ما يتوجب علينا التسليم به بأن الافكار التي لا تخدم الحياة ليس أهميتها أن نكثر الثرثرة الفارغة بها على أن عالمنا الحقيقي تتمثل حقيقته المعرفية داخل تحليل معنى اللغة كوجود ونظام نسقي خاص مجاله فهم معنى (النص) وليس فهم معنى الواقع. عندما نحاول أعادة تنظيمه في تنظيمنا معنى اللغة كدلالة مستقلة...

ما يتوجب علينا التسليم به بأن الافكار التي لا تخدم الحياة ليس أهميتها أن نكثر الثرثرة الفارغة بها على أن عالمنا الحقيقي تتمثل حقيقته المعرفية داخل تحليل معنى اللغة كوجود ونظام نسقي خاص مجاله فهم معنى (النص) وليس فهم معنى الواقع. عندما نحاول أعادة تنظيمه في تنظيمنا معنى اللغة كدلالة مستقلة ونظام نفهم بها الموجودات كمفاهيم فلسفية.. وليس في مهمة تخارج الفلسفة كفكر الذي دأبت عليه في المتوازي التجريدي مع موجودات عالمنا الخارجي وليس في التقاطع معه والاحتدام به التي هي طبيعة اللغة الحقيقية وخاصية اللغة الانسانوية كظاهرة حكمت الانسان في انثروبولوجيا تاريخية.

ونكذب على انفسنا ونصدق كذبتنا في تأكيد مغالطة مدانة هي لامعنى مراكمة الاستطرادات التحليلية التجريدية في البحث عن فائض معنى اللغة أن تصبح حقائق فلسفية تقودنا نحو مجهول معرفي لا نفهمه ولا معنى له في الواقع والحياة بل في عالم تجريد معنى اللغة في نص لغوي فقط.

خاصية الفلسفة هي تفكير منطق العقل في تعبير اللغة عن وقائع الموجودات تجريديا. أما أن تكون اللغة هي دلالتنا الزائفة في تغييبها مرجعية العقل في تحليل متتالي لمعرفة معنى اللغة في تجريد النص، فهي على اقل الامور سذاجة مضحكة انهم اصحاب فلسفة المعنى والتحليل يضعون العربة امام الحصان.

هذه الادانة لهذا المفهوم الضحل يجب أن لا يقودنا الى خطأ أكبر منه في محاولة جعل مفهوم فلسفة اللغة في المعنى ايديولوجيا سطحية مباشرة تقاطع الواقع بغية السيطرة عليه وتحويله الى ميدان سياسي تضمحل فيه الفلسفة وتتلاشى من خلاله كخاصية معرفية... وتجنيس من فن القول والتفكير وتعبير اللغة لا يشبه ضروب الادب تجنيسا ولا يلتقي ضروب العلم تعبيرا مختبريا.

غالبية مباحث الفلسفة كانت ولا تزال بهذا القدر أو ذاك تنأى بنفسها وتبتعد عن أن تكون ايديولوجيا نظرية مقفلة تقترب من توظيف السياسة لها بدلا من أقترابها المجدي المثمر مع منجزات العلم في الفيزياء والرياضيات مثلا الذي يفيدنا جدا التوازي الفلسفي معه حفاظا على خصوصية كلا منهما الانفرادية (الفلسفة / العلم) على مستوى تجنيس معرفي مختلف والتكامل مع العلم على مستوى تكامل وحدة المعرفة في معالجة قضايا الانسان والحياة.

توازي منطق الفلسفة التجريدي مع منطق العلوم الطبيعية التجريبية يعني بالمحصلة لا نتيجة معرفية حقيقية نجنيها من وراء هذا التعالق الاشكالي بينهما. بينما يكون توازي الفكر الفلسفي مع واقع الحياة في منتهى السلبية التي تجعل الفلسفة التجريدية تحتضر تدريجيا وتحكم الفوضى الواقع.

وبناءا عليه يبقى نظام واقع الاشياء في العالم الخارجي تحكمه فوضى النظريات الايديولوجية السياسية، وجشع اقتصاد السوق الاستهلاكي، ومجتمع الانحلال البائس الذي يخترقه التضليل الاعلامي في تعميق الجهل واسترضاء التفاوت الطبقي تحت طبقات جيولوجيا طمر الحقائق تحت لافتات التخدير الانحلالي مجتمع الرفاهية وحقوق الانسان والسعادة الارضية.

من الامور التي يجب علينا مراودتها دائما في خطابنا اللغوي الملتزم وباستمرار هو مدى وصولنا حقيقة أذا كان يراد لافكارنا الفلسفية جدوى منطقية مؤثرة، يلزمنا الابتعاد باللغة عن تعميق وملاحقة التجويف الفارغ بأسم اللحاق وراء فائض المعنى في فحوى مضمون اللغة وشكلها بعيدا عن مجريات الحياة، والاقتراب قدر الامكان وبلا تحفظ من تجريبية العلم في وضع افكار الفلسفة في مسارها الصحيح بهدي العلم وانتشال حاضرها ومستقبلها من السقوط في متاهة لا جدوى الفلسفة بالحياة الانسانية بالانفصال التام عنها وفي موازاتها الواقع في منطق تجريدي يزيد في ترّهلها المرضي.

في معادلة قلقة أن لا تكون الفلسفة ملحقا علميا ولا أن يكون العلم ملحقا تجريديا فلسفيا. وهذه المعادلة هي تفريق تجنيسي في المعرفة عموما وفي الادبيات الخطابية المكتوبة على وجه الخصوص، وهي حقيقة أن الفلسفة والعلم تجنيسان من افصاحات المعرفة كلا في ميدانه ومحاولة الدمج التداخلي بينهما في محاولة تضييع ملامح وخصوصيات أحدهما بالاخر محاولة عقيمة لا جدوى منها وأستحالة أذابة فوارق التجنيس بينهما أي بين العلم والفلسفة.

فالفلسفة منطق تجريدي لا يقبل التجربة، والعلم منطق نظري ليس في حساباته خيالات النظريات غير الخاضعة للتجارب. بل أن تداخل الاشياء المدركة مع الفكر في جدل ثنائي متبادل يكسبهما كلاهما التغيير والتطور وبغير هذا الفهم معناه نفي أن يكون هناك فائدة من وعي الانسان لموجودات الطبيعة واستحداث رؤيته وقوانينه لها.. النتيجة التي يحرزها الفكر بالنهاية من هذه العملية هو أن تكون قوانين الفكر هي قوانين الاشياء في الواقع... بمعنى أصبح ما نمتلكه عن الاشياء من أفكار نتيجة مدركاتنا لها هو وحده الذي يعطي وجودها الحضوري الواقعي في حياتنا...

وعندما يؤكد بوشنسكي أن العالم كله يتغّير بالفكر فهو لا أعتقد كان يقصد بذلك اعتماده نظرية المعنى الفلسفية أن الفكر المجرد يوازي الواقع ولا يقاطعه بالاحتدام به من أجل تغييره. فلسفة اللغة ونظرية المعنى تريد استبدال مهمة تقاطع الفكر بالواقع بغرض تخليقه والاحتدام به في حرفه بلا ضرورة مهمة الفكر تقاطعه الواقع بغية تغييره بل بغية توصيف معرفته المحايدة معه تجريديا في نموذج سلبي من العلاقة غير المتداخلة وغير التكاملية بينهما. أن الانسان كائن مفكر، والحقيقة أن الذي يغّير مسار الانسانية أنما هو الفكر حسب تعبير بوشنسكي. واضح أن التأكيد هنا على فاعلية الفكر كمضمون عقلي تخليقي هو الذي يقوم بتغيير العالم وليس اللغة كشكل تأطيري تعبيري لمضمون التفكير العقلي، الفكر هو الذي يقوم بتجديد الوجود المادي أو المثالي كماهية وجوهر. فالفكر مضمون عقلي واللغة تأطير شكلي له. والفكر نظرية والموجودات وقائع تحملها الصدف الادراكية بها أو الوعي القصدي لمعرفتها.

الفكر المجرد وحتى الفكر التنظيري الايديولوجي لا يستطيع تغيير العالم بمعزل عن أحتدامه التخارجي جدليا مع الواقع بأداة تنفيذ تهتدي بالفكر ولا تنوب عنه، هذه النظرة مسألة لا زمت انثروبولوجيا تاريخ الانسان منذ الاف السنين لا تحتاج صحة أثبات وجواز قبول وتمرير لها. صحيح جدا أن نفهم مقولة بوشنسكي أن وسيلة تغيير العالم هو الفكر ليس بمفهوم تجريده الانفصامي عن عدم احتدامه بالواقع كما تبشر به نظرية المعنى في التحول اللغوي، لكن من المحال بالمحصلة أن ينتج لنا الفكر التجريدي واقعا تجديديا بمعزل عن تقاطعه مع واقع موجود مسبقا تعتمل بداخله تناقضات التغيير فيه داخليا.

الفكر هو عامل تسريع جدل المتناقضات الداخلية في المادة والمجتمع كعامل موضوعي خارجي، فالواقع بموجوداته لا يتغير بقواه الذاتية في التضاد التناقضي الجدلي الداخلي كوقائع ولا كظواهر بل يتطور ويستحدث ظواهره التجديدية بمساعدة عوامل موضوعية وظروف معينة أحداها هو الفكر ضمن منهاج نظري متكامل في قراءته الواقع تحريكيا ديناميكيا. العوامل الموضوعية الخارجية هي عوامل تحريك وتفعيل تناقضات الجدل داخل الاشياء والظواهر.

عندما يعبّر الفيلسوف الامريكي ليفريد سيلارز (1912 – 1989) عن الالتباس اللغوي الناتج عن أمثال مقولته: لا وجود لوعي سابق على اللغة، وأن مبتدأ ومنتهى فهمنا العالم هو تعبير لغوي، فهو يصادر العديد من الاعتراضات الواقعية المهمة التي تقفز على حقائق بيولوجيا الوعي العلمي وتجريد تعبير اللغة في البحث عن معنى الوجود في معنى اللغة.

سيلارز بهذا التصور الالتباسي في عدم التفريق بين تمثلنا العالم الخارجي باللغة، وبين أن تكون اللغة في فلسفة المعنى هي حقيقة تحصيلنا فهم العالم من حولنا، بهذه الازدواجية غير الواضحة في تعبير سيلارز يصادر حقائق مثل حقيقة الوعي واللغة كلاهما نتاج عقلي مصنوع ذهنيا ولا يمتلكان استقلالية فاعلة لها أهمية في عدم تعالقها بمنظومة العقل الادراكية، ويعتبر سيلارز اللغة والفكر المتداخلين مرتكزي فهمنا العالم من حولنا وأنهما أداة فهمنا العالم من خلال فهمنا المعنى في اللغة، لكن لا يمكن للوعي واللغة خلق (عقل) يأتمر بوصايتهما هما عليه، الوعي واللغة هما حلقات تجريدية لا فيزيائية تحتويها بيولوجيا نظام العقل الفيزيائي بالوصاية العقلية عليها، واذا كان الوعي واللغة كلاهما جوهران لا فيزيائيان قبل تعبيرهما عن موضعتهما الاشياء في عالم الموجودات، فهما (الوعي واللغة) يمثلان فكرا أعزلا ولا وجود حقيقي لهما خارج انتاجية العقل لهما ووصايته عليهما.

وبالنتيجة يكون الوعي هو حلقة بيولوجية في ارتباطه بمنظومة الادراك العقلي وليس تجريدا نفسيا لاعلاقة تربطه بجوهر العقل البيولوجي. وهو ما يؤكده الفيلسوف الامريكي جون سيرل. بمعنى أكثر وضوحا لا وجود لوعي خارج ارتباطه بالفكر واللغة ولا أهمية لهم ثلاثتهم جميعا يعتد الاخذ بها (الوعي، اللغة، الفكر) من غير وصاية تفكير العقل البيولوجي والخيالي عليهم وتوجيههم في تنفيذ ايعازاته في تمثلاته الاشياء ومدركاته الشيئية ومواضيعه في معرفتها وتغييرها.

لذا العالم لا يتغير باللغة المجردة ولا بالفكر المجرد ولا بالوعي المجرد غير المقيّد بالعقل، بل بالعقل التفكيري الذي يلازمه الوعي والفكر واللغة كوسائل تنفيذ لمدركات العقل النظرية على الدوام في الاحتدام الفكري المتقاطع مع الواقع في تعبير العقل توسيله الوعي واللغة والفكر نيابة عنه الذي بواسطتهم يتطور الواقع ويتغير في مرجعية العقل لهم.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق