q
دمّرت الفيضانات أكثر من نصف مليون منزل حتى التاسع من سبتمبر الجاري، وجعلت أكثر من 660 ألف شخص يعيشون في المخيمات حتى الآن، وأدت إلى نفوق أكثر من 750 ألف رأس من الماشية التي تمثل مصدر الدخل الأساسي للعائلات، فضلًا عن تضرُّر نحو 1.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في مقاطعة السند وحدها...
بقلم هدير الحضري

لا تزال الآثار الكارثية للفيضانات التي ضربت باكستان الشهر الماضي في تزايُد، حتى إن الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" وصفها بأنها "مذبحة مناخية".

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فقد دمّرت الفيضانات أكثر من نصف مليون منزل حتى التاسع من سبتمبر الجاري، وجعلت أكثر من 660 ألف شخص يعيشون في المخيمات حتى الآن، وأدت إلى نفوق أكثر من 750 ألف رأس من الماشية التي تمثل مصدر الدخل الأساسي للعائلات، فضلًا عن تضرُّر نحو 1.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في مقاطعة السند وحدها.

في الوقت نفسه، صاحَب الفيضانات انتشارٌ للأمراض ومخاوفُ من تفشِّي الأوبئة، ضاعفها تدمير البنية الصحية في باكستان، ما دفع منظمة الصحة العالمية لإرسال إمدادات من بينها 15.6 طن من مجموعات علاج الكوليرا، والمياه والخيام متعددة الأغراض التي يمكن استخدامها كخيام طبية.

ونشرت دورية نيتشر مقابلة مع اثنين من الباحثين يدرسان صحة النساء والأطفال في جامعة الآغاخان في كراتشي، التي تضم مستشفى جامعة الآغاخان، حول المساعدة الطبية التي تقدمها الجامعة، والتحديات التي يواجهونها مع أكثر من 30 مليون شخص نازح في جميع أنحاء العالم.

يقول الباحثان في المقابلة: نشرنا من قبل فرقًا للاستجابة للفيضانات الكبرى في عام 2010، واستجابة أيضًا للزلزال الذي بلغت قوته 7.6 درجات في عام 2005، لكن حجم الكارثة هذه المرة وشدتها أكبر بكثير، لقد تسببت الفيضانات الشديدة في إعاقة الوصول إلى المناطق المتضررة؛ لأن العديد من الطرق السريعة مغمورة بالمياه، والآن ننسق مع الحكومة لتوفير الرعاية الطبية لأكثر من 24 ألف شخص في أكثر من 80 معسكرًا للرعاية الصحية، كما تشير التقديرات إلى أنه من بين 32 مليون شخص نزحوا بسبب الفيضانات، هناك حوالي 650 ألف سيدة حامل، ومن المتوقع أن يلد أكثر من 70 ألفًا منهن أطفالهن هذا الشهر، وهذا رقم ضخم لا يمكن للمرافق الصحية أن تتحمله.

من جهته، يقول باليثا ماهيبالا -ممثل منظمة الصحة العالمية في باكستان- في تصريحات لـ"للعلم": إن الأمراض المتفشية معرضة لخطر الانتشار المتزايد بسبب الفيضانات، مثل كوفيد-19، والإسهال المائي، والكوليرا، والحصبة، وحمى الضنك، وداء الليشمانيات، وفيروس نقص المناعة البشرية، وشلل الأطفال، وتم بالفعل الإبلاغ عن حالات الإسهال المائي والملاريا وحمى الضنك والحصبة والتيفوئيد في المناطق المتضررة من الفيضانات، وهناك توقعات بزيادة العدد.

يضيف "ماهيبالا": "المراقبة المبكرة للأمراض تشير إلى وجود عشرات الآلاف من المرضى الذين تم تحديد إصابتهم بالإسهال والملاريا، والتهابات الجهاز التنفسي الحادة، والتهابات الجلد والعين والتيفوئيد؛ لأن الفيضانات يمكن أن تساعد على نشر الأمراض التي تنشرها الحشرات الناقلة للأمراض في المياه الملوثة، وتصبح المياه الراكدة مصدرًا لتغذية هذه الحشرات مثل البعوض والذباب والبراغيث، وهذا يحدث الآن في المناطق المتضررة من الفيضانات في باكستان، خاصةً في المخيمات والقرى، وفي النهاية يحدث المزيد من الضغط على خدمات الرعاية الصحية.

ويؤكد ممثل منظمة الصحة العالمية في باكستان -في تصريحاته لـ"للعلم"- أن "الوضع الصحي الآن في باكستان في حالةٍ يُرثى لها، ومن المتوقع أن يتفاقم في الفترة المقبلة، خاصةً بالنسبة للمناطق الأكثر هشاشةً وضعفًا؛ فقد حُرم عدد كبير من السكان في باكستان من الحصول على الرعاية الصحية، وتضرر أكثر من 1460 مرفقًا صحيًّا، منها 432 مرفقًا متضررًا بالكامل و1028 متضررًا جزئيًّا، ما أدى إلى وصول محدود للغاية إلى المرافق الصحية والعاملين في مجال الرعاية الصحية الذين تم تهجيرهم، وعاق الحصول على الأدوية الأساسية والإمدادات الطبية، مما يجعل الناس معرضين لخطر كبير للإصابة بالأمراض، كما تلفت الأدوية والأجهزة الطبية".

وتابع: معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة، وانتشار سوء التغذية الحاد، معرضة لخطر الزيادة بسبب تعطُّل الخدمات الصحية، وبالفعل أبلغت المناطق المتضررة من الفيضانات عن حالات متزايدة من سوء التغذية الحاد الوخيم، وفي الوقت ذاته، لا تحصل النساء الحوامل على الرعاية اللازمة السابقة للولادة، وهذا يعرِّضهن لخطر المضاعفات في أثناء الولادة، وهناك حاجة ملحَّة إلى ضمان حصول المرضى على الرعاية الصحية ومن ضمنهم مَن يتلقَّى علاجًا طويل الأمد، مثل مرضى السل، والسكري، وفيروس نقص المناعة البشرية، وارتفاع ضغط الدم، كما يجب أيضًا توسيع نطاق مراقبة الأمراض، وإعادة ترميم المرافق الصحية المتضررة، خاصَّةً أنه مع الضغط على الخدمات الصحية، أصبح يتوافر لدى الأطباء في باكستان عددٌ محدود من أدوية الطوارئ، والأدوات الجراحية البسيطة، كما زادت تكلفة نقل الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالطرق، ممّا يمثل تحديًا آخر لقدرة الناس على شراء هذه الأدوية.

وأضاف أن "منظمة الصحة العالمية سلمت 1.5 مليون دولار أمريكي من الأدوية الأساسية، ومخزونات الطوارئ، والإمدادات الطبية، ومجموعات تنقية المياه، والخيام، كما تعمل على دعم تقوية مراقبة الأمراض في المناطق المتضررة من الفيضانات والمختبرات بتوفير أكثر من 230 ألف اختبار سريع للإسهال المائي الحاد، والملاريا، وحمى الضنك، والتهاب الكبد، وداء الشيكونغونيا، وهو مرض فيروسي ينتقل إلى البشر عن طريق البعوض الزاعج، ويسبب حمى وألمًا شديدًا في المفاصل.

وتابع: المنظمة تزيد من درجة الاستعداد لمزيد من المخاطر الصحية المتوقعة بعد هطول الأمطار الموسمية في الأشهر المقبلة، وتناشد بتقديم دعم قيمته 19 مليون دولار أمريكي للإجراءات المتعلقة بالصحة كجزء من النداء الإنساني للأمم المتحدة، وأقامت مع الشركاء الصحيين أكثر من 4500 معسكر طبي لضمان حصول الناس على الخدمات الصحية الأساسية، وخصصت 10 ملايين دولار أمريكي من صندوق الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية لدعم علاج الجرحى، وتوصيل الإمدادات إلى المرافق الصحية، ومنع انتشار الأمراض المعدية، وأنشأت مراكز عمليات الطوارئ، واهتمت أيضًا بتقديم خدمات الصحة النفسية للمتضررين.

اضف تعليق