q

حقوق الإنسان هي (الحقوق والحريات التي تتيح لنا تطوير وممارسة خصائصنا البشرية وملكاتنا الذهنية ومهارتنا وتحكيم ضمائرنا وأن نرضي حاجاتنا الضرورية إضافة إلى حاجاتنا الأخرى، وهي تستحق لكافة الأفراد بالتساوي كما لا يمكن التنازل عنها للآخرين فهي تعتبر من حقوق كافة أفراد البشر).

وتحظى قضية حقوق الإنسان في الفكر الغربي بأهمية كبرى على مستوى الشعوب والدول والمنظمات الدولية. ويعد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948م، تتويجا لحضارة الغرب، ولجهود المفكرين والمصلحين فيه. وكما ورد في الميثاق أن تناسي حقوق الإنسان أو إهمالها، قد أفضى إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني.

ومع أن هناك اتفاقا عاما على أهمية حقوق الإنسان في الفكريين الغربي والإسلامي، إلا أن من المسلم أن هناك اختلافات جوهرية في تناول هذه الحقوق من حيث نشأتها ومصدرها وغايتها وآثارها. هذا التباين يظهر واضحا من حيث طبيعة نشأة حقوق الإنسان في بلاد المسلمين فهي لم تكن نتيجة تناسي الحقوق البشرية وانتهاكها وما ترتب عليها من أعمال القتل والتعذيب والظلم والاضطهاد والتمييز وغيرها، إنما كانت تعبر عن أساس فكري هو جزء لا يتجزأ من منظومة حياة متكاملة مصدرها ومرجعها هو الله عز وجل، فهو منشأها وصاحبها والآمر بتطبيقها بهدف بناء حياة سليمة ومتكافئة قادرة على حفظ البشرية وحقوقها وإدامتها.

وبذلك تكون الشريعة الإسلامية، هي أساس الحق ومصدره، وسنده وضمان وجوده والحفاظ عليه في المجتمع. وقد أكد كل من البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في مقر منظمة اليونسكو في باريس 1981، والإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي في اجتماعها بالقاهرة عام 1990، أكد كلٌّ -من جهته-على المصدر الإلهي لحقوق الإنسان، وبالتالي عدم جواز تعديل هذه الحقوق أو إلغائها أو خرقها أو تجاهلها. أما حقوق الإنسان في الفكر الغربي، فإنها حق طبيعي، ينبع من السيادة المطلقة للإنسان، والذي لا تعلوه سيادة وفق اعتقاد هذا الفكر.

كما أن الحقوق التي يتبناها الفكر الغربي هي في حقيقتها قيم أخلاقية مجردة عن الجزاء، أي أنها تفتقر إلى الضمانات الإجرائية الحقوقية، وفي الغالب هي لا تستتبع ثواباً أو عقاباً. بينما حقوق الإنسان "الحق الشرعي للإنسان" في الإسلام ترتبط بمفاهيم الأمانة والاستخلاف والعبودية لله وعمارة الأرض، ولا تنفصل عن حقوق الله لارتباطها بالشريعة التي تنظمها، لذا كان مدخل "الواجب الشرعي" في الرؤية الإسلامية هو المدخل الأصح لفهم نظرة الإسلام للإنسان ومكانته وحقوقه، خاصة السياسي منها.

ومن الآثار التي تترتب على هذا، أن لحقوق الإنسان الشرعية شمولية لكل البشر؛ مهما كان عرقهم، أو معتقدهم، أو لونهم، أو مكانهم الجغرافي، فحين يختار الإنسان عقيدته بإرادته، ويمارس أعماله وفقها، فإنه يحدد لنفسه حقوقاً وواجبات في مجتمعه الذي ينتسب إليه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة الحجرات، الآية 13]. أما في الفكر الغربي فإن حقوق الإنسان ارتبطت بالحرية الفردية للإنسان الغربي فقط، مما أدى إلى جعل هذه الحقوق حكراً على الإنسان الغربي، وليست حقوقاً لكل البشر، وإن ادعى الغرب ومن يمثل ثقافته غير ذلك، لأن الواقع قد أثبت وبرهن على ذلك بالخصوص ما يحدث للاجئين في الدول الأوربية.

نخلص مما تقدم:

- وضع الإسلام أول ميزة وأول ضمانة لحقوق الإنسان، وهي إسقاط الألوهية عن بني البشر، فالحاكمية حق لله تعالى وحده باعتبارها من أخص خصائص الألوهية؛ وبذلك فلا يخضع بشر لبشر غيره، ولا يرتفع أحد على أحد، بل جميع الناس على قدم المساواة أمام رب العالمين.

- إن نسبة حقوق الإنسان وإسنادها إلى الله عز وجل هو إعلاء ورفعة لشأنها ناهيك عن تميزها بالإلزام، وترتب الثواب والعقاب على تطبيقها، خلاف تلك الحقوق التي ينادي بها الغرب فهي تستند إلى ما يُعرف بـ "ضمير الجماعة" وهو ما يقلل من أهمية تلك الحقوق وسموها ويضعف من واجب احترامها.

- في النظر الإسلامي، ينبغي أن تكون الحقوق عامة، يتمتع بها الفرد في مواجهة الغير، وليس في مواجهة السلطة وحدها. فكرامة الإنسان في النظر الإسلامي، قيمة في ذاتها، والإنسان يتمتع بها في مواجهة الجميع، وليس في مواجهة السلطة وحدها بحسب الإعلانات والمواثيق الدولية.

- لا تعد حقوق الإنسان الواردة في الإعلانات والصكوك الدولية شاملة لحقوق الإنسان، فقد نصت على حقوق الإنسان قبل الدول ولم تنص على حقوق الإنسان قبل أخيه الإنسان. أما في الشريعة الإسلامية فقد نصت على كل الحقوق: حقوق الإنسان قبل غيره من الأفراد أو الدول ومن قِبل الله سبحانه وتعالى.

- يقيم الإسلام حارسا إيمانينا من داخل الإنسان (الضمير) يوجه سلوك صاحبه، فيدفعه للحفاظ على حقوق الله تعالى، وعلى حقوق أخيه الإنسان، وهذا يضفي عليها حماية خاصة، ويقيم حولها حصنا منيعا يحول دون الاعتداء عليها، بل يحفز المسلم على احترام حق أخيه والتزام حده دون أن يتعداه امتثالا لأمر الله تعالى، وبهذا يصبح أداء الحق واحترامه قربة من القربات، وركيزة من ركائز الإيمان، والاعتداء عليه معصية من المعاصي، يقول صلى الله عليه واله وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، ويقول: "من آذى ذميا فانا خصمه يوم القيامة "وهذا ما تفتقده المواثيق الدولية.

وتأسيسا على ذلك، بمعرفة الحقوق في الإسلام يصلح الفرد نفسه لكيلا تطغى شهوته على عقله لأنه أعطى كل ذي حق حقه. ويصلح الإنسان أسرته وذلك بكل الحقوق والضمانات التي تجعلها أسرة تعيش حياة هانئة في مجتمع سليم. وكذلك إصلاح المجتمع بإقامة علاقة على أسس العدل والمساواة والتكافل. وهو المطلوب شرعا وعقلا وواقعا.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق