q
غياب واشنطن عن حضور القمة، تم تعويضه عبر دعم حلفائها المشاركين فيها مثل مصر والأردن، ودفع هذين البلدين للعب دور بارز في العراق، رغبة منها بتجنب ترك هذا البلد فريسة لتصاعد النفوذ الإيراني فيه. والى جانب تأكيد المشاركين دبلوماسيا على أهمية العراق في المنطقة من اجل مواجهة وصد...

عندما نسمع ان هناك اسم قمة على احدى عواصم الدول يتبادر الى الذهن انها قد عقدت دولة تلك العاصمة بعكس قمة بغداد الثانية، ففي العاصمة الأردنية عمان عقدت قبل أيام قليلة قمة بعنوان قمة بغداد الثانية، شارك فيها 12 دولة، فبالإضافة الى المستضيف ملك الأردن، شاركت عدة دول أبرزها فرنسا وكذلك اغلب دول الخليج كسعودية وقطر، والكويت، والبحرين، وبمشاركة تركيا وإيران، وحضور ممثلين عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، وسط غياب هو الأول من نوعه للولايات المتحدة الامريكية، ففي قمة بغداد الأولى التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد كان هناك حضورا واضحا للولايات المتحدة إضافة الى اغلب الدول المشاركة في قمة بغداد الثانية.

من الناحية الفنية هناك اكثر من مؤشر على غياب الجانب الأمريكي وحضور فاعل للجانب الفرنسي وللولايات المتحدة رأي وموقف في ذلك، الولايات المتحدة سياسيا لا تزال حاضرة في العراق عبر سفيرتها في بغداد السيّدة آلينا رومانوسكي التي تقوم منذ تكليفها بأدوار فاعلة على مستوى المشهد السياسي العراقي، في حين تؤشر مجالات أخرى في العراق على ان الولايات المتحدة تتحفظ بالعمل في بعض القطاعات مثل الاستثمار والقطاعات النفطية بل ان الولايات المتحدة تركت اغلب استثماراتها النفطية في الجنوب العراقي لصالح شركات دولية وابرزها الصين، وهذا تحفظ بحد ذاته على مجريات الأوضاع في العراق وعلاقات العراق الخارجية.

في حين يرى مراقبون ان غياب واشنطن عن حضور القمة، تم تعويضه عبر دعم حلفائها المشاركين فيها مثل مصر والأردن، ودفع هذين البلدين للعب دور بارز في العراق، رغبة منها بتجنب ترك هذا البلد فريسة لتصاعد النفوذ الإيراني فيه.

والى جانب تأكيد المشاركين دبلوماسيا على أهمية العراق في المنطقة من اجل مواجهة وصد التحديات الأمنية التي يشهدها البلد بين الحين والآخر خاصة في ظل الخروقات الأمنية التي يقوم بها ارهابيون محليون داخل المدن العراقية مثلما حدث مع يوم انعقاد قمة بغداد 2 في الأردن، حيث استهدف الارهابيون مدينة ديالى شرق العاصمة بغداد وذهب ضحيته عدد من أبناء القوات الأمنية.

لكن من الواضح ان هذه القمة جاءت لتأكد على رئيس الحكومة السيد محمد الشياع السوداني على مسائل التوازنات الإقليمية وبالأخص علاقة العراق مع ايران او ما يسمى بالنفوذ الإيراني في العراق، في ضوء فشل التوصل الى اتفاق غربي مع ايران حول مسألة الملف النووي الإيراني وسياسات ايران الإقليمية، وكذلك موقف ايران من الحرب الروسية- الأوكرانية وحديث الغرب عن دعم إيراني لروسيا في مجال الطائرات المسيرة، وهذه الحرب بالنسبة للغرب تعد تدخل خارجي في شؤون الدول الغربية وبالتالي ان دعم روسيا هو موقف مناهضة للدول الغربية.

من جانب ثاني تشهد العلاقات السعودية- الإيرانية فتور في المفاوضات التي شهدت تطورات إيجابية في زمن حكومة السيد مصطفى الكاظمي السابقة، يأتي ذلك التحذير في ضوء الانتهاكات الإيرانية وكذلك التركية لمدن شمال العراق وإقليم كردستان.

العراق عبر رئيس الحكومة الحالي المنتمي الى جناح سياسي موالي لإيران، وهذه ما تدركه الدول المجتمعة وبالأخص دول الخليج أراد ان يصل برسالة الى الدول المجتمعة في هذه القمة على انه يريد ان تكون علاقة العراق الخارجية متوازنة اقليميا في الوقت ذاته يرفض العراق أي اعتداء من داخل أراضيه على أي دولة مجاورة ومن ضمنها ايران، فالعراق في ظل ضعف سياسته الخارجية، وعدم استقراره داخليا وغياب الاستراتيجيات الوطنية، وتفوق الولاءات الخارجية غير قادر على ان يضع سياسة خارجية متوازنة من جانب، وغير قادر على ان يوقف الاعتداءات الخارجية من قبل ايران وتركيا على أراضيه، فغالبا ما تبقى هذه الخطابات دبلوماسية استهلاكية فقط.

إيران في ضوء الرغبة الفرنسية الخليجية بتحجيم نفوذها في العراق والمنطقة سارعت هي الاخرى التي مثلها وزير الخارجية في القمة الى ابداء الرغبة بحل الملفات الإقليمية العالقة مع دول المنطقة، ومنها مسألة الاعتداءات على حدود العراق، ومن جانبها تعهدت تركيا عبر مندوبها، على التعاون والتنسيق مع الجانب العراقي.

وهذه التعهدات والمواقف من الدول الإقليمية المجاورة للعراق تبقى مثل كل المواقف السابقة فقط لرفع الحرج دبلوماسيا في حين ان هذه الدول مستمرة في سياساتها مع العراق خصوصا مع الملفات المعقدة مثل ملف الاعتداءات، ومحاربة الجماعات المعارضة، وكذلك ملف المياه الضاغط بشكل فظيع على العراق.

وبالعودة على الدخول الفرنسي الذي يبدو غير مفاجئ في ظل حرص فرنسا ورئيسها ايمانويل ماكرون على الاهتمام المتزايد في العراق، ففرنسا لا تريد ان تترك العراق بعد انكفاء الولايات المتحدة عن العراق ساحة فارغة تستوطنها مشاريع سياسية واقتصادية دولية وإقليمية مثل الصين او إيران. اذ ترغب فرنسا بالاستفادة من مغريات الطاقة المتوفرة في العراق لسد حاجة فرنسا، ودول الاتحاد الأوربي في ظل ازمة الطاقة الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وحظر صادرات روسيا للدول الاتحاد الأوربي وما تمثله من تهديد لأمن الطاقة لدول الاتحاد الأوربي. كما ان فرنسا لديها رغبة في استثمارات كبيرة الاستحواذ على استثمار منطقتي سهل نينوى وسنجار في محافظة الموصل ليكون بمثابة مدخل يمهد لتعاون أوسع في المجالات الاستثمارية، بما يهيئ الفرصة لدخول فرنسا في قلب السياسة العراقية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2023 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق