q
الحكم الصالح (Good Governance) هو الحكم الذي يستند لقيادات سياسية منتخبة وكوادر إدارية ملتزمة لتطوير موارد المجتمع وتقديم الخدمات للمواطنين وتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم من خلال تحقيق عنصري الرضا والمشاركة في الحكم وهذا المفهوم يرتكز على ثلاث أبعاد ينتج عن ترابطها الحكم الصالح وهذه الابعادهي ...

الحكم الصالح (Good Governance) هو الحكم الذي يستند لقيادات سياسية منتخبة وكوادر إدارية ملتزمة لتطوير موارد المجتمع وتقديم الخدمات للمواطنين وتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم من خلال تحقيق عنصري الرضا والمشاركة في الحكم وهذا المفهوم يرتكز على ثلاث أبعاد ينتج عن ترابطها الحكم الصالح وهذه الابعاد هي:

أولاً: البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها.

ثانياً: البعد التقني المتعلق بعمل الارادة وفاعليتها.

ثالثاً: البعد الاقتصادي – الاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وقدر تعلق الامر بالبعد السياسي للحكم الرشيد فإنه يعتمد على وجود قيادات منتخبة تتمتع بالشرعية الدستورية حتى تحوز رضا الجمهور وموضوع الشرعية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالديمقراطية ووسائل ممارستها.

وهذا يقتضي وجود حَوْكَمَة تشريعية لكافة التشريعات المتعلقة بانتخاب ممثلي الشعب سواء على مستوى التشريع الدستوري أو على مستوى التشريعات الاساسية المتعلقة بوضع الحقوق السياسية موضع التنفيذ كقوانين الانتخابات التشريعية والمحلية وقوانين الاحزاب السياسية والقوانين المسؤولة عن إدارة شفافية العملية الانتخابية لضمان مشاركة فعالة من الشعب في اختيار نوابهم والمشاركة الفعالة في مراقبتهم من خلال تقييم أعمال البرلمان مع وضع ضوابط وآليات للمساءلة والمحاسبة.

كما أن مفهوم المشاركة لا يقتصر على المفهوم الضيق للمشاركة وهو مباشرة الحقوق السياسية في الانتخاب والترشيح والمشاركة في الشؤون العامة وانما يمتد ليشمل المساواة بين الرجل والمرأة في حق المشاركة بالتصويت وابداء الرأي مباشرة أو عبر المجالس التمثيلية المنتخبة ديمقراطياً بالبرامج والسياسات والقرارات وهذه المشاركة تتطلب توفر القوانين التي تضمن حرية تشكيل الجمعيات والاحزاب وحرية التعبير والانتخاب ومباشرة الحريات العامة عموماً والحريات والحقوق السياسية على وجه الخصوص لتحقيق المشاركة الفعالة للمواطنين في ترسيخ الشرعية السياسية.

ولذلك فإن غياب الحَوْكَمَة التشريعية من شأنه أن يوصم نظام الحكم بالحكم السيء وهو نقيض الحكم الرشيد وتتمثل مظاهر الحكم السيء الناجمة عن غياب الحَوْكَمَة التشريعية في غياب الاطار القانوني مما يؤدي إلى غياب تطبيق حكم القانون وتطبيق القوانين بطريقة استنسابية وتعسفية مع بروز ظاهرة اعفاء المسؤولين من خضوعهم للقانون أو عدم فاعلية القوانين القائمة في اخضاع المسؤولين لحكم لقانون بسبب الثغرات التشريعية وهذا ينعكس بطبيعة الحال على مبدأ الشفافية حيث يؤدي قصور القوانين إلى وجود قاعدة ضيقة ومغلقة وغير شفافة للمعلومات ولعمليات صنع القرار بشكل عام وعمليات صنع السياسات بشكل خاص.

ومن هنا جاءت حتمية التلازم بين وجود نظام ديمقراطي وآليات انتخاب وترشيح وتبادل السلطة بشكل شفاف وبين مفهوم الحكم الرشيد مما يساعد على القضاء على الفساد السياسي الذي يُعد أكبر معوق للديمقراطية، وبرغم استمرار البنك الدولي في رفضه للتصدي لقضية الفساد كونه ينظر إليه كشأن سياسي ولا يدخل ضمن وثائق البنك الدولي.

الاّ أن هذا الموقف قد تغير بشكل ملفت للانظار عندما طرح البنك الدولي الآراء القانونية عرض الحائط واعلن أن الفساد يمثل قضية اقتصادية ذات أهمية مركزية لحيوية وفعالية المشاريع التي يمولها البنك وبَيَّن عام 1999 بأن أسباب الازمات المالية وفساد السلطة والفقر قضية واحدة إذا لم يكن لدى الدول حكم جيد وهذا يتطلب وجود نظام قانوني متكامل يحمي حقوق الانسان، الملكية والعقود.

وإن غياب مفاهيم الحَوْكَمَة التشريعية على المستوى السياسي والاقتصادي يحول دون تطور هذه الدول وعدم استمراريتها، وهنا يظهر دور الديمقراطية مجدداً كأساس لتوفير مرتكزات الحَوْكَمَة التشريعية، فالديمقراطية كآلية حكم يجب أن تتضمن منظومة سياسية وقانونية متكاملة قادرة على الاطباق على الفساد السياسي وتحقيق مفهوم الحكم الرشيد من خلال وجود دستوراً تعاقدياً يمنح الامة حق الولاية على نفسها وتعددية سياسية توفر أحزاباً ذات برامج سياسية تتنافس فيما بينها في انتخابات حرة ونزيهة لتشكيل مجلس الامة بأسرها ويقوم بمهام التشريع المطلوبة نيابة عنها، والتي تتمتع – أي الهيئة التشريعية – بأدوات رقابة فعالة لمراقبة عمل الحكومة وهذا لا يمكن تحقيقه الاّ من خلال وجود تشريعات تتيح هذه الرقابة.

وبعبارة أخرى أن مفهوم الحكم الصالح (Good Governance) هو مفهوم موازي لدولة القانون وفقاً للمفاهيم الدستورية، إذ لا وجود لدولة القانون في غير النظام الديمقراطي الذي بلورته المبادئ الاساسية لدولة القانون.

إذ يشير الفقيه الفرنسي (Michel Coudrec) إلى هذه الحالة بقوله (لا وجود لدولة القانون عندما لا تتم مناقشة القانون بحرية في مجلس تشريعي منتخب ديمقراطياً)، لذلك نجد أن ملخص الوثيقة رقم (15) الخاصة بمبادئ الحكم الرشيد في القرن الواحد والعشرين اعتبرت الشرعية (Legitimacy) والتصويت (Voice) من أهم المبادئ الخمسة للحكم الرشيد وهذا يعكس مدى التلازم بين الحكم الرشيد والديمقراطية وما يترتب على ذلك من اهمية إقرار سياسيات واستراتيجيات لحَوْكَمَة التشريعات تعمل على تحقيق مبادئ الحكم الرشيد.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق