جريمة ازدراء الأديان في القانون الدولي

د. السيد مصطفي أبو الخير

في ظل التطاول المستمر من الغرب الملحد على الإسلام والمسلمين وعلى رسول الله (ص)، سواء بالقول أو بالرسم أو بإنتاج فيلم، والذى تزايد في الغرب نتيجة الاقبال المتزايد على الإسلام من أهل الغرب، مما دفع أحد القساوسة في أوربا أن ينتحر حرقا اعتراضا على انتشار الإسلام في أوربا، وقد زاد هذا التطاول بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي زادت من معدلات اعتناق الاسلام في الغرب شرقه وغربه.

 علما بأن القانون الدولي فرض حمايته على حرية العبادة والأماكن المقدسة والرموز الدينية وقت السلم وأثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وأيد ذلك أيضا القضاء الدولي وخاصة في محكمة نورمبرج، ولكن عدم تفعيل هذه الآليات وتطبيق هذه الاتفاقيات جعل الكثير يقول بعدم وجود حماية للأديان والأماكن والرموز الدينية في القانون الدولي، ومع أن القانون الدولي لم ينص صراحة على هذه الحماية إلا أنه أقر حرمة الأماكن المقدسة والأديان والركوز الدينية ضمنا في اعلانات ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان وأيضا اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الاضافيين لعام 1977م، كما أنها جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ففي أثناء السلم جاءت الحماية في اتفاقيات واعلانات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية، وجاءت الحماية هنا من خلال التأكيد على حرية العبادة ومنع التمييز بسبب الدين، فقد نص البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام على حق الحرية الدينية (لكل شخص حرية الاعتقاد وحرية العقيدة وفقا لمعتقده، ( لكم دينكم ولى دين) وقد حرم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م في مادته الثانية التمييز بسبب الدين، وأكدت المادة (18) على حرية اختيار الدين وحرية الإنسان بممارسة العبادة وإقامة شعائره ويجب احترام ذلك ومراعاته في السر والعلن، وأكدت ذلك أيضا (18/1) من الاتفاقية الدولية الخاصة بشأن الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، وأكد الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن جامعة الدول العربية عام 1945م في مادتيه (22-23) على ذلك، وأيضا الميثاق العربي الصادر في 1997م في مادتيه (26-27)، وكذلك الميثاق الإفريقي الصادر عام 1979م في المادتين الثانية والثامنة، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950م في المادة التاسعة، وأيضا ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي لعام 2000م في المادة العاشرة، والمادة (22) التي فرضت احترام الاختلاف الثقافي والديني واللغوي، والإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان لعام 1948م في المادة الثالثة، وأيضا البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1999م منعت التمييز بسبب الدين في المادة الثالثة، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان سان خوسيه لعام 1969م في المادة (12) أكدت كل ما سالف.

وفي أثناء النزاعات المسلحة سواء الدولية أو غير الدولية فرض القانون الدولي الإنساني حمايته على الأماكن المقدسة، فقد نصت المادة 27 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 أنه في حالة الحصار والضرب بالقنابل يجب اتخاذ كل ما يمكن اتخاذه من الوسائل لعدم المساس بالمباني المعدة للعبادة، والمادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م الخاصة بحماية السكان المدنيين تنص على حق السكان في المناطق المحتلة ممارس شعائرهم الدينية حسب عاداتهم وتقاليدهم ، فقد نصت المادة (53) من الملحق الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949م على حظر ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، كما تضمنت المعنى نفسه المادة(53) من اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية وقت النزاع المسلح، كما أورد البروتوكول الثاني لعام 1977م الخاص بالنزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي في المادة(14) ما نصه ( يحظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية، أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعوب واستخدامها في دعم المجهود الحربي).

وقد فرض القانون الدولي الجنائي حمايته على الأماكن المقدسة فجرمها وجعلها جريمة حرب طبقا لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الملحقين لهم لعام 1977م، حيث اعتبر مخالفة الاتفاقيات سالفة الذكر جريمة حرب، وهذا ما نصت عليه المادة الثامنة الفقرة الثانية (أ) والفقرة التاسعة من ذات المادة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما اعتبرتها السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية، لأنها تعبر عن اضطهاد وتمييز بسبب الدين، ويمكن عن طريق جمعية الدول الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية المنصوص عليها في المادة (112/ز) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، اعتبار ازدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية لأنها تمثل اعتداء على البشرية، كما يمكن ادخالها ضمن الركن المادي من جريمة الاضطهاد الديني والتمييز بسبب الدين.

 إن الدول الاسلامية تستطيع اصدار تشريع عالمي بمنع ازدراء الاديان فالتوصية الصادرة من الامم المتحدة عامي 2005/2008م منعت ازدراء الاديان وصدرت بموافقة 85 دولة وامتناع 42 ومعارضة 50 وبالتالي تستطيع وفقا لهذه التوصية التقدم بتشريع ملزم تتبناه الامم المتحدة أو التوصل لاتفاقية دولية بين الدول الاعضاء ، كما ان المادة(36) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية تجعل من اختصاصها الفصل في الخلاف في تطبيق أي اتفاقية وتفسير مضمونها وبالتالي ينبغي على الدول الاسلامية اللجوء للمحكمة لتوضيح ان الفيلم المسيء للرسول هو من الوان التعصب الديني والتمييز لافتا الى ان الدول الاسلامية تستطيع رفع دعوى قضائية امام المحكمة الجنائية الدولية باعتبار ان الفيلم المسيء هو جريمة ضد الانسانية وجريمة حرب، وطبقا للنظام الأساسي للمحكمة يحق لها اتخاذ الاجراءات اللازمة لمعاقبة المتورطين في هذه الجرائم ويتابع حديثه قائلا يوجد أكثر من عشر دول اسلامية مصدقة على النظام الأساسي للمحكمة تستطيع رفع دعوى ولكن مصر ليست من هذه الدول ولكنها تستطيع رفع دعوى اذا صدقت على ما يتعلف بهذه الجريمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/تشرين الثاني/2012 - 23/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م