q
فان جاءت الانتخابات بذلك فبها ونعم، وإن لم تأت اعترضنا واحتججنا وخربنا حتى نحصل على حصتنا من السلطة. وهذا سيكون له أثر سلبي كبير على الانتخابات، وقد كان ذلك في الانتخابات الأخيرة التي لم يشترك فيها إلا أقل من ربع الناخبين بسبب عدم جدوى الانتخابات...

بعض الدول مازالت لا تقبل مبدأ الفائز والخاسر في الانتخابات مثل العراق

اللجوء إلى الشارع في كل مشكلة وأزمة سياسية تمثل خطرا محدقا لكل المواطنين

الطرف الثالث المخرب هو الذي يظهر دائما في التظاهرات والاحتجاجات

أرواح المواطنين أغلى من أي شيء آخر مهما كانت قيمته

عادة ما تحتم المعارك الانتخابية بين الكتل والأحزاب السياسية المتنافسة في فترة الدعاية الانتخابية، بغية كسب أصوات الناخبين، وإظهار عيوب المرشحين المنافسين. وبعد انتهاء الانتخابات، وإعلان نتائجها، وفرز المرشحين الفائزين عن الخاسرين، تبدأ الأمر تسير نحو التهدئة. حيث جرت العادة أن يهنئ الطرف الخاسر الطرف الفائز. وتبدأ الحكومة المنتخبة الجيدة مهماتها على أساس برنامجها الانتخابي، ووعدوها التي قطعتها للناخبين.

ونادرا ما يجري الطعن بنتائج الانتخابات، إذا ما أصر الخاسرون على رفض نتائجها، ورفع طعونهم للجهات المختصة للنظر فيها والفصل بينهم على أساس القانون الانتخابي. وفي كل الأحوال يبقى موضوع النتائج الانتخابية في حدود المؤسسات الدستورية والقانونية المختصة من دون أن يتحول إلى احتجاجات ومظاهرات وصدامات إلا في بعض الدول التي مازالت لا تقبل مبدأ الفائز والخاسر في الانتخابات، مثل العراق.

ففي العراق؛ تبقى المعارك الانتخابية مستمرة قبل وأثناء وبعد إعلان نتائج الانتخابات، وفي الغالب تتحول هذه المعارك من معارك بين الكتل والأحزاب السياسية والشخصيات المرشحة إلى معارك إعلامية رافضة تارة، ومحرضة تارة أخرى، وداعية لتدخل المواطنين في التأثير على النتائج المعلنة تارة ثالثة، من خلال التظاهر والاعتصام والعصيان. وفي خلال ذلك يعمل المتظاهرون المؤيدون للكتل والأحزاب والشخصيات المرشحة على قطع الطرق، وبناء خيم الاعتصام، والتحرش بالقوى الأمنية الماسكة للأرض، وخلق أجواء التوتر عن طريق وسائل الإعلام التابعة لتلك الجهات الخاسرة، وغالبا ما ينتج عن الصدامات بين قوة حفظ النظام والمتظاهرين جرحى وقتلى من الطرفين.

ولا شك أن حق الاعتراض، وحق الطعن، وحق التعبير عن الرأي، والتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات هي حقوق مكفولة للمواطنين، ولكل مواطن أن يطالب بحقه بالوسيلة القانونية والشرعية التي يراها ملائمة. لكن كل ذلك لابد أن يكون في إطار احترام حقوق المواطنين الآخرين الذين ينبغي أن لا يتضرروا من تلك التظاهرات والاعتصامات، وأن لا يفقدوا حقوقهم أثناء مطالبة الآخرين بحقوقهم. وفي إطار مراعاة الأجواء العامة للبلد، ففي البلاد المستقرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، لا تؤلف الاحتجاجات والتظاهرات مشكلة كبيرة إلى حد ما، بينما في البلاد الهشمة سياسيا وأمنيا واقتصاديا مثل العراق فان اللجوء إلى الشارع في كل مشكلة وأزمة سياسية تمثل خطرا محدقا لكل المواطنين والنظام السياسي والاقتصادي، فضلا عن الأمني.

ففي التظاهرات الأخيرة المحتجة على نتائج الانتخابات والتي يتزعمها أنصار قائمة الفتح جرى إطلاق النار على الطرفين، على المتظاهرين وعلى القوات الأمنية، ونتج عنها في خلال يومين محاولة اغتيال فاشلة للسيد رئيس الوزراء بثلاث طائرات مسيرة. وإذا كانت القوات الأمنية تنفي إطلاقها النار على المتظاهرين، وإذا كان المتظاهرون ينفون إطلاق النار على القوات الأمنية، فمن الذي جرح العشرات وقتل المتظاهرين؟ ومن الذي بعث بالطائرات المسيرة محملة بالقنابل والصواريخ على المنطقة الخضراء لتصل إلى بيت السيد رئيس الوزراء وتقذفه بها وكأنها قضية عادية جدا!!

في الواقع؛ إذا صدقنا القوات الأمنية وصدقنا المتظاهرين، فان الطرف الثالث المخرب هو الذي يظهر دائما في التظاهرات والاحتجاجات، وهو الذي يخرب ويسرق ويجرح ويقتل، ويدفع المواطنون من كل الأطراف ضريبة ذلك. وبحسب المعلومات المتوفرة أن القوات الأمنية للمنطقة الخضراء تتبعت بعض الأشخاص الغرباء ممن استخدموا الأسلحة النارية ضد المتظاهرين والقوات الأمنية في منطقة الكرادة بالقرب من الجسر المعلق، مدخل المنطقة الخضراء، ووجدت أنهم كانوا قد استأجروا إحدى الأبنية القريبة من مدخل الجسر المعلق قبل 20 يوما من انطلاق التظاهرات!

وإذا كانت الأمور تسير في كل احتجاج أو تظاهر أو اعتصام نحو جرح المواطنين أو قتلهم، سواء كانوا من المتظاهرين أو من القوات الأمنية، أو نهب وسرقة وتخريب المال العالم، فلماذا تلجأ بعض الكتل والأحزاب والتجمعات السياسية إلى مثل هذه الطرق للتعبير عن حقوقهم، مع أن خسارة مواطن واحد تساوي الكثير ولا يعوضها شيء؟

وعليه، فان اللجوء إلى التظاهرات والاحتجاجات في كل أزمة وفي هذه الأوضاع، إما أن يكون هدفه تحصيل الحقوق المحتملة بأي ثمن كان حتى على حساب دماء الناس، فلا تثريب من قتل أي مواطن إذا كان ذلك سيؤدي إلى تحصيل تلك الحقوق، مثل الحصول على مقعد نيابي أو وزارة في الحكومة الجديدة، أو منصب وظيفي. كما حصل بالفعل مع الكثير من (قادة تشرين) الذين تقلدوا مناصب رفيعة في حكومة السيد الكاظمي، بين مستشار لرئيس الوزراء، أو وكيل في وزارة، أو منصب مدير عام في الوقت الذي بلغ عدد القتلى نحو (600) شخص والآلاف الجرحى، وهي خسارة كبيرة لا تضاهيها خسارة.

وإما أن يكون هدفه الاستمرار بأعمال الفوضى والشغب وعدم الاستقرار التي تعم محافظات العراق الجنوبية بين الحين والآخر، والتي تؤثر مباشرة على النظام السياسي والأمني للبلاد، وتفسح المجال واسعا للإرهابيين والمخربين وقطاع الطرق والجماعات المسلحة بالسيطرة ليس على مؤسسات الدولة وحسب بل على الناس أيضا، فعندما تضعف مؤسسات الدولة وتكون غير قادرة على حماية أرواح مواطنيها، فان البديل المناسب هي الجماعات المسلحة والعصابات...

وإما أن يكون هدفه هو نسف العملية الديمقراطية التي تمثل الانتخابات روحها، فالانتخابات هي وسيلة للوصول إلى السلطة والحكم، فان جاءت الانتخابات بذلك فبها ونعم، وإن لم تأت اعترضنا واحتججنا وخربنا حتى نحصل على حصتنا من السلطة. وهذا سيكون له أثر سلبي كبير على الانتخابات، وقد كان ذلك في الانتخابات الأخيرة التي لم يشترك فيها إلا أقل من ربع الناخبين بسبب عدم جدوى الانتخابات، لا على المستوى الخدمي، ولا على المستوى الاستحقاق الانتخابي.

وفي كل الأحوال، ما يحصل في البلاد في السنوات الأخيرة من احتجاجات وتظاهرات واعتصامات صحيح أن جزء منها يمثل مواطنين يطالبون بحاجاتهم الطبيعية من خدمات ووظائف وحقوق، وهم قطعا محقون بذلك، ولكن الجزء المحرك فيها هي أجندة داخلية مرتبطة بأجندة خارجية تحرك الشارع بهدف الوصول إلى السلطة والاستحواذ على الأموال والمشروعات مستغلة ضعف الدولة بكل أجهزتها السياسية والأمنية.

خلاصة ما في الأمر؛ يمكن القول إن أخذ الحقوق وممارسة الحريات لابد أن يكون في إطار احترام حقوق الآخرين، وفي إطار مراعاة الظروف العامة للبلاد، وفي إطار المحافظة على دماء المواطنين، فليس هنالك قدسية لحق أعظم من قدسية الإنسان نفسه، فروحه وبدنه يمثلان قمة الحقوق، ولا ينبغي التضحية بهما من أجل حقوق أخرى ولو كانت على درجة من الأهمية. وعليه فان جميع الكيانات الانتخابية والأحزاب السياسية أن تعمل على وفق الآتي:

1. القبول بنتائج الانتخابات الطبيعية، وهي مرشحون فائزون ومرشحون خاسرون. وإتاحة المجال للقوائم الفائزة لتأليف حكومة أغلبية سياسية، والسماح لمجلس النواب الجديد أن يؤدي مهماته في ضوء واجباته الأساسية، ويمكن للقوائم الخاسرة أن تمارس دور المعارضة السياسية الإيجابية، وهو المطلوب من كل انتخابات.

2. إذا كان هنالك اعتراضات على نتائج الانتخابات، فان الطريق الأسلم هو اللجوء إلى الطرق القانونية التي أتاحها قانون الانتخابات، والطعن في نتائج الانتخابات على أساس ذلك والقبول بالأحكام التي تصدرها الهيئة القضائية المختصة.

3. لا ينبغي اللجوء إلى التحريض الإعلامي والدعوة إلى النزول إلى الشارع لغرض التأثير على نتائج الانتخابات؛ لأن ضبط إيقاع المتظاهرين لا يكون عند طرف محدد بعينه، وفي الغالب فان الطرف الثالث هو أكثر الأطراف تأثيرا فيما تؤول إليه الاعتصامات من نتائج وخيمة.

4. إن بلدا مثل العراق، لا يمكن أن يتحقق فيه الاستقرار السياسي والأمني، لا في الحكومات السابقة، ولا في هذه الحكومة، ولا في الحكومة التي تليها، مازالت المؤسسات الحكومية هي أضعف حتى من بعض المواطنين العاديين، فضلا عن الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة والعصابات والعشائر والأحزاب... وعليه؛ فكلما حصل الاستقرار السياسي حصل الاستقرار الأمني، وحصل المواطنين على أمنهم الذاتي.

5. وأخيرا فان أرواح المواطنين أي مواطنين، ومن أي جهة كانوا هي أغلى من أي شيء آخر مهما كانت قيمته، وهي قيمة عليا لا تضاهيها قيمة أخرى، وهي قمة الحقوق ولا حق يساويها. فهلا خفنا الله في دماء الناس؟

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2021
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق