q
لقد علمت كربلاء الناس الموت من اجل العدل والحرية والكرامة والحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف، وبقي على الناس ان يتعلموا فقه المصانعة والمدارة والمقاصد الشرعية والسياسية، فليست الثورة ملاكا عاما لكل ظرف وزمان ولا القعود معيارا ثابتا لمنع الانزلاق الى الفوضى، بل الوسطية والاعتدال اللازمين لبناء الاوطان وصيانة حقوق الانسان...

ادهشني سقراط فيلسوف اليونان عند تناوله التضحية في اصغر نطاقاتها وهي الصديق عندما يقول : ليس من الصعب ان تضحي من اجل صديق لكن من الصعب ان تجد ذلك الصديق الذي يستحق التضحية.

من هنا اعتملت في نفسي معركة عمياء بلا حساب وتلاشت روح الزمالة العتيدة مع الأصدقاء الطغاة وكانني اقاتل مجهول استباح براءة الحياة وحل محل الصداقة ساحة موحشة كاسرة للنزاع بلا حساب وحذر.اذ ادارها صديقي ليظل حلمه شهوة الاستبداد والاذى بصمت اخرس عبر اركان اربعة تفجر في قلبها الظلام، لتقام على انقاضها اول ظاهرة اغتراب في التاريخ الانساني.

هالني ما كتبه المفكر حسين العادلي في التضحية وهو يقترب من معركة الطف ودماء سيد التَّضحِيَة الحسين ابي الاحرار وهو يبحث في مكنوناتها ليصيغ لنا معناً فلسفيا لاهباً في التضحية ، قائلاً :الشهادة، تضحِيَة طوعية بموتٍ رائع.

المجد دونما تّضحِيَة، لصوصيّة.

المُضحّي يَسَعالكون، والأناني لا يَسَع إلْانفسه.

على قدر التَّضحِيَة تكون الشّجاعة، فامتحن المواقف بها.

عندما لا يُضحّي القائِد، يصبح الشَّعب ضَحيَّة.

القائِد أوّل مَن يُضحّي لك، والحَاكِم أوّل مَن يُضحي بك.

أذكى الناس المُضحّي، إنه يحوّل ذاته إلى قضية.

التَّضحِيَة كالعِطر، لا يختبئ، ولا يُذم

بين الفيلسوف سقراط والمفكر حسين العادلي لايخفى المفكر السياسي ابراهيم العبادي الشخصية الفذة التي ابحرت في عالم الحريات ليبحث عن خريطة الطريق لاصلاح ذلك العالم.ففي عمود ساخن عنوانه: ((الحسين صانع التواريخ ومؤسس فقه الاعتراض والاصلاح)) صحت بغداد من نومها وهي تتنفس عبق الحكمة من فوهات العقل والمنطق الي تسلح بهما العبادي قائلاً : ومع كل تجربة تخفق، تستعاد كربلاء مجددا برسالتها السياسية وفكرها الاصلاحي ضد الذين (اتخذوا عباد الله خولا وماله دولا ) ويدور التاريخ دورته الاولى بين معارضة وحكومة كل منها يدعي الحقانية والصواب ،الا ان منهج الحق كان لصيق العدل والانصاف والمشاركة والمشورة.

فما من حكم اتسم باقل القليل من هذه المواصفات الا وخرج عن نطاق فقه الخروج والمعارضة الى فقه المداراة والمناصحة، وكان ذلك هو التوازن الحق وتوكيدا لمناسبات الحكم والموضوع، فليس الخروج سمة عامة ولا المصانعة والسكوت استثناء نادرا، بيد ان فقه الاحكام السلطانية نسي او تناسى حقوق الناس واهتم بحقوق الحاكم خضوعا واعتذارا، خشية وقوع الفتن وضياع معاش الناس وحظوظهم من الامن الضروري، حتى تخلقت الناس باخلاق الهارب من كل سلطة، المتفلت من كل قانون المضطجر من كل مقصد من مقاصد الشريعة، فغدت بعض شعوبنا كالبراكين، ما ان تهدأ لها ثورة حتى تعود الى هيجان، وفي كل مرة يحضر شعار العدل والانصاف ثم يتصاعد الى (لا حكم الا لله )، فيما ان معاش الناس وامنهم لايستقيم الا بضرورة وجود الدولة والدولة التي نقصدها في قاموس اليوم هي حكومة الحاكم الذي ينوب عن الناس ويحكم بتفويضهم.

لقد علمت كربلاء الناس الموت من اجل العدل والحرية والكرامة والحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف، وبقي على الناس ان يتعلموا فقه المصانعة والمدارة والمقاصد الشرعية والسياسية، فليست الثورة ملاكا عاما لكل ظرف وزمان ولا القعود معيارا ثابتا لمنع الانزلاق الى الفوضى، بل الوسطية والاعتدال اللازمين لبناء الاوطان وصيانة حقوق الانسان.

فبين التضحية وبين فقه الاعتراض والإصلاح تعلو منهجية الحسين من محراب الحرية والثورة والتصدي لدورة حياة الطغاة والاستبداد في معادلة زمنية عنوانها (الثورة الدائمة). فمهما تبدلت اشكال الاستبداد وعناوينه ومسمياته عبر التاريخ ، فان تلك المنهجية مازالت تشكل الاساس الحسي والموضوعي المنسجم والموحد لكل احرار العالم كي يضمهم معسكر الثورة الحسينية.فمنهج الحسين التاثر في وجه اركان الاستبداد والطغيان هو منهج فاعل يمتلك عبر التاريخ القدرة على كشف وتمزيق كل الاغطية الوهمية المزيفة التي تصطدم مع الثورة الحسينية بكونه منهجا للحرية وخريطة طريق يتبعها الاحرار حصريا و تلفض الطغاة في مسار الحريات عبر التاريخ.

فقد بات اليوم من اليسر الجمع بين مجموعات الاحرار في العالم من جيفارا ونلسون مانديلا وحتى الثورة الجزائرية عبر التاريخ الانساني من جهة وبين منهج الحسين عبر قضية واحدة :هي فقه الحريات والدفاع عن صلاح الانسان على وجه الارض والتصدي للاستبداد و العبودية والفصل العنصري ومحاربة الطغيان. ولكن يبقى اساسها مرتسم الحريات الذي وسمه الحسين عليه السلام في بناء فقه الحرية والثورة والتصدي للطغاة والاستبداد مهما تبدلت اشكالهم وعناوينهم ومسمياتهم عبر التاريخ.

اذ شكلت تلك المنهجية الاساس الانساني المنسجم والموحد لكل احرار العالم كي يضمهم معسكر الثورة الحسينية.

اذ يمتلك منهج الحسين التاثر عليه السلام في تحدي اركان الاستبداد والطغيان عبر التاريخ القدرة على كشف وتمزيق الاغطية الوهمية المزيفة التي تصطدم مع مباديء الثورة الحسينية بكونه منهجا للحرية الثائرة وخريطة طريق يتبعها الاحرار حصريا.

فهكذا تصطف مناهج الاحرار تلقائياً مهما اختلفت اديولوجيانهم في معسكر اسسه الحسين الثائر بالفطرة النقية وفي مسار واحد لم تنطفئ جذوته ويظل اساسه هو الدفاع عن حقوق الانسان ووقف الطغيان وقمع الاستبداد وبناء طريق الاصلاح.

فهي في الوقت نفسه حركة تلقائية مستمرة في مواجهة (اضدادها) اذ مازالت الثورة الحسينية تظهر لنا جليا وعبر التاريخ بان اصطفافا مضادا جامعا بالمقابل يلتحم فيه نُهاب الثروات والطغاة (مهما اختلفت مذاهبهم واديانهم) في معسكر مضاد منسجم يجمع الطغاة على مر التاريح ومهما زوقت اوجه استبدادهم بمظاهر التدين الزائف ،فهم الخصم التاريخي للثورة الحسينية مهما بلغ الزيف مداه.

ختاماً انها الثورة الدائمة ثورة الحسين عليه السلام ملهم الاحرار على مر التاريخ وفي معسكر جمعي عالمي واحد عنوانه مقارعة غلو دورة حياة الطغاة عبر ازمنة الشعوب وحرياتها.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق