q
صرَّح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بأن المنظمة رصدت "اتجاهًا تنازليًا" في مؤشرات جائحة كوفيد، ولكن هذا التراجع لا ينفي أن خطر ظهور متحورات جديدة لا يزال قائمًا، وبعد 1191 يومًا من إعلانه جائحة، قرَّرت منظمة الصحة العالمية أن مرض «كوفيد-19» لم يعد حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دوليًا...
بقلم: ماريانا لينارو

صرَّح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بأن المنظمة رصدت "اتجاهًا تنازليًا" في مؤشرات جائحة «كوفيد»، ولكن هذا التراجع لا ينفي أن خطر ظهور متحورات جديدة لا يزال قائمًا، وبعد 1191 يومًا من إعلانه جائحة، قرَّرت منظمة الصحة العالمية أن مرض «كوفيد-19» لم يعد حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دوليًا.

أعلنت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة أن جائحة «كوفيد» لم تعد تمثّل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا. جاء هذا القرار، الذي اتخذه المدير العام للمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مشفوعًا بتوصيةٍ من لجنة الطوارئ المعنيّة بمرض «كوفيد-19» التابعة للمنظمة. وكانت اللجنة، خلال اجتماع لها عُقد يوم الخميس، قد أرجعت توصيتها بإنهاء حالة الطوارئ إلى أسبابٍ كان أبرزها ما رصدته خلال الفترة الماضية من اتجاهٍ تنازلي في معدلات الوفيات والاحتجاز في المستشفيات جرَّاء الإصابة بالمرض، فضلًا عن ارتفاع مستويات المناعة ضد فيروس «سارس-كوف-2» بين السكّان.

غير أن تيدروس أكَّد أيضًا، خلال المؤتمر الصحفي الذي أذاع فيه الخبر، أن مرض «كوفيد-19» لا يزال يمثّل تهديدًا صحيًا عالميًا. ومن هذا المنطلق نبّه أن هذا الوضع الجديد لا يعطي الدول الضوء الأخضر كي تتخلّى عن حذرها، فالقراءة الأدق تقول إن كل ما في الأمر أنَّ "الوقت قد حان لكي تنتقل هذه الدول من مرحلة التعامل مع مرض «كوفيد-19» بوصفه حالة طوارئ صحية إلى مرحلة إدارة المرض شأنه شأن سائر الأمراض المُعدية الأخرى [التي تتطلَّب الإدارة]".

جديرٌ بالذكر أن الإعلان لم يأتِ على حين غرة، فعقب الاجتماع قبل الأخير للجنة الطوارئ، الذي عُقِد أواخر يناير الماضي، أقر تيدروس بأن الجائحة ربما كانت على أعتاب منعطف جديد في مسارها.

ومن ثَمَّ، فقد علَّق في أثناء المؤتمر الصحفي بأن "القرار [بإنهاء حالة الطوارئ] لم يكن وليد اللحظة"، بل "خضع لدراسة متأنية، وخُطِط له، واتُّخذ بناءً على تحليل البيانات المتاحة تحليلًا دقيقًا".

التأثيرات العملية

تُعرِّف منظمة الصحة العالمية حالات الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقًا دوليًا بأنها أي حدث استثنائي يطرأ لدى دولةٍ ما أو عدد من الدول ويُشكّل خطرًا على الصحة العامة في الدول الأخرى جرّاء انتشارِ مرضٍ ما على الصعيد الدولي. ويُعدّ إعلان حالات الطوارئ من هذا النوع أعلى مستويات الإنذار الدولي في مجال الصحة العامة. وبموجب ذلك التعريف، أعلنت المنظمة تصنيف مرض «كوفيد-19» على أنه حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا في 30 من يناير عام 2020. وكان المردود العملي للإعلان أن وجدتْ الدول نفسها مضطرة لبدء إبلاغ المنظمة بالحالات التي ترصدها، بما يضمن محاصرة المرض برقابة صحية دولية. ويقول سالم عبد الكريم، عالم الوبائيات ومدير مركز برنامج أبحاث الإيدز في جنوب إفريقيا، ومقرّه مدينة ديربان: "الأهم من ذلك، أنه [إعلان حالة الطوارئ] كان رسالة تنبئ جميع الدول بحاجتها إلى التأهّب [للجائحة]".

وعلى مدار ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وخمسة أيام، هي الفترة التي انقضت منذ إعلان حالة الطوارئ المرتبطة بمرض «كوفيد-19»، وصل عدد حالات الوفيات التي أبلغت الدول منظمة الصحة العالمية بها نحو سبعة ملايين حالة. بَيد أن تقديرات المنظمة وغيرها من المنظمات المعنية تشير إلى أن المعدل الفعلي للوفيات الناجمة عن الجائحة أعلى بمرتين إلى ثلاث مرات من المعدلات المُسجّلة.

وعلَّق عبد الكريم بأنه لا توجد قواعد صارمة يمكن القياس عليها للجزم بأن مرضًا ما قد خرج بلا عودة من قائمة حالات الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقًا دوليًا، وأردف: "ما زلنا نعيش في ظل جائحة، ولكننا نشهد مرحلة مختلفة منها ليس إلا، إذ لم نعد نرى وفيات بأعداد هائلة، كما تراجَع الضغط على المستشفيات". ومن هنا، يرى عبد الكريم أن إعلان انتهاء حالة الطوارئ المرتبطة بالمرض إقرار بأن فيروس «سارس-كوف-2» سيظل باقيًا فترة طويلة.

وعلى الرغم من وصف عبد الكريم قرارَ المنظمة بأنه منطقي وعملي، فقد أعرب عن قلقه مما قد ينطوي عليه من تداعيات فيما يخص رصد الموارد لمجابهة الفيروس وتوافر الاختبارات التشخيصية واللقاحات والعلاج.

وتقول جينيفر نوزو، عالمة الوبائيات ومديرة مركز الأوبئة في جامعة براون، ومقرّه مدينة بروفيدنس بولاية رود آيلاند، إنه من غير الواضح ما إذا كان هذا القرار سيكون له تأثير عملي ملموس، بالنظر إلى أن عديدًا من الدول قد خفَّفت بالفعل من الإجراءات التي سبق أن اتخذتها سعيًا لمجابهة المرض.

وتضيف نوزو: "مع الأسف، نفد الاهتمام السياسي بالوباء قبل زمن من صدور هذا القرار. وفي حين كان مرض «كوفيد-19» لا يزال أحد الأسباب الرئيسية للوفاة، قرَّرت الحكومات توجيه طاقاتها نحو أمور أخرى".

وفي هذا الصدد، تذكر نوزو أنه من المهم بمكان التمييز بين القرار الصادر من جانب منظمة الصحة العالمية بإنهاء حالة الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقًا دوليًا والقرارات الفردية المُتَّخذة من جانب بعض الدول لإنهاء حالة الطوارئ الصحية العامة لديها. أعلنت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أن حالة الطوارئ الصحية المرتبطة بمرض «كوفيد-19» ستنتهي لديها في 11 من مايو، وهو ما يعني أن سكان الولايات المتحدة لن يكون بمقدورهم الحصول على اختبارات تشخيص المرض واللقاحات والعلاج مجانًا بعد هذا التاريخ. وتعليقًا على هذا، يقول عبد الكريم: "سيُمعِن هذا الأمر في انعدام المساواة القائم بالفعل فيما يخص سبل الوصول لأدوات التشخيص والعلاج، وهذا ما يثير قلقي".

وماذا بعد؟

قال تيدروس في بيانه إنه قرر أيضًا تشكيل لجنة مراجعة، تختص بوضع توصيات طويلة الأمد يمكن للدول الاستفادة منها في معرفة آليات إدارة مرض «كوفيد-19» بعد رفع حالة الطوارئ. كذلك، نشرت منظمة الصحة العالمية يوم الأربعاء نسخة مُحدَّثة من خطة الاستعداد والاستجابة الاستراتيجية لمرض «كوفيد-19»، تنصّ على الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها الدول في العامين المقبلين، وتقول نوزو: "الأمر الأكثر إلحاحًا الآن هو التأكد من أن الدول لن تُولّي ظهرها وتأبى أن تحاول الاستفادة مما قدمته جائحة «كوفيد» من دروسٍ في تعزيز استعداداتها للجوائح في المستقبل".

اضف تعليق