q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الإنسان وصراعه بين النفس والشيطان

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

محاسبة النفس بشكل يومي، لرصد الأخطاء بمختلف أنواعها ومستوياتها، ومن ثم العمل على تصحيحها، أو تجنبّها، فهي تدخل في الامتحان والاختبار الدنيوي، في هذه القاعة الصعبة التي يدخلها الإنسان، ويتواجد فيها شاء أم أبى، لكي يحصد النتيجة النهائية، فأما الفوز على النفس والشيطان، وهذا هو المطلوب لمن لا يغفل...

(المهم على الإنسان أن لا يغفل، ويستفيد من صمام الأمان – العقل والأنبياء والأوصياء- وإلاّ سيفنى). سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

من الأمور المصيرية التي يتعرض لها الإنسان، إنه معرّض في حياته للابتلاء بمصيبتين عظيمتين، هاتان المشكلتان إحداهما مشكلة داخلية، وهي تتمثل بنفس الإنسان، والثانية مشكلة خارجية وهي تتمثل بالشيطان، فالإنسان يعيش في حاته صراعا مزدوجا، داخليا وخارجيا، ومطلوب منه الفوز في هذا الصراع، لأن فشله يعني خسارة فادحة وهزيمة ساحقة، يلمس نتائجها في الدنيا وهو حي وفي الآخرة وهو في العالم الآخر.

الدنيا كما وصفها الأديان والأنبياء والأوصياء والمرجع ورجال الدين الأجّلاء هي دار ابتلاء، وهي (قاعة اختبار أو امتحان) للإنسان، فأما النجاح والخروج من هذه القاعة نحو مراتب الفوز العليا، وأما يحدث العمس – لا سمح الله-، والحقيقة أن قطبيّ هذا الصراع عنيدان، وهما نفس الإنسان (المصيبة الداخلية)، والقطب الثاني هو الشيطان (المصيبة الخارجية).

على الإنسان أن يعدّ العدة الكاملة للفوز في هذا الصراع الثنائي العصيب، أن يتمكن من نفسه الأمارة بالسوء، وأن يهزم الشيطان ويتمكن من ألاعيبه وأحابيله، فلا يسقط فيها، حتى يغادر الدنيا، وهو وضّاء الجبين، نقي القلب، أبيض الروح، يمضي إلى آخرته فائزا منتصرا على الابتلاء الدنيوي الهائل، الذي قد يفوق أصعب الأمراض وأشدّها فتكًا.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية المباركة:

(كل إنسان مبتلى بمصيبتين عظيمتين جدّاً، إلاّ من عصم الله. وكل واحدة من هاتين المصيبتين، هي أشدّ على الإنسان من الجلطة القلبية، وأشدّ من السرطان، والعياذ بالله، وأشدّ من الجلطة الدماغية، وأشدّ من الأمراض المردية التي تأتي بموت الإنسان قريباً).

وهنا يجب أن نذكّر الجميع بأن الله تعالى لم يترك الإنسان وحده في هذا الصراع المرير، بل وقف إلى جانبه، وأعطاه الأسباب والوسائل والأدوات الكفيلة بتحقيق الفوز له على نفسه وعلى الشيطان، في حال تنبّه هذا الإنسان، إلى ما وهبه الله تعالى من وسائل دفاعية ضد المصيبة المزدوجة للنفس والشيطان، فإن استثمر هذه الوسائل الدفاعية فاز وانتصر، وإن أهمل هذه المعونات والهِبات الإلهية العظيمة، فإنه سوف يُهزَم وحينها لات مندم.

لابد أن يفهم كل فرد يجد نفسه أحد أحياء هذه الدنيا، بأنه يمتلك القدرة على هزيمة نفسه والشيطان معا، ويحدث ذلك من خلال التمسك بوسائل الدفاع، وهي بمثابة صمام الأمان التي تحمي الإنسان من نفسه ومن خديعة الشيطان.

تمسّك الإنسان بصمام أمان

صمام الأمان هذا يتكون من قطبين أحدهما داخلي والآخر خارجي، الداخلي هو (عقل الإنسان) الذي يشكل هبة الله له، والقطب الخارجي هو (الأنبياء، والأوصياء)، حيث قدَّموا على مرِّ الوجود دعما توجيهيا معاضدا للإنسان في كفاحه المستمر ضد أهوائه وضد الشيطان.

لذا يذكر سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بأن:

(المصيبة الأولى: هي النفس الأمّارة بالسوء من الداخل. والمصيبة الثانية: إبليس من الخارج. وهاتان المصيبتان تأتيان على دنيا الإنسان وآخرته. ولكن الله سبحانه وتعالى، بعدله وبفضله وبرأفته على عباده جعل صمام الأمان للإنسان أيضاً، وهو العقل من الداخل، ومن الخارج هم الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم وسلامه).

كم هي عصيبة ومعقدة رحلة الإنسان في الحياة، حيث الدنيا بمغرياتها تنصب له الفخ تلو الآخر، وهو عليه المثابرة والذكاء والتمكّن من هذه المشكلات والمصاعب المعقدة التي يتعرض لها، حيث يتطلب هذا الأمر قدرة تامة على قيادة النفس والتحكم بها وليس العكس الذي يؤدي بالإنسان إلى السقوط في الرغبات والملذات والمغريات الدنيوية المدمِّرة.

لا يوجد أحد مستثنى من حتمية مسيرة الحياة، فعلى الجميع أن يقطعها، وعليه أن يواجه الاختبار، كذلك عليه أن يتفوق على نفسه، ولابد من أن يصرع الشيطان، ويهزمه، وهذا ليس بالمستحيل، إذا استخدم العقل وهو سلاحه الداخلي القوي، وكذلك طاعته واستماعه لما يرد إليه من الأنبياء والأوصياء والمراجع ورجال الدين من مواعظ وتوجيهات تسعى لإنقاذه من السقوط في حبائل النفس، والفشل في اختبار الدنيا.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(الحياة الدنيوية هي مسيرة كل إنسان بالدنيا، سواء كان رجلاً أو امرأة، وعالماً أو جاهلاً، وطبيباً أو مهندساً، وطالباً أو موظّفاً، وعاملاً أو كاسباً، وغير ذلك. ويمكن تشبيه هذه المسيرة بقيادة الإنسان للسيارة وسيره في طريق جبلي. فعلى جانب هذا الطريق الجبال، وعلى آخره الوديان، وعرض الطريق أو الشارع عريضاً، وسكّان السيارة بيد الإنسان، فالمهم على هذا الإنسان هو أن لا يغفل، لأن الغفلة نصف ثانية تؤدّي به إما إلى السقوط في الوادي، أو الارتطام بالجبل، وسيكون مؤدّى ذلك موته وموت من معه).

إنقاذ الإنسان لنفسه من الانحراف

لماذا على الإنسان أن يقود نفسه بالشكل الصحيح، إنه مطالَب بإنقاذ نفسه من الانحراف، ومطالب بأن يقود بالشكل الصحيح في طريق يغصّ بالمخاطر، فقد وصفه سماحة المرجع الشيرازي بأن طريق يشق نفسه بين سلسلة من الجبال الشاهقة، وهذه الطريق الخطيرة المتعرجة، تتطل أكبر قدر من الانتباه والحذر والتمسك بقواعد القيادة السليمة.

هذا هو الطريق الصحيح للسمو بنفس الإنسان، وهو مطالب دائما بالارتقاء، حتى يكون قريبا من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فلكي يكون مقبول من أهل البيت، وقريبا منهم، ومرتقيا إلى مستواهم، عليه أن يعبر الاختبار الدنيوي بنجاح، وأن يكون مؤهلا لهذا النجاح، وهكذا عليه أن يفهم هذا الهدف جيدا ويحسب له حسابا دقيقا.

الارتقاء إلى مكانة أهل البيت (عليهم السلام) تتطلب من الإنسان أن يعدّ نفسه وعقله وروحه إعدادا يؤهله بلوغ هذه القمة، وهذا الارتقاء الدنيوي يجب أن يقوم على هزيمة الشيطان بشكل كامل، وهذا يتطلب كما تم ذكره سابقا، حتمية التمسك بالعقل ومبادئ الأنبياء والأوصياء، وهما صمام الأمان لحماية الإنسان.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول حول هذه النقطة:

(إنّ ارتقاء الإنسان وسموه وارتفاعه وتحليقه حتى يصبح رفيقاً لأهل البيت صلوات الله عليهم، لا يكون بالمجان أبداً، بل يتطلّب إلى ارتفاع في المختبر وهي الدنيا، وفي الفترة التي يعيش الإنسان فيها بالدنيا).

هذا الاستعداد النفسي الإيماني الذي يحتاجه الإنسان، يمكن أن يكون متاحا له في جميع الأوقات والأيام والشهور المتعاقبة على مدار السنة، لكن هنالك أشهر لها مكانتها الخاصة، في جعل الإيمان والورع والتقوى، ومن ثم هزيمة النفس والشيطان، ممكنة بصورة أسرع وأدق وأكبر، من هذه الشهور (شهر رجب)، الذي يمهد للدخول في شعبان ومن ثم شهر رمضان.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(هذا شهر رجب، وأمامه شهر شعبان، وبعده شهر رمضان المبارك، فعلينا أن لا تصيبنا غفلة، وأن لا نغفل عن قول أهل البيت صلوات الله عليهم، وهو: (ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم).

نصل إلى هذه النقطة المحورية حيث الانطلاق من (محاسبة النفس) بشكل يومي، لرصد الأخطاء بمختلف أنواعها ومستوياتها، ومن ثم العمل على تصحيحها، أو تجنبّها، فهي تدخل في الامتحان والاختبار الدنيوي، في هذه القاعة الصعبة التي يدخلها الإنسان، ويتواجد فيها شاء أم أبى، لكي يحصد النتيجة النهائية، فأما الفوز على النفس والشيطان، وهذا هو المطلوب لمن لا يغفل، وأما الفشل لا سمح الله وهذا ما يحصل عليه الفاشلون فقط.

اضف تعليق