q
الشعور بالتعب مسألة طبيعية عارضة بسبب قلة النوم أو الإجهاد، لكن إذا صار التعب مسألة مستمرة فهو ربما يكون إشارة للإصابة بأمراض مختلفة أو بداية للاكتئاب، والإحساس بالتعب هو عادة آلية حماية يستعين بها الجسم عندما تزيد الأعباء عليه، فقد أصبح الإجهاد كارثة تؤرق العديد من الناس...

عدم النوم لساعات كافية قد يؤدي للشعور بالتعب والإجهاد وهو أمر عارض، لكن استمرار هذا الشعور لفترات طويلة يشير عادة إلى خلل داخلي في الجسم، يجب تشخيصه وعلاجه. وقبل الذهاب للطبيب يمكن إتباع بعض الخطوات العلاجية.

الشعور بالتعب مسألة طبيعية عارضة بسبب قلة النوم أو الإجهاد، لكن إذا صار التعب مسألة مستمرة فهو ربما يكون إشارة للإصابة بأمراض مختلفة أو بداية للاكتئاب. والإحساس بالتعب هو عادة آلية حماية يستعين بها الجسم عندما تزيد الأعباء عليه.

فقد أصبح الإجهاد كارثة تؤرق العديد من الناس، مهما اختلفت أعمارهم وأعمالهم. فهو مشكلة يعاني منها الطفل الذي يدرس، والمراهق كما يعاني منها العامل والأجير والآباء والأمهات. ودائما ما يشتكي الناس من الإجهاد.

ويعرف الضغط أو الاجهاد النفسي بأنه "أي حافز مثل الخوف أو الألم الذي يقوم بالتداخل مع التوازن الفسيولوجي الطبيعي للإنسان، فنحن جميعا نختبر الإجهاد والضغط النفسي في حياتنا اليومية لأسباب مختلفة، سواء بسبب الحياة الأسرية أو ضغوطات مالية أو علاقات شخصية، هنا يقوم التوتر بالتأثير في التوازن الطبيعي في حياة المرء". لكن أحياناً قد يكون الضغط محفز جيد، مثل الهروب من مكان تشعر فيه بالخطر، وأحيانا أخرى يمكن أن يعطل الناس عن القيام بأعمالهم.

إذ يعد الإجهاد (أو الإرهاق) حالة من التوتر والتعب الفكري، أو الجسدي أو العاطفي تحد من قدرات الإنسان وتجعله يعاني من الاضطراب والإرهاق. وتشير الإحصائيات إلى أن الإرهاق يصيب عاملين من بين 3 عمال. ورغم الجهود التي تقوم بها مديريات الموارد البشرية لاستباق الإرهاق والحد من تأثيره السلبي، إلا أنها تظل بعيدة وعاجزة عن تحقيق نتائج ملموسة. فمعظم العمال يفقدون طاقتهم وانتاجيتهم، حيث لا يمكنهم العمل بشكل مركز سوى لمدة لا تجاوز نصف مدة عملهم يوميا، وذلك بسبب الإرهاق المتزايد الذي يصيبهم. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن هذه الإحصائيات والأرقام مرشحة للارتفاع، مما يثير قلق العمال والمشغلين على حد سواء.

ما هي أسباب الإجهاد؟

هذا يتطلب منك أن تنفردي بنفسك حتى تتمكني من التركيز، ثم أن تسألي نفسك عن الأشياء التي تسبب لك إرهاقا نفسيا أو جسديا، هل هي تعود لحياتك الشخصية، أم أنها تتعلق بطبيعة عملك، أو أن هناك أسباب أخرى وراءها.

فإذا نجحت في تحديد السبب، سهل عليك فيما بعد أن تجدي حلولا تحد من تأثير الإجهاد عليك. في معظم الأحيان، يعتبر العمل هو السبب الرئيسي وراء الإرهاق، حيث أن كثرة الأشغال مع ضيق الوقت تجعل الإنسان يلهث ويجري للعمل على تحقيق أهدافه، إلا أن هذا العمل المجهد له تأثيرات سلبية على المدى البعيد لأن الجسم يفقد قدراته مع مرور الوقت ويصبح غير قادر على مسايرة كمية الأعمال المرتفعة.

وإذا استمر الإنسان في إلزام نفسه بمجهود كبير رغم تقدمه في السن، فإن هذا قد يسبب له أمراضا على مستوى العضلات أو القلب والشرايين، أو آلاما مزمنة في الظهر، كما أنها قد تسبب اكتئابات حادة نتيجة عدم القدرة على مسايرة وتيرة العمل المرتفعة.

يؤدي إلى فقدان البصر

أظهرت نتائج دراسة ألمانية وجود آثار خطيرة للإجهاد النفسي والقلق على صحة العين والدماغ، إذ قد يؤدي الإجهاد المستمر إلى فقدان البصر تدريجياً. فما هي الطرق المناسبة للوقاية من هذا الخطر؟

أظهرت دراسة أجريت في معهد علم النفس الطبي في جامعة ماغديبرغ بألمانيا، تحت إشراف البروفسور بيرنهارد سابيل، وجود علاقة وثيقة تربط بين الإجهاد النفسي المستمر وفقدان الرؤية مع مرور الوقت. ونشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة ( EPMA Journal) العلمية.

تستند الدراسة الحديثة على عدة دراسات سابقة، من بينها دراسة ترجع للعصور القديمة، ففي كتاب باللغة السنسكريتية بعنوان "SUSRUTA SAMHITA"، يرجع تاريخه كما يعتقد لـ 1300 قبل الميلاد، قام جراح هندي يدعى (سوسروتا)- مارس الطب الهندي القديم التقليدي- بسرد 18 سبباً مختلفاً لفقدان الرؤية منها: الإجهاد النفسي والعاطفي، وعادات النوم الخاطئة كالنوم خلال النهار والسهر، البكاء المستمر، والغصب المفرط، وغير ذلك.

القلب في خطر

يلجا البعض إلى الأعمال البدنية المرهقة أو الانغماس في العمل من أجل التخلص من الإجهاد النفسي أو العاطفي، إلا أن دراسة حديثة حذرت من أن اجتماع الإرهاق الجسدي والقلق النفسي خطير جدا على الصحة، وقد يؤدي إلى نوبة قلبية.

خلصت دراسة جديدة إلى أنه يمكن لكل من الإجهاد الجسدي أو القلق العاطفي الشديد أن يكون سببا في الإصابة بنوبة قلبية وأن الخطر قد يزداد إذا اجتمع العاملان معا. وقال أندرو سميث كبير الباحثين في الدراسة وهو من معهد أبحاث الصحة السكانية التابع لجامعة مكماستر بكندا "دراستنا هي أكبر دراسة تستكشف هذا الأمر، وبخلاف الدراسات السابقة فإننا جمعنا بين أشخاص من دول وعرقيات مختلفة كثيرة." وأضاف أن الارتباط بين العاملين والإصابة بنوبة قلبية كان مماثلا في كل الحالات.

وحلل الباحثون بيانات أكثر من 12 ألف حالة إصابة بنوبة قلبية للمرة الأولى في 52 دولة، وبعد النوبة القلبية سأل الباحثون المشاركين عما إذا كانوا قد بذلوا جهدا جسديا كبيرا أو شعروا بالغضب أو الاضطراب العاطفي في الساعة التي سبقت النوبة وفي ساعة الإصابة بالنوبة نفسها في اليوم السابق لها.

وقال 14 بالمئة تقريبا من المشاركين إنهم بذلوا جهدا جسديا كبيرا، كما ذكر 14 بالمئة أنهم كانوا غاضبين أو قلقين عاطفيا خلال الساعة التي سبقت إصابتهم بالنوبة. وأفادت الدراسة التي نشرتها دورية (سيركوليشين) بأن الغضب أو الإجهاد الجسدي يؤديان إلى تزايد خطر الإصابة بالنوبة القلبية بمقدار الضعف تقريبا، وأنه إذا اجتمع العاملان معا فإن الخطر يرتفع إلى ثلاثة أمثاله، وقال سميث لرويترز هيلث عبر البريد الإلكتروني إن الباحثين لم يقدموا للمشاركين في الدراسة تعريفا واضحا لكلمة "قلق" أو "إجهاد"، وتركوا لهم تحديد ذلك.

من جهته أكد باري جيكوبس وهو طبيب نفسي ومتحدث باسم جمعية القلب الأمريكية ولم يشارك في الدراسة إنه يمكن للجميع الاستفادة من كظم الغيظ، وإنه عندما يكون المرء غاضبا فإن إجهاد نفسه جسديا قد لا يكون فكرة جيدة.

ثلاث حيل تساعدك على تجنب الإجهاد

أصبح الإجهاد من آفات العصر الحديث، وبالرغم من كل الأجهزة الحديثة التي يفترض أن توفر الوقت، تتراكم الأعمال بشكل متزايد. إليك ثلاث نصائح بسيطة تساعدك على التغلب على هذا الأمر، تتكدس قائمة المهام التي يتعين القيام بها، وتستمر رسائل البريد الإلكتروني في التدفق، وبينما أنت عاكف على القيام بعمل ما، تجد نفسك تفكر في المهمة التالية. هذه صورة حقيقية عن الإجهاد الذي يصيب أغلبنا في العمل.

غونتر هوداش، وهو مدرب متخصص في علاج التوتر الناجم عن كثرة المشاغل، له العديد من النصائح المفيدة في هذا المجال، وذلك للتخلص من الإجهاد في العمل. ويقول: "الكثير من أشخاص يتعرضون للإجهاد الدائم في العمل وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة العبء عليهم واستنفاد طاقتهم".

ويوضح هوداش، الذي يرأس رابطة العلاج الإدراكي للتوتر الناجم عن كثرة المشاغل، أن "عناصر التحفيز أصبحت اليوم طاغية وأكثر من أي وقت مضى"، ويرى أن بعض الإجهاد يكون من صنعنا نحن عندما نسمح لعقولنا بالعمل كما لو كانت طياراً آلياً. لذلك يؤكد الخبير الألماني أن من الضروري التغلب على هذا الأمر، ويقدم ثلاثة تمارين بسيطة للمساعدة في التغلب على ذلك.

أولاً: تناول الطعام بوعي مع التركيز على مذاق ورائحة وشكل وجبة الغداء

لا يعرف الكثير من العاملين هذا حقاً، نظراً لأنهم يضعون هواتفهم الذكية بجانب أطباق الطعام أو يناقشون مسائل العمل مع زملاء آخرين أثناء الأكل. ويشير غونتر هوداش إلى أن "العقل يتطلع باستمرار إلى محفز، فيجب أن تعمل على توجيهه عمداً" بالتركيز على طعامك - لتشعر بدفئه ومذاقه - وتسترخي خلال فعل هذا. ويكمل: "بذلك تعود إلى جسدك وتأخذ راحة حقيقية".

ثانيا: القيام بعملية مسح للجسد

رغم أن هذه تبدو تقنية طبية متقدمة، إلا أن الأمر هنا بسيط، فكل ما يعنيه ذلك هو الإحساس بكل جسدك. وعلى سبيل المثال يمكنك إغلاق عينيك والتنفس، شهيقاً وزفيراً عشر مرات على الأقل. هذا التمرين يعزلك عن البيئة المحيطة بك.

ثالثا: التركيز على خطوة العودة إلى المنزل

رغم أن هذا قد يبدو غير منطقي، وذلك بعد ساعات طويلة من العمل الشاق، إلا أنها طريقة فعالة. وتكمن الحيلة هنا في إدراك كل خطوة تخطوها بدءاً من الضغط الواقع على باطن القدم وملامسة الكاحل، ثم الأصابع للأرض، ثم رفع قدمك من عليها. ويقول هوداش: "الهدف هنا هو ترك العمل ذهنياً، وهذا يسمح لك بتنحية أفكارك عن العمل جانباً بلطف"، ويختتم الخبير غونتر هوداش كلامه مؤكداً أنه بممارسة هذه التمارين البسيطة يومياً "فأنت تعود إلى نفسك، وتشعر باللحظة الحالية، وتبدأ بالشعور في مسائك بعد العمل".

لا يمكن القول بأن هناك حلا جذريا لاجتثاث الإرهاق من حياة الإنسان وطيه في صفحات النسيان. لكن، هناك بعض الأساليب والأدوات التي تعين على التخفيف من حدته ووطأته. كما أنه لا توجد حلول عامة ناجعة، فلكل حالة أساليب تناسبها بحسب خصوصياتها. النصيحة الأولى التي نقدمها لك هي الحفاظ ما أمكن على صحتك، عبر تناول تغذية متوازنة، وأخذ القسط الكافي من الراحة بالنوم لساعات كافية، والابتعاد عن الإكثار من شرب المنبهات.

كما يمكنك نفض غبار الإجهاد عبر ممارسة نشاط رياضي، لأن الرياضة تفرز هرمونات الإندورفين التي تشعر بالراحة والسعادة. كما أن بعض المختصين ينصحون الذين يعانون من الإرهاق بالتفكير في الأشياء التي تعجبهم، لتتحرك الطاقة الإيجابية داخلهم فتساعدهم على تجاوز مرحلة الإرهاق التي يعانون منها. وفي هذا الإطار، ينصح بالقيام بحصص من اليوغا والاسترخاء لمساعدة الجسم والنفس على التخلص من رواسب القلق.

عالج نفسك!

قبل الشعور بالهلع من استمرار حالات التعب، يمكن القيام ببعض الأمور لمعرفة سبب هذا الشعور وعلاجه، ويبدأ الأمر بمراعاة النوم الصحي ولفترات كافية وتجنب الضغط العصبي في مكان العمل ومحاولة الحصول على قسط كبير من الراحة قدر الإمكان.

الاهتمام بالحصول على قدر كاف من السوائل، من الإجراءات المهمة لمكافحة الشعور بالإجهاد، فيجب الحرص على ألا تقل كمية السوائل التي يتناولها الإنسان يوميا عن 5ر1 لتر، وينصح الخبراء أيضا بحمام ماء بارد في الصباح كوسيلة للتخلص من الشعور بالتعب، بالإضافة إلى الاهتمام بالحركة المستمرة لتحفيز الدورة الدموية.

لذلك يوصي خبراء الصحة بالتخفيف من حدة الضغط والإجهاد النفسي عبر استخدام تقنيات الحد من الإجهاد والاسترخاء مثل التدريب الذاتي أو العلاج النفسي أو التأمل، ليس فقط كمكمل علاجي لفقدان البصر، بل أيضاً كإجراء وقائي محتمل لتقدم فقدان الرؤية. علاوة على ذلك، يجب على الأطباء المعالجين أن يبذلوا قصارى جهدهم للتعبير عن موقف إيجابي والتفاؤل، وتزويد مرضاهم بالمعلومات حول أهمية الحد من الإجهاد والتخفيف من قلقهم.

اضف تعليق