q
الفاشية، في الحالة الإيطالية، لم تصعد إلى دفة الحكم عبر صناديق الانتخاب والتصويت، ولا فوق الدبابات، وإنما جاءت محمولة على أكتاف تيار شعبوي الطابع يرفع من منسوب كراهية الآخر المُختلف خدمة لمصالح قوى نافذة لم تشف من تراث عنصريتها المتوارثة جيلاً بعد جيل...

يعد موسوليني شخصية محورية في وجود الفاشية وكان يعتبر مؤثر وحليف لادولف هتلر فى نفس الوقت، رئيس وزراء إيطاليا لمدة واحد وعشرون عاما منذ عام 1922 حتى 1943، وفي عام 1943، تم استبدال موسوليني كرئيسا للوزراء، وقام بشغل منصب رئيس الجمهورية الإيطالية الإشتراكية حتى إعدامه من قبل محاربين ايطاليين في عام 1945 .

ولد بينيتو موسوليني في بريدابيو، في 29 يوليو 1883، وبريدابيو هي قرية صغيرة فوق فيرانو دي كوستا في شمال إيطاليا، كان والده اليساندرو، الذي كان يعمل حداداً و كان اشتراكى صميم محتكر ومتهكم على الدين، ووالدته، روزا، التي كانت تعمل مدرسة في مدرسة ابتدائية كاثوليكية، وكان لموسوليني اخ يدعي ارنالدو واخت تدعي ادفيدج، وخلال نشأته كان موسوليني طفلاً شقياً وعاصٍ لاوامر والداه، وكان سريع الغضب، فتم طرده مرتين من المدرسة لاعتدائه على زملائه الطلاب بمطواة، على الرغم من كلّ المشاكل التي تسبب بها في المدرسة، الا ان موسوليني تمكن من الحصول على شهادة ومن العجيب، انه بعد ذلك عمل لفترة قصيرة كمدرس .

عمل موسوليني في عدد من الوظائف الغريبة وقضى امسياته في حضور الاجتماعات المحلية للحزب الاشتراكي، كانت واحدة من تلك الوظائف العمل كوكيل دعاية لنقابة البنائين، ومن هنا تولى موسوليني موقف عدواني جداً، وكثيراً ما كان يدعو للعنف، ودعا إلى إضراب عام لإحداث التغيير المنشود، ادي هذا إلى تعرضه للاعتقال عدة مرات .

اصل موسوليني الترويج للاشتراكية وتطوير مهاراته كخطيب، فقد كان قوي وواثق من نفسه ، وعلى الرغم من الخطأ في كثير من الاحيان في الحقائق التى كان يقدمها الا ان خطبه كانت دائما مقنعة، ووجهات نظره ومهاراته اثناء الخطب سرعان ما ادت إلي انتباه زملائه الاشتراكيين له، ففي 1 ديسمبر 1912، بدأ موسوليني العمل كمحرر لصحيفة اشتراكية إيطالية .

موسوليني والحرب العالمية الاولى

في عام 1915، اعلنت إيطاليا الحرب على النمسا، والانضمام رسميا للحرب العالمية الاولى، وقد تم وقتها استدعاء موسولينى للخدمة فى ميلان وخلال خدمته كانت وحدته العسكرية تجرب سلاح حربي وانفجر مما ادي الي اصابة موسوليني اصابات بالغة ، ولكنه سرعان ما تعافي منها .

بعد الحرب العالمية الاولي ، اصبح موسوليني بلا شك معادى للاشتراكية، وبدأ الدعوة إلى حكومة مركزية قوية في إيطاليا ودعي موسوليني ايضاً لضرورة وجود دكتاتور لقيادة هذه الحكومة، لم يكن موسوليني الوحيد الذى اراد التغيير، فالكثيرون ارادوا ذلك بسبب انه بعد الحرب العالمية الاولي اصبحت إيطاليا في حالة من الفوضى والناس كانوا يبحثون عن وسيلة لجعل ايطاليا قوية من جديد .

فبدأت موجة من القومية تجتاح إيطاليا وبدأ كثير من الناس في تشكيل مجموعات محلية، صغيرة، قومية، قام موسوليني في 23 مارس 1919 شخصيا بتجميع هذه الجماعات فى منظمة وطنية واحدة تحت قيادته ، اطلق موسوليني على هذه المجموعة الجديدة اسم الحزب الفاشي .

الشعبوية تنتج موسوليني جديد

الفاشية، في الحالة الإيطالية، لم تصعد إلى دفة الحكم عبر صناديق الانتخاب والتصويت، ولا فوق الدبابات، وإنما جاءت محمولة على أكتاف تيار شعبوي الطابع يرفع من منسوب كراهية الآخر المُختلف خدمة لمصالح قوى نافذة لم تشف من تراث عنصريتها المتوارثة جيلاً بعد جيل، والذي يقرأ صعود التيارات الشعبوية اليوم في الغرب، سواء إيطاليا ذاتها أو عبر القارة الأوروبية، من بولندا شرقاً إلى بريطانيا غرباً، ومن السويد شمالاً إلى إسبانيا جنوباً، سيجد أن المناخ الذي أفرز يوماً صعود فاشيات القرن العشرين يُعاد إنتاجه اليوم نسخة تكاد تطابق الأصل، في ظل أجواء فقدان التوازن السياسي والاقتصادي والانشطارات القومية والطبقية التي مست مجتمعات الغرب إثر الأزمة المالية العالمية عام 2008، وما قد ترتب عليها من ركود اقتصادي وفقدان قطاع الجمهور الأعرض للثقة في أداء النخب الليبرالية الحاكمة.

هذا المناخ يترك مساحة فاصلة بين قديم مات وجديد لم يولد بعد مساحة مظلمة أشرعت بوابات الجحيم لظهور فاشيين معاصرين، تجمعهم عنجهيات مستعادة عن كراهية الآخر الذي صار بحكم تطور الأحداث التاريخية مهاجراً مسلماً هذي المرة، في حين لا يجد بعض أطراف النخب الأوروبية الحاكمة من مدمني عنصرية تراثهم الاستعماري القديم حرجاً في دعمهم، والتمكين لهم رويداً رويداً، ربما بانتظار ظهور ذلك (الموسوليني) الذي يليق بالقرن الحادي والعشرين، ومنهم كوادر عليا في مفاصل السلطة والأمن والإعلام ضمن الأنظمة الحالية.

موسوليني آخر في إيطاليا

بعد أكثر من 74 عاما على وفاته بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية يستعد أحد حفدة الزعيم الإيطالي الفاشي، بينيتو موسوليني، لدخول المجال السياسي وتطبيق مقولة "التاريخ يعيد نفسه، وسط مخاوف عالمية من تنامي حركات اليمين المتطرف في الغرب.

وبحسب ما نقلت "نيويورك بوست"، فإن كايو خيوليو موسوليني، وهو ابن حفيد الزعيم الفاشي، سيخوض غمار الانتخابات الأوروبية عن حزب "إخوة إيطاليا" اليميني وأعلنت زعيمة الحزب، جيورجيا ميلوني، ترشح موسوليني ومن المحتمل أن ينجح في تكرار تجربة امرأة سياسية من العائلة شغلت عضوية البرلمان الأوروبي.

ونجحت أليساندرا موسوليني، في الوصول إلى البرلمان الأوروبي عن حزب "فورزا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلسكوني وفي المنحى نفسه، تشغل ريشيل موسوليني، وهي من عائلة الزعيم الفاشي أيضا، عضوية مجلس العاصمة روما وكان موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قد أغلق حساب موسوليني، 50 سنة، بالنظر إلى الأفكار اليمينية المتطرفة التي يقوم بترويجها، لكنه تمكن من استعادة المنصة في وقت لاحق وحكم موسوليني إيطاليا بقبضة من الحديد لمدة عقدين، خلال القرن الماضي، وانتهى عهده الاستبدادي بإعدامه سنة 1945.

الإرث الفاشي في ايطاليا

كايو جوليو سيزار (51عاما) هو ابن حفيد موسوليني الذي حكم إيطاليا خلال الفترة من عام 1922 حتى 1943، وشارك في الحرب العالمية الثانية بجانب زعيم ألمانيا النازية، أدولف هتلرن ورغم ذلك لا يجد ابن حفيد الديكتاتور الإيطالي حرجا في كتابة لقبه موسوليني في ورقة الاقتراع، مؤكدا أنه شعار "طبيعي جدا"

ورفض جوليو سيزار وجود أي وجه مقارنة بين موسوليني وهتلر، قائلا "إنهما شخصان مختلفان، ودولتان مختلفتان وتاريخان مختلفان".

ومسألة ما إذا كانت إيطاليا قد واجهت بالشكل الكافي ماضيها الفاشي، كانت موضع نقاش ساخن في بلد ما زالت فيه الرموز والتذكارات الفاشية مشهداً شائعاً، وقد اتخذت السياسات الإيطالية منعطفاً حاداً نحو الشعبوية اليمينية، والرجل الذي يتصدر المشهد في إيطاليا حالياً هو وزير الداخلية ماتيو سالفيني الذي يقود حزب الرابطة القومي المناهض للهجرة، والذي اعتاد على استعارة شعارات موسوليني، بدون النقل عنه بصورة صريحة .

ويحب قطاع كبير من المواطنين الإيطاليين أن يعيدوا إلى ذاكرتهم أن الكثير من منشآت البنية التحتية قد بنيت في عهد النظام الفاشي، لكن ذلك لا يخفي ممارسته الاستبدادية من اغتيال للمعارضين السياسيين، وإقرار لقوانين عنصرية معادية للسامية وارتكاب جرائم حرب في إثيوبيا وقيادة البلاد إلى هزيمة كارثية خلال الحرب العالمية الثانية..

ويميل المدافعون عن بينيتو موسوليني إلى التغاضي عن هذا السجل، ومن بين هؤلاء حزبان صغيران ينتميان إلى اليمين المتطرف وهما "كازا باوند" الذين يسمون أنفسهم "فاشيو الألفية الثالثة" وحزب "فورتسا نوفا" الفاشي الجديد.

ويقول ابن حفيد موسوليني، إن اعتبار هذه الأحداث كمؤشر على فاشية جديدة إنما هو "دعاية مبالغ فيها من اليسار الذي ليس له حجج أخرى" وأضاف أنه في بعض المناحي "هناك كثير من الخوف" من الغجر "وهذا شعور يجب فهمه ، وليس شيطنته".

ويشار إلى أن كايو موسوليني مرشح في المناطق الجنوبية لإيطاليا، حيث إن حزبه هو الأقوى تقليديا، ولكي يفوز فإنه يتعين إلى جانب الفوز بأصوات عدد كاف من الناخبين، أن يتخطى حزبه "أخوة إيطاليا" بصورة واضحة حاجز نسبة الأربعة بالمائة من الأصوات على المستوى القومي .

مركز النبأ الوثائقي يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية
للاشتراك والاتصال [email protected]
او عبر صفحتنا في الفيسبوك (مركز النبأ الوثائقي)

...................
المصادر
- ساسة بوست
- عربي بوست
- اللواء
- العربية نت
- الشرق الاوسط
- العرب
- سحر الكون

اضف تعليق