q
خلافا لكل ظواهر المناخ المتطرفة، التي تأتي سريعة ومدمرة، يتبع الجفاف شكلا مختلفا في الدمار، تقوم على مدى زمني طويل. فهو يتسلل إلى الحياة اليومية متخفيا وببطء عبر فترات زمنية طويلة، مخلفا آثارا تدميرية هائلة، بعد صيف شديد الحرارة وأمطار شحيحة أدت إلى جفاف العديد من الغابات والأراضي الزراعية...

خلافا لكل ظواهر المناخ المتطرفة، التي تأتي سريعة ومدمرة، يتبع الجفاف شكلا مختلفا في الدمار، تقوم على مدى زمني طويل. فهو يتسلل إلى الحياة اليومية متخفيا وببطء عبر فترات زمنية طويلة، مخلفا آثارا تدميرية هائلة.

بعد صيف شديد الحرارة وأمطار شحيحة أدت إلى جفاف العديد من الغابات والأراضي الزراعية، حذر العلماء من أن أوروبا تشهد أسوأ موجة جفاف في تاريخها، منذ ما يقرب من 500 عام على الأقل. بحسب موقع d.w.

ويأتي التحذير، الذي يستند إلى نتائج الأولية نشرتها لجنة العلوم والمعرفة التابعة للمفوضية الأوروبية هذا الأسبوع، في الوقت الذي يعوق فيه تراجع منسوب المياه بالأنهار حول العالم عمليات الشحن وتوليد الطاقة الكهرومائية في كل مكان.

وأوروبا ليست القارة الوحيدة التي تعاني من آثار الجفاف، إذ أنه وفقا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة، يعاني نحو 55 مليون شخص على مستوى العالم بشكل مباشر من الجفاف كل عام.

وتعد أفريقيا، على وجه الخصوص، القارة الأكثر تضررا من آثاره. فهي تشهد وحدها نحو 44 ٪ من مجمل ظواهر الجفاف على مستوى العالم.

وبالرغم من أن العلماء يعرفون جيدا أن موجات الجفاف أصبحت مؤخرا متكررة وأكثر عنفا وتمتد لفترات زمنية أطول من ذي قبل بفعل تغير المناخ، يعجزون عن التنبؤ بها أو مراقبتها كباقي الظواهر المناخية.

ما هو الجفاف؟

يشير مصطلح الجفاف إلى فترة من الزمن تكون فيه الظروف المناخية فى منطقة ما أكثر جفافا من المعتاد، نظرا لتراجع معدل هطول الأمطار بها. وهو أيضا ظاهرة معقدة، مقارنة بغيرها، إذ يمكن أن تستمر لأسابيع أو شهور أو حتى لسنوات، وغالبا ما يكون لها آثار هائلة على الناس والاقتصاد.

وبشكل عام، يقسم العلماء الجفاف إلى أربع أصناف رئيسية. الأول يسمى جفاف الطقس، وهو ما يحدث عقب فترة زمنية ممتدة من أنماط جفاف الطقس المختلفة، وانخفاض معدل هطول الأمطار والثلوج. يلى ذلك ما يعرف بالجفاف المائي، وفيه تنخفض مستويات المياه في الجداول والأنهار والخزانات والمياه الجوفية.

أما الصنف الثالث من الجفاف، وهو الجفاف الزراعي، تبدأ فيه النباتات والمحاصيل الزراعية بالتأثر سلبا، نتيجة لتراجع معدلات الرطوبة في التربة. وأخيرا، يكون الجفاف الاجتماعي والاقتصادي، حيث يؤثر نقص المياه على حركة العرض والطلب على السلع، نظرا لتعطيل الشحن أو إنتاج الطاقة، على سبيل المثال.

وفى هذا الصدد، يقول أولدريش راكوفيتش، العالم في مركز هيلمهولتز للأبحاث البيئية بمدينة لايبزيغ الألمانية، إن تصنيف الجفاف لأربع فئات لا يعنى أنها تتم بمعزل عن بعضها البعض، بل في كثير من الأحيان، ولكن ليس دائما، تحدث جميعها معا، كما هو الحال الآن في أوروبا. ولفت " لكن عادة ما تبدأ بجفاف الطقس أولا ". وأوضح أنه عادة ما يكون تراجع معدلات هطول الأمطار هو أول علامة على الجفاف، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت، قبل أن يؤدى ذلك إلى انحسار الأنهار وإجهاد النباتات.

في أي مرحلة يصبح جفاف أمرا واقعا؟

يراقب العلماء الجفاف عادة باستخدام مؤشرات مختلفة كمعدلات هطول الأمطار، ومدى صحة النباتات ومستويات الرطوبة في التربة.

وهنا، يوضح راكوفيتش أنه عندما تتجاوز الظروف العامة عتبة ما يعتبر طبيعيا، بناء على بيانات طويلة المدى، يكون الجفاف قد بدأ. وبالتبعية، ينتهي الجفاف عندما تعود الظروف إلى حالتها المعتادة.

ووفقا لجهاز مراقبة الجفاف في ألمانيا التابع لمركز هيلمهولتز للأبحاث البيئية، فإن عملية تقييم الجفاف الزراعي تتم عبر تتبع مستوى الرطوبة في التربة، ليكون الجفاف قد بدأ عندما يتراجع مستوى رطوبة التربة إلى ما تم رصده خلال 20 ٪ فقط من السنوات الماضية، على مدار فترة زمنية طويلة.

وفي تقييم الجفاف، الذي نشرته المفوضية الأوروبية قبل أسبوع، استخدم الباحثون مؤشر الجفاف المشترك الذي يقيس هطول الأمطار ورطوبة التربة ومدى إرهاق النباتات، لاستنتاج أن الوضع الحالي هو الأسوأ في أوروبا منذ خمسة قرون.

وحذر التقرير من أن ما يقرب من نصف أراضي أوروبا قد وصلت إلى مستوى تحذيري من الجفاف، مما يعني عجزا واضحا في رطوبة التربة، بينما تعد نسبة 17 ٪ في حالة تأهب، مما يعني أن الغطاء النباتي قد تأثر أيضا.

التعافي والقدرة على الصمود في المستقبل

وتعتمد قدرة المنطقة على التعافي من الجفاف على مدى شدته ومداه الزمنى من جهة، وما إذا كانت كمية كافية من الأمطار ستصل إلى التربة، وتعيد الزخم للمياه الجوفية وتجدد مخزونات المياه من جهة أخرى.

بمعنى آخر، تعود كافة الظروف إلى سيرتها الطبيعية الأولى قبل الوضع الاستثنائية للجفاف، وهنا، يقول أندريا توريتي، كبير الباحثين في مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية، إن مواجهة الجفاف سيتطلب تحسين ممارسات إدارة المياه بالتعاون مع المستخدمين المحليين، فضلا عن الحد من الاحترار العالمي، بحيث لا يتجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية، مقارنة بالمعدلات التي سبقت الثورة الصناعية.

ويضيف "على المدى المتوسط والبعيد، ما يتعين علينا القيام به هو خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على نطاق عالمي، للتقليل بشكل فعال من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة الإضافية"، في الوقت ذاته، شدد راكوفيتش على ضرورة أن تكون هناك حلول تكنولوجية مبتكرة للتخفيف من آثار الجفاف الشديد".

فعلى المستوى الإقليمي، يمكن أن يساعد إنشاء خزانات مياه كبيرة، مثل أنظمة التخزين تحت الأرض، في الاحتفاظ بالمياه لأوقات الحاجة، على حد تعبيره. كما يمكن أن تساهم تقنيات الري الذكية فى التقليل من إهدار المياه، والحفاظ على صحة النباتات.

واعتبر راكوفيتش أن زراعة المزيد من المحاصيل المقاومة للحرارة يمكن أن تحد من الخسائر خلال فترات الجفاف، كما لفت إلى أن الزراعة المختلطة للمحاصيل أفضل من تلك التي تعتمد على نوع واحد فقط، على اعتبار أنها تحتفظ بالمياه في التربة بشكل أفضل، ويمكنها البقاء على قيد الحياة خلال فترات الجفاف

اضف تعليق