع التنمية والحضارة والإدارة. فالخطوط الاقتصادية نحتاج في تنفيذها إلى إنسان إداري يمتلك المؤهلات الكافية والخبرة الفنية المطلوبة. وهكذا بقية الجوانب فكلها تعتمد على الإنسان وبدونه تبقى كل الخطط والمشاريع حبراً على ورق.

وتأسيساً على ما نقول: أن أي تحديث إداري يتجاهل الإنسان ودوره في العملية الإدارية سيواجهها الفشل وعدم الفاعلية. لأن الهياكل والقرارات لا تجدي نفعاً، إذا لم يتغير الإنسان (كل في موقعه، العامل في معمله، والمزارع في حقله، والأستاذ في مدرسته، والموظف في وظيفته، والمدير في إدارته).. ويتهيأ لاستقبال التحديث الإداري بشكل سليم.. ومن هنا فإننا نؤكد على ضرورة العناية بالكفاءات الإدارية الوطنية، والعمل على الاستفادة منها، وتوظيف خبراتها وامكانياتها في سبيل تحقيق قفزة إدارية في حقل وأنشطة القطاع الخاص.

كما من الضروري تضمين عملية التحديث الإداري، جملة من البرامج الاجتماعية، باعتبارها شرطاً أساسياً، لإنجاح عملية التحديث الإداري، وتمتد هذه البرامج إلى التعليم والصحة والثقافة وغير ذلك من الأنشطة والحقول التي تعتبر من مقومات ارتقاء المجتمع. ذلك لأن القطاع الخاص لا يعيش في فراغ، وإنما يحيا في محيط اجتماعي وهو المكون لإطارها الثقافي، لذلك فإن تطوير المحيط الاجتماعي، يعد مسألة ضرورية لنجاح عملية التحديث الإداري. لأن ارتفاع مستوى المحيط الاجتماعي، سيترتب عليه ارتفاع مستوى الإنتاجية في جميع المجالات.

اضف تعليق