بعد ان فشلت القوات العراقية، من استعادة تكريت، في اكثر من مواجهة مع تنظيم داعش، اطلقت الحكومة العراقية بقيادة رئيس الوزراء "حيدر العبادي"، حملة ضخمة لاستعادة تكريت والمناطق المهمة في محافظة صلاح الدين، خصوصا المدن الكبرى والاستراتيجية التي يتخذها التنظيم كمعاقل رئيسية له (والتي تقع اغلبها على جانبي نهر دجلة) في مواجهة القوات العراقية وقاعدة للهجوم على المناطق الاخرى والسيطرة عليها، سيما على المناطق المقدسة لدى المسلمين الشيعة في سامراء وبلد والدجيل، وقد كانت البداية مشجعة للقوات الامنية بعد ايام قليلة من انطلاق الحملة، مع تواتر الاخبار بنجاح الهجوم في استرداد عدة مناطق كانت خاضعة لسيطرة التنظيم، وباتت القوات (التي شملت قوات عراقية وقوات الحشد الشعبي ومتطوعين من العشائر السنية، اضافة الى قوات البشمركة، وتظم اكثر من 30 الف عنصر) على مشارف مدينة تكريت بعد ان سيطرت على معظم الاحياء القريبة منها.

ويرى خبراء ان هناك العديد من الدلالات وراء انطلاق حملة كبيرة لاستعادة محافظة صلاح الدين بالكامل الى الدولة العراقية، ومن هذه الدلالات:

1. تجربة عملية تمهد الارضية المناسبة لاختبار جهوزية القوات العراقية التي تستعد لخوض معركة الموصل، وقال الجنرال جايمس ماركس، إن "الحملة التي يخوضها الجيش العراقي في منطقة تكريت ضد التنظيم "داعش،" تعتبر تجربة للعمليات التي من المتوقع أن تقوم بها لتحرير الموصل، وتابع أن "الجيش العراقي ينسق مع القيادة المركزية الأمريكية للتأكد أنه وفي حال حدث شيء بطريقة مختلفة سيتم التعلم من هذا في العمليات الجارية حاليا في تكريت، ويمكن تعديلها وتطبيق خطط محدثة الحملة على الموصل"، وقد لا يقتصر معنى الجهوزية على الاسلحة والدعم اللوجستي ومستوى التدريب فقط، بل قد يعني ايضا طبيعة التعاون بين المقاتلين المشاركين في العملية، فالقوات الحكومية العراقية تقاتل الى جانب المتطوعين الشيعة والسنة، اضافة الى القوات الكردية (البشمركة)، وهي معادلة تحدث لأول مرة منذ سقوط النظام عام 2003، وفي حال نجاحها يمكن ان تنقل الى عمليات تحرير الموصل.

2. محافظة صلاح الدين من المحافظات الحيوية التي تحتاج الحكومة العراقية استعادتها قبل معركة الموصل لأسباب عديدة، بعضها يتعلق برمزيتها، والبعض الاخر يتعلق بالجانب العسكري كونها تضيق الخناق على التنظيم في محافظة الموصل وتسهل قطع طريق الامداد بينها بين المحافظات الاخرى التي يتواجد فيها التنظيم وبالأخص محافظة الانبار.

3. سبب اخر لتأمين العاصمة العراقية، بغداد، وحزامها الامني، الذي شهد انطلاق العديد من العمليات الانتحارية والهجمات المسلحة التي راح ضحيتها المئات من المدنيين والقوات الامنية، خصوصا بعد سيطرة التنظيم على مناطق واسعة من محافظة صلاح الدين في التاسع من حزيران الماضي.

4. كسر الجمود والتراخي الذي اصاب القوات الامنية والمتطوعين خلال الشهرين الماضيين، مقارنة بالأشهر التي سبقتها وتمكنت خلالها القوات الامنية المدعومة بالمتطوعين الشيعة "الحشد الشعبي" من استعادة مناطق مهمة من سيطرة التنظيم (معظم مناطق ديالى، جرف الصخر، حزام بغداد...الخ)، وايقاف تقدمة نحو وسط وجنوب العراق (بعد ان سيطر على مناطق واسعة في غرب وشمال العراق)، لكن خلال الاسابيع القليلة الماضية، عاود التنظيم نشاطه، وبادر في الهجوم، ما تطلب القيام بحملة امنية واسعة تكون محطتها الاولى تكريت.

5. تشتيت عناصر التنظيم في محافظة صلاح الدين والانبار، واشغالهم في اكثر من جبهة، سيما وان قيادة عمليات الجزيرة والبادية قد "أعلنت في محافظة الأنبار، غرب العراق، عن بدء عملية عسكرية كبيرة لاستعادة السيطرة على مناطق جبة وكبيسة في البغدادي التي تقع على مسافة 90 كيلومترا غرب الرمادي مركز محافظة الانبار ومنطقة "البو حياة" في حديثة التي تبعد بمسافة 140 كيلومترا غرب الرمادي"، مع الاخذ بعين الاعتبار ان كلا المحافظتين (الانبار وصلاح الدين) تجاوران الموصل التي يستولي عليها التنظيم بالكامل.

6. التنافس الاقليمي والدولي لم يختفي تماما من هذه العملية العسكرية، فمصادر عديدة اشارت الى مشاركة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني "قاسم سليماني" بصورة شخصية في عمليات تحرير تكريت، اضافة الى مشاركة قوات التحالف (من خلال الضربات الجوية والتنسيق مع مركز العمليات المشترك) في ذات الحملة، رغم نفي وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) لهذا الخبر، مؤكدا ان العملية تجري بجهود عراقية فقط.

ويبدو ان الحاجة الملحة الى بدء عملية تحرير الموصل مع قدوم الربيع، والتي وصلت الى حد الضغط الامريكي على الحكومة العراقية (وقد نفت الادارة الامريكية وجود ضغوط من هذا القبيل)، بتسريع وتيرة العمليات البرية، قد دفعت الحكومة العراقية الى اطلاق حملتها التمهيدية لاستعادة الاراضي التي تفصلها عن الموصل، وتضعف من قدرة التنظيم على المناورة والمراوغة لفتح جبهات اضافية اثناء انطلاق المعركة في الموصل، وفي حال نجاح القوات الامنية من استعادة السيطرة على المناطق الرئيسية في صلاح الدين والانبار، ستكون الخطوة القادمة نحو استعادة الموصل وطر عناصر التنظيم منها نحو الاراضي السورية.

اضف تعليق