q
ويتزامن الانهيار الاقتصادي المتسارع منذ ثلاثة أعوام مع أزمة سيولة حادة وقيود مصرفية مشددة، لم يعد بإمكان المودعين معها الوصول إلى مدّخراتهم العالقة. وسجّلت الليرة انهياراً تاريخياً مع تجاوز سعر الصرف عتبة 140 ألفا مقابل الدولار، قبل أن ينخفض الى ما دون 110 آلاف، بعد إصدار مصرف لبنان...

حذّر صندوق النقد الدولي من أن لبنان يمرّ في "لحظة خطيرة للغاية" في ظلّ انهيار اقتصادي متسارع، منبهاً من أن التقاعس عن تطبيق إصلاحات ملحّة من شأنه أن يدخل البلاد "في "أزمة لا نهاية لها".

ويشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، ويُعتبر الأسوأ في تاريخ البلاد. وتوصل لبنان وصندوق النقد قبل نحو عام الى اتفاق مبدئي حول خطة مساعدة لم تدخل حيز النفاد بعد، مع عجز السلطات عن تطبيق إصلاحات جذرية ملحة.

في ختام زيارة لبيروت شملت لقاءات مع مسؤولين وجهات عدة، قال رئيس بعثة الصندوق ارنستو راميريز ريغو في مؤتمر صحافي "نعتقد أن لبنان في لحظة خطيرة للغاية، عند مفترق طرق"، مضيفاً أن "الستاتيكو القائم والتقاعس" عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنه أن يدخل البلاد "في أزمة لا نهاية لها".

وأعلن الصندوق في نيسان/أبريل توصّله إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات.

لكن تطبيق الخطة مرتبط بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات مسبقة وإقرار البرلمان لمشاريع قوانين ملحة، أبرزها موازنة 2022 وقانون "كابيتال كونترول" الذي يقيّد عمليات السحب وتحويل العملات الأجنبية من المصارف، إضافة الى إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية وتوحيد سعر الصرف.

ورغم إقرار السلطات موازنة العام الماضي وعملها على تعديل قانون السرية المصرفية، إلا أن خطوات أخرى ملحة لم تبصر النور بعد.

وأوضح ريغو "مر عام تقريباً منذ ان توصّلنا الى اتفاق" مشيراً الى أن "اللبنانيين أحرزوا تقدماً، لكن للأسف التقدم بطيء جداً بالنظر إلى مدى تعقيد الوضع".

وأضاف "البلد في أزمة كبيرة، والمتوقع كان أكثر من ذلك بكثير لناحية تطبيق وإقرار التشريعات" المرتبطة بالإصلاحات.

ويتزامن الانهيار الاقتصادي المتسارع منذ ثلاثة أعوام مع أزمة سيولة حادة وقيود مصرفية مشددة، لم يعد بإمكان المودعين معها الوصول إلى مدّخراتهم العالقة.

وسجّلت الليرة انهياراً تاريخياً مع تجاوز سعر الصرف عتبة 140 ألفا مقابل الدولار، قبل أن ينخفض الى ما دون 110 آلاف، بعد إصدار مصرف لبنان تعميماً للحد من انهيار الليرة التي خسرت قرابة 98 في المئة من قيمتها.

وشدّد ريغو على أنّ أيّ حل للازمة الاقتصادية الراهنة يجب أن يشمل تعديل السياسات المالية ومعالجة خسائر القطاع المصرفي وتوحيد سعر الصرف، معتبراً أن "صغار المودعين هم الأكثر تضرراً.. ويعانون أكثر مما ينبغي".

واعتبر أن وجود أسعار صرف متعددة في لبنان يرتّب "تكاليف كثيرة على الاقتصاد" ويوزع "الخسائر بطريقة غير عادلة إطلاقاً"، مشدداً على ضرورة توزيع الخسائر بين "الحكومة والمصارف والمودعين". ودعا الحكومة الى وجوب "التوقف عن الاقتراض من المصرف المركزي".

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة. ولا يملك أي فريق سياسي أكثرية تمكنه من إيصال مرشّحه.

ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءاً، مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها الإصلاحات التي يشترطها المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزف.

ولم توفر تداعيات الانهيار أي فئة اجتماعية أو قطاع في لبنان. وبينما أصبح أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، باتت السلطات عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية وتوقفت إلى حد كبير عن دعم سلع رئيسية بينها الوقود والأدوية.

واندلعت الأزمة المالية جراء عقود من الإسراف في الإنفاق والفساد في أوساط النخبة الحاكمة ومنها مسؤولون تولوا قيادة بنوك أقرضت الدولة مبالغ ضخمة.

وتقدر الحكومة إجمالي الخسائر في النظام المالي بأكثر من 70 مليار دولار، معظمها مستحقة لمصرف لبنان.

وقال ريجو "لا مزيد من الاقتراض من البنك المركزي".

وأضاف "على مر السنين، كانت الحكومة تقترض من البنك المركزي. ليس فقط في الماضي (ولكن أيضا) في الأشهر القليلة الماضية، وهو أمر أوصينا بوقفه".

ودعا صندوق النقد إلى توزيع خسائر القطاع المالي بطريقة تحافظ على حقوق صغار المودعين وتحد من اللجوء إلى أصول الدولة، وعارض سياسيون كبار وبنوك هذه الخطوة مما أدى إلى تأخير التعافي.

وتابع ريجو "يكفي أن نقول إن الخسارة كبيرة للغاية بحيث لا بد للأسف أن يكون هناك توزيع للخسائر بين الحكومة والبنوك والمودعين".

ومع ذلك، قال ريجو إن صندوق النقد "لن ينسحب أبدا" من جهود مساعدة دولة عضو، وليس هناك موعد نهائي للبنان لتنفيذ الإصلاحات.

يقول مراقبون إن الاتفاق مع صندوق النقد يبدو الآن أبعد من أي وقت مضى.

وأوضح مايك عازار المستشار المالي والخبير في الشؤون المالية اللبنانية لرويترز "بالنسبة لأي شخص يراقب لبنان على مدى السنوات الأربع الماضية، فإن احتمال تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي يبدو ضئيلا أو معدوما".

وقال "ليست هناك ضرورة ملحة ولا حافز ولا ضغوط على صناع القرار لتنفيذ أي من الإصلاحات الأساسية"، مضيفا أن لبنان يتجه نحو تعامل غير منظم بالدولار وانهيار الخدمات العامة والقضاء على الودائع المتبقية.

أقرت السلطات بعض إجراءات الإصلاح، مثل موازنة 2022، ومراجعة وضع الأصول الأجنبية التابعة لمصرف لبنان، وقانون السرية المصرفية المعدل.

لكن بيان صندوق النقد قال إن قانون السرية المصرفية المعدل يجب تعديله مرة أخرى "لمعالجة نقاط الضعف الحرجة البارزة".

ولا يزال لبنان بلا قانون للرقابة على رأس المال، ولم يسن تشريعا لحل أزمته المصرفية وفشل في توحيد أسعار الصرف المتعددة لليرة اللبنانية، وجميعها إجراءات طلب صندوق النقد تنفيذها.

وقال ريجو إن لبنان يجب أن يتجه نحو سعر صرف تحدده السوق، بدلا من الإبقاء على أسعار صرف متعددة بما يشمل سعر الصرف على منصة صيرفة التابعة لمصرف لبنان، والذي لا تحدده قوى السوق.

لبنانيين يحتجون على تدهور ظروف المعيشة

شارك مئات اللبنانيين، غالبيتهم عسكريون متقاعدون، في تظاهرة في وسط بيروت احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية، قبل أن تفرقهم القوى الأمنية بإطلاق الغاز المسيل للدموع إثر محاولتهم اقتحام حرم السراي الحكومي.

وأعاد هذا التحرك إلى الأذهان التظاهرات غير المسبوقة التي شهدها لبنان في خريف 2019 احتجاجاً على بدء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمطالبة برحيل الطبقة السياسية التي لا تزال تمسك حتى اليوم بزمام الأمور من دون أن تقدم أي حلول.

تجمّع المتظاهرون في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، مقابل السراي الحكومي. ورفع بعضهم الأعلام اللبنانية مرددين هتافات مناهضة للسلطة. وحمل أحد المتظاهرين بينما ارتدى زياً عسكرياً لافتة كتب عليها "نناشد المجتمع العربي والدولي أن يخلصونا من الطبقة الحاكمة الفاسدة"، ممهورة بتوقيع "متقاعدي الجيش اللبناني".

وتخلل التظاهرة، التي استمرت ساعات قليلة، عمليات كر وفر بعد إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين من أجل تفريقهم، بعد تمكن مجموعة منهم من إزالة الأسلاك الشائكة والتقدّم باتجاه حرم السراي الحكومي، وفق ما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس في المكان.

وأصيب متظاهر بجروح في رأسه خلال إطلاق القنابل المسيلة للدموع، وعنصر من الجيش جراء رشق المتظاهرين للحجارة، وفق ما شاهد مراسلو فرانس برس.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان عن حالات إغماء في صفوف المتظاهرين.

وقالت إن عناصر من الجيش فصلوا بين المتظاهرين والقوى الأمنية، لاحتواء التوتر بعد إطلاق القنابل المسيلة للدموع بكثافة.

وعلى هامش مشاركته في تظاهرة احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية في وسط بيروت، قال العميد المتقاعد خالد نعوس (70 عاماً) لفرانس برس "كان راتبي حوالى أربعة آلاف دولار قبل الأزمة، وهو يعادل 150 دولاراً اليوم".

وأضاف "نشعر بالذل بينما نحاول أن نعيش حياة كريمة لأننا غير قادرين على تأمين مستلزمات منزلنا ... بلغنا مرحلة اليأس، إذ أخذت المصارف تعويضات تقاعدنا ولم تبق لنا رواتب".

وقالت النقيب المتقاعد منذ عامين أمل حمود (53 عاماً)، على هامش مشاركتها في التظاهرة، "خرجنا من المؤسسة العسكرية على أمل أن نعيش برفاهية ونعلم أولادنا (...) لكنهم حجزوا أموالنا في المصارف حتى بتنا نتسولها".

وأضافت "الشعب يريد أبسط حقوقه ولقمة عيشه، لكنهم يضربونه بالقنابل المسيلة للدموع".

والتقى وفد من العسكريين المتقاعدين في وقت لاحق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعرض مطالبهم، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية.

وقال متظاهر عرّف عن نفسه باسم حاتم (73 عاماً) وهو أستاذ متقاعد من التعليم الثانوي لفرانس برس "أقبض راتبي بالليرة، وكل من ينالون رواتبهم بالليرة انهارت معيشتهم ولم يعد بإمكانهم توفير الحد الأدنى" من احتياجاتهم.

وأضاف "كيف أعيش؟ يعادل راتبي مئة دولار بينما فاتورة المولّد مئة دولار"، في إشارة إلى المولدات الخاصة التي تغطي ساعات انقطاع الكهرباء طوال اليوم وتطلب من الزبائن الدفع بالدولار أو وفق سعر صرف السوق السوداء.

وتابع حاتم "بتّ مضطراً لأن أكون نباتياً باعتباري غير قادر على شراء اللحمة أو قارورة الغاز"، موضحاً أنه يتنقل منذ أسابيع سيراً على الأقدام في بيروت لعجزه عن توفير الوقود لسيارته.

وتجمعت حشود في شوارع بوسط بيروت بين البرلمان والسرايا الحكومية، وهم يحملون أعلام لبنان أو أعلاما تحمل شعارات قوات الأمن.

وكانوا مدفوعين بالغضب من تدهور قيمة المعاشات الحكومية التي تُدفع بالعملة المحلية. وفقدت الليرة أكثر من 98 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2019.

وقال محمد الخطيب (59 عاما)، الذي خدم في الجيش لمدة 32 عاما، إنهم يعانون هم وأطفالهم من الجوع.

وأضاف لرويترز أنهم تركوا الخدمة في الجيش معدومين بدون رعاية صحية أو اجتماعية، وخرج أطفالهم من مدارسهم بينما ترتفع الأسعار بشكل جنوني.

وأفاد شاهد من رويترز بأن بعض المحتجين حاولوا عبور إحدى نقاط التفتيش المؤدية إلى مبنى حكومي، مما دفع قوات الأمن إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع لمنعهم.

واندفع المتظاهرون بعيدا عن سحب الغاز البيضاء المنبعثة حول السرايا. وشوهد أحد الجنود وهو يعالج طفلا تأثر بالغاز المسيل للدموع.

وقال أحمد مصطفى (60 عاما) وهو من قدامى المحاربين في الجيش إن الذي يصوب نحو المحتجين من أفراد الأمن يطلق النار على حقوق الطرفين معا.

وقال لرويترز، وهو يحمل اثنتين من عبوات الغاز المسيل للدموع التي أُطلقت نحو المتظاهرين قبل ذلك بلحظات، إن تلك القوات تعاني مثلهم تماما.

ولم يصدر بيان فوري عن الجيش اللبناني.

وسمح كبار الساسة والمسؤولين في القطاع المالي بتفاقم الأزمة، مع تراجع الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 140 ألفا مقابل الدولار قبل تدخل من مصرف لبنان.

وللمرة الأولى، يتلقى العسكريون بالجيش اللبناني وأفراد قوات الأمن دعما لأجورهم بالدولار من الولايات المتحدة وقطر.

أسعار صرف مختلفة لليرة

عندما تذهب كارولين صدقه لمتاجر البقالة في العاصمة اللبنانية بيروت تبقي هاتفها في متناول يدها؛ ليس لتذكيرها بقائمة المشتريات المطلوبة، بل لحساب الأسعار المتزايدة للسلع والتي صارت الآن مرهونة بأسعار صرف متغيرة حسب المتجر والقطاع.

ومع استمرار انهيار الاقتصاد اللبناني ظهرت أسعار صرف مختلفة لليرة، مما يعقد المحاسبة الشخصية ويضعف الآمال في تلبية متطلبات الإصلاح التي حددها صندوق النقد الدولي.

وجرى تعديل سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألف ليرة مقابل الدولار في فبراير شباط، في خفض بلغ 90 بالمئة لقيمة العملة اللبنانية مقارنة بالسعر الرسمي السابق الذي استمر لفترة طويلة عند 1507.5 ليرة للدولار.

لكن مصرف لبنان (البنك المركزي) يبيع الدولار بسعر 79 ألف ليرة، بينما يعتزم وزير المالية احتساب التعريفة الجمركية للسلع المستوردة على أساس سعر 45 ألف ليرة للدولار.

وفي الوقت نفسه يتراوح سعر الصرف في السوق الموازية حول 107 آلاف ليرة للدولار ويتغير يوميا. ويُطلب من المتاجر الكبرى ومحطات الوقود نشر لافتات بسعر الصرف المعتمد في كل يوم، لكن سعر الصرف يتغير بسرعة كبيرة لدرجة أن الكثير من هذه الأماكن تسعر المنتجات بالدولار الأمريكي المستقر نسبيا.

وتوضح كارولين بينما تفحص عبوة من التونة في أحد المتاجر المأزق اليومي الذي يواجهه المتسوقون. وتتساءل "هذا ليس له سعر (محدد). إذا نظرت، فالسعر بالليرة اللبنانية، هل هذا هو الثمن؟ أم أنه سعر قديم وهناك الآن سعر بالدولار؟".

واستقالت كارولين من وظيفة معلمة في مدرسة كانت تدفع لها راتبها بالعملة المحلية التي انخفضت قيمتها بأكثر من 98 بالمئة مقابل الدولار في السوق الموازية منذ عام 2019.

وحدث ذلك عندما بدأ الاقتصاد في الانهيار بعد عقود من السياسات المالية غير السليمة والفساد المزعوم.

ولحل الارتباك الذي يسببه سعر الصرف يتعين على الحكومة تطبيق سعر موحد. وهذا هو أحد الشروط المسبقة التي وضعها صندوق النقد الدولي منذ ما يقرب من عام لكي يحصل لبنان على حزمة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

لكن الصندوق، وهو الملاذ الأخير للبلاد، يقول إن الإصلاحات بطيئة جدا. وواجهت الإصلاحات مقاومة من السياسيين الذين يسعون إلى حماية المصالح الخاصة والإفلات من المساءلة.

وفي الوقت نفسه، كانت البلاد تتجه نحو اقتصاد قائم على النقود السائلة والدولار في ظل التضخم المتزايد والقيود التي تفرضها البنوك على المعاملات.

وقال صاحب متجر يدعى محمود الشعار لرويترز إن سعر الصرف يتغير بسرعة كبيرة لدرجة أن متجره يخسر أموالا بين عشية وضحاها.

ومثل العديد من أصحاب المتاجر يحتاج الشعار للدفع بالدولار عند استيراد السلع لكنه يبيع بالليرة اللبنانية. وفي أحد الأيام كان قد باع جميع بضاعته على أساس سعر صرف واحد لكنه استيقظ في اليوم التالي ليجد أن سعر الدولار قفز ما يقرب من عشرة آلاف ليرة.

وقال الشعار لرويترز "البيع نزل (انخفض) وما نربحه نخسره بسبب سعر الصرف".

وقال الخبير الاقتصادي سمير نصر إن أسعار الصرف المتفاوتة في مختلف القطاعات تجعل المحاسبة الشخصية "فوضوية" بالنسبة للبنانيين، مضيفا أن توحيد سعر الصرف صار أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

وأضاف "الأمر يتطلب مجموعة كاملة من الإصلاحات والخطوات التي ستتيح استقرار الوضع الاقتصادي بشكل عام، ومن ثم تسمح بتوحيد سعر الصرف".

سعر صرف العملة اللبنانية

وتدهورت العملة اللبنانية إلى مستوى غير مسبوق وبلغ سعر صرفها اكثر من مئة ألف في مقابل دولار واحد في السوق الموازية، على ما ذكرت مكاتب صيرفة في البلاد الغارقة في أزمة اقتصادية ومالية خانقة.

وسجل هذا المستوى القياسي في وقت استأنفت المصارف إضرابا مفتوحا.

وكان سعر الصرف الرسمي حدد عند مستوى 15 ألف ليرة في مقابل الدولار في شباط/فبراير الماضي، مقارنة مع 1507 ليرات سابقاً.

ويبقى سعر الصرف الرسمي هذا أقل بستّ مرات من السعر الفعلي لليرة في السوق الموازية حيث يتم التداول بالعملة اللبنانية بمئة ألف ليرة في مقابل الدولار، بحسب مكاتب صيرفة.

ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.

ويقول صاحب متجر لبيع المجوهرات في شارع الحمراء في بيروت أبو عباس (75 عامًا) لوكالة فرانس برس "لم تعد لليرة أي قيمة"، مضيفًا "كان سعر دواء زوجتي يبلغ 40 ألف ليرة لبنانية (قبل الأزمة الاقتصادية)، أمّا اليوم فأصبح يبلغ 900 ألف".

واستأنفت المصارف إضرابا مفتوحا كانت باشرته في شباط/فبراير احتجاجا على قرارات قضائية ألزم بعضها المصارف بقبول تسديد ديون بالعملة الأجنبية عائدة لها، بالليرة اللبنانية، فيما ألزمتها قرارات أخرى بتسديد ودائع لبعض المودعين بالعملة الأجنبية. ووصفت المصارف هذه القرارات بأنها "تعسفية"، مشيرة الى أنها "تكيل بمكيالين"، بحسب بيان صدر عن جمعية المصارف.

ولم يعد بإمكان المودعين الوصول إلى مدّخراتهم العالقة في المصارف اللبنانية التي فرضت قيودًا على عمليات السحب وتحويل الأموال.

بعد عدة شكاوى، أصدر قضاة قرارات بمنع التصرف بأملاك عدد من المصارف وأموال رؤساء وأعضاء مجالس إداراتها.

وأعادت المصارف فتح أبوابها بعدما تدخّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في نهاية شباط/فبراير.

في منتصف شباط/فبراير، حطّم عشرات المودعين واجهات مصارف وأحرقوا إطارات في بيروت للمطالبة بالحصول على ودائعهم العالقة.

ويقول التاجر محمد الريّس (65 عامًا) بغضب لوكالة فرانس برس "جميع السياسيين في البلد (...) سرقوا مال البلد وأموالنا كمودعين".

ويضيف "فليرحلوا عنّا ليدير أشخاص صادقون البلد (...) الأيام المقبلة ستكون صعبة جدًا".

في مطلع آذار/مارس، بدأت محال السوبرماركت تسعير السلع بالدولار بقرار من السلطات إزاء التراجع السريع في قيمة العملة المحلية. وكانت قد سبقتها إلى ذلك قبل أشهر، المطاعم والمتاجر في بلد يستورد 90 % من سلعه.

وارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل هائل منذ العام 2019. ويفيد البنك الدولي أن نسبة التضخم بلغت 332 % من كانون الثاني/يناير 2021 إلى تموز/يوليو 2022، وهي الأعلى في العالم.

ويعتبر المصرفي اللبناني السابق صائب الزين المتمرّس في العمل مع دائنين دوليين أن التدهور المستمر لليرة اللبنانية يعكس "خسارة كاملة للثقة في صانعي السياسة في لبنان".

ويقول لوكالة فرانس برس إن لبنان "يحتاج إلى قيادة سياسية حكيمة ليكون لديه قيادة اقتصادية، لكننا لا نملك قيادة سياسية" بالأساس.

ويأتي تراجع قيمة الليرة اللبنانية إلى هذا المستوى القياسي غداة إبلاغ القضاء اللبناني حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بوجوب الحضور إلى جلسة استماع مع محققين أوروبيين، يزورون بيروت للمرة الثانية في إطار تحقيقات حول ثروته، وفق ما أفاد مسؤول قضائي.

اضف تعليق