q
بعد صيف من الظواهر المناخية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، حاول تقرير صادر عن "معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري"، التابع لجامعة الأمم المتحدة، البحث عن حلول للحد من تحوُّل هذه الظواهر إلى كوارث كاملة، أو في بعض الحالات القضاء عليها تمامًا، مؤكدًا أنه "مع استمرار تسارُع تغيُّر المناخ وزيادة الشعور بآثاره...
بقلم: هدير الحضري

بعد صيف من الظواهر المناخية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، حاول تقرير صادر عن "معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري"، التابع لجامعة الأمم المتحدة، البحث عن حلول للحد من تحوُّل هذه الظواهر إلى كوارث كاملة، أو في بعض الحالات القضاء عليها تمامًا، مؤكدًا أنه "مع استمرار تسارُع تغيُّر المناخ وزيادة الشعور بآثاره، فإن مخاطر الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية ستزداد حدةً في المستقبل بسبب تأثيرات الطبيعة وفقدان التنوع البيولوجي، خاصةً أن الحلول التي تم التوصل إليها لم تدخل بعدُ حيز التنفيذ".

وأشار التقرير إلى أن الفترة بين عامي 2021 و2022 شهدت تحطيمًا كارثيًّا للأرقام القياسية للكوارث في جميع أنحاء العالم، وكان لهذه الكوارث أسباب مشتركة، من بينها الاحتباس الحراري والاستهلاك غير المستدام.

وقال التقرير الذي حمل عنوان "مخاطر الكوارث المترابطة": إن "عام 2021-2022 شهد كوارث مختلفة من درجات الحرارة القياسية، والفيضانات، والجفاف الشديد، وحرائق الغابات، والزلازل، أودت بحياة نحو 10 آلاف شخص، وتسببت في أضرار تزيد على 280 مليار دولار خلال هذه الفترة، بخلاف تعريض الطبيعة للخطر الشديد الذي يصعب تقدير تكاليفه الحقيقية".

وحلّل التقرير الأسباب الواقعة وراء عشر كوارث وقعت في أنحاء مختلفة من العالم، وهي موجة الحر في كولومبيا البريطانية، وزلزال هايتي، وإعصار إيدا في نيويورك، وفيضانات لاجوس، وحرائق الغابات في البحر المتوسط، وانعدام الأمن الغذائي في جنوب مدغشقر، وجفاف تايوان، وثوران بركان تونغا، واختفاء الفاكيتا، والأفيال المتجولة.

وبحث التقرير الحلول التي كان يمكنها أن تساعد في إدارة هذه الكوارث بشكل أفضل، مثل تطوير بنية تحتية قادرة على التصدي للمخاطر، وإنشاء شبكات حماية للناس من مخاطر الكوارث، ودعم أنظمة الإنذار المبكر، وتطوير القدرة على الإبلاغ عن الصيد الجائر، وتعزيز أنماط الاستهلاك المستدام.

واهتم جزء من التقرير برصد آثار الكوارث على الفئات الأكثر ضعفًا، موضحًا أن "أغلب مَن لقوا حتفهم في حالة كارثة إعصار إيدا –على سبيل المثال- كانوا يعيشون في مساكن غير قانونية وغير آمنة في منطقة معرَّضة للفيضانات في نيويورك لأنهم مستضعفون ولا يستطيعون دفع ثمن مساكن أخرى، وبالتالي لم يقدروا على حماية أنفسهم وقت وقوع الكارثة".

يقول جاك أوكونور، الخبير في معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري والمتخصص في مجال علم البيئة البحرية، والمؤلف الرئيسي للتقرير: "خلال الخمسين عامًا الماضية، شهد العالم زيادةً في عدد الكوارث سنويًّا على الأقل بمقدار خمسة أضعاف، وفق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية".

يضيف "أوكونور" في تصريحات لـ"للعلم": شهد عام 2005 تحطيمًا قياسيًّا لعدد الكوارث السنوية في المجمل، إلا أن ما حدث في عام (2021- 2022) يُعَد تحطيمًا جديدًا للرقم القياسي لعدد الكوارث التي حدثت في مناطق معينة؛ فعلى سبيل المثال شهدت مدينة نيويورك الأمريكية أعلى معدل لهطول الأمطار تم تسجيله على الإطلاق، وبلغ هذا المعدّل 8 سم في الساعة الواحدة خلال إعصار إيدا، كما شهدت حرائق الغابات في المناطق المطلة على البحر المتوسط شدّةً قياسيةً وصلت إلى 18.6 جيجاوات في تركيا.

ويتابع: حددنا عشر حالات عملنا عليها خلال إعداد التقرير، وكنّا ننظر في أثناء البحث إلى الكارثة على أنها قمة جبل جليدي، أي أنها الجزء الظاهر فقط من الأزمة ويجب البحث عن السبب الحقيقي للمشكلة الذي يختفي تحت السطح، وفي سبعٍ من أصل عَشرِ حالات بحثها التقرير، كان هناك أسباب متشابهة للكوارث، وكان السبب الأكثر بداهةً هو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي تؤدي بدورها إلى تغيُّر المناخ الذي يزيد من مخاطر الكوارث.

لكن التقرير لم يخلُ من أسباب أخرى لا تقل أهمية، مثل الإدارة غير الكافية للمخاطر، والتقليل من قيمة التكلفة البيئية في أثناء اتخاذ القرارات، وعدم التكافؤ في أوضاع المعيشة؛ ففي حالة حرائق البحر المتوسط كانت إدارة المخاطر غير الكافية سببًا في التعامل مع الكارثة بشكل غير منظم، وكانت أيضًا سببًا في عدم السيطرة على الصيد غير القانوني الذي أدى إلى انقراض حيوان الفاكيتا.

يقول "أوكونور" في تصريحاته لـ"للعلم": عدم التقدير السليم للتكلفة البيئية كان أحد أسباب حالات الجفاف في تايوان، وانعدام الأمن الغذائي في مدغشقر، وثورة بركان تونغا بعدما تم اتخاذ قرارات بإزالة الغابات في مناطق معينة، مما أدى إلى زيادة ترسُّب الطمي في خزانات المياه، كما حدث عدم استقرار للسيول، وزادت العواصف الرملية وانخفضت الحماية الساحلية، وارتفع منسوب المياه نتيجةً للثوران البركاني تحت سطح البحر.

ويضيف: الحل هو أن نترك الطبيعة تعمل عملها، فيمكن لإحياء العمليات الطبيعية مثل ترميم الجداول والأنهار الحضرية أن يقلل من مخاطر الفيضانات في المدن بسبب هطول الأمطار الغزيرة، كما يمكن للحيوانات التقليل من تراكُم المواد القابلة للاشتعال في الغابات، ويمكن لتصميمات البنية التحتية الخضراء أن تقلل من مخاطر الحرارة الزائدة وهطول الأمطار.

ووفق التقرير، فإن "الاستهلاك غير المستدام أدّى إلى تفاقُم حجم هذه الكوارث، فعلى سبيل المثال أدى التعدين المفرط للرمال من أجل بناء الخرسانة في لاجوس إلى تدهور الساحل وجعل المدينة عرضةً للفيضانات، وأدت ممارسات الصيد غير المستدامة إلى انقراض الفاكيتا، كما أدى الاستخدام المفرط للمياه العذبة، وعدم صيانة البنية التحتية للمياه إلى معاناة تايوان من نقص المياه بالتزامُن مع ظروف الجفاف التاريخية".

يقول "أوكونور": توصلنا إلى أن أنظمة الإنذار المبكر الفعالة كان يمكنها إنقاذ الأرواح في كوارث كولومبيا البريطانية وفيضانات لاجوس، وثوران بركان تونغا؛ لأنها كانت ستوفر المعلومات حول الظروف الجوية القاسية الوشيكة، وكان يمكن للأشخاص اتخاذ إجراءات مسبقة لحماية أنفسهم قبل وصول الخطر بالاستعداد أو إخلاء المكان، خاصةً بالنسبة للأشخاص الأكثر ضعفًا.

يُذكر أن "جامعة الأمم المتحدة" هي جناح الأمم المتحدة للدراسات الأكاديمية والبحوث، وقد تأسست عام 1973 لتحقيق مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه من خلال البحوث والتدريب وتعزيز الكفاءات الفردية وتقديم المشورة السياسية في الجهود المبذولة والرامية إلى إيجاد حلول للمشكلات العالمية الملحَّة، مثل بقاء الإنسان والتنمية وتحقيق الرفاهة.

8 حلول قد تمنع الكوارث أو تقلل مخاطرها:

دع الطبيعة تعمل (تعايش مع العمليات الطبيعية)

ابتكر (باستخدام أفكار جديدة)

العمل معًا (تعزيز التعاون)

تأمين سبل العيش (إنشاء شبكات أمان لحماية الناس)

استهلك بشكل مستدام (تعديل أنماط الاستهلاك لدينا)

تعزيز الحوكمة (زيادة قدرة المؤسسات)

التخطيط للمخاطر (إدراك المخاطر في تصميم البنية التحتية وبنائها)

تعزيز الإنذار المبكر (تعزيز القدرة على التنبؤ بالمخاطر والإبلاغ عنها).

اضف تعليق