q
لقد اولى اتحاد الادباء مسألة النقد عناية كبيرة، وعمل على أكثر من صعيد في هذا المجال، فبالإضافة الى الجلسات الاسبوعية التي تستضيف فيها اندية الشعر والسرد وغيرهما، مبدعين لتسليط الضوء على نتاجهم يتم تضييف نقادا لهذه المهمة، لإغناء الحوار واثارة النقاش خلال الجلسات...

بدأ الحديث عن ازمة النقد في العراق منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكانت هذه المشكلة جزءا من اشكالية ثقافية تتصل بالإشكالية الاكبر التي خلفها الحصار الاقتصادي، اي ان المؤسسة الثقافية اصابها ما اصاب مؤسسات البلاد كلها من شلل، انعكس ليس على المطبوعات وفي مقدمتها الصحف اليومية التي انضغطت بشكل كبير، بل الدوريات ايضا بالإضافة الى توقف عدد غير قليل من المجلات الاسبوعية وما خلفه من انحسار في مساحة المنشور من مواد ادبية بشكل عام.

لكن يبقى ما هو أهم من كل هذا، وهو هجرة عدد كبير من النقاد خارج البلاد بحثا عن فرص عمل وانقطاعهم عن زملائهم، اذ لم تكن وسائل الاتصال الحديثة قد دخلت العراق بعد... لقد كان الناقد في مرحلة ما قبل ذلك يقتني الصحف بشكل يومي وبأثمان زهيدة، ويقرأ المواد الأدبية المنشورة ويقوم بنقدها من خلال الصحف نفسها او المجلات الكثيرة، وكان يتسلم مكافأة مجزية كما يتسلمها كاتب النص، وكان هذا الانتظام (اللوجستي) يرفده نشاط مؤسساتي واسع يتمثل بالجلسات المنتظمة، سواء في اتحاد الادباء او غيره من المنتديات الثقافية الكثيرة الاخرى.. لقد نسف الحصار هذا الانتظام وبعثر الكثير من ممكناته للأسباب المشار اليها.

بعد العام 2003 تجلت صورة اخرى للمشهد الثقافي العراقي بشكل عام والادبي بشكل خاص، اذ تعددت منابر النشر من خلال مواقع (الانترنت) الكثيرة التي استوعبت الكثير من نتاجات الادباء، وكان النقد حاضرا فيها، لكن مشكلة اخرى ظهرت ايضا تمثلت بتشتت الميادين وصعوبة متابعتها بما يجعل الصورة مكتملة ميدانيا كالسابق.

ولعل عاملا آخر اضيف الى عوامل تشوش المشهد النقدي في العراق، وربما غير العراق كذلك، يتمثل بسهولة النشر وما رافقه من (نقد المجاملات) او (الإخوانيات) والذي ترافق مع كم كبير من المنشور الرديء الذي اسهمت مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) لاحقا في انتشاره والتطبيل له! الامر الذي جعل عملية الفرز بين الغث والسمين ليست بالسهلة.

لكن مع كل هذا الضباب اصر النتاج المضيء على السطوع، وبرزت اسماء مهمة في المشهد الابداعي، مع نشاط نقدي ملحوظ، ومع هذا مازال البعض يرى ان النقد لدينا دون مستوى الطموح، وهذه حقيقة اذا ما قارنا بين واقعنا اليوم وما كان عليه سابقا، من دون ان ننسى رحيل اسماء نقدية مهمة او انزواء اخرى بفعل تقدمهم في السن.

كان كبار النقاد العراقيين او العرب حين يقدموا اسما للساحة من خلال دراسة نقدية واحدة يجعلون من هذا الاسم محط اهتمام ومتابعة من قبل القراء والنقاد الاخرين معا، مثلما يضعونه هو نفسه امام مسؤولية كبيرة ليحثوه على تقديم الافضل.

لقد اولى اتحاد الادباء مسألة النقد عناية كبيرة، وعمل على اكثر من صعيد في هذا المجال، فبالإضافة الى الجلسات الاسبوعية التي تستضيف فيها اندية الشعر والسرد وغيرهما، مبدعين لتسليط الضوء على نتاجهم يتم تضييف نقادا لهذه المهمة، لإغناء الحوار واثارة النقاش خلال الجلسات، مع فتح نافذة اخرى امام جميع الاعضاء، الا وهي طبع الكتب المختلفة ضمن منهاج سنوي دأب الاتحاد على السير عليه في السنين الاخيرة وقدم العديد من الكتب النقدية المميزة التي تمر على لجنة مختصة للفحص والتقييم قبل إجازة طبعها، ناهيك عن الدراسات التي تنشر في مطبوعي الاتحاد الرئيسين مجلة (الاديب العراقي) وجريدة (الاتحاد الثقافي) حيث تنشر شهريا دراسات عديدة ورصينة تلاحق المنجز الابداعي وتقيّمه.. ومع كل هذا نقول ان المشهد النقدي العراقي مازال ليس بمستوى المنجز الابداعي ولم يرصده بالشكل الذي يتناسب مع ثقله.. لكن الكلام عن ازمة نقد.. قد يبدو غير مناسب، لأننا عبرنا سني الجفاف وفي طريقنا لحصاد أفضل بالتأكيد!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق