q
التحدي الاكبر على عاتق الأهالي للحد من هيمنة الشاشات الذكية بمختلف أنواعها بالسيطرة أولًا على هيمنة الشاشات على الأهالي قبل الأطفال، إذ يبدأ التحدي من منح الطفل الاهتمام وتوفير البدائل وخلق قوانين منزلية توفر للطفل الاهتمام الكافي لينعم بطفولة صحيحة. وأنّ تهدئة الطفل باستخدام الأجهزة الرقمية قد يؤدي...

إهمال الطفل وتركه الساعات تلو الساعات على برامج التلفاز والهواتف الذكية والألواح الرقمية، يسلب الطفل قدرته على الإبداع وعلى التفاعل الخلاق داخل محيطه، وبذلك يكون التحدي الاكبر واقعاً على عاتق الأهالي للحد من هيمنة الشاشات الذكية بمختلف أنواعها على حياتنا وعلاقتنا بأطفالنا، بالسيطرة أولًا على هيمنة الشاشات على الأهالي قبل الأطفال، إذ يبدأ التحدي من منح الطفل الاهتمام وتوفير البدائل وخلق قوانين منزلية توفر للطفل الاهتمام الكافي لينعم بطفولة صحيحة.

وقد اظهرت دراسة جديدة أنّ تهدئة الطفل باستخدام الأجهزة الرقمية قد يؤدي إلى مزيد من المشاكل مع تفاعلهم العاطفي.

ونظر الباحثون في 422 ردود فعل من الوالدين ومقدمي الرعاية لتقييم مدى احتمال استخدامهم للأجهزة من أجل إلهاء أطفالهم، الذين تتراوح أعمارهم من 3 و5 سنوات، وكيف كان سلوكهم على مدى ستة أشهر.

وبحسب الدراسة، فإن استخدام الأجهزة الرقمية على نحو متكرّر لصرف الانتباه عن السلوك المزعج والمضطرب، مثل نوبات الغضب، كان مرتبطًا بمزيد من الاضطراب العاطفي لدى الأطفال.

وقالت الدكتورة جيني راديسكي، مؤلفة الدراسة الرئيسية، وطبيبة الأطفال السلوكية التنموية: "عندما يمر طفلك بلحظة عاطفية صعبة، يعني أنه يصرخ ويبكي بشأن أمر ما، فإنه يشعر بالإحباط، وربما يضرب أو يركل أو يستلقي على الأرض.. إذا كانت الاستراتيجية التي تتبعها هي تشتيت انتباههم أو جعلهم يلتزمون الصمت باستخدام الوسائط الإلكترونية، فإن هذه الدراسة تشير إلى أن ذلك لا يساعدهم على المدى الطويل".

وأوضحت راديسكي أن هذه الطريقة لا تساعد الطفل على مواجهة مشاعره الصعبة والاستجابه لها. ليس ذلك فحسب، إنما تدفعهم للاعتقاد بأن مشاعرهم الصعبة تمثّل وسيلة فعالة للحصول على ما يريدون.

وتتماهى الدراسة مع التوصيات الحالية الصادرة عن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، والأكاديمية الأمريكية للطب النفسي للأطفال والمراهقين، ومنظمة الصحة العالمية، بأنّ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و5 سنوات يجب أن يكون وقت المشاهدة محدودًا للغاية، بحسب ما ذكرته الدكتورة جويس هاريسون، الأستاذة المشاركة في الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية جونز هوبكنز للطب في بالتيمور.

توصي راديسكي بتعليم الأطفال كيفية التعرّف على مشاعرهم والاستجابة لها بطرق مفيدة.

وبدلاً من معاقبة تعبيرهم عن الإحباط أو الغضب أو الحزن بوقت مستقطع، قالت راديسكي إنه قد يكون من الجيد إنشاء مكان مريح للأطفال لتجميع مشاعرهم.

ويجب أن تكون الرسالة: "أنت لست شخصًا سيئًا بسبب مشاعرك الكبيرة، تحتاج فقط إلى إعادة ضبطها. نحن جميعًا بحاجة إلى إعادة ضبطها أحيانًا".

وقالت إنه يمكن أن يكون من المفيد لمقدمي الرعاية مساعدة الأطفال على تسمية مشاعرهم، وتقديم الحلول عندما يستجيبون بشكل غير لائق لتلك المشاعر.

لكن في بعض الأحيان، يكون الحديث عن العواطف مجرّدًا جدًا بالنسبة للأطفال في سن ما قبل الدخول إلى المدرسة، وفي تلك الحالات توصي راديسكي باستخدام الألوان للتحدث عن العواطف.

كيف تؤثر شاشات الأجهزة الإلكترونية على الأطفال؟

نظرا لأن أجهزة مثل هذه أصبحت الآن في كل مكان، سواء شئنا ذلك أم لا، صار من الحتمي أن يتمكن أطفالنا من إدراك وجودها بسرعة وبسهولة وبشكل غريزي أيضا. في المقابل، ندرك جميعا أن استخدام مثل هذه الأجهزة، يدفع المرء للإدمان على ذلك، وأنها تُشكِّل عقول أطفالنا، بطرق بدأنا الآن فقط، في فهمها ببطء. ورغم أن تلك الأجهزة ليست مضرة في المطلق، فإنها بعيدة كل البعد في الوقت نفسه عن أن تكون مفيدة كذلك. ومن هذا المنطلق، سيؤدي تعلمنا لكيفية تحسين استخدامنا لها، أو تعرفنا على التوقيت الذي يجدر بنا فيه التوقف عن ذلك الاستخدام، إلى إحداث تأثيرات إيجابية قابلة للاستمرار.

على أي حال، لا يشكل التخوف من أن تؤدي أي تأثيرات خارجية إلى تشويه أفكار أطفالنا، أمرا جديدا من نوعه. فحتى أفلاطون، كان يشعر بالقلق من أن الشعر والدراما، قد يؤثران على عقول الناشئة. وقد ثارت مخاوف مماثلة، منذ أن أصبحت أجهزة التليفزيون عنصرا أساسيا في كل بيت، ما أدى لإطلاق الآباء تحذيرات من ظهور جيل من الأطفال، من مدمني مشاهدته. وربما كان هذا هو ما حدا بالكاتب روالد دال، أن يُضمّن قصته الشهيرة "تشارلي ومصنع الشوكولاتة" التي صدرت عام 1964، عبارات مُقفاة باللغة الإنجليزية، يناشد من خلالها الآباء بإلحاح، أن يلقوا بأجهزة التليفزيون خارجا، وأن يضعوا محلها رفا جميلا يستند إلى الجدار، وتتراص عليه الكتب.

وفي الوقت الذي نعلم فيه يقينا، بأن للقراءة فوائد جمة على صعيد تنمية مجموعة من القدرات الإدراكية للأطفال، فإن هؤلاء الصغار يشبون عن الطوق الآن، في عالم يعج بالأجهزة الإلكترونية المزودة بشاشات، ما يجعل استخدامهم لها، يرسم صورة مثيرة للقلق بعض الشيء. فالتقديرات المستمدة من بعض الدراسات، تفيد بأن الأطفال من عمر يوم واحد وحتى سن سنتين، يتفاعلون مع وسائط مثل تلك، لفترة تزيد على ثلاث ساعات يوميا، وهو رقم زاد بواقع الضعف، خلال العقديْن الماضييْن.

وتظهر دراسات أخرى، أن 49 في المئة من الأطفال في سن المدرسة يستخدمون الأجهزة المزودة بشاشات، لوقت يزيد على ساعتين يوميا، وأن معدل استخدام 16 في المئة منهم لها، فاق أربع ساعات.

ويمكن أن يأتي ازدياد الفترة المكرسة لتلك الأجهزة، على حساب الوقت الذي يخصصه الأطفال للأنشطة البدنية، ما يؤدي لزيادة ما يُعرف بـ "مؤشر كتلة الجسم"، وتقليل عدد الوجبات التي يتناولها أفراد الأسرة معا. وتبين أن ذلك يرتبط أيضا بتقلص فترة النوم سواء بالنسبة للصغار أو الكبار. إذ أشارت الدراسات – مثلا - إلى أن الأطفال الذين توجد أجهزة تليفزيون في غرفهم، ينامون لفترة تقل بواقع 31 دقيقة، من نظرائهم ممن لا يتوافر لديهم هذا الخيار.

ومع أن كل ذلك يبدو مزعجا للوهلة الأولى، فقد تبين أن التليفزيون – مثلا - ليس ضارا بالضرورة، وأن مشاهدة بعض البرامج التعليمية على شاشته، يمكن أن يفيد الصغار، شريطة أن يكونوا في عمر يزيد على عامين أو أكثر، إذ أن من هم أصغر من ذلك، لا يستفيدون بشكل عام على الإطلاق.

ولحسن الحظ، أدخل بعض المنتجين الأذكياء للمضامين التليفزيونية، عناصر ذات صبغة تعليمية على ما يُعرض على شاشته. ومن بين الأمثلة البارزة على ذلك، سلسلة "شارع سمسم" التليفزيونية الأمريكية، التي تسعى لتعليم الأطفال الألوان والأرقام والحروف بطرق ممتعة. في الوقت ذاته، تبين أن المحتوى التعليمي المُقدم عبر التليفزيون، يساعد على تحسين المهارات المعرفية والسلوكيات والقدرة على القراءة والكتابة لدى الأطفال، في المرحلة العمرية بين ثلاث إلى خمس سنوات.

وتقول كاثي هيرش-باسيك، الباحثة في مختبر لغة الأطفال في جامعة تِمبل بمدينة فيلادلفيا الأمريكية: "لن يكون الأمر مضرا للغاية بالأطفال، إذا كان يتعلق بمحتوى تليفزيوني تعليمي مُعد بدقة. بالعكس، قد يساعد ذلك كثيرا من يعانون منهم من قلة الموارد. لكن المسألة ستكون فظيعة بشدة بالنسبة للصغار، إذا كنا نتحدث، عن مشاهدة نشرة الأخبار المسائية مثلا، أو برامج حافلة بمشاهد العنف، من تلك التي نشاهدها جميعا على شاشات التليفزيون حاليا".

وينطبق الأمر نفسه، على وسائل الإعلام والتواصل الأخرى. إذ يمكن أن يستفيد الأطفال، من قضائهم وقتا في استخدام أجهزة إلكترونية تتيح لهم فرصة التفاعل مع الآخرين، من قبيل إجرائهم اتصالات بالفيديو مع الأقارب، أو الاستماع عبر الوسيلة نفسها إلى قصة تُروى عليهم من على بعد، أو مشاهدتهم برامج ذات صبغة تعليمية. وتُعزى الفوائد الناجمة عن مثل هذه الأنشطة، إلى طابعها التفاعلي تحديدا.

لكن المشكلة تكمن في أن الأطفال لا يستخدمون غالبا الأجهزة الإلكترونية ذات الشاشات في تلك الأغراض المفيدة، وذلك لأسباب وجيهة. فالآباء والأمهات يواجهون – مثلا - خلال العام الجاري ضغوطا فريدة من نوعها، لا سيما بعد أن تلاشت الفوارق بين الحياة الشخصية ونظيرتها العملية، بطرق غير مسبوقة. ولهذا يستخدم الصغار الوسائط الإلكترونية بشكل سلبي، ما قد يكون له أثر ضار بهم. وفي هذا الشأن، تفيد إحدى الدراسات، بأن استماع الأطفال لمفردات جديدة، سواء من جانب شخص يتعامل معهم بشكل مباشر، أو يلقيها عليهم عبر اتصالات تفاعلية بالفيديو، يزيد من قدرتهم على تعلمها، مُقارنة باستماعهم لها وهي تُردد أمامهم على الشاشات، وهم جلوسٌ لا يحركون ساكنا.

من جهة أخرى، يدرك الجميع أن أدمغة الصغار تتطور بسرعة، وأن تفاعلهم مع والديهم أو من يقدمون الرعاية لهم، يشكل أمرا بالغ الأهمية، على صعيد تحديد الطريقة التي يتعلمون بها خبرات جديدة. ومن شأن الإفراط في استخدام أجهزة إلكترونية ذات شاشات، التأثير على الطريقة التي يتفاعلون بها مع عالمهم الخارجي. ويَحْضرنا هنا مثال مفاده، بأنه بالرغم من أن بمقدور الرضع، ممن لا يتجاوزون 15 شهرا من العمر، تعلم مفردات جديدة من خلال الأجهزة اللوحية، فإن ذلك لا ينفي أنهم سيظلون يواجهون صعوبات على صعيد تطبيق ما يتعلمونه في الحياة الواقعية.

وقد أظهرت الدراسات، وجود علاقة بين مشاهدة التليفزيون وتقلص ما يُوصف بـ "الخيال الإبداعي". وكشفت دراسة حديثة النقاب عن أن استخدام الأطفال في سن المدرسة لوسائط إلكترونية ذات شاشات، يقلل من مهاراتهم المرتبطة بـ "التخيل أو التصور الذهني"، وهو مصطلح يشير إلى الكيفية التي نستخدم بها أذهاننا لتخيل أشخاص أو أماكن أو أحداث.

وتشكل القدرة على "التخيل أو التصور الذهني" سمة يشترك فيها البشر في شتى أنحاء المعمورة، وتسمح لهم ببلورة "تصور ذهني" للأحداث التي يشهدها العالم الواقعي، دون أن يضطروا لأن يكونوا مشاركين فيها بالفعل. إذ يرتبط الأمر هنا، بقراءة شيء ما، وتخيل أنفسنا في البقعة التي تدور حولها السطور.

ويقول سباستيان سوغيت، المعد الرئيسي للدراسة التي تناولت هذا الموضوع والخبير في مجال النمو اللغوي بجامعة ريغنسبورغ الألمانية، إنه عندما يشرع في القيام بشيء ما "تتكون بنية عصبية في عقلي، ما يتيح لي الفرصة لتصحيح الطريقة التي أنفذ بها هذا الأمر داخليا، حتى قبل أن أفعله على أرض الواقع".

وشملت هذه الدراسة 266 طفلا، تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وتسعة أعوام. وكلفهم القائمون عليها، بأداء مهمة لاختبار قدرتهم على التخيل الذهني، مرتين خلال فترة البحث الذي امتد 10 شهور. وفي هذا الإطار، طُرِحَت على هؤلاء الأطفال أسئلة من قبيل: "أيهما أكثر لمعانا: البوق أم الكمان؟" و"أيهما ذو طرف مدبب أكثر من غيره: المسمار أم القلم؟".

وقد ساعدت مثل هذه الأسئلة الصغار، على الاستفادة من قدرتهم على التصور والتخيل الذهني، لتحديد طبيعة الأشياء التي تحيط بهم، ما جعلهم يجزمون مثلا بأن الحجر المستدير أملس بشكل أكبر من المسمار، وذلك عبر مقارنة "الصورة الذهنية لهما"، دون أن يكون أي منهما أمام الطفل بالفعل.

واكتشف فريق البحث وجود ارتباط بين كل أشكال استخدام الأجهزة الإلكترونية ذات الشاشات، بتقلص معدلات نمو القدرة على التخيل الذهني خلال العام الذي استغرقته الدراسة. ولم يختلف هذا الأثر السلبي باختلاف شكل التعامل مع هذه الأجهزة، وما إذا كان قد جرى بشكل سلبي ودون أي تفاعل من جانب الطفل، من قبيل ما يحدث عند مشاهدة التليفزيون، أو على نحو تفاعلي بقدر أكبر، مثل ممارستهم لألعاب الفيديو.

الخبر الجيد في هذا الشأن، يتمثل في أنه من اليسير على الوالدين مساعدة الأطفال، على الاستفادة من مهاراتهم على صعيد التخيل والتصور الذهني، وتقليص اعتمادهم على الوسائط الإلكترونية في الوقت نفسه. فكل ما يحتاجون إليه في هذا السياق، لا يعدو السماح لصغارهم باللعب، خاصة أن "التخيل الذهني"، يمثل أساس ممارسة الألعاب التفاعلية، وفقا لما يقوله سوغيت.

فكلما شارك الصغار في الألعاب التي تنطوي على سيناريوهات خيالية وافتراضية، كانوا أكثر قدرة على الاستفادة من مخيلتهم في هذا الشأن، وهو أمر مهم، نظرا إلى أن تزايد فترة استخدام الأطفال للوسائط الإلكترونية، يتزامن مع قضائهم وقتا محدودا في الهواء الطلق، بشكل لم يحدث من قبل.

يُعقّب سوغيت على ذلك بالقول: "نعيش جميعا بطبيعة الحال في العصر الحديث، الذي لا يمكن فيه تحاشي استخدام الأجهزة الحديثة المزودة بشاشات. لا يتعلق الأمر بأن تقول للوالدين إن ما يفعلانه ليس مفيدا بما يكفي، بل ربما يتمثل في أن نثق في أن غريزة الطفل ستدفعه إلى البحث والاستكشاف، وأن نسمح للصغار بالانخراط في هذه التجارب الواقعية الزاخرة والثرية" بالمعلومات والخبرات.

لكن الأمر قد لا يكون بهذه السهولة، بالنسبة للكثير من الآباء والأمهات. لذا فمن المهم أن يفهم هؤلاء أن تأثيرات استخدام الأطفال للوسائط الإلكترونية تختلف، حتى وإن تشابهت تلك الأجهزة في شاشاتها. فرغم أن مظلة وسائط مثل هذه، تشمل الهواتف النقالة والحاسبات اللوحية وأجهزة التليفزيون ونظيرتها التي تُمارس عليها ألعاب الفيديو، فإن الأجهزة اللوحية تحديدا – تلك التي لم تظهر سوى منذ عقد أو أكثر قليلا - غيّرت على سبيل المثال، الطريقة التي تتم بها عملية التعليم عن بعد.

ولذا يمكن أن يستفيد الصغار من التعامل مع الوسائط التي تفسح لهم المجال للتفاعل مع ما يدور على شاشاتها، وتعرض عليهم مضامين مُعدة بشكل محكم. وتعود تلك الفوائد – كما تقول هيرش-باسيك – إلى أن نمط الاستخدام هنا يتسم بأنه "تفاعلي وقابل للتكيف، بخلاف نظيره الذي يتم من خلاله التعامل مع غالبية الوسائط الإلكترونية المماثلة، والذي يتمثل في الجلوس في سكون وبشكل سلبي للاستماع (أو المشاهدة) ما يجعل الطفل ينزع للكسل".

وخلال فترة الإغلاق التي طُبِقَت للحيلولة دون تفشي وباء كورونا، درست هذه الباحثة وزملاؤها، كيف تفاعل الأطفال في سن ما قبل المدرسة مع القصص التي أُلقيت عليهم افتراضيا، ما أظهر نتائج مماثلة، لما خَلُصَ له فريق البحث نفسه، عندما تناول مسألة تعلم الأطفال لمفردات جديدة. فقد أظهرت الدراسة، أن الصغار يستطيعون الاستفادة من القصص التي تُسرد عليهم - خلال الاتصالات بتقنية الفيديو - وفهمها، على نحو لا يختلف عن مقدار استفادتهم وفهمهم لها، إذا ما ُرويت لهم من جانب شخص يجالسهم بالفعل.

وكشفت الدراسة أيضا عن أن الأطفال من أفراد عينة البحث، كانوا أكثر تفاعلا واستجابة، عندما سُرِدَت عليهم القصص بشكل مباشر عبر تقنية الفيديو، مقارنة بطبيعة استجابتهم للقصص ذاتها، حينما استمعوا لها وهي مُسجلة.

لكن في نهاية المطاف، يتعين علينا أن ندرك كذلك، أن الإفراط في التعامل مع هذه الوسائط، حتى وإن كان لأغراض تعليمية، قد يؤثر سلبا على قدرة أطفالنا، على تخيل العالم الحقيقي الذي إبقاء الأجهزة بعيدة عن غرف النوم

في مراجعة منهجية لمجموعة من الدراسات السابقة، كشف باحثون مخاطر إضافية لاستخدام الأطفال والمراهقين للأجهزة الذكية. وأكدوا على أهمية إبقاء هذه الأجهزة بعيدة عن غرف نوم الأطفال.

قال باحثون دنماركيون في مراجعة منهجية لدراسات سابقة، إن استخدام الأطفال والمراهقين للآجهزة الإلكترونية ذات الشاشات، يؤدي عموما إلى قلة نومهم، كما يؤدي في الكثير من الحالات إلى عدم النوم.

ويقول الباحثون إن الدليل على وجود صلة بين استخدام الوسائط الإلكترونية والنوم لفترات أقصر، أقوى بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و15 عاما، بالمقارنة مع الأطفال الذين يبلغون من العمر 5 أعوام وأقل. أما بالنسبة للأطفال الذين هم في سن ما قبل المدرسة، فقد ارتبطت مشاهدة التلفزيون واستخدام أجهزة الكمبيوتر اللوحي، بوجود صعوبات في النوم لديهم ونومهم لفترات أقل.

واستخدم الأطفال الأكبر سنا مجموعة أوسع من الأجهزة الإلكترونية، تتضمن أجهزة ألعاب الفيديو، والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر. أما بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و12 عاما، فقد ارتبط استخدام الوسائط الإلكترونية لديهم بتأخر أوقات نومهم، ونومهم بدون عمق.

وبالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما، فقد ارتبط استخدامهم للاجهزة الالكترونية ذات الشاشات، بحدوث مشاكل في النوم، كما ارتبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بمعانتهم من النوم السيء.

كما وجد الباحثون أن استخدام التلفزيون والهاتف المحمول في وقت النوم، يرتبط باضطراب فترات النوم والاستيقاظ أثناء الليل.

وفي تناولهم للدراسات السابقة التي أظهرت وجود صلة بين استخدام أجهزة الوسائط الإلكترونية المحمولة ذات الشاشات في غرفة النوم من ناحية وقلة النوم من ناحية أخرى، يقول الباحثون إن نتائجهم تدعم فرضية أن التعرض للضوء الأزرق الصادر عن تلك الشاشات أثناء المساء، قد يؤدي إلى إزعاج دورة "النوم والاستيقاظ" العادية والقضاء على إطلاق الجسم لهرمون النوم الذي يحمل اسم الـ "ميلاتونين".

وكتب الباحثون أن الطرق الأخرى التي قد يتداخل فيها استخدام الوسائط الالكترونية مع الاستجابة للنوم وقد تتسبب في مشاكل النوم، تشمل "التحفيز النفسي من محتوى الوسائط". وبالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما، فإنهم يقولون إن مراجعتهم تدعم الدليل على أن الصور التفاعلية لأجهزة الوسائط الإلكترونية -على عكس جهاز التلفزيون- تزيد من "الاستثارة الفسيولوجية" التي يمكن أن تؤثر على النوم.

وتقول تانيا بولين، الطبيبة النفسية في مركز لايبزيغ للأبحاث بألمانيا، إن المراجعة الدنماركية تجمع النتائج بشأن موضوع استخدام الأطفال للوسائط الإلكترونية وكيفية نومهم. وتؤكد وجود صلة بين الأجهزة الإلكترونية الموجودة في غرف نومهم، ونومهم بصورة غير طبيعية، مؤكدة على دور الهواتف المحمولة، بشكل خاص.

وتوضح: "تُظهر بعض الدراسات التي تم الاستعانة بها أيضا وجود ارتباط صريح بين الاستخدام الليلي للهواتف المحمولة وسوء النوم، مما يؤكد مجددا على (النتائج السابقة) التي تفيد بأن هذه الأجهزة على وجه الخصوص، والتي يمكن وضعها في أي مكان ولا يتم غلقها أثناء الليل، من الممكن أن تفسد النوم ".

وتقول بولين إنه من المهم أن يكون الآباء على دراية بالمخاطر التي تشكلها أجهزة الوسائط الإلكترونية. وتنصح قائلة: "يجب عليهم منذ البداية وضع قواعد واضحة بشأن متى يمكن استخدام مثل هذه الوسائط"، مضيفة أنه لا يجب بأي حال من الأحوال أن يتم ترك الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر اللوحي أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى، في غرفة نوم الأطفال أثناء الليل.

كما توصي بعدم استخدام الأطفال للأجهزة، التي تتضمن أجهزة ألعاب الفيديو وأجهزة الكمبيوتر، قبل النوم مباشرة، ولكن يفضل استخدامها في فترة ما بعد الظهر. 

تأثيرات سلبية على الدماغ والسلوك

أشارت نتائج دراسة، أن الأطفال الذين قضوا أكثر من ساعتين في اليوم في أنشطة على الشاشات الرقمية سجلوا درجات أقل في اختبارات اللغة والتفكير. أما الأطفال الذين استخدموا الشاشات أكثر من سبع ساعات، فقد أظهرت الدراسات التي أجريت عن طريق تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي ترقق في قشرة الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن التفكير النقدي والمنطقي.

أشار باحثون إلى أن استخدام الأطفال دون العامين للشاشات الرقمية لنصف ساعة يوميا مرتبط بتأخر النطق والتعبير، حيث يصعب على هؤلاء الأطفال التعبير عن مشاعرهم أو إيصال المعلومة بالكلام.

أظهرت الدراسات التي أجريت على الأطفال دون سن المدرسة، ارتباط ضعف التركيز بشكل واضح مع استخدام الاطفال للشاشات الرقمية لساعتين أو أكثر.

كما ربطت أبحاث أخرى استخدام الشاشات الرقمية واحتمالية تشخيص الطفل بفرط الحركة مع قلة التركيز "attention-deficit/hyperactivity"، حيث أفاد البحث أن الأطفال الذين يستخدمون الشاشات الرقمية بمعدل ساعتين أو أكثر يوميًا تزيد احتمالية التشخيص بفرط الحركة مع قلة التركيز بمعدل يصل إلى 7 مرات أكثر من سواهم.

في دراسة أجريت في كندا على 2400 عائلة، أظهرت النتائج ارتباط استخدام الأطفال دون سن المدرسة للشاشات الرقمية لمدة ساعتين أو أكثر بشكل يومي بمشاكل السلوك بشكل ملحوظ.

وبالمقارنة مع الأطفال الذين يقضون أقل من 30 دقيقة في اليوم، فإن الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين كانوا أكثر عرضة بخمس مرات لمشاكل السلوك.

حيث أبلغ الآباء عن نوبات الغضب، والصراخ والمواقف السيئة العامة والسلوك العدواني للأطفال، بالأخص عند محاولة حرمانهم من الشاشات الرقمية.

تم إجراء العديد من الدراسات حول آثار التعرض لشتى أشكال العنف الموجود في ألعاب الفيديو والأفلام والبرامج التلفزيونية والموسيقى، حيث أظهرت النتائج أن مشاهد العنف مرتبطة بشدة بالسلوك العدواني أو العنيف لدى الأطفال، كما أنها تقلل أيضًا من التعاطف لدى الأطفال.

الأداء الدراسي

غالبا ما يرتبط الإفراط في استخدام الشاشات الرقمية بشكل سلبي بأداء الأطفال في المدرسة، فقد أجرى الباحثون في الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال دراسة تشير إلى وجود علاقة بين الوقت الذي يقضيه الأطفال في سن الدراسة في مشاهدة التلفزيون وتشغيل ألعاب الفيديو واستخدام أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية مع زيادة احتمال عدم إتمام واجباته المنزلية.

الأطفال الذين يقضون ساعتين إلى أربع ساعات كل يوم باستخدام الشاشات الرقمية خارج العمل المدرسي أكثر عرضة بنسبة 23٪ لعدم إنهاء واجباتهم المدرسية مقارنةً بالأطفال الذين يقضون أقل من ساعتين في استهلاك الوسائط الرقمية.

تزداد هذه النسبة كلما ازداد عدد ساعات استخدام الأطفال للشاشات الرقمية، حيث وصلت النسبة إلى 63% من الأطفال الذين لم يستطيعوا إكمال واجباتهم عندما استخدموا الشاشات لست ساعات.

وأيضًا اضطراب الأكل والسمنة الناتجة عن إهمال الوجبات الأساسية من قبل الأطفال وتناول الوجبات الخفيفة بكثرة أثناء استخدامهم للشاشات الرقمية. أضف إلى ذلك الخمول وقلة الحركة التي بدورها تعمل كعوامل عديدة لتفشي السمنة بين الأطفال.

أعراض متلازمة الشاشات الإلكترونية

في دراسة حديثة نسبيا نفذتها مجموعة البحث في مجلس المملكة المتحدة من أجل سلامة الأطفال على الإنترنت، لوحظ أن نسبة تعامل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و16 سنة مع الإنترنت بلغت حوالي 94%، وأبرزت الدراسة المخاطر التي واجهت الأطفال، حيث قال واحد من كل عشرة أطفال إلى واحد من كل خمسة مراهقين إنهم واجهوا مواد أثارت مخاوفهم، أو مواقع إباحية، بالإضافة لتعرضهم للتنمر الإلكتروني والابتزاز الجنسي.

كما بين استبيانان أجريا على نحو نصف مليون مراهق أميركي، أن الأطفال الذين يستخدمون هواتفهم ثلاث ساعات يوميا أو أكثر كانوا أكثر عرضة للشعور باليأس والتفكير في الانتحار بمقدار الثلث، بينما ارتفع معدل الانتحار للنصف عندما كانوا يستخدمونها أكثر من خمس ساعات، وبحسب دراسة لجامعة جلاكسو يؤدي الإفراط في استعمال الهاتف المحمول لزيادة معدلات أمراض القلب والسرطان.

وقالت دراسة أميركية حديثة إن المراهقين الذين يقضون فترة زمنية صغيرة في الاتصال الإلكتروني هم الأكثر سعادة، على الرغم من أن اقتراح تحديد وقت الشاشات بساعة واحدة يوميا يعتبر أمرا مثيرا للضحك لأي شخص يحاول السيطرة على معدل استخدام المراهقين للشاشة.

وعلى النقيض من كل ذلك، أكدت دراسة أجرتها مؤسسة أكسفورد للإنترنت شملت عشرين ألفا من أولياء الأمور، عدم وجود علاقة بين الحد من استخدام الأجهزة ورفاهية الأطفال النفسية، بل إن الفكرة الأساسية تكمن في طريقة تعامل الآباء مع أبنائهم فيما يخص كيفية استخدام الشاشة، وليس مدة الاستخدام، وهو ما أثبتته دراسة أخرى أجرتها جامعة ميتشغان الأميركية شملت أشخاصا تتراوح أعمارهم بين 4 و11 عاما.

لكن مؤلفي الدراسة قالوا إن القلق بشأن استخدام الأطفال للشاشة له ما يبرره، عندما يؤدي إلى سوء السلوك أو فقدان الاهتمام بالأنشطة الأخرى، أو اضطراب علاقة الطفل مع الأسرة، أو الانسحاب من الحياة الاجتماعية، أو ممارسة الطفل الكذب والخداع.

متلازمة الشاشة الإلكترونية من الأمراض التي يمكن أن تُصيب طفلك جراء التعرض للشاشات، وتؤدي تلك المتلازمة إلى زيادة الضغط على المخ، وهو ما يؤدي إلى خلل في النُظم البيولوجية، ومن ثم خلل في الجهاز العصبي للأطفال. وتشمل أعراضها عادةً ضعف التركيز والعصبية والسلوك العدواني، كما أن الأطفال المُصابين بها يشعرون بالإحباط والبكاء والغضب بسهولة، ويقل مستواهم التعليمي.

وبحسب دراسة أجريت بجامعة جالكوري بكندا، فإن تعض الأطفال للشاشات أوقاتا طويلة، يعتبر شديد الخطورة عليهم، خاصة من سن سنتين إلى خمس سنوات، وهي المرحلة المصاحبة لعملية تطور الدماغ، حيث تتأثر خلايا المخ بطول فترة الاستخدام، كما تؤدي لضعف المهارات اللغوية والتعلم، وتضعف حصيلته اللغوية، مما قد يفقده القدرة على الكلام في كثير من الأحيان.

الوقت المسموح به مع الشاشات

وقد حددت الجمعية الأميركية لطب الأطفال الوقت المسموح به لتعامل الأطفال مع الشاشات بحسب الآتي:

– يُمنع استخدام الأطفال للشاشات قبل إتمام 18 شهرا، لما تسببه من متاعب في النوم، ومشكلات أخرى خاصة بمنع نمو الدماغ، وفقدان القدرة على تحفيز الطفل بمؤثرات أخرى.

– بين عامين وخمسة أعوام، يفضل استبدال الشاشات بالخروج في الأماكن المفتوحة والاحتكاك بالعالم الخارجي، على أن يكون استخدام الشاشة مكافأة ولمدة ساعة واحدة فقط، مع التحكم في نوع المواد التي يشاهدها.

– في عمر ست سنوات، لا يوجد حد معين للشاشات، لكن استمر في التركيز على الأنشطة الإنتاجية، مثل الأنشطة البدنية (كاللعب في الخارج)، والأنشطة التعليمية (كالقيام بالواجبات المنزلية)، والأنشطة الاجتماعية (كالذهاب إلى المعسكرات والوجود مع الأصدقاء).

– الحرص على الاجتماعات العائلية لوضع خطة لبدائل استخدام الشاشات، وإشراك الأسرة بأكملها بمن فيها من الأطفال، لاقتراح أشياء تفعلونها سويا.

– تخصيص سلة أو محطة شحن في موقع مركزي بالمنزل، يضع فيه أفراد الأسرة كلهم أجهزتهم الإلكترونية في أوقات معينة من اليوم.

– تحديد وقت من اليوم يكون خاليا تماما من استخدام الشاشات (فليكن وقت العشاء مثلا) ويمكن زيادة هذا الوقت دوريا ليشمل أوقاتا أخرى من اليوم.

– البقاء قرب الأطفال بتكريس وقتٍ خاصٍ لهم، مما يجعلهم يصغون لقواعد الحد من استخدام الشاشات.

– التعامل مع القواعد بحزم لا يخلو من العواطف واللين في بعض الأوقات، حتى يصبح الأمر عادة يومية.

– حماية الأطفال من المحتوى الواضح على التلفزيون وعبر الإنترنت، باستخدام أدوات الرقابة الأبوية التي تسمح بمراقبة ما يشاهدونه على التلفزيون وما يفعلونه عبر الإنترنت.

– منع استخدام الأجهزة الإلكترونية في غرفة نوم الأطفال، ويمكن التحكم بالإنترنت عن طريق ضبط "كلمة المرور" بأوقات محددة.

اضف تعليق