يعتبر التغيير من المرتكزات الأساسية الحاكمة للحركة (الدول والشعوب)، والتي تفرض الكثير من التحديات التي تتطلب إمتلاك القدرات الذاتية والموضوعية للتكيف معها بصورة إيجابية، وفي ذات الوقت تطوير ذات القدرات لكي تكون داعمة لتوسيع فاعلية التأثير في فضاءات السياسة الدولية المتعدد بكل سلبياتها وإيجابياتها.

ولكي يتحقق ذلك يجب أن لا تكون الدولة خارج حركة تاريخ السياسة الدولية، وإذا كانت هذه القاعدة -أي قاعدة التغيير- هي الحاكمة للحركة السياسة الدولية عبر العصور، فإنها اليوم تطرح ذات التحدي على الدول والشعوب في إمتلاك قدرات التكيف من جهة ومن جهة تطوير القدرات الفاعلية.

ولكن الجديد في هذا العصر هو السرعة التي يتميز بها التغيير حيث لم يعد التغيير بطيء أو محدود الجانب أو المدى، وانما تميز هذا التغيير بسرعة كبيرة التي وفرتها له الثورة في مجال المعلومات والإتصال، بالإضافة إلى حجم التأثير الكبير حيث لم يعد تأثيره محلياً وانما أصبح تأثيره عالمي يشمل جميع الدول والشعوب في العالم.

إلى جانب ما يحمله من خطورة كبيرة على حاضر ومستقبل الشعوب التي وجدت نفسها عرضة لمنطق الفناء والتدمير الكبير، إضافة إلى عدم إمتلاك قدرات وإمكانيات إعادة البناء، ولا تفوتنا الإشارة إلى تعدد الفواعل المسؤولة عنه فلم تعد الدولة هي الوحيدة في حدوثه، وانما ظهرت العديد من الفواعل التي أخذت تشارك الدول في ذلك، لا بل البعض منها تجاوز الدول في ذلك.

في ظل هذه البيئة السياسية الدولية المتغيرة والخطرة، أصبحت الدول وبالأخص الضعيفة أمام خطر الحفاظ على وجودها ككيانات سياسية، والعراق واحد من تلك الدول التي وجدت نفسها في مرحلة تاريخية تتسم بالتسارع، حيث فرض التغير والتغيير عليه تحدي الحفاظ على وجوده السياسي في بيئة دولية جعلت من منطقة الشرق الأوسط فضاءات لحسم صراعاتها في إعادة تشكيل النظام الدولي، مما يفرض عليه تحدي تطوير إمكانيات التكيف لديه إلى جانب إمكانيات الفاعلية من خلال تطوير فاعليته السياسية على صعيد السياسة الدولية.

في إطار هذا المشهد القلق وغير المستقر للبيئة السياسية الدولية التي تحيط بالعراق وتفرض تحدياتها العديدة على جميع دول العالم بمستويات مختلفة تبعاً لإمكانيات الدول وفاعليتها في السياسة الدولية، يجد العراق نفسه في وسط بيئة الشرق أوسطية المضطربة والتي تشهد عملية تفكيك كبيرة وعنيفة توظف فيها مختلف الوسائل الشرعية وغير الشرعية ومنها الإرهاب، مما يفرض على دولها تحديات كبيرة تصل إلى تحدي الوجود.

لكن مع ذلك يمكن لدول المنطقة وشعوبها إذا ما أدركت ما يجري من حولها من تحول بوعي سياسي كبير يمكنها التقليل من آثار ذلك عليها لا بل يمكنها أن توظف هذه المرحلة إلى صالحها.

ويمكن للعراق بالرغم من كل عوامل الضعف التي تعتريه وبالأخص بعد تجربة المواجهة مع وسائل الإرهاب العنيفة المتمثلة بالفكر والسلوك المتطرف للقاعدة وداعش أن ينتقل من التكيف بالمواجهة إلى التكيف بالمحافظة على النصر والإنتقال به إلى مرحلة أعلى أمنياً ومجتمعياً بالشكل الذي يزيد من مناعته في مواجهة الإرهاب، إلى جانب الإنتقال بالنصر من نصر محلي إلى نصر دولي، وذلك بتعزيز الخطاب الإعلامي العراقي ليكون خطاب عالمي يعرض دور وأهمية العراق في مواجهة خطر الإرهاب الذي يهدد العالم.

ويجب عدم الإكتفاء بذلك، بل توظيف ذلك في تعزيز دور العراق في المنظمات والمحافل الدولية كفاعل دولي مهم في مواجهة خطر الإرهاب.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2017Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق