q
وحملات المقاطعة الحالية ستؤثر سلباً على الاقتصاد الفرنسي خصوصا وان العالم اليوم يعيش ازمات ومشكلات اقتصادية كبيرة بسبب وباء كورونا. وستجبر الحكومة الفرنسية على تقديم اعتذار رسمي عن الإساءات المستمرة بحق الإسلام والمسلمين. وترتبط فرنسا مع دول الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج وشمال إفريقيا بروابط اقتصادية قوية تجارية واستثمارية...

تتواصل المواقف وردود الفعل الغاضبة التي تسببت بها الرسوم الكاريكاتيرية الفرنسية المسيئة للرسول الكريم محمد(ص)، وما اعقبها من تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تبني مثل هكذا افكار يمكن ان تسهم في اثارة العنف الكراهية، قال ماكرون، في تصريحات صحفية، إن بلاده لن تتخلى عن رسوم المجلة المنشورة ايضا على واجهات المباني بعدة مدن فرنسية، بينها تولوز ومونبولييه جنوبي فرنسا. هذه القضية دفعت بعض الجهات والشخصيات في العديد من البلدان الاسلامية الى الدعوة لحملات مقاطعة للمنتجات الفرنسية، كما حدث مع الدنمارك بعد ان نشرت صحيفة Jyllands-Posten الدانماركية رسوماً كاريكاتيريّة مسيئة للرسول محمد، تبعتها عدّة صحف نرويجية وألمانية وفرنسية قامت بإعادة نشر هذه الصور. فبدأت كثير من بلدان العالم الإسلامي الدعوة لمقاطعة السلع الدانماركية، التي خسرت في وقتها وبحسب إحصاءات نشرتها الحكومة الدانماركية أكثر من 170 مليون دولار، وتراجع حركة الصادرات نحو 15%، إضافة لفقدان نحو 11 ألفاً لوظائفهم.

وحملات المقاطعة الحالية وبحسب بعض الخبراء، ستؤثر سلباً على الاقتصاد الفرنسي خصوصا وان العالم اليوم يعيش ازمات ومشكلات اقتصادية كبيرة بسبب وباء كورونا. وستجبر الحكومة الفرنسية على تقديم اعتذار رسمي عن الإساءات المستمرة بحق الإسلام والمسلمين. وترتبط فرنسا مع دول الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج العربي وشمال إفريقيا بروابط اقتصادية قوية تجارية واستثمارية، منها القطاع التجاري: الغذاء، والدواء، والعطور، والأزياء، والإلكترونيات، والسيارات، والمشروبات…، وكذلك قطاعات الزراعة والنقل والطيران والقطارات والاتصالات، والكيماويات، والسلاح.

وأصدرت وزارة الخارجية الفرنسية في وقت سابق بيانًا، طالبت فيه بإيقاف حملات المقاطعة من حكومات الدول العربية والإسلامية. وجاء في البيان أن “الدعوات إلى المقاطعة عبثية ويجب أن تتوقف فورًا، وكذلك كل الهجمات التي تتعرض لها بلادنا، وأضافت أنه “في العديد من دول الشرق الأوسط برزت في الأيام الأخيرة دعوات إلى مقاطعة السلع الفرنسية، وخاصة الزراعية الغذائية، إضافة إلى دعوات أكثر شمولًا للتظاهر ضد فرنسا في عبارات تنطوي أحيانًا على كراهية نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبرت هذه المقاطعة من ذات طبيعة الأعمال الإرهابية التي تصدر عن أقلية متطرفة، وفق تعبيرها.

فرنسا وسلاح المقاطعة

تعالت أصوات في فرنسا ضد الدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية والتظاهر في عدد من دول الشرق الأوسط، بعد تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد فيها تمسك فرنسا بمبدأ الحرية في نشر الرسوم الكاريكاتورية حول النبي. وقال جوفروا رو-دي-بيزيو، رئيس أبرز نقابات أصحاب العمل "ميديف"، "لن نرضخ للابتزاز"، داعياً الشركات الفرنسية إلى تفضيل "مبادئها" على الأعمال.

وأثارت التصريحات التي أدلى بها ماكرون والتي تعهد فيها بأن فرنسا لن تتخلى عن مبدأ الحرية في نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد حفاظا على حرية التعبير، غضب جزء من العالم الإسلامي ضد فرنسا. وأدلى بهذه التصريحات خلال مراسم تكريم المدرس سامويل باتي الذي قتل في 16 تشرين الأول/أكتوبر بيد روسي شيشاني إسلامي لعرضه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد أمام تلامذته في المدرسة.

ودعت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو إلى "التهدئة"، موضحة أن فرنسا لا تعادي "مسلمي فرنسا" بل تحارب "الإسلام المتطرف والإرهاب". وكتب ماكرون بعد فترة وجيزة في تغريدة "الحرية، نحن نعتز بها؛ المساواة، نحن نضمنها؛ الأخوة، نعيشها بقوة. لا شيء سيجعلنا نتراجع أبدًا". وقد تتضرر شركات الأغذية والسلع الفاخرة ومستحضرات التجميل بشكل خاص بهذه المقاطعة في بلدان المغرب العربي والشرق الأدنى والشرق الأوسط. وردا على سؤال حول احتمال المقاطعة المتبادلة، رفض جوفروا رو-دي-بيزيو النظر في الأمر. وقال "لا ترد على الغباء بالغباء (...) لا ننوي مقاطعة أحد، إنها مسألة تتعلق بالتمسك بقيم الجمهورية"، مضيفًا أن المقاطعة في الوقت الحالي "محدودة نوعا ما".

مقاطعة خليجية

على صعيد متصل أعلن اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية بالكويت مقاطعة المنتجات الفرنسية بسبب ما اعتبره إساءة فرنسية للنبي محمد بالاستمرار في نشر رسوم مسيئة له وتصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون عن "النزعة الانفصالية الإسلامية". وفي السعودية، أكبر اقتصاد عربي، احتل وسم يدعو لمقاطعة سلسلة متاجر كارفور للتجزئة المركز الثاني لأكثر الوسوم متابعة.

وقال رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية بالكويت فهد الكشتي إن الاتحاد طلب من كافة الجمعيات التعاونية بالكويت مقاطعة المنتجات الفرنسية في هذه الجمعيات "انتصارا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم". وأضاف "تم رفع جميع المنتجات الفرنسية من جميع الجمعيات". وخلت أرفف جميعات تعاونية من المنتجات الفرنسية. وتم تعليق لافتات مكتوب عليها "مقاطعة المنتجات الفرنسية" أو "إلا رسول الله. بناء على دعم الرسومات المسيئة لنبينا الحبيب محمد.. قررنا رفع جميع المنتجات الفرنسية من السوق والأفرع حتى إشعار آخر وذلك نصرة لنبينا محمد".

ويوجد بالكويت 75 جمعية تعاونية على الأقل لها مئات الأفرع في مختلف مناطق البلاد، وتشكل المنفذ الرئيسي لبيع المواد الاستهلاكية اليومية لاسيما الغذائية منها. وهذه الجمعيات مملوكة للمواطنين وتديرها مجالس إدارة منتخبة وتشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية. وأصدرت وزارة الخارجية الكويتية بيانا قالت فيه إن "دولة الكويت قد تابعت باستياء بالغ استمرار نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم".

وحذرت الوزارة "من مغبة دعم تلك الإساءات واستمرارها سواء للأديان السماوية ‎كافة أو الرسل عليهم السلام من قبل بعض الخطابات السياسية الرسمية والتي تشعل روح الكراهية والعداء والعنف وتقوض الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لوأدها وإشاعة ثقافة التسامح والسلام بين شعوب العالم". وبلغت الواردات الكويتية من فرنسا 255 مليون دينار (834.70 مليون دولار) في 2019 و83.6 مليون دينار في النصف الأول من 2020. بحسب فرانس برس.

وفي السعودية تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لمقاطعة سلسلة متاجر كارفور الفرنسية. كما جدد مجلس الوزراء السعودي في بيان رفض المملكة لأي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب، وندد بالرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد. ولم يتضمن البيان إشارة إلى دعوات في بعض الدول الإسلامية إلى مقاطعة البضائع الفرنسية بسبب الرسوم التي تنشر في فرنسا. وقال بيان مجلس الوزراء إنه جدد أيضا رفض المملكة "وإدانتها ونبذها لكل عمل إرهابي أو ممارسات وأعمال تولد الكراهية والعنف والتطرف، والتأكيد على أن الحرية الفكرية وسيلة للاحترام والتسامح والسلام".

إردوغان وماكرون

الى جانب ذلك تصاعدت حدة الانتقادات للتصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الإسلام، وجدد نظيره التركي رجب طيب إردوغان دعوته لكي يخضع "لفحوص" لصحته العقلية بينما طالب العديد من المسلمين بمقاطعة فرنسا. وفي تصريحات أدلى بها بعدما قُتل المدرّس صامويل باتي بقطع رأسه لعرضه رسوما كاريكاتورية تظهر النبي محمد على طلابه أثناء درس تتناول حرية التعبير، تعهّد ماكرون أن فرنسا "لن تتخلى عن رسوم الكاريكاتور" وقال إن باتي "قُتل لأنّ الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا".

لكن إردوغان دعا ماكرون للخضوع "لفحوص لصحته العقلية" جرّاء معاملته "الملايين من أتباع ديانات مختلفة بهذه الطريقة"، في تصريحات دفعت باريس لاستدعاء سفيرها لدى أنقرة. وكرر الرئيس التركي تصريحاته متهما ماكرون بأنه "مهووس بإردوغان ليل نهار". وقال في خطاب متلفز إن على ماكرون "أن يخضع حقا لفحوص لصحته (العقلية)". وتدهورت العلاقات بين الرئيسين بشكل أعمق جرّاء خلافات على مسائل عدة، تشمل الدعم الفرنسي لليونان في نزاعها مع تركيا بشأن حقوق التنقيب عن الطاقة في شرق المتوسط والانتقادات الفرنسية لتدخل تركيا في ليبيا وسوريا والنزاع بين أرمينيا وأذربيجان.

كما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأتراك إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، وقال أردوغان "كما يقول البعض في فرنسا لا تشتروا العلامات التجارية التركية، أتوجه هنا إلى أمتي: لا تولوا اهتماما للعلامات التجارية الفرنسية، لا تشتروها". إلى ذلك، شبّه أردوغان معاملة المسلمين في أوروبا بمعاملة اليهود قبل الحرب العالمية الثانية، متهما بعض القادة الأوروبيين بـ"الفاشية" و"النازية". وصرّح أردوغان في خطاب في أنقرة أن "هناك حملة استهداف للمسلمين، مشابهة للحملة ضد يهود أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية". بحسب فرانس برس.

من جهة أخرى، تلقى الرئيس الفرنسي ردود فعل داعمة في أوروبا. فقد دانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التصريحات "التشهيرية" ضده. إلى ذلك، كتب رئيس الوزراء الهولندي مارك روته في تغريدة على تويتر "تدافع هولندا بحزم إلى جانب فرنسا عن القيم المشتركة للاتحاد الأوروبي. من أجل حرية التعبير وضد التطرف والراديكالية". أما رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي فقد ندد بالتصريحات "غير المقبولة" للرئيس التركي. ودعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أنقرة إلى "وقف دوامة المواجهة الخطيرة".

حرية التعبير ومشاعر المسلمين

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن حرية التعبير يجب أن تتوقف عندما يصل الأمر إلى جرح مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار شخص، وذلك بعد تكرار نشر رسوم مسيئة للنبي محمد في فرنسا. وقال السيسي إنه يرفض تماما "أي أعمال عنف أو إرهاب تصدر من أي طرف تحت شعار الدفاع عن الدين أو الرموز الدينية المقدسة". وأضاف في كلمة بمناسبة ذكرى المولد النبوي "نحن أيضا لنا حقوق، لنا حقوق في ألا تجرح مشاعرنا وأن لا تؤذى قيمنا". وتابع قائلا في تصريحات نقلها التلفزيون "إذا كان من حق الناس أنها تعبر عما يدور في خواطرها، فأتصور أن هذا الأمر يقف عندما تجرح مشاعر أكثر من مليار ونص".

كما دعا شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب أيضا المجتمع الدولي إلى "إقرار تشريع عالمي يجرم معاداة المسلمين". وأضاف الطيب أن الأزهر يرفض بشدة أيضا استغلال "الإساءة للإسلام" لحشد أصوات انتخابية. وقال "من المؤلم أن تتحول الإساءة للإسلام إلى أداة لحشد الأصوات والمضاربة في أسواق الانتخابات". وأضاف "هذه الرسوم المسيئة عبث وتهريج وانفلات وعداء صريح للدين الإسلامي ولنبيه الكريم".

من جانبها قالت وزارة الخارجية المغربية إن استمرار نشر الرسوم الكاريكاتورية "المسيئة" للنبي محمد عمل استفزازي. وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان إن "المملكة المغربية تدين بشدة الإمعان في نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام وللرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وتستنكر هذه الأفعال التي تعكس غياب النضج لدى مقترفيها، وتجدد التأكيد على أن حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين ومعتقداتهم". وأضاف البيان "بقدر ما تدين المملكة المغربية كل أعمال العنف الظلامية والهمجية التي تُرتكب باسم الإسلام، فإنها تشجب هذه الاستفزازات المسيئة لقدسية الدين الإسلامي".

كما دعا رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، فيسبوك إلى حظر المحتوى المعدي للإسلام على منصته، محذرًا من تصاعد التطرف بين المسلمين، بعد ساعات من توجيهه انتقادات للرئيس الفرنسي "لمهاجمته الإسلام". وقال خان، في رسالة مفتوحة نُشرت على تويتر، إن "تزايد الإسلاموفوبيا" يشجع التطرف والعنف في جميع أنحاء العالم، لا سيما من خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك. وأضاف خان: "يجب أن يفرض فيسبوك حظر على الإسلاموفوبيا والكراهية ضد الإسلام مثل الذي وضعها على الهولوكوست".

كان خان قد اتهم الرئيس الفرنسي بـ "مهاجمة الإسلام"، بعد أن انتقد الزعيم الأوروبي الإسلاميين ودافع عن نشر رسوم كاريكاتورية تصور النبي محمد. وكتب خان "هذا هو الوقت الذي كان يمكن فيه للرئيس ماكرون أن يضفي لمسة علاجية ويحرم المتطرفين من المساحة بدلاً من خلق مزيد من الاستقطاب والتهميش الذي يؤدي حتماً إلى التطرف". وتابع "من المؤسف أنه اختار تشجيع الإسلاموفوبيا من خلال مهاجمة الإسلام بدلاً من الإرهابيين الذين يمارسون العنف سواء كانوا مسلمين أو متشددين بيض أو من حاملي الأيديولوجية النازية". بحسب رويترز.

الى جانب ذلك دانت وزارة الخارجية الأردنية في بيان "استمرار" نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد "تحت ذريعة حرية التعبير"، منددة في الوقت نفسه ب"أي محاولة لربط الإسلام بالإرهاب". ونقل البيان عن الناطق الرسمي باسم الوزارة ضيف الله علي الفايز قوله إن "المملكة تدين الاستمرار في نشر مثل هذه الرسوم و(تعبر عن) استيائها البالغ من هذه الممارسات التي تمثل إيذاء لمشاعر ما يقارب من ملياري مسلم وتشكل استهدافا واضحا للرموز والمعتقدات والمقدسات الدينية وخرقا فاضحا لمبادئ احترام الاخر ومعتقداته".

ورأى الفايز إن "هذه الإساءات تغذي ثقافة التطرف والعنف التي تدينها المملكة"، مشددا على "ضرورة رفض المجتمع الدولي الإساءة للمقدسات والرموز الدينية". كما أكد "إدانة الأردن أي محاولات تمييزية تضليلية تسعى لربط الإسلام بالإرهاب، تزييفا لجوهر الدين الإسلامي الحنيف". وقال إن "ما يريده المجتمع الدولي اليوم في خضم عديد أخطار تحدق بالإنسانية جمعاء هو مزيد من التعاضد والتكاتف والتلاقي، لا تغذية لأسباب فرقة مذهبية أو دينية أو إثنية".

اضف تعليق


التعليقات

نهاد عبد الفتاح
مصر
إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ2020-11-24