q
اذا كانت الاسبقية الصينية في مبادرة الحزام والطريق هي الاستثمارات الصينية الحكومية وتسخيرها عن طريق نقل النصف الاشتراكي من الاقتصاد الصيني للتمدد حكوميا نحو العالم، فان المؤتمر الاخير للحزب الشيوعي الصيني قد عدل من قواعد اولوياته في ممارسة (امبرياليته الحمراء) لتبدو بلون اخر اقل احمراراً. فإجماع بكين...

(1)

ظلت الاستراتيجية الصينية القائمة على اقتصادين (اشتراكي وليبرالي مزدوج) وبنظام سياسي مركزي هي الاسطورة التي فكت فيها الصين عزلتها عن العالم منذ العام ١٩٧٨-١٩٧٩، لتستقبل مدنها الساحلية التي تحررت اقتصاديا واصبحت مناطق حرة للتحولات العملية للعولمة الرأسمالية وقبول الصين بالأيديولوجيات الاقتصادية (لإجماع واشنطن ١٩٧٩).

وهو سلوك سياساتي مفعم بالليبرالية الجديدة ومعزز بتدفق غير مقيد للاستثمارات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة واستيعاب مرن للتكنولوجيا وتجديدها وقدرات فاعلة على تصنيع الالاف من براءات الاختراع، وجلب العلامات التجارية الكبرى من عالم شديد العولمة والانفتاح والتكامل، ساهم في نقل المعرفة الغربية الى العقل الصيني بشكل متسارع لم يسبق له مثيل.

وهكذا، أصبحت الصين في غضون اربعين عاما الاقتصاد الثاني في التراتبية العالمية للاقتصادات. وظلت تحصد مراتب النمو الاقتصادي الاولى في العالم فضلاً عن هيمنتها اليوم على ٢٥٪؜ من الناتج الصناعي العالمي.

(2)

ولكن منذ العام ٢٠١٣ تبدلت قواعد اللعبة واظهرت الصين عظمتها لتدشن قطبيتها الثنائية على وفق استراتيجية اطلقت عليها مؤسسة هنري كيسنجر (بإجماع بكين Beijing Consensus)، وتتمثل بإظهار وجودي مبكر لقوة الامبراطورية الصينية وبمعمول اقتصادي حكومي مناوئ لإجماع واشنطن الليبرالي، ذلك في ممارسة قواعد عمل القطبية الثنائية بانتقال الصين التدريجي من دولة مستقبلة للاستثمارات الاجنبية الى دولة مصدرة للاستثمارات الأجنبية ولكن من خلال (المقاول الاشتراكي) وزجه على مسالك التحام محيط العالم periphery الآسيوي-الافريقي نحو اوروبا (قلب العالم القديم)، لتكون الصين هذه المرة ((المملكة الوسطى في العالم)) كما تطلق على نفسها وهو اللقب المسمى (بالقلب الجديد للعالم) والممتد من الشرق الى الغرب هذه المرة ومحاولة قلب عقارب الساعة بعد عصور استعمارية دامت اكثر من قرنين ونصف من الزمن والذي بدأت امتداداته من غرب العام الى محيطه الشرقي.

(3)

يبدو ان الاستراتيجية الصينية في التمدد الخارجي قد واجهت عقبات في تعاطيها مع قوى جيوسياسية صعبة الحل ولم تثمر عن شيء في سرعة تمدد الصين غرباً في تطبيقاتها لمبادرة الحزام والطريق. اذ لم تظهر مبادرة الحزام والطريق بكونها نمط من أنماط (الامبريالية الحمراء red imperialism كما تسميها المراكز الغربية للأبحاث)، لإعادة قواعد اللعبة بين المركز الصيني والمحيط الجديد للعالم ومن خلال مبادرة الحزام والطريق نفسها. فمبادرة الحزام والطريق التي استندت على فرضية اعادة تشييد البنى التحتية على خطوط تواصل الصين القديمة مع العالم وسد نواقصها اللوجستية على المسارات البرية والبحرية لبلدان طريق الحرير قد بنيت على الحاجة لتوفير تمويل يقدر بنحو ٥٠٠ مليار دولار لإعمار واستكمال البنية التحتية لتلك العقد والممرات الموصلة بين المركز الصيني ومحيط العالم الجديد (شريطة ان يكون المقاول حكومي صيني بالغالب والمستفيد هي السيادات الحكومية بالغالب ايضا واحلال فكرة مقاول القطاع العام بين السيادات بدلا من القطاع الخاص). وهو ظهور مركزي مناوئ لإجماع واشنطن في مفهوم الدولة الصغيرة.

(4)

في ضوء ما تقدم، فان ثمة تبدل بالاستراتيجية الصينية اليوم في فلسفة الحزام والطريق ذلك في نقل اقتصاد السوق الصيني الليبرالي هذه المرة نفسه ليتمدد نحو المناطق والبؤر المحيطية المهمة من العالم المطلة على البحار، دون التمسك بأيديولوجيا الحزام والطريق المركزية ذلك وجعل المبادرة المذكورة اولوية ثانوية.

(5)

ختاماً، اذا كانت الاسبقية الصينية في مبادرة الحزام والطريق هي الاستثمارات الصينية الحكومية وتسخيرها عن طريق نقل النصف الاشتراكي من الاقتصاد الصيني للتمدد حكوميا نحو العالم، فان المؤتمر الاخير للحزب الشيوعي الصيني قد عدل من قواعد اولوياته في ممارسة (امبرياليته الحمراء) لتبدو بلون اخر اقل احمراراً. فإجماع بكين من خلال مبادرة الحزام والطريق قد استبدلته الصين اليوم بمفهوم جديد هو (التنمية الدولية) وهو سياق استثماري يتحرك صينياً نحو العالم وهو مغلف بحلوى اجماع واشنطن.

وهكذا بدأتها الصين في ديسمبر الحالي بإطلاق قمتها مع المجموعة العربية والخليجية والسعودية في اقليم اقتصادي بحري واسع يتعاطى الطاقة وهو اقليم غرب اسيا وحوض المتوسط ((انه القفز الصيني على مبادرة الحزام والطريق)).

اضف تعليق