q
في العقود الأخيرة؛ شاع بين شعوب العالم، لاسيما بين غير المسلمين أن غالبية المسلمين متطرفون وإرهابيون ومتوحشون، وأن الهجمات الإرهابية المنسوبة للمسلمين دينية بحتة، فعادة ما يعتمد الإرهابيون في تنفيذ أعمالهم الإرهابية والإجرامية على تفسيرات معينة من القرآن والأحاديث النبوية لتبرير هجماتها العنيفة تجاه الآخرين...

في العقود الأخيرة؛ شاع بين شعوب العالم، لاسيما بين غير المسلمين أن غالبية المسلمين متطرفون وإرهابيون ومتوحشون، وأن الهجمات الإرهابية المنسوبة للمسلمين دينية بحتة، فعادة ما يعتمد الإرهابيون في تنفيذ أعمالهم الإرهابية والإجرامية على تفسيرات معينة من القرآن والأحاديث النبوية لتبرير هجماتها العنيفة تجاه الآخرين. ففي عام 2015؛ كانت أربعة تنظيمات إسلامية متطرفة مسؤولة عن 74% من جميع الوفيات الناجمة عن الإرهاب: وهي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وبوكو حرام، والطالبان، والقاعدة.

وبناء على ذلك؛ يطرح السؤال الآتي: هل الإسلام دين سلم وسلام أم دين حرب وإرهاب؟ هل الإسلام دين تعايش أم دين تنافر؟ هل الإسلام سلم مع غير المسلمين أم هو حرب معهم؟ ولماذا عٌرف المجتمع الإسلامي عموما أنه مجتمع الخشونة والتطرف والترهيب؟ ولماذا نلاحظ أن أكثرية الأعمال الإرهابية والإجرامية باسم الدين هي في بلاد المسلمين والتي لم تطال المواطنين غير المسلمين إنما طالت المسلمين أنفسهم؛ فالمسلمون المنتسبون إلى مذهب معين لم يعدوا يقبلون بينهم المسلمين من مذهب آخر؟ وهي الآليات التي ينبغي أن تسود المجتمع الإسلامي من أجل تحقيق السلم المجتمعي؟

في الواقع؛ حسرة في قلب كل مسلم، أطلع على ألف باء الإسلام، وتصفح في آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول العظيم وأهل بيته، وهو يجد هذا البون الشاسع بين ما يريده الله عز وجل ونبيه والمؤمنون وبين ما يفعله المسلمون باسم الدين والقرآن. فلا شيء من أعمال الإرهاب مما يفعله بعض المسلمين ممن أمتطى الدين واصطبغ به يمت بصلة للدين الإسلامي، لا في نصوصه ولا في روحه، ولا في سيرة النبي ولا في أخلاقه، ولا في سيرة الأولياء، ولا في أخلاقهم.

فالسلام في الإسلام هو الاسم والعنوان، وهو الجوهر والمضمون، وهو الوسيلة والهدف، وهو الحياة والآخرة، ولا يفارق السلام الإسلام ولا يشذ عنه، لا في صغيرة ولا في كبيرة. فالسلام أسم من أسماء اللـه الحسنى، قال تعالى: (هُوَ اللـه الّذِي لاَ إِلـه إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ السّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحَانَ اللـه عَمّا يُشْرِكُونَ) وإن لفظ (الإسلام) مأخوذة من مادة السلم والسلام، ولأن نبي الإسلام وخاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو حامل راية السلم والسلام، فقد وصفه القران الكريم قائلا (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ) لأنه يحمل إلى البشرية الهدى والنور، والخير والرشاد، والرحمة والرأفة؛ وهو يحدث عن نفسه فيقول:(إن اللـه بعثني هدى ورحمة للعالمين) فإن الرحمة والسلم والسلام جاء بها الإسلام للناس كافة.

لذلك كان النبي (ص) في حياته يعيش مثالًا للسلام واللاعنف؛ فلم يُنسب إليه أنه مارس شكلًا من أشكال العنف البدني أو اللفظي، كما أن تعاليمه تؤكد أن ممارسة العنف محرمة ضد كل المخلوقات. ومع أنه(ص)دافع عن نفسه عندما هو جم هو وأتباعه إلا أنه جعل السلام يهيمن عندما أصبح ذلك ممكنًا، حتى مع المخاطرة بحياته. وقد جاء عقد المؤاخاة الذي قام به الرسول (ع) في المدينة المنوّرة بين قبائل الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار ليجعل الأخوة أساساً لقيامة المجتمع الجديد وعنواناً من عناوين دعوته الرّائدة التي اعتمدت على السلم قاعدة من قواعدها وبنداً من بنودها. كما في قوله تعالى مخاطباً المجتمع الجديد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) ولا شكّ في أن عقد الأخوّة قد شكّل أهمّ الوسائل وأفضل الطرق المؤدية إلى فضّ الخلافات والنزاعات والمحققة للسلم بين الأفراد والجماعات. ومن جانب آخر فقد جنح الأئمّة الأطهار(ع) إلى السلم واللاعنف في جميع أحوالهم، وقد بقوا على حالة السلم حتّى قتّلوا...إمّا بالسيف قسراً أو بالسمّ.

يقول الإمام الشيرازي: إن الإسلام جعل (السلام) شعاراً لـه واختاره تحية للمسلمين، حيث إن المسلم إذا التقى بمسلم قال: (سلام عليكم) وتحية اللـه للمؤمنين تحية سلام (تَحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ) وتحية الملائكة للبشر في الآخرة سلام (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ (سَلاَمٌ عَلَيْكُم) وتحية المؤمنين بعضهم لبعض في الجنة هي سلام (لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً (إِلاّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً) وفي آخر كل صلاة يذكر المصلي لفظ (السلام) ثلاث مرات، فتبدأ الصلاة بتكبيرة الإحرام وتنتهي بالسلام، حيث نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على القائد الأعلى. كما نقول بعد ذلك: (السلام علينا وعلى عباد اللـه الصالحين) وهو سلام على المجموعة الصالحة من العباد. و(السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على جميع من ينطبق عليه الخطاب. ولذلك كله، كان من المفروض أن يسود بين المسلمين والمؤمنين الأمن والسلام والاستقرار، لأن لديهم معينا ربانيا يرشدهم ويوجههم، ويحل الإشكاليات التي تقع بينهم، فرب الإسلام؛ ونبي الإسلام؛ وأئمة الإسلام والصالحون من المسلمين كلهم يدعون إلى السلم والسلام ولا يقبلون بغيره.

إذن لماذا لا نرى السلم والسلام في حياة المسلمين؟ لماذا يقتل المسلم أخاه بغير حق ويبغي على مجتمعه فيدمره بحرق القرى وهلاك الحرث والنسل والإفساد، ولم يمنعه دينه وأخلاقه والمجتمع الذي يعيش فيه؟ لماذا تطغي دوافع الشر على دوافع الخير أحياناً في المجتمع المسلم؟ هل هناك خلـل فـي منهج التعليم الشرعي لبيان التصور القرآني للحياة الفاضلة أم الخلل في المتلقين؟ أم لـم يهتم الناس بسلطان الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة أم قست القلوب وفقدت الإحـساس بخطورة ذلك؟ هل الدين أصبح مظهر من مظاهر المجتمع لتبيض الوجـوه أمـام الخلـق وتحقيق الأهداف الآنية أم الغاية من التدين هي الهداية والرشد والعمل بتعاليم الإسلام؟

يرى الإمام الشيرازي أن (الإسلام يحرّم العنف والإرهاب، والغدر والاغتيال، ويحارب كل ما يؤدّي إلى الذعر والخوف، والرعب والاضطراب في الناس الآمنين...وأن من أضرار العنف أنه يشوّه صورة الإسلام في الأذهان، ويعطي ذريعة للأعداء كي يسمّوا الإسلام بالعنف والهمجية والوحشية، ويخلقوا حاجزاً نفسياً بين الناس والإسلام...وأنّ العنف ضارّ بالأهداف المقدّسة الكبرى على المدى البعيد، وأن فرض أنه حقّق بعض المكاسب الآنية السريعة) ويضيف (تكمن جذور العنف في الجهل والعصبية، والفهم الخاطئ للدين، والاستبداد والديكتاتورية والحرمان الاجتماعي، والظلم من قبل الحكومات والأفراد الذي يولّد العنف المضاد، وغلق قنوات الحوار البنّاء، أو ضيق هذه القنوات).

في الواقع أن العنف المجتمعي المنتشر في الأوساط الإسلامية يرجع سببه إلى مجموعة من الأسباب أهمها:

1. القراءات القرآنية والحديثية لعدد من (أئمة المسلمين) الذين فهموا الدين على أساس أنه استعمال العنف والقوة مع كل من هو غير مسلم. ثم توسعوا في استعمال العنف بحق المسلمين المخالفين لهم في المذهب الفقهي، ثم توسعوا في استعمال العنف بحق المسلمين المخالفين لهم من المذهب نفسه، ثم توسعوا في استعمال العنف بحق المسلمين الذين كانوا جزء منهم ثم اختلوا معهم. وهكذا مع تزايد أنصار أئمة العنف تزايد العنف والقتل والتعذيب، والتكفير، والتخويف وشمل جميع الناس، الرجال والنساء والأطفال على حد سواء.

2. جهل الناس بالدين نفسه، فعموم الناس لا يأخذون الدين إلا عن طريق الأئمة والدعاة، ويسلمون بكل ما يقولونه لهم ويجعلونه من القرآن أو الحديث، بل ترسخ لديهم مقولات وآراء هؤلاء الأئمة المتطرفين أكثر من أي آية أو حديث طرق سمعهم. وعلى ذلك نجد أن عددا كبيرا من الشباب المسلم غير المطلع على القرآن والسنة يأخذ دينه ومنهجه وطرق التعامل مع الآخرين من خلال ما يسمعه من الأئمة المتطرفين.

3. الاستبداد وقمع الحريات: يجنح عموم الناس لاسيما الشباب لممارسة التطرف والإرهاب عندما لا يجد من يستمع إلى آراءه وأفكاره، ويزداد الطين بله عندما يعامل هو بقسوة وعنف، سواء من طرف السلطة أو من طرف المجتمع أو من طرف الأهل. فلا يبقى أمامه إلا أن يمارس هو العنف والتطرف بحق الآخرين، ويجد ذلك أقل ما يمكن أن يعامل به المجتمع أو السلطة التي لم تستمع له أو لم تحتضنه.

4. الوضع الاقتصادي المتردي: صح أن ممارسة العنف والتطرف لا يكون سببه الأول الوضع الاقتصادي المتردي، فاغلب الناس في بلداننا هم من فئة الفقراء أو من فئة متوسطي الدخل، ومع ذلك فانهم لا يلجئون إلى العنف ولا يهددون به، ولكن أيضا كان الوضع المادي سببا دافعا لقيام بعض الناس بأعمال العنف والإرهاب. فربما يكون بعض الشباب غير مقتنعين بالأفكار المتطرفة التي يطرحها بعض المتطرفين والإرهابيين ولكن مثل هذه الأعمال أضحت سببا في عيش بعض الشباب. فقد اتضح عند مقابلة عدد من الإرهابين الشباب الذين ارتكبوا مجاز وحشية بحق المواطنين المدنيين العراقيين أن سبب قتلهم الناس كان هو الحصول على راتب شهري.

5. التعليم والثقافة العامة: إن الآفة التي تنخر في جسد أبناء الأمة الإسلامية، وتتصدر كل ماسيينا هي آفة الأمية وضعف التعليم على المستوى الابتدائي والمتوسط. فالكثير من المؤشرات تؤكد أن الشباب الذين حصلوا على تعليم جيد، ولو أنهم لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات، كانوا أقل عرضة للتطرف والإرهاب، وكانوا يرفضون الأفكار والأعمال التي يمكن أن تؤدي بحياة الناس الآخرين، بينما الذين لم يحصلوا على تعليم أولي كانوا أكثر استعداد للأعمال الإرهابية من دون أن يناقشوا فيها أو يبدوا الرأي.

6. العداء الذي يظهره الآخرون للإسلام: للأسف أن أعداء الإسلام مازالوا يعملون على القضاء عليه، ما أمكنهم ذلك، مرة بالإساءة إلى الإسلام وإلى نبيه، وإلى الأفكار والعقائد الإسلامية، ومرة بالتحريض على الإسلام والمسلمين وتحميلهم كل الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون. وثالثة بدعم الإرهابين والمتطرفين من أجل أثارة الفوضى الاجتماعية والسياسية، وقتل الناس بعضهم لبعض.

وبناء على ما تقدم؛ فان الأمة الإسلامية لن تتمكن من الحد من أعمال العنف وتحقيق السلم المجتمع في صفوف أبناءها ما لم تسع إلى معالجة الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة التي يمكن أن تشل حركة المجتمع وتمنعه من التقدم إلى الأمام.

........................................................................................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق