q
إسلاميات - القرآن الكريم

تفسير القرآن بالقرآن، دراسة وتقييم

(هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (16)

الأقوال في تفسير القرآن بالقرآن، ثلاثة تتراوح بين مفرِط ومفرّط ومتوسط: فقد قال بعض الاخباريين بأن ظواهر القرآن ليست بحجة إذ اننا لا نفهم منه شيئاً من دون ورود تفسير من الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار (ع)، وفي مقابل ذلك ذهب العلامة إلى أن القرآن لا يفسر إلا بالقرآن...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

قال الله العظيم في كتابه الكريم: {هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ} (سورة آل عمران: الآية 7).

البحث يدور حول منهج (تفسير القرآن بالقرآن) وذلك سواء ءأخذنا الباء سببية أم اعتبرناها باء الاستعانة، في قبال الالتزام بكونها باءه الابتداء، وسيأتي تحقيق الكلام عن ذلك لاحقاً بإذن الله تعالى.

الأقوال الثلاثة في تفسير القرآن بالقرآن

والأقوال في تفسير القرآن بالقرآن، ثلاثة تتراوح بين مفرِط ومفرّط ومتوسط:

أولاً: فقد قال بعض الاخباريين بأن ظواهر القرآن ليست بحجة إذ اننا لا نفهم منه شيئاً من دون ورود تفسير من الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، والظاهر ان مقصودهم من (لا نفهم منه شيئاً) أي من مراداته الجدية لا المرادات الاستعمالية؛ وذلك نظراً لكثرة ورود المخصصات المنفصلة والمقيدات والحواكم (جمع حاكم) وغيرها من الروايات والأخبار، على آيات القرآن فمع ذلك لا يحرز المراد الجدي منها أصلاً، أو لاختصاص الخطاب بالمشافهين، أو لغير ذلك من الأدلة كـ((إِنَّمَا يَعْرِفُ الْقُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ))(1) وقد تكفّل علماء الأصول الكلام بردّ آرائهم ونقدها بالتفصيل.

ثانياً: وفي مقابل ذلك ذهب العلامة الطباطبائي في مقدمة الميزان إلى أن القرآن لا يفسر إلا بالقرآن، لأنه نور وهدى وتبيان لكل شيء وكيف لا يكون ما هو تبيان لكل شيء تبياناً لنفسه حتى يحتاج إلى غيره؟ وكيف يكون نوراً وهو محتاج إلى تفسير غيره وشرحه فهو المبيِّن غير المبيَّن وهو الشارح غير المشروح وهو النور غير المتنور بشيء، وسيأتي نص كلامه والمناقشات فيه.

ثالثاً: وفيما بين هذين الرأيين هنالك الطريق المعتدل والصراط الوسط الذي سلكه علماؤنا على مر التاريخ، وفي طليعتهم الشيخ الطوسي، حيث ذهبوا إلى، أو بنوا على، أن بعض آيات القرآن الكريم يمكن تفسيرها ببعضها الآخر، لكن بعضاً منها مما لا يمكن تفسيره وفهمه إلا بالرجوع إلى أهل الذكر والرسول وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام).

وسننقل لاحقاً نص عبارة الشيخ الطوسي في التبيان والتي تختلف اختلافاً جوهرياً عما قاله الطباطبائي في الميزان رغم أن الظاهر انه اقتبس فقرات من نصوص عباراته من التبيان، فالبحث مخصص في هذا الدرس لاستعراض الرأي الثاني ومناقشته.

الميزان: ما بال النور يستنير بغيره! و...

قال في الميزان: (فأما المحدّثون، فاقتصروا على التفسير بالرواية عن السلف من الصحابة والتابعين فساروا وجدوا في السير حيث ما يسير بهم المأثور ووقفوا فيما لم يُؤثَر فيه شيء ولم يظهر المعنى ظهوراً لا يحتاج إلى البحث أخذاً بقوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا} (سورة آل عمران: الآية 7) وقد اخطأوا في ذلك فإنّ الله سبحانه لم يُبطِل حجةَ العقل في كتابه، وكيف يعقل ذلك وحجيته إنما تثبت به! ولم يجعل حجيةً في أقوال الصحابة والتابعين وانظارهم على اختلافها الفاحش، ولم يدع إلى السفسطة بتسليم المتناقضات والمتنافيات من الأقوال، ولم يندب إلا إلى التدبر في آياتة، فرفع به أي اختلاف يترائى منها، وجعله هدى ونوراً وتبياناً لكل شيء، فما بال النور يستنير بنور غيره! وما شأن الهدى يهتدى بهداية سواه! وكيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه!)(2).

وقال: (وليس بين آيات القرآن (وهي بضع آلاف آية) آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها بحيث يتحير الذهن في فهم معناها، وكيف! وهو أفصح الكلام ومن شرط الفصاحة خلو الكلام عن الإغلاق والتعقيد، حتى أن الآيات المعدودة من متشابه القرآن كالآيات المنسوخة وغيرها، في غاية الوضوح من جهة المفهوم، وإنما التشابه في المراد منها وهو ظاهر.

وإنما الاختلاف كل الاختلاف في المصداق الذي ينطبق عليه المفاهيم اللفظية من مفردها ومركبها، وفي المدلول التصوري والتصديقي)(3).

وقال: (وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه، وقال تعالى: {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} (سورة البقرة: الآية 185) وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (سورة النساء: الآية 174).

وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشد الاحتياج! وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (سورة العنكبوت: الآية 69) وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه! وأي سبيل أهدى إليه من القرآن! والآيات في هذا المعنى كثيرة سنستفرغ الوسع فيها في بحث المحكم والمتشابه في أوائل سورة آل عمران)(4).

المناقشات:

أقول: البحث تارة يجري في هذا القول وأخرى يدور حول القائل، أي اننا تارةً نبحث عن هذه النصوص، تقييماً ومناقشةً، وأخرى نبحث عن رأي العلامة الطباطبائي النهائي، وسيأتي انه عدل عنه في بعض المواضع اللاحقة من الميزان، كما ناقضه في بعض مواضعه الأخرى.. فهنا مقامان:

المقام الأول: البحث في مدى صحة المدعى ومدى تمامية الأدلة التي ساقها عليه وذلك ضمن النقاط التالية:

لا يصح القول (لم يندب إلا إلى التدبر في آياته)

قوله: (ولم يندب إلا إلى التدبر في آياتة) إن أراد به الحصر الحقيقي(5)، ورد عليه: انه تعالى قال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (سورة النحل: الآية 44) فموقع الرسول (صلى الله عليه وآله) هو بيان ما نزّل إليهم وهو القرآن الكريم، فالرسول العظيم مبيِّن والقرآن الكريم مبيَّن.

وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (سورة الحشر: الآية 7) وقد وردت إلينا عن الرسول (صلى الله عليه وآله) نصوص كثيرة في تفسير القرآن الكريم، أو تأويله، أو تخصيصه وتقييده وغير ذلك، وكلها مما آتانا بها الرسول (صلى الله عليه وآله).

وقال تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (سورة النساء: الآية 83) والاستدلال تارة بإطلاق الوارد وأخرى بملاكه.

وقال: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (سورة البقرة: الآية 129) فالكتاب مما يحتاج إلى تعليم فلا يصح القول (فما بال النور يستنير بنور غيره) أو (كيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه) (وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشد الاحتياج!) وسيأتي الكلام لاحقاً عن هذه الآيات الأربع وما أجاب به بعضهم عن بعضها والجواب عن تلك الأجوبة فانتظر.

وأما قوله: (فما بال النور يستنير بنور غيره) فيرد عليه:

1- كما أمكن لآيةٍ إنارةَ آيةٍ أمكن ذلك للرسول (صلى الله عليه وآله)

أولاً: إذا أمكن للنور، وهو بعض آيات القرآن، أن يستنير بغيره، وهو بعضها الآخر، كما هو مبنى هذا المنهج (تفسير القرآن بالقرآن) فلم لا يمكن لبعض هذا النور أن يستنير برسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق إلا عن الله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (سورة النجم: الآيتان: 3-4) وبأهل بيته (عليهم السلام) الذي استودعهم علومه وقال في جملة ما قال: ((أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ مَدِينَةَ الْعِلْمِ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا))(6).

بعبارة أخرى: جوهر هذه العبارة الاستحالة إذ النور ذاتيّه النورانية، بذاتي باب البرهان أو هو هو بذاتي باب الايساغوجي، فكيف يستنير بغيره ولو كان آية أخرى من القرآن؛ إذ لا يستنير بغيره إلا الفاقد أما الواجد فاستنارته بغيره تحصيل للحاصل، فإن أمكن ذلك بوجه من الوجوه أو في مصداق من المصاديق أو بالنسبة إلى شيء ما(7) انتقض عليه استدلاله بأكمله!!

بعبارة ثالثة: الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية، والسالبة الكلية هي (عدم إمكان استنارة النور بغيره)، والموجبة الجزئية هي: (استنارة بعض آيات القرآن ببعضها الآخر)، ولا ريب أنّ كل آيات القرآن نور (كما هي كذلك) لا أن بعضها نور وبعضها ظلام، ونستغفر الله من مثل هذا التعبير، كما لا شك في أن الآية (1) هي غير الآية (10) وأن الآيات الكريمة هي (6636) على قول وكل آية لها وجود غير الآية السابقة لها واللاحقة وليست عينها؛ أفهل ترى مثلاً أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} هي عين {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} (سورة غافر: الآية 26) أو هي عين {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (سورة غافر: الآية 29) أو عين قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى} (سورة النازعات: الآية 24)؟ أو ترى ان قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (سورة الإسراء: الآية 78) هي عين {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة المائدة: الآية 3).

وعليه: ننقض عليه بـ(فما بال النور) وهو بعض آيات القرآن، (يستنير بغيره) وهو بعضها الآخر؟ فإن أمكن ذلك نظراً لأن الآيتين صادرتان من الله تعالى أمكن أن يكون كلام النبي (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى مفسراً لأنه صادر أيضاً عن الله تعالى وأمكن أن يستنير بعض كلامه الموجودة في القرآن ببعض كلامه الآخر (الواصل إلينا عبر لسان رسوله الكريم، والمسمى بالحديث القدسي ونظائره) وعليه: يجب شفع تفسير القرآن بالقرآن بتفسير القرآن بالحديث (التام سنداً ودلالةً، بالطبع).

بعبارة رابعة: يمكن للنور القرآني أن يستنير بنور الله تعالى، فانه مستمد منه، وكما يمكن لله تعالى أن يفسر آية من كلامه بآية أخرى، يمكن له أن يفسر آية من آياته بالحديث القدسي الذي يوحيه إلى النبي (صلى الله عليه وآله).

2- النور لا يستنير بغيره، بل ينوِّر بمعونة غيره!

ثانياً: سلّمنا، لكننا لا نقول: أن النور، وهو احدى الآيات، يستنير بغيره، وهو آية أخرى، بل نقول: ان النور ينوِّر غيره منضماً إلى نور آخر أو مستعيناً به، لا انه يستنير به!

توضيحه: ان استنارة النور بالنور قد يقال بكونها مستحيلة لأنها من تحصيل الحاصل أو من الجمع بين المثلين، ولكنّ إنارة هذا النور لنا وتنوّرنا به، قد تحتاج إلى ضم نور آخر إليه، وهو الآية الأخرى المفسرة له أو هو كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) المفسر، ألا ترى: أن نور الشمعة الزيتية قد لا يحتاج إلى نور شمعة أخرى (إذ لا يمكن أن يستنير نور بنور أو أن ينوّر نور نوراً) ولكن الذي يستضيء بضوء الشمعة قد لا يكفيه نورها ليقرأ الكتاب فيحتاج إلى ضم شمعة أو شمعات أخرى كي يمكنه أن يستنير بذلك النور الأول.

والكلام في تفسير القرآن بالسنة، ليس في استنارة القرآن نفسه بالسنة كي يقال كيف يستنير النور بغيره، بل في استنارة الناس بهذا النور فان الإنسان لضعف قابليته أو عشى عينه قد لا يمكنه أن يستنير به فيحتاج إلى مفسر كالنبي (صلى الله عليه وآله) كي يستنير به، وسيأتي تحقيق هذا الكلام بعد قليل فانتظر.

3- ويمكن للنور الضعيف الاستنارة بالأقوى

ثالثاً: قد يقال: بان النور إنما لا يمكن أن يستنير بغيره من الأنوار، إذا كان من الكليات المتواطية، لكنّ النور من الحقائق التشكيكية بدون كلام، فيمكن للمرتبة الدانية منه أن تستنير بالمرتبة العالية منه أو أن تستمد من منبع النور الأقوى وذلك كأن تستمد الشمعة من نور الشمس فتزداد نوراً على نور. فتأمل

ليس الهدى مهتدياً بغيره بل نحن نستهدي به!

وأما قوله: (وما شأن الهدى يهتدى بهداية سواه) فيرد عليه:

إضافة إلى ما سبق(8): ليس الهدى هو الذي يهتدى بهداية مَن سواه إذ لا نقول أن الآية الكريمة نفسها تهتدي بهداية الرسول (صلى الله عليه وآله) مثلاً، بل نقول اننا نحن الذي نهتدي إلى معناها ببركة الرسول (صلى الله عليه وآله) وشرحه لنا معناها، فقد وقع الخلط في مبناه وكلامه بين اهتدائنا عبر السنة إلى معاني القرآن الكريم وبين اهتداء القرآن نفسه بالسنة؟ ومَن الذي تحدث عن اهتداء القرآن؟ بل الكلام انه كما أن اهتداءنا إلى معنى آيةٍ ما قد يتوقف على شارحية آية أخرى لها، كذلك اهتداؤنا لمعناها قد يتوقف على شارحية الرسول (صلى الله عليه وآله) لها.

ركنا الهداية: فاعلية الفاعلية وقابلية القابل

وبعبارة أخرى أعمق وأوسع تتكفل بالإجابة على كلماته الثلاثة كلها (فما بال النور يستنير بنور غيره) (وما شأن الهدى يهتدى بهداية سواه) (وكيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه): انّ تأثير النور في الإنارة وتنوّر الأشياء به، وتبيين ما هو تبيان لكل شيء وتأثير الهدى في الهداية واهتداء الناس به يتوقف على ركنين: الأول: تمامية فاعلية الفاعل، الثاني: تمامية قابلية القابل.

والنقص فينا لذا نحتاج إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) كهادٍ ومنوِّر

ولا شك أن القرآن الكريم، لا يوجد قصور ولا نقص في فاعليته ونوريته وكونه هدى وتبياناً ونوراً، ولكنّ المشكلة في قابلية القابل، فإن القابل إذا كان تام القابلية للاهتداء والاستنارة والاستبانة والفهم والإدراك فانه سيتنور به ويستضيء ويتبين منه كل الحقائق، كما تحقق ذلك في الرسول وآله {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} (سورة يس: الآية 12) {‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (سورة آل عمران: الآية 7) {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} (سورة الرعد: الآية 17)، أما إذا كان ناقص القابلية، فلا، وذلك كما لو كان معانداً، أو كان أحمق أو مغفلاً أو بليداً، أو كان ذهنه مشوباً بالشبهات وكانت نفسه مغلّفة بالشهوات وعقله أسير الأهواء وروحه مكدرة بعلائق الدنيا وقد قال الإمام علي (عليه السلام) ((شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى ـ وسَلِمَ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا))(9).

وبوجه آخر: إذا كان بينه وبين مصدر النور والهدى والتبيان، حجاب، سواء أكان باختياره، أم لا باختياره، فانه لا يهتدي حينئذٍ ولا يستنير أبداً(10)، وقد صرح القرآن الكريم بذلك إذ يقول في آيات متعددة:

{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ}

أ- {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} (سورة الأنعام: الآية 25).

وجَعْلُ الأكنّة على قلوبهم والوقر في آذانهم، إنما هو بسبب سوء اختيارهم وكان لهم أن يختاروا الهدى فيرفع عنهم الحجاب (أو لا يجعل عليهم أساساً)، والمقدور بالواسطة مقدور والاختياري بالواسطة اختياري، والشاهد انهم رغم انهم كانوا يستمعون إليه (صلى الله عليه وآله) عند تلاوته القرآن الكريم إلا انهم لم يكونوا يفقهوه ويفهموه، لا لنقصٍ في تبيان الفاعل ونوره وهداه بل للحجاب الذي وضع على قلوبهم والوقر الذي أدخل في آذانهم بل {وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا} فهم يرونها لكنّهم لا يؤمنون بها لا لنقص في الهادي وهدايته بل لنقص في القابل ومانعٍ من اهتدائه.

ب- وقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (سورة الإسراء: الآيات 45-47) فهم بظلمهم أنفسهم لم يتنوّروا ولم يهتدوا ولم يتبينوا سبيل الرشاد، رغم كمال نورانية النور وتمامية هدى الهادي.

ج- وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (سورة الكهف: الآية 57) فـ{وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} فانهم لا يهتدون أبداً لا لقصور في الهادي وضعفٍ في نوره أو هداه، بل لحجاب في مَن كان ينبغي أن يكون المهتدى، نتيجة إعراضه، بسوء اختياره، عن التذكر كلما ذكّر.

القرآن تبيان لكننا نحن الذين لا نتبيّنه!

وأما قوله: (وكيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه!) فيجاب عنه بكل الأجوبة السابقة، إضافة إلى: انّ القرآن الكريم تبيان لكل شيء لكننا نحن الذين لا نتبيّنه، ويوضحه: أنه لو كتب أحدهم شرحاً ممتازاً على (كفاية الأصول) أو على (الشفاء) أو على أي كتاب معمق أو معقّد آخر، فانه لا قصور في الشارح والشرح حينئذٍ إذا لم يفهمه التلميذ بل القصور فيه هو لا غيره!، ولا يستلزم تميّز الشرح وجودته بل ومثاليته أن يفهمه كل طالب سواء أكان بليداً أم ذكياً، مجداً أم كسولاً خاملاً، متشتت الذهن أم متمركزه.

(تفسير الميزان) ينقض ما ذكره من البرهان!

بل نقول: ان نفس تفسير الميزان الذي يقع في عشرين مجلداً والذي خصص له مؤلفه القدير عشرات السنين، ربما، من عمره لإنجازه وإكماله، أكبر شاهد على بطلان تلك الدعوى! بعبارة أخرى: ان فعله يناقض قوله! وأن تفسيره يشهد بعدم صحة مدعاه! إذ يقال له (فما بال النور يستنير بنور غيره) وكيف يحتاج القرآن الكريم وهو نور إلى تفسير العلامة الطباطبائي ولا يحتاج إلى تفسير رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)؟ (وكيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه!) فكيف يتبين القرآن بتفسير الميزان؟ وكيف نحتاج في فهمنا القرآن إلى تفسير عالم من العلماء ولا نحتاج إلى تفسير رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووسيط الوحي ومَن نزل عليه الروح الأمين وكان معلمه جبرائيل؟

بعبارة أخرى: التفسير كشف القناع(11)، وكيف يكشف المفسر القناع عما لا قناع له؟ فإن القرآن نور وهل للنور قناع؟ والقرآن هدى وهل للهدى قناع؟ والقرآن تبيان وهل للتبيان قناع؟ فإن قال نعم، نقض كلامه بنفسه وإن قال لا، بطل تفسيره بأكمله! خاصة وان صريح اسم موسوعته (الميزان في تفسير القرآن)!

القرآن نور وتبيان للمفاهيم دون المصاديق

لا يقال: القرآن نور وتبيان وهدى للمفاهيم لا للمصاديق؟

الجواب: 1- تقييد بلا دليل!

إذ يقال: أولاً: من أين لك هذا؟ وهل ورد في آية أخرى هذا التقييد (ليكون من تفسير القرآن بالقرآن) أم هو من التفسير بالرأي؟ على أن القرآن صريح في العموم بأقوى العبارات {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (سورة النحل: الآية 89) ولم يقل تبياناً للمفاهيم فقط لا للمصاديق، والمصاديق من الأشياء بل هي من أهم الأشياء إن لم تكن أهمها على الإطلاق؛ افرأيت لو أن شخصاً عرف مفهوم الإمامة لكنه لم يعرف المصداق وتصور انه يزيد أو معاوية أو أي حاكم فاسق آخر، أكان القرآن {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (مع أهمية هذا الشيء، الذي قد لا يضارعه شيء آخر).

كما لا شك في كونه {نُورًا مُّبِينًا} (سورة النساء: الآية 174) وكيف لا ينير النورُ المبين المصاديقَ وينير المفاهيم فقط؟

بعبارة أخرى: ان أمكن أن ينير النور شيئاً دون شيء (كالمفهوم دون المصداق) أمكن أن يحتاج في كل ما لم يُنِره إلى منوّر ومبيِّن هو الروايات الشريفة والأحاديث فوجب ضم تفسير القرآن وتبيينه بالسنة، إلى جوار تفسير القرآن بالقرآن.

بل نقول: ان (الميزان) احتوى على تفسير المفاهيم إلى جوار تحديد المصاديق، وعلى بحوث متنوعة في شأن النزول والعام والخاص والناسخ والمنسوخ والمراد الجدي والاستعمالي ووجوه الجمع بين الآيات المختلفة بظاهرها، فكيف يحتاج ما هو تبيان لكل شيء إلى بيان مفسر ليوضح منه المقاصد وليجلو عنه الشبهات ولا يحتاج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فإن احتاج إلى المفسر بوجه أو بوجوه كان أحوج إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) بذلك الوجه وتلك الوجوه!.

2- وكيف يُستخرج مفهوم (الصعيد) و... من القرآن؟

ثانياً: سلّمنا، لكن هل يمكنكم أن تستخرجوا تبيان القرآن لكل المفاهيم التي فيه من القرآن نفسه؟ كلا؛ ألا ترى أن الصعيد في قوله تعالى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (سورة النساء: الآية 43) مردد بنحو الشبهة المفهومية بين مطلق وجه الأرض وبين التراب خاصة، فأين تجد من الكتاب إيضاحاً وتبياناً لهذا الخلاف المفهومي؟ وكذلك قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (سورة البقرة: الآية 228) والقرآن مشترك لفظي بين الحيض والطهر، فايهما المراد؟ فليستخرج مدعي أن القرآن بياناً لكل شيء (لنا) تفسيره من القرآن نفسه!

القرآن تبيان لكل شيء لكن لا لكل الناس

إضافة إلى ذلك كله قال تعالى {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} لكنه لم يقل (تبياناً لكل شيء لكل شخص)(12) فمن أين أضفتم (لكل شخص)؟

إن قلت: بينهما تلازم؟

قلت: هذه دعوى بلا دليل؛ إذ أين ادعيتم التلازم بين {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} و(تبياناً لكل شخص) ومع قطع النظر عن بداهة بطلان هذه الدعوى(13)، فمن أي آية تستدلون على هذا التفسير وأن المراد من {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} هو (تبياناً لكل شيء لكل شخص)!

ونحن نقول: لا شك ان القرآن الكريم تبيان لكل شيء، ولكن اختصّت الإحاطة به وبعلومه بالرسول والزهراء والأئمة الأطهار عليهم السلام، فهم المحل القابل التام القابلية الذين أحاطوا بكافة علوم القرآن وعرفوا منه وبه وعبره كلَّ شيء، دون سائر الخلق.. بل نقول هل يدعي السيد الطباطبائي انه يستطيع أن يستخرج من القرآن نفسه كل علوم الفيزياء والكيمياء والطب والفلك والاقتصاد مادام انه تبيان لكل شيء لكل شخص؟

إشكالات وأجوبة:

إن قلت: هو تبيان لكل شيء من شؤون الدين، لكل شخص؟

قلت: أولاً: من أين هذا التقييد ومن أية آية استخرجته؟ بل الآيات تدل على العكس تماماً وأن كل شيء هو فيه إذ يقول تعالى {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (سورة الأنعام: الآية 59).

ثانياً: سلّمنا، فليستخرج لنا من يدعي ذلك كل شؤون الدين من القرآن الكريم؟ فليستخرج لنا مثلاً إرث الأجداد الثمانية، بل حكم الشك بين الثالثة والرابعة في الرباعية أو الرابعة والخامسة من قيام أو من جلوس؟ إذ أليس ذلك من أحكام الدين؟ بل ليستخرج لنا من القرآن (مادام يقول انه تبيان لكل شخص لكل شؤون الدين) ان صلاة المغرب ثلاث ركعات وصلاة الصبح ركعتان، وليستخرج لنا ألوف الأحكام الشرعية بدءً من باب الطهارة إلى باب الديات!

إن قلت: القرآن تبيان لكل شؤون العقيدة وأصول الدين، لا الفروع؟

قلت: مع انه خلاف مبنى السيد الطباطبائي ومشهور علماء الخاصة والعامة، ومع انه تراجع عن المدعى، إذ إذا كان القرآن تبياناً لشؤون العقيدة فقط، لاحتاج في غيرها إلى التفسير بالنقل والحديث والخبرة فكيف تحصرون التفسير بتفسير القرآن بالقرآن بدعوى انه (فما بال النور يستنير بنور غيره)؟

بل يرد على دعاوى تقييد الآية بشيء ما، انه هل آيات الدين أو آيات أصول الدين فقط هي النور فقط أما سائر الآيات فليست بنور؟ هل آية الصلاة والزكاة مثلاً {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (سورة المؤمنون: الآيات 1-6) ليست بنور فتحتاج إلى مفسر خارج عن القرآن الكريم؟

إضافة إلى ذلك نقول: سلّمنا، انّ القرآن نور وتبيان فقط لشؤون العقيدة، وانه يفسر نفسه بنفسه فيها فيما نستطيع نحن أن نعرفه منه، إذاً استخرج الجواب عن الشبهات الواردة على العديد من آياته العقدية، من القرآن نفسه؟ مثلاً استخرج الجواب عن الشبهة على استدلاله على التوحيد بـ{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}! (سورة الأنبياء: الآية 22) ألا ترى أن المتكلمين أجابوا بوجهٍ والفلاسفة بوجه؟ ولكن كيف يستخرج المدعي الجواب من آية أخرى إن ادعى ان كل آية عقدية تفسر، فيما نفهمه نحن، غيرها وتكشف القناع عنه بالرجوع إلى آية عقدية أخرى.

ليس القرآن مغلقاً معقداً، لكنه عميق ذو بطون

وأما قوله: (وليس بين آيات القرآن (وهي بضع آلاف آية) آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها بحيث يتحير الذهن في فهم معناها، وكيف! وهو أفصح الكلام، ومن شرط الفصاحة خلو الكلام عن الإغلاق والتعقيد، حتى أن الآيات المعدودة من متشابه القرآن كالآيات المنسوخة وغيرها، في غاية الوضوح من جهة المفهوم، وإنما التشابه في المراد منها وهو ظاهر.

وإنما الاختلاف كل الاختلاف في المصداق الذي ينطبق عليه المفاهيم اللفظية من مفردها ومركبها، وفي المدلول التصوري والتصديقي)(14).

فنقول: لا شك انه لا إغلاق وتعقيد في الآيات الكريمة، لكنّ الذي نقوله هو أن الآيات الكريمة فيها عمق وبطون ودلالات ولذا احتاجت إلى مفسر هو أولئك الأبرار (عليهم السلام) الذين نزل القرآن في بيوتهم، فلم ينحصر التفسير، إذاً، في تفسير القرآن بالقرآن بل كان لا بد أن يكون إلى جواره تفسير القرآن بالاخبار والآثار (التامة سنداً ودلالة).

وعمق الكلام وبعض بطونه، مما يمكن أن يستنبط بالتدبر في الآية نفسها، فهو من التفسير، أو عبر الدلالات المنطقية الشهيرة كدلالة الاقتضاء ودلالة الإيماء والتنبيه ودلالة الإشارة وغيرها، فيدخل في التفسير أيضاً.

والنور نور وتبيان في كل جهاته فكيف لا ينير مصاديقه أو بطونه؟

ونضيف: أنّ كلامه الآتي كله عام غير قابل للتخصيص، فلاحظ قوله: (وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه، وقال تعالى: {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} (سورة البقرة: الآية 185) وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (سورة النساء: الآية 174) وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون(15) ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشد الاحتياج! وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (سورة العنكبوت: الآية 69) وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه!(16) وأي سبيل أهدى إليه من القرآن!. والآيات في هذا المعنى كثيرة سنستفرغ الوسع فيها في بحث المحكم والمتشابه في أوائل سورة آل عمران)(17) فهو كما ترى عام لا يقبل التخصيص إذ لا يعقل، حسب ظاهر هذا الاستدلال العقلي، أن يحتاج النور في شيء من شؤونه، سواء في ظاهره أم باطنه، وسواء تنزيله وتأويله وسواء في مفهومه أم مصداقه، إلى غير ذلك! وكيف يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لبطونه وأعماقه ومصاديقه؟!

قوله (المتشابه في المراد منها) يناقض مبناه

وأما قوله: (إنما التشابه في المراد منها) فيتنافى مع استدلاله نفسه إذ نقول: أن القرآن نور وحاشا للنور أن يستنير بغيره في توضيح المراد منه؟ والمصداق أيضاً بدوره، كيف لا ينيره النور؟ وكيف ينير القرآن المفاهيم فقط دون المصاديق مع أن مصاديق مفاهيمه هي التي يبتلى بها الناس أشد الابتلاء طوال حياتهم، إضافة إلى المفاهيم؟ بل ان المفهوم إنما يراد التعرف عليه للتعرف على مصاديقه فإنارة المفهوم دون المصداق نقض للغرض، فتدبر.

مناقشات أخرى فكلامه

وأما قوله: (ولازم ذلك (كما أومأنا إليه في أوائل الكلام) أن يكون القرآن الذي يعرف نفسه (بأنه هدى للعالمين ونور مبين وتبيان لكل شئ) مهديا إليه بغيره ومستنيراً بغيره ومبيناً بغيره، فما هذا الغير! وما شأنه! وبماذا يهدي إليه! وما هو المرجع والملجأ إذا اختلف فيه!)(18) فيجاب عنه بـ:

انّ هذا الغير هو الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي قال عنه تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وقال عنه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} و{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} والذي يهدي إليه هو {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (سورة غافر: الآية 38) والمرجع هو الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ يقول تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (سورة النساء: الآية 65) وقوله {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (سورة النساء: الآية 83).

ثم: أوليس القرآن قد أُختلف فيه وهو كله نور؟ حتى انكر إعجازه جمع كبير من سائر الملل، واختلف في تفسير كثير من آياته العامة والخاصة؟

فإن قلت: بعضه يفسر بعضها؟.

قلت: قد اختلف في ذلك أيضاً إذ قال الاخباريون: (وهم علماء كثيرون) لا يفسر بعضه بعضه بل ليس ظاهراً ولا هو بحجة علينا أصلاً! وأذعن المشهور بحجية ظواهر الكتاب ولكنهم رفضوا مدّعى الطباطبائي من أننا يمكننا به (بالقرآن وحده) ان نستكشف كل الهدى بل لا بد لنا من رسول وإمام هادٍ؟

بل نقول: أو لم يقل تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (سورة الرعد: الآية 7) وذلك شامل لملة الإسلام دون شك، فكيف ينسجم مع كون القرآن هدى ونوراً (فما هذا الغير؟ وما شأنه؟ وبماذا يهدي إليه؟ وما هو المرجع والملجأ إذا اختلف فيه)كما قال؟

المقام الثاني: عدول الطباطبائي عن مبناه في أول الميزان

المقام الثاني: ان العلامة الطباطبائي أقرّ في بعض الأجزاء اللاحقة بأنه لا يوجد في القرآن الكريم ما يفسر احدى الآيات المبهمات التي ذكرها كما أقر بأن الإبهام قد يكون مقصوداً للمتكلم، فينقض بذلك ما ذكره في أول الميزان، بل صرح في موضع آخر بما يناقض، أو ينسخ، كلامه السابق كله:

1- تصريحه باننا لا نجد في كلامه تعالى تفسيراً لـ{دَابَّةً}

الموضع الأول: قال: (وقوله: {أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} بيان لآية خارقة من الآيات الموعودة في قوله: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ} (سورة السجدة: الآية 53) وفي كونه وصفاً لأمر خارق للعادة دلالة على أن المراد بالإخراج من الأرض إما الإحياء والبعث بعد الموت وإما أمر يقرب منه، وأما كونها دابة تكلمهم فالدابة ما يدب في الأرض من ذوات الحياة إنساناً كان أو حيواناً غيره فإن كان إنساناً كان تكليمه الناس على العادة وإن كان حيواناً أعجم كان تكليمه كخروجه من الأرض خرقاً للعادة.

ولا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية(19) وأن هذه الدابة التي سيخرجها لهم من الأرض فتكلمهم ما هي؟ وما صفتها؟ وكيف تخرج؟ وماذا تتكلم به؟ بل سياق الآية نِعم الدليل على أن القصد إلى الإبهام فهو كلام مرموز فيه.

ومحصل المعنى: أنه إذا آل أمر الناس ـ وسوف يؤول ـ إلى أن كانوا لا يوقنون بآياتنا المشهودة لهم وبطل استعدادهم للإيمان بنا بالتعقل والاعتبار آن وقت أن نريهم ما وعدنا إراءته لهم من الآيات الخارقة للعادة المبينة لهم الحق بحيث يضطرون إلى الاعتراف بالحق فأخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم.

هذا ما يعطيه السياق ويهدي إليه التدبر في الآية من معناها، وقد أغرب المفسرون حيث أمعنوا في الاختلاف في معاني مفردات الآية وجملها والمحصل منها وفي حقيقة هذه الدابة وصفتها ومعنى تكليمها وكيفية خروجها وزمان خروجها وعدد خروجها والمكان الذي تخرج منه في أقوال كثيرة لا معول فيها إلا على التحكم، ولذا أضربنا عن نقلها والبحث عنها، ومن أراد الوقوف عليها فعليه بالمطولات)(20).

أقول: فلاحظ تصريحه بـ(ولا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية وأن هذه الدابة التي سيخرجها لهم من الأرض فتكلمهم ما هي؟ وما صفتها؟ وكيف تخرج؟ وماذا تتكلم به؟) وتصريحه بـ(بل سياق الآية نِعم الدليل على أن القصد إلى الإبهام فهو كلام مرموز فيه).

إذاً: يمكن أن يكون النور (والقرآن كله نور، فانه لا يمكن أن يقول بأن بعضه ليس بنور؟) مبهماً غامضاً لا يُفهم معناه ولا نجد تفسيره في آيات أخرى بل يمكن للرسول (صلى الله عليه وآله) أن يبينه بصريح قوله تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وحينئذٍ نقول له: (فما بال النور يستنير بنور غيره! وما شأن الهدى يهتدى بهداية سواه! وكيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه!)؟ (وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه) و(وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشد الاحتياج!) ((ولازم ذلك (كما أومأنا إليه في أوائل الكلام) أن يكون القرآن الذي يعرف نفسه (بأنه هدى للعالمين ونور مبين وتبيان لكل شئ) مهديا إليه بغيره ومستنيراً بغيره ومبيناً بغيره، فما هذا الغير! وما شأنه! وبماذا يهدي إليه! وما هو المرجع والملجا إذا اختلف فيه!).

والحاصل: ان كون القرآن نوراً وهدى وتبياناً لا يتنافى مع أن تكون بعض آياته غامضة لوجه من وجوه الحكمة، فنحتاج في تفسيرها إلى غيره، أي إلى الرسول الموحى إليه الذي لا ينطق إلا عن الله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (سورة النجم: الآيتان: 3-4) وأبواب مدينة علمه صلوات الله عليهم أجمعين.

2- وعدوله الصريح إذ قال بحجية قول الرسول والإمام في بيان القرآن

الموضع الثاني: وهو الذي عدل به عن مبناه في أول مقدمة تفسيره ولا نقول انه ناقضه، إذ المتأخر ينسخ المتقدم، قال: (ومن لطيف التعبير في الآية قوله: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ} و {ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} بتفريق الفعلين بالإفعال الدال على اعتبار الجملة والدفعة والتفعيل الدال على اعتبار التدريج، ولعل الوجه في ذلك أن العناية في قوله: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ} بتعلق الإنزال بالنبي (صلى الله عليه وآله) فقط من غير نظر إلى خصوصية نفس الإنزال، ولذلك أخذ الذكر جملة واحدة فعبر عن نزوله من عنده تعالى بالإنزال.

وأما الناس فإن الذي لهم من ذلك هو الأخذ والتعلم والعمل، وقد كان تدريجياً ولذلك عني به وعبّر عن نزوله إليهم بالتنزيل.

وفي الآية دلالة على حجية قول النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان الآيات القرآنية، وأما ما ذكره بعضهم أن ذلك في غير النص والظاهر، من المتشابهات أو فيما يرجع إلى أسرار كلام الله وما فيه من التأويل، فمما لا ينبغي أن يصغي إليه.

هذا في نفس بيانه (صلى الله عليه وآله) ويلحق به بيان أهل بيته لحديث الثقلين المتواتر وغيره وأما سائر الأمة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فلا حجية لبيانهم لعدم شمول الآية وعدم نص معتمد عليه يعطي حجية بيانهم على الإطلاق.

وأما قوله تعالى: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فقد تقدم أنه إرشاد إلى حكم العقلاء بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم من غير اختصاص الحكم بطائفة دون طائفة.

هذا كله في نفس بيانهم المتلقى بالمشافهة، وأما الخبر الحاكي له فما كان منه بياناً متواتراً أو محفوفاً بقرينة قطعية(21) وما يلحق به فهو حجة لكونه بيانهم، وأما ما كان مخالفاً للكتاب أو غير مخالف لكنه ليس بمتواتر ولا محفوفاً بالقرينة فلا حجية فيه لعدم كونه بياناً في الأول وعدم إحراز البيانية في الثاني وللتفصيل محل آخر)(22).

فكلام النبي (صلى الله عليه وآله) حجة وبيان لما هو تبيان لكل شيء

فهذا هو المبنى الصحيح الذي لا محيص عنه، وهو انه: كما ان القرآن حجة في تفسير آياته وانّ بعضه مبين لبعضه وشارح وتبيان، فكذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله) فانه حجة في بيان آيات القرآن بنص القرآن كما قال: (وفي الآية، أي آية {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} دلالة على حجية قول النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان الآيات القرآنية) وأكّده بقوله: (وأما ما ذكره بعضهم أن ذلك في غير النص والظاهر، من المتشابهات أو فيما يرجع إلى أسرار كلام الله وما فيه من التأويل، فمما لا ينبغي أن يُصغى إليه).

فلاحظ تطوّره في المبنى إذ قال بعضهم أن حجية قول النبي إنما هي في متشابهات القرآن أو إلى ما يرجع إلى أسرار كلام الله، لكنه رفض ذلك التحديد وقال أن كلام النبي (صلى الله عليه وآله) حجة في (بيان الآيات القرآنية) أي جميعها فان الجمع المحلى بأل (الآيات) يفيد العموم، ثم أكّده بما محصله ان قوله (صلى الله عليه وآله) حجة في النص والظاهر أيضاً وليس في المتشابهات فقط أو في الأسرار فقط.. ثم صرح بـ(ويلحق به بيان أهل بيته لحديث الثقلين المتواتر وغيره وأما سائر الأمة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فلا حجية لبيانهم لعدم شمول الآية وعدم نص معتمد عليه يعطي حجية بيانهم على الإطلاق).

فكلامهم (عليهم السلام) حجة في التفسير وبيان كلام الله دون كلام الصحابة والتابعين والعلماء..

فهذا عدول صريح عما ذكره في أول التفسير، وهذا العدول هو الحق الصحيح الذي ليس عنه محيص، وإلا لتكفل استدلاله في أول الميزان بردّ ما ذكره ههنا، إذ لو بقي على نفس المبنى السابق لقيل له: كيف يكون قول النبي حجة في بيان آيات القرآن، مع أن القرآن تبيان لكل شيء فكيف لا يكون تبياناً لنفسه كي يحتاج إلى بيان النبي (صلى الله عليه وآله) بأي معنى فسرنا البيان (فإن القرآن تبيان لكل شيء بقول مطلق ومنه انه تبيان لنفسه فكيف يحتاج إلى بيان غيره) وكيف يكون ما هو نور مستنيراً بكلام النبي (صلى الله عليه وآله).. وهكذا.

بوجه آخر: الحجية تعني الكاشفية أو الانكشاف، وكيف يكون كلام النبي (صلى الله عليه وآله) حجة في بيان آيات القرآن وكاشفاً عنها مع انها منكشفة بنفسها إذ هي نور مبين وتبيان لكل شيء؟

بوجه ثالث: مادامت الآيات كلها نوراً وتبياناً لكل شيء فتكون هي الحجة على كل شيء (ومنها الحجية على قول النبي (صلى الله عليه وآله)) ولا يكون شيء حجة عليها؟.

بوجه رابع: الحجية إن فسرت بالمنجزية والمعذرية أو بلزوم الإتباع فإن القرآن لكونه نوراً وهدى وتبياناً لكل شيء يكون هو المنجز بذاته والمعذر ولازم الاتباع بنفسه من دون حاجة إلى غيره في ذلك بل يكون ضمه إليه لغواً أو تحصيلاً للحاصل أو كالحجر في جنب الإنسان وكيف يتنجز بقول النبي ما هو منجز من قبل بالقرآن نفسه؟ وللبحث تتمة بإذن الله تعالى.

* * *

لخٍّص مناقشتنا للميزان في 14 سطراً بعباراتك، أو اذكرها في ضمن عشر نقاط.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com

.......................................
(1) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج8 ص312.
(2) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ج1 ص6.
(3) المصدر: ص9.
(4) المصدر: ص11.
(5) كما هو ظاهر استدلاله ومجمل كلامه.
(6) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، ص430.
(7) كآية أخرى.
(8) إذ كما أمكن أن تهتدي آية بآية أخرى لأنها كلام الله، فيمكن أن تهتدي آية بكلام رسول الله لأنه كلام الله إذ {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.. وغير ذلك ما سبق.
(9) نهج البلاغة: الكتاب 3.
(10) وحينئذٍ يحتاج إلى من يعينه.
(11) أو هو الإيضاح والتبيين والإبانة، كما في اللغة، وهل ما هو تبيان لكل شيء يحتاج إلى إيضاح وتبيين وإبانة؟
(12) إذ البيان والتبيان يحتاج إلى متعلَّقين هما (الشيء) أي بيان الشيء والفكرة أو المطلب و(الشخص) أي بيانها لهذا الشخص أو ذاك، تقول: بينت الفكرة لزيد، قال تعالى: {هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (سورة آل عمران: الآية 138)
(13) لمدخلية القابل ومدى قابليته كما سبق ولغير ذلك.
(14) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ج1 ص9.
(15) ومن الجميع: معرفة مصاديقه!!
(16) ونضيف: وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في معرفة مصاديق كلامه في كتابه؟
(17) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ج1 ص11.
(18) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ج1 ص9.
(19) ومن المهم الالتفات إلى انه أراد من التفسير تحديد المصداق وحقيقته! فليس التفسير خاصاً بالمفاهيم فتدبر.
(20) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ج15 ص317.
(21) حققنا في الأصول أن الظن النوعي أو الظن المعتبر كافٍ.
(22) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ج12 ص213.

اضف تعليق