q
حتى نحقق ما نصبو اليه من النصر على الباطل والظفر بالحق الذي خط طريقه الامام الحسين بدمه الشريف، ليسير عليه من بعده كل العاشقين والمتلهفين لواقعة كربلاء العظيمة وما جرى فيها من دروس وعبر خلدها التاريخ وجعلها رمزاً لا يتكرر، علينا ان نفهم وندرك واجبنا تجاه الامام الحسين...

في كل عام يتجدد اللقاء، لكنه لقاء لا يشبه ما سبق او ما سيأتي، كل خطوة فيه بألف معنى وألف حكاية، وكل دمعة سقطت فيه يسقط معها شهيد صبر من اجل الحق.

تمر فيه الأيام والساعات وهي عاجزة عن وصف التضحيات والبطولات وما مر فيها على ارض الطف من ألوان الايثار والدروس والعبر امام القسوة والجبروت والطغيان والجهل، في صولة ميزها التاريخ بين الحق والباطل.

اما صعوبات الطريق فهي -على قساوتها- تذوب امام عظمة التضحية وتفاصيلها، امام كبرياء الامام الحسين (عليه السلام) وهو يقول للطغات: "لا اعطي بيدي إعطاء الذليل، ولا افر فرار العبيد".

في كل عام تتجدد واقعة كربلاء في قلوب العاشقين، ويتصاعد غبار المعركة، وتلتقي السيوف والرايات، وهم يحثون السير نحو كربلاء ليجددوا العهد والوعد في الثبات على الحق امام الباطل.

لقد مثل الامام الحسين (عليه السلام) عنوان الحق والرفض للظلم والتسلط على الرعية، وقد واجهة بشجاعة الطغيان الاموي والانحراف الذي مثله (يزيد) ومن قبله ابيه (معاوية) بعد ان أفرغ تعاليم الدين الإسلامي من محتواها، وحول الدولة والخلافة الإسلامية الى ملك يتوارثه الأبناء من الإباء، وسعى في سبيل ذلك الى قتل معارضيه وإرهاب الناس وشراء الذمم والتعاون مع أعداء الإسلام في سبيل تحقيق أحلامه في السيطرة على الملك والتفرد في السلطة.

لقد عانى المعارضون لنهج الدولة الاموية الامرين، وقضى الكثير منهم حياته في التعذيب او السجون او الاغتيال، وتداعى الحال بالأمة الإسلامية الى ضياع الحقوق وغلبة الباطل، وقد ذكر الامام الحسين (عليه السلام) هذا الامر بقوله: "الا ترون ان الحق لا يعمل به، وان الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فأني لا أرى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما".

وقد لخص المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي اهداف الامام الحسين (عليه السلام) في الخروج يوم كربلاء بالآتي:

أولاً: فضح الحكومة الأموية واجتثاث جذورها، وذلك لأن الأمويين كانوا قد تمادوا في طغيانهم وجبروتهم نتيجة ما توفر عندهم من المال والسلاح والنفوذ والسلطان، فراحوا يفكرون بإنهاء الدين الإسلامي والقضاء عليه،

ثانياً: تصحيح الاعتقادات الدينية للمسلمين، فإن من مفاسد الأمويين الذي كان مورداً لاهتمامهم هو قيامهم بعرض صورة مشوهة من الإسلام والمعتقدات الدينية وذلك بغية إبعاد الناس من الخط الواقعي للإسلام والذي يمثله أهل البيت.

ثالثاً: تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلون سلوك الناس وأخلاقهم في ظل النظام الأموي بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار مما لا يتناسب مع الخلق الإسلامي والإنساني.

لو تمعنا جيداً في هذه الأهداف لوجدنا انها لا تقتصر على زمن حكم "الامويين" فقط، بل يتوسع مداها الى جميع الأزمنة التي يحكم فيها المستبدون، كما انها لا تقتصر على نصرة جهة دون أخرى، بمعنى نصرة المسلمين فحسب، بل تتعدى ذلك الى نصرة كل المجتمعات الإنسانية المظلومة، لان الظلم والاستبداد والطغيان والفساد مرفوض في تعاليم الاسلام وثقافة اهل البيت (عليهم السلام) من أي جهة صدر او أي جهة استهدف، وهذا الامر جزء لا يتجزأ من تعاليم الإسلام السمحاء في نصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالم.

لذلك فان الامام الحسين (عليه السلام) فتح الطريق للإصلاح والثورة ضد الطغاة، او كما عبر عنها السيد الشيرازي بقوله: "إن الإمام الحسين (عليه السلام) عبر نهضته المباركة دل الأجيال على الطريق وأوضح عن السبيل لعلاج مشاكل المجتمع والحصول على سعادة الدنيا وكرامة الآخرة".

وفي معرض الحديث عن العلاج للمشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي، بل والإنسانية جمعاء، وسبل علاجها والتي ضحى الامام الحسين (عليه السلام) بنفسه واهل بيته واصحابه من اجل تصحيح مساراتها الخاطئة، يرى الامام الشيرازي (رحمه الله) ان الحل في متناول اليد حتى يستردوا سؤددهم ويسترجعوا عزهم ويتخلصوا من مشاكلهم التي أحدقت بهم.

انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي التي انطلق منها الامام الحسين (عليه السلام) في التأسيس لثورته الخالدة، خصوصاً وان "الدين الإسلامي لم يكن خاصاً بأمة من الأمم، كما أنه لم يكن لفترة معينة من الزمن، بل هو لكل الأمم ولكل الأزمنة، وقد تكفل بوضع طرق العلاج لكل مشكلة يمكن لها أن تحدث في عصر من العصور، كما أنه تدارك حدوث المشكلات قبل تحققها بوضع الطرق الوقائية السليمة للحيلولة دون وقوعها".

ان العلاج هو الالتزام بتطبيق هذه الأمور الأربعة:

1 ـ الأمة الواحدة.

2 ـ الأخوة الإسلامية.

3 ـ الحريات.

4 ـ الشورى.

وحتى نحقق ما نصبو اليه من النصر على الباطل والظفر بالحق الذي خط طريقه الامام الحسين (عليه السلام) بدمه الشريف، ليسير عليه من بعده كل العاشقين والمتلهفين لواقعة كربلاء العظيمة وما جرى فيها من دروس وعبر خلدها التاريخ وجعلها رمزاً لا يتكرر، علينا ان نفهم وندرك واجبنا تجاه الامام الحسين (عليه السلام) في الحاضر والمستقبل حتى نحذو حذوه في طريق الحق؟

ان "واجبنا اليوم هو أن نتعرف على عظمة شخصية الإمام الحسين (عليه السلام)، وعلى أهداف نهضته المباركة وأن نسعى للعمل بكل قوانين الحياة التي أتى بها جده رسول الله (صلى الله عليه واله) وبينها أهل بيته (عليهم السلام) ورعاها هو بشهادته وسقاها بدمه الطاهر، ثم نعرض صورتها وصورة الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) بجمالها اللائق ونورها المتألق إلى العالم كله".

وهي رسالة عظيمة وتكليف كبير لا يستطيع حمله او التصدي اليه الا أصحاب الهمم العالية والنفوس الكبيرة التي اشتاقت الى طريق الامام الحسين (عليه السلام) وعشقت الشهادة في سبيل القيم والمبادئ التي ضحى من اجلها سيد الشهداء (عليه السلام)، وهكذا يكون الطريق في زيارة الأربعين التي يبذل في سبيلها العاشقين خطواتهم في طريق الحق.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق