q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

الكأس أم الوطن؟

ان من أبرز دروس بطولة (خليجي 25) التي أذهلت الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، ولفتت أنظار العالم لبلادنا التي مضى عليها عقدان وهي تحتل ذيل قائمة اهتمامات الأسرة الدولية، هو ضرورة الاستثمار وبشكل مخطط له في الرياضة والفن والثقافة، فهي المداخل والمفاتيح التي بمقدورها فتح الأبواب الموصدة وحلحلة الأزمات الخانقة في اطرها السياسية...

لا جديد في قولي: ان الرياضة نجحت في تمتين النسيج الاجتماعي العراقي، بينما فشلت السياسة في ذلك وهو من صلب وظائفها، بل وتمكنت الرياضة في غضون أيام معدودات من صناعة مزاج اجتماعي رائق، فيما عكرت السياسة هذا المزاج طوال عقدين، ووصلت به حد التطرف في بعض مراحل العملية السياسية.

ولا أظنكم نسيتم ماذا فعل فوزنا ببطولة كأس آسيا عام 2007 يوم كانت الخناجر تترى على جسد الوطن وصدور العراقيين، وكيف ضمد كأس البطولة جروحنا الغائرة، لكن السياسيين لم يكونوا من النباهة والروح الوطنية لاستثمار ذلك المزاج الرائق جدا باتخاذ اجراءات سياسية من شأنها تمكين العراق من عبور محن تطل برأسها من كل زقاق، واختصار الزمن لاسترجاع الأنفاس وبدء النهوض.

وها هو المزاج يروق ثانية، لتلتئم اللحمة الوطنية من زاخو الى البصرة مرورا ببغداد والأنبار في واقعة وطنية لا مثيل لها، صدقوني ليس الكأس هو الهدف، بل الغاية هي الوطن تحديدا، وان استعادة سيادته وهويته المدنية المفقودة هي التي دفعت هذه الحشود للزحف الكبير الى بصرتنا الحبيبة، لكن الوطن بوصفه هدفا تجسد برغبة الفوز بكأس بطولة الخليج العربي، تأملوا بما صدحت به حناجر الجماهير، لقد غدت البصرة قبلة ظاهرها رياضي وجوهرها سياسي، ومنارة تستحق الطواف حولها والتوثيق فيها، كما هي حال ساحة التحرير في عام 2019 التي صارت لها قدسية سياسية خاصة، لا تقبل الضمائر الحية الا بزيارتها وتسجيل شرف الانتماء للوطن بالتجوال بين المعتصمين والتقاط الصور مع المطعم التركي رمز ثورة تشرين.

فرحة الفوز التي عمت بيوت العراقيين، والاعلان عن شرف الانتماء للوطن الذي عبر عن نفسه بالحضور للبصرة، وفي ساحات الاحتفال في جميع المحافظات، وقبالة شاشات التلفزة، يجب ألا تنسينا الدور الكبير الذي بذله الفنانون العراقيون والعرب، اذ ملأت أغانيهم ميادين الاحتفال وأوقات الفضائيات المحلية والعربية لمؤازرة المنظمين للبطولة، وبث روح الحماس في نفوس اللاعبين، والهاب المشاعر الوطنية لدى الجمهور، والترحيب بضيوف العراق، وحث الجموع على التوجه للبصرة وتشجيع منتخبنا الوطني.

وهذا يعني ان للرياضة والفن أدوارهما الكبيرة وغير المباشرة في تعميق الوحدة الوطنية بين ألوان طيفنا الاجتماعي، والاعلاء من سمعة الوطن، وتبديد الحواجز النفسية التي عزلتنا عن عمقنا العربي، ولعل ما قامت به الفنانة الكبيرة أحلام مثال للمشاعر القومية الطافحة في دواخل أبناء العروبة الذين يعرفون حق المعرفة ما يمثله العراق لامته العربية والاسلامية.

أظن ان من أبرز دروس بطولة (خليجي 25) التي أذهلت الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، ولفتت أنظار العالم لبلادنا التي مضى عليها عقدان وهي تحتل ذيل قائمة اهتمامات الأسرة الدولية، هو ضرورة الاستثمار وبشكل مخطط له في الرياضة والفن والثقافة، فهي المداخل والمفاتيح التي بمقدورها فتح الأبواب الموصدة وحلحلة الأزمات الخانقة في اطرها السياسية وغير السياسية.

لقد أسعدني مضمون حديث دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع أعضاء المنتخب الوطني وملاكه التدريبي وبحضور رئيس اتحاد كرة القدم بأن لدى الحكومة خطة طويلة المدى مع الاتحاد استجابة للشغف الجماهيري باللعبة، وبما ان الفن والثقافة كما هي الرياضة من شأنهما تهذيب الأذواق وتنمية الوعي وترطيب المزاج الاجتماعي واشاعة البهجة واشباع الحاجة للترفيه.

لذا لابد من خطة مماثلة للفنون بمختلف أشكالها كتشييد المسارح وقاعات العروض الموسيقية والمعارض التشكيلية وتنظيم المهرجانات الفنية الرصينة، وانشاء ساحات خاصة للاحتفالات في المحافظات، ولعل في مقدمة تلك المنشآت الفنية المهمة هي دار الأوبرا في العاصمة بغداد التي طال انتظارها، ما أرجوه ألا يلتفت السوداني الى الأصوات التي تناصب الفن العداء، فلا يمكن للحياة ان تنتعش بغياب الفنون، نتحدث عن فن يرتقي بالذوق والحس الجمالي، وليس على غرار الحفل الفني (…..) الذي اقيم في ساحة الاحتفالات الكبرى اثناء استقبال المنتخب الوطني، لعلي بهذا النداء أسمع ردا.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق