q
ما لم تحقق المفاوضات تقدماً جوهرياً أو ما لم يتم إبطاء التقدم النووي الذي تحققه إيران، فإن نقطة اللاعودة في الاتفاق القائم قد تحل قريباً. وقد يدفع الوصول إلى طريق مسدود في الأسابيع القادمة إلى تحوّل نحو الدبلوماسية القسرية أو حتى إلى عمل عسكري من قبل الولايات المتحدة...

بعد قول وفعل كل ما يمكن قوله وفعله، يبقى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 أفضل وسيلة لتحقيق أهداف الغرب في منع الانتشار النووي وهدف طهران في رفع العقوبات. يجب ألاّ تبدد الأطراف ما من المرجح أن يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاتفاق.

ما الجديد؟ لقد انخرطت الولايات المتحدة وإيران في شهور من المفاوضات غير المباشرة الرامية إلى استعادة الاتفاق النووي لعام 2015. لقد أخفقت هذه المحادثات في التوصل إلى إطار للالتزام المتبادل. ويستمر برنامج إيران النووي في التوسع حجماً وتعقيداً بينما تبقى العقوبات الأميركية التي فُرضت في حقبة ترامب قائمة فعلياً.

ما أهمية ذلك؟ ما لم تحقق المفاوضات تقدماً جوهرياً أو ما لم يتم إبطاء التقدم النووي الذي تحققه إيران، فإن نقطة اللاعودة في الاتفاق القائم قد تحل قريباً. وقد يدفع الوصول إلى طريق مسدود في الأسابيع القادمة إلى تحوّل نحو الدبلوماسية القسرية أو حتى إلى عمل عسكري من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وتصعيد نووي وإقليمي من قبل إيران.

ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي على الولايات المتحدة وإيران اغتنام فرصة قد تكون الأخيرة لإنقاذ الاتفاق. ولا ينبغي جعل الخلافات حول عكس التقدم النووي الذي حققته إيران ورفع العقوبات الأميركية عقبات لا يمكن تخطيها إذا كان بوسع واشنطن ضمان مكاسب اقتصادية معينة لطهران، واتخاذ طهران للخطوات الضرورية لتقليص برنامجها النووي بشكل قابل للتحقق.

الملخص التنفيذي

بعد سبع سنوات من توصل إيران والقوى العالمية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) في فيينا، فإن هذه الأطراف تصارع لإنقاذ الجزء الضئيل الذي تبقى منها. ويتساءل الطرفان حول ما إذا كان بإمكانهما تحقيق أهدافهما. بالنسبة لواشنطن، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان بوسعها ضمان المزايا الأصلية للاتفاق في مجال عدم الانتشار النووي، بالنظر إلى التوسع الجذري الذي حققته إيران في برنامجها النووي، خصوصاً على مدى العام الماضي. وبالنسبة لطهران، فإن القضية هي ما إذا كانت تتوفر لدى الولايات المتحدة الرغبة والإرادة لرفع العقوبات بما يوفر لها ما يكفي من المزايا الاقتصادية الكافية والمستدامة، وهو ما لم يحدث حتى الآن خلال مدة حياة الاتفاق. إلاّ أن الطرفين متفقان، حتى الآن، على الحاجة للمضي قدماً عبر الوسائل الدبلوماسية لسبب بسيط هو أن البدائل ستكون أسوأ بكثير. الوقت قصير، لكن لم يفت الأوان كي يتوصلا ومعهما الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق إلى تفاهم جديد قائم على الالتزام المتبادل. وذلك سيتطلب أن تقدم الولايات المتحدة وأوروبا مقترحات ذات مصداقية حول كيفية ترجمة رفع العقوبات الأميركية المرتبطة بالشأن النووي إلى مزايا اقتصادية حقيقية بالنسبة لإيران، وجعل إيران تقدم التزاماً قوياً بتقليص برنامجها النووي بشكل قابل للتحقق.

عند وصولها إلى الحكم قبل عام من الزمن، ورثت إدارة بايدن التركة الملتبسة لسياسات سابقتها. كان البرنامج النووي الإيراني ينمو حجماً وتعقيداً لكنه ظل خاضعاً لرقابة دولية تتضاءل رغم العقوبات الأميركية الأحادية الكاسحة على إيران. كما ورث الرئيس بايدن أيضاً علاقات متوترة عبر الأطلسي، بما في ذلك بشأن المسألة الإيرانية، وتوترات متزايدة في الشرق الأوسط. أخذت الإدارة الجديدة بعض الوقت لإجراء مداولات حول كيفية صياغة مقاربة أميركية جديدة قبل أن يستقر رأيها على ما ينبغي أنه كان واضحاً طوال الوقت، وهو أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة تشكل الطريقة المثلى لاستعادة مزايا منع الانتشار النووي في الاتفاق والمحافظة على إمكانية الانخراط في حوار مع إيران حول قضايا أخرى.

في حين أن واشنطن لم تقدم إقراراً بخطئها ولا تراجعت عن سياساتها كما تأمل إيران وأضاعت فرصة تقديم بوادر حسن نية للشعب الإيراني خلال جائحة كوفيد-19، فإن الأشهر الأولى من المحادثات كانت مثمرة. فقد وفّرت ست جولات من المفاوضات بين نيسان/أبريل وحزيران/يونيو الخطوط العامة العريضة لتسوية مرضية حول تقليص البرنامج النووي، ورفع العقوبات وتتابع الخطوات قبل انتهاء مدة إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي استثمرت في إنقاذ الاتفاق وإرثه الجوهري.

لكن الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في حزيران/يونيو علّقت المحادثات لخمسة أشهر، ومنذ استئنافها في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، صُرف مزيد من الوقت على مراجعة التقدم الذي سبق وتم إحرازه بدلاً من جسر الفجوات المتبقية. بالنسبة للحكومة الجديدة التي يهيمن عليها المحافظون في طهران، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة هي نفسها تركة ذات قيمة مشكوك فيها.

بالنظر إلى أنها تعتقد أن الاقتصاد الإيراني امتص ليس فقط أسوأ العقوبات الأميركية بل أيضاً الجائحة العالمية وتجاوزها، فإن القيادة تقلل من شأن المكاسب المالية التي يمكن للاتفاق بعد إعادة أحيائه أن يحققها أو تتجاهلها كلياً، معتمدة على تحسين علاقاتها مع الدول المجاورة والقوى غير الغربية لتعويض الأضرار الاقتصادية والتخفيف من حدة الانتقادات الدبلوماسية التي ستثيرها العقوبات الأكثر شدة. علاوة على ذلك، وحيث تنظر إلى احتمال تحقيق المزيد من التقدم على الصعيد النووي بوصفه وسيلة للحصول على تنازلات أكبر من الولايات المتحدة، فإنها تجد سياسة حافة الهاوية جذابة.

لكن يبدو أن هذه الاعتبارات تقوم على أسس ضعيفة؛ إذ يكمن تحت أرقام النمو الإيجابية اقتصاد بحاجة ماسة للإصلاح. والتحسن الذي طرأ على العلاقات الخارجية –ليس أقله مع دول الخليج العربية– يمكن أن يعاني في بيئة خصامية على نحو متزايد مع الغرب في الوقت الذي من المرجح فيه أن يؤدي الدفع بالملف النووي إلى أبعد مما ينبغي إلى توتر العلاقات مع الصين وروسيا. والأهم من ذلك، فإن الاقتراب أكثر من إمكانية تصنيع سلاح نووي – أي تطوير جميع عناصر قنبلة نووية باستثناء إنتاجها – أو استفزاز القوات الأميركية، بشكل مباشر أو غير مباشر، من غير المرجح أن يضمن تحقيق مكاسب من واشنطن أو أن يستمر دون اعتراض.

في أوساط القوى العالمية، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوربية، فإن لحظة اتخاذ القرار تلوح في الأفق؛ إذ إن مخزونات طهران المتنامية من اليورانيوم المخصب إلى درجة قريبة من الدرجة المستخدمة في صنع الأسلحة واستعمالها لأجهزة طرد مركزي متقدمة بشكل متزايد يعني أن خطة العمل الشاملة المشتركة باتت –بالمعدلات الحالية– على بعد أسابيع من الوصول إلى نقطة اللاعودة. وذلك يعني أن الولايات المتحدة ستستنتج أن مزايا منع الانتشار الأصلية للاتفاق لم يعد من الممكن الحصول عليها؛ وبالتالي فإن التوصل إلى تجديد الاتفاق أمر لا يستحق العناء.

لقد شحذت دقات الساعة المؤذنة باقتراب ذلك الموعد تفكير واشنطن وحلفائها بشأن فضائل خطة العمل الشاملة المشتركة – أي ما يسمى خيارات الخطة ب التي تتراوح بين اتفاق مؤقت لتجميد التقدم النووي الذي حققته إيران مقابل رفع جزئي للعقوبات واستعادة عقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والتدخلات العسكرية العلنية أو السرية لإعاقة البرنامج النووي الإيراني. لكن كل من مسارات العمل هذه يحمل تداعيات سلبية كبيرة وعائدات لا يمكن الركون إليها. ففي غياب تقدم سريع في الأسابيع القليلة القادمة، تصبح العودة إلى عقوبات خطيرة مقابل إعادة سباق أجهزة الطرد المركزي إلى ما كان عليه قبل عقد من الزمن بعيدة المنال.

الدول الإقليمية تحضر نفسها للتطورات القادمة. بالنسبة لجارات إيران العربية في الخليج، التي علقت في مرمى النيران بين إيران والولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب وتنظر إلى التزامات الولايات المتحدة بأمنها بقلق، فإن خياري إعادة إحياء الاتفاق وسيناريوهات عدم التوصل إلى اتفاق كلاهما يثيران هواجسها. لقد بدأت دول الخليج بالانخراط في حوار مع طهران للتحوط لرهاناتها في مواجهة التداعيات التي ستحدثها حلقة جديدة من التصعيد. أما في إسرائيل، فعلى العكس من ذلك، يبدو أن القيادة قلقة أكثر من حصول إيران على الأموال عبر إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مما هي خائفة من زيادة تخصيب اليورانيوم التي حدثت أصلاً ومن المرجح أن تتسارع إذا انهار الاتفاق.

رغم أن بعض العاملين المخضرمين في مجال الأمن القومي يقرون على نحو متزايد بمزايا منع الانتشار في خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن القادة الإسرائيليين يعتبرونها ميزة متواضعة مقارنة برفع القيود عن أموال عدوها الرئيسي، التي يمكن أن تستعمل لتعزيز قوة حلفاء إيران في سائر أنحاء المشرق، وتخفيف العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها طهران.

لقد أظهرت السنوات الثلاث الماضية تجليات ديناميكية خسارة الطرفين التي ستنجم عن فشل المفاوضات. إذ ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها – إضافة إلى قوى رئيسية مثل الصين وروسيا التي لا مصلحة لها في إيران تمتلك سلاحاً نووياً – توسعاً لا يمكن التحقق منه للبرنامج النووي الإيراني. وستعاني إيران من تدهور دراماتيكي في اقتصادها. وستشهد المنطقة تجدد ارتفاع حدة التوترات التي يمكن أن تدفعها إلى تصعيد كارثي.

لحسن الحظ، فإن تجنب مثل تلك الحصيلة أمر ممكن. وسيتطلب من الولايات المتحدة وإيران قبول الواقع المتمثل في أن أياً منهما لن تحصل على كل ما تريده، لكن مع فهم بأن كل منهما يمكن أن تحصل على شيء قريب مما تحتاجه. وسيكون من المطلوب اتخاذ خطوات على الشاكلة الآتية:

ينبغي على إدارة بايدن أن تظهر درجة أكبر من المرونة حيال نطاق رفع العقوبات الذي تجد نفسها مستعدة لتقديمهِ، والعمل مع الأطراف الأوروبية للمساعدة على ضمان أن تحصد إيران مزايا اقتصادية، وأن تقدم ضمانات بأنها طالما هي موجودة في الإدارة وطالما التزمت طهران بتعهداتها، فإن واشنطن لن تعيق التجارة الإيرانية المنسجمة مع الاتفاق.

ينبغي أن يتفق الطرفان على تتابع للخطوات، على جبهتي رفع العقوبات والملف النووي، التي من شأنها أن تساعد في معالجة الشكوك الإيرانية حيال ما إذا كانت ستحصل على مزايا اقتصادية فعلية والهواجس الأميركية والأوروبية بشأن منع الانتشار النووي. ينبغي على الولايات المتحدة أن تخفف من عقوباتها على الصادرات النفطية الإيرانية وأن تسمح بإعادة العائدات المرتبطة بها وكذلك الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج. وبموازاة ذلك ينبغي على إيران أن تبدأ بتجميد أكثر عناصر نشاطها النووي إثارة للقلق، أي تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مرتفعة، وتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة وإنتاج معدن اليورانيومِ.

كما ينبغي أن تسمح بوصول معزز لمفتشي الأمم المتحدة في الوقت الذي يتم فيه التحقق من أن رفع العقوبات الأميركية يحدث فعلاً. وينبغي أن تصمَّم الخطوات التالية للعودة عن العقوبات الأميركية الإضافية وعن التقدم الذي تحرزه إيران في المجال النووي مما لا ينسجم مع خطة العمل الشاملة المشتركة بنفس الطريقة المتتابعة لإعادة كلا الطرفين إلى الالتزام الكامل بخطة العمل الشاملة المشتركة.

إضافة إلى عكس طهران لانتهاكاتها للاتفاق النووي منذ عام 2019، بطريقة تنسجم مع القيود التي تفرضها خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل جوهري وقابل للتحقق، الأمر الذي سيترتب عليه تفكيك أجهزة الطرد المركزية المتقدمة جداً، ينبغي عليها استعادة التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوضيح القضايا العالقة فيما يتصل بآثار مواد نووية وجدتها الوكالة في أربعة مواقع غير معلن عنها في إيران.

ينبغي على الطرفين الانخراط في حوار حول قضايا تتجاوز الإطار المحدد لخطة العمل الشاملة المشتركة بالتوازي مع محادثات فيينا، بما في ذلك آليات مثل الحوارات الثنائية والإقليمية الرامية إلى خفض تصعيد التوترات بين إيران وجيرانها العرب، إضافة إلى مصير المحتجزين الذين يحملون الجنسية المزدوجة الذين تعتقلهم إيران، وتسهيل التجارة الإنسانية مع إيران.

ما أعاد الولايات المتحدة، وإيران ومجموعة الأربعة + واحد (المملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين وألمانيا) إلى طاولة المفاوضات هو الاعتراف بأن خطة العمل الشاملة المشتركة توفر أفضل إطار متاح لمعالجة الهواجس الاستراتيجية العالمية – والإطار الوحيد المتاح لإيران لتطبيع علاقاتها الاقتصادية مع العالم الخارجي. ينبغي أن يكون تقدير مزايا إعادة إحياء الاتفاق، والتبعات السلبية التي ستترتب على موته، كافية لعودة الموقعين الأصليين عن حافة الهاوية ومنع تفكك خطة العمل الشاملة المشتركة.

https://www.crisisgroup.org

اضف تعليق