q
في خضم الفرحة التي أعقبت الانتصارات الأوكرانية الأخيرة في ساحة المعركة، لا شك أن بعض المعلقين يشعرون بقدر كبير من التفاؤل بأن أوكرانيا قد تكسب الحرب بحلول الربيع. بيد أن تحركات بوتين الأخيرة تشير إلى أن روسيا تستعد لخوض حرب استنزاف طويلة. وبالإضافة إلى توجيه المزيد من التهديدات الحادة...
بقلم: مارك ليونارد

برلين ـ مرة أخرى، يُطارد الشبح النووي أوروبا. في الأسبوع الماضي، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعبئة حوالي 300.000 من جنود الاحتياط وأعلن أنه سيستخدم "جميع الوسائل المتاحة" للدفاع عن روسيا، مضيفًا أن "هذه ليست خدعة". وكما أخبرني أحد كبار صُناع السياسة الأوروبيين، تُشكل هذه السياسة المتعلقة بالمخاطر النووية دعوة لمراجعة مجلدات الحرب الباردة القديمة مثل كتاب هيرمان كان عن الحرب النووية الحرارية.

في خضم الفرحة التي أعقبت الانتصارات الأوكرانية الأخيرة في ساحة المعركة، لا شك أن بعض المعلقين يشعرون بقدر كبير من التفاؤل بأن أوكرانيا قد تكسب الحرب بحلول الربيع. بيد أن تحركات بوتين الأخيرة تشير إلى أن روسيا تستعد لخوض حرب استنزاف طويلة. وبالإضافة إلى توجيه المزيد من التهديدات الحادة، فقد عمل أيضًا على الحد من اثنين من أوجه التفاوت الكبيرة التي ميزت الصراع حتى الآن. تتمثل الأولى في الفجوة بين "العملية الخاصة" الروسية واستجابة المجتمع الأوكراني لها. قد لا يكون نشر 300 ألف جندي إضافي كافياً للتغلب على كييف أو لاحتلال أوكرانيا، لكنه كفيل بإبقاء روسيا في اللعبة.

أما التباين الآخر فهو على مستوى الدعم الدولي. كانت أوكرانيا لتختفي من الخريطة قبل عدة أشهر لو لم تتلق مليارات الدولارات من الإمدادات العسكرية والدعم الاستخباراتي والمساعدات الاقتصادية من أوروبا والولايات المتحدة. من ناحية أخرى، حاولت روسيا جاهدة لجذب أي دعم خارجي حقيقي. لكن في القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون في العاصمة الأوزبكية سمرقند، تمكن بوتين من اللحاق بالمدعوين الآخرين مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

يُعد الرئيس شي أهم حليف لبوتين، والذي واصل دعمه وتأييد قراراته. ووفقًا للمحادثات الأخيرة التي أجريتُها مع الأكاديميين الصينيين هذا الصيف، يبدو أن الصين تنظر إلى الوضع في أوكرانيا باعتباره "حرب بالوكالة" في حربها الباردة التي تلوح في الأفق مع الولايات المتحدة. ومن بين الدروس المهمة المستفادة من الحرب الباردة الأصلية أنه عندما يتلقى أيا من الجانبين في حرب بالوكالة دعمًا كافيًا لإبقائهما صامدين، فلن ينتصر أي من الطرفين. وبينما استخدم الأوكرانيون هذه الحقيقة للدفاع عن استمرار شحنات الأسلحة الغربية، فقد يحفز ذلك الصين أيضًا على توسيع دعمها العملي لروسيا (الشاحنات وأشباه الموصلات على وجه التحديد).

إذا تحرك الصراع في هذا الاتجاه، فنحن نعلم النتيجة بالفعل. يمكن لشعوب كوريا وفيتنام وغواتيمالا وأفغانستان وأنغولا والعديد من الدول الأخرى أن تشهد على أهوال الحروب بالوكالة التي تستمر لسنوات أو حتى عقود من الزمان، وتتسبب في إغراق هذه البلدان في الدماء، وشل اقتصاداتها، وحرمان الأجيال الشابة من المستقبل.

ومع ذلك، على المدى القصير، يتعين على الغرب أن يُظهر أنه لا يهاب تهديدات بوتين بالتصعيد. وكما أظهر زملائي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن أوروبا قادرة على مواجهة حرب طويلة إذا تبنت خطة شاملة لتزويد أوكرانيا بالعناصر الرئيسية الثلاثة المُتمثلة في الإمدادات العسكرية والضمانات الأمنية والدعم الاقتصادي.

بالنسبة للركيزة الأولى، ابتكر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "خطة دبابة ليوبارد" لتزويد أوكرانيا بالمركبات المدرعة التي تشتد الحاجة إليها، كما حدد أفكارًا ملموسة لتزويد أوكرانيا تدريجياً بمزيد من التقنيات الغربية مع نفاد معداتها السوفيتية القديمة. ومع ذلك، بالإضافة إلى التخطيط والتنفيذ الدقيقين، ستتطلب هذه الخطة قدرًا كبيرًا من الدعم المالي. وبالنظر إلى أن الجيش الأوكراني أكبر من الجيش الألماني "البوندسوير" (أكبر قوة برية في الاتحاد الأوروبي)، وأن عدد كتائبه المدرعة تفوق عدد الكتائب المُدرعة التابعة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا مجتمعة، فإننا نُقدر أن توفير الإمدادات العسكرية اللازمة سيُكلف حوالي 100 مليار يورو (97 مليار دولار).

ثانيًا، للموافقة على تسوية لإنهاء الحرب، ستحتاج أوكرانيا إلى ضمانات أمنية موثوقة وطويلة الأجل. وتحقيقًا لهذه الغاية، وضع زملائي إطارًا يتضمن تأكيدات رسمية بالدعم، وآليات للتشاور، ووعود بالإمدادات، وتهديدات بفرض عقوبات. وينبغي أن تنطبق هذه التدابير فقط على الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا بالكامل، بحيث يمكن للقادة الأوكرانيين قبول التسوية دون الحاجة إلى تقديم تنازلات فيما يتعلق بالأراضي التي لا تزال محتلة.

وأخيرًا، لا ينبغي أن يغطي الدعم الاقتصادي تكاليف إعادة بناء البلاد وإعدادها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فحسب، بل يجب أن يشمل أيضًا الاحتياجات اليومية المستمرة للدولة الأوكرانية. في الوقت الحالي، تغطي الإيرادات الضريبية 40٪ فقط من الإنفاق العام، مما يترك فجوة تمويل تبلغ 5 مليار دولار شهريًا.

سيُشكل الحفاظ على الدعم السياسي والتضامن في أوروبا التحدي الأكبر، خاصة مع استمرار ارتفاع تكاليف الحرب الطويلة. ووفقًا لبعض تقديراتنا، قد يكلف تزويد أوكرانيا بالدعم الموصوف أكثر من 700 مليار يورو. وهذا يتجاوز خطة الاتحاد الأوروبي للتعافي من الأوبئة، والتي كانت تُعتبر بالفعل خطوة ثورية على الرغم من أنها تنطبق على جميع الدول الأعضاء. سيتطلب حشد نفس المستوى من الدعم لدولة واحدة خارج الكتلة عملاً بطوليًا للقيادة السياسية.

علاوة على ذلك، سيجلب فصل الشتاء فواتير طاقة متزايدة وتكاليف أعلى لإقامة اللاجئين الأوكرانيين اليائسين. لقد تم بالفعل الإطاحة بالحكومات في إيطاليا وبلغاريا، ويبدو أن اليمين المتطرف يحقق مكاسب في سياق موجة شعبوية جديدة. سيحتاج القادة الأوروبيون إلى إعداد شعوبهم لحرب طويلة مع مواصلة البحث عن حلول. أثناء إظهار التزامهم الطويل الأمد بالنضال الأوكراني، يجب عليهم هيكلة دعمهم بطرق من شأنها أن تبقي الباب مفتوحًا أمام التوصل إلى تسوية نهائية. تُشكل الحرب بالوكالة أحد أسوء السيناريوهات التي يمكن تخَيلها.

* مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مؤلف كتاب "عصر عدم السلام: كيف يتسبب الاتصال بالصراع"
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق