اذا كان من الثابت ان الناس وُلدوا احرارا كما يصرح الدستور الامريكي، فكيف نبرر اللامساواة التي نراها في عالم اليوم؟ هذا السؤال اصاب الفلاسفة بالدوار منذ وقت طويل، غير انه استقطب اهتمام المنظّرين السياسيين فقط في الأربعين سنة الماضية. المزيد من الجهد بُذل في محاولة ايجاد فهم مبرر وواضح لمفهوم المساواة – ليس فقط فيما يتعلق بالتوزيع العادل للرفاهية او الفائض الاجتماعي من موارد وثروات وحقوق وحريات وفرص، وانما ايضا في مسألة التعامل مع الناس كافراد متساوين.

المساواة المطلقة او الصارمة

حاليا يدعو عدد قليل من الفلاسفة الى ما يسمى بـ "المساواة الصارمة"، التي يستلم فيها كل شخص بالضبط نفس الموارد والحريات والفرص والحقوق. وعلى الرغم مما يبدو من المقبول بداهة ان أعدل طريقة هي في توزيع الأشياء على الناس بحصص متساوية، لكن هذه الفكرة تفشل في عدة وجوه:

1- نحن نحتاج لمؤشر كاف لقياس المساواة في السلع والخدمات المطلوب توزيعها، وفق أي مفهوم يجب فهم المساواة واللامساواة؟ من الواضح ان المساواة في السلع المادية تقود الى قناعات غير متساوية.

2- لكي نصل الى نموذج من التوزيع المتساوي المرغوب لابد من تحديد النطاق الزمني لذلك. فهل مطلوب منا ايجاد مساواة في السلع عبر كامل حياة الفرد ام اننا نسعى لضمان المساواة اثناء فترات جزئية من حياته؟

3- المساواة تعرقل الحوافز في مجال الاقتصاد فتخلق عدم فاعلية بسبب الهدر الحاصل في الاصول نتيجة لتكاليف الاجراءات، لذا فان المساواة والفاعلية بحاجة لعلاقة متوازنة.

4- المعارضة الاخلاقية: التوزيع الصارم بين الافراد لايأخذ في الاعتبار الاختلافات بين الناس في مختلف المواقف. طالما يرغب الافراد اشياء مختلفة فلماذا يجب ان يستلم كل فرد نفس الكمية؟

5- هناك خطر في ان المساواة الصارمة تقود الى النمطية الواحدة بدلا من احترام التعددية والديمقراطية.

ان التوزيع المتساوي للكرسي المتحرك مثلا، هو اما يتجاهل الحاجات (عندما لاتُوزّع اي من الكراسي المتحركة) او ان التوزيع يخلق هدرا في الموارد (حينما توزع الكثير من الكراسي المتحركة)، او انه يعطي الناس ما لا يستحقونه ولا يحتاجونه (عندما يستلم كل شخص كرسيا واحدا).

وبسبب هذه المشكلة، يميل منظّرو السياسة المعاصرين للدفاع عن مختلف صيغ المساواة، التي فيها توزع بعض الاشياء بلاعدالة ومع ذلك تُعتبر كامل المحصلة او العملية عادلة. عندما يبرر هؤلاء المنظرين اللامساواة فهم يعتمدون على اساس اختلاف الحاجات او على اساس ان الناس يستحقون اشياء مختلفة (وهو اساس ينطوي بدوره على اعتبارات المسؤولية والاختيار)، او وفقا للرفاهية او الحقوق. النظر الى هذه العوامل بطرق مختلفة يؤدي الى محصلات مختلفة. فمثلا، قوة اطروحة "المساواة في الحظ" التي سنناقشها توا تفيد بان هناك اشياء يستحقها الناس بالفعل وهذه الاشياء احيانا غير متساوية، حتى السيئة منها.

من جهة اخرى، يبدو نقد اليزابيث اندرسون (استاذ الفلسفة في جامعة مشيغان) للمساواة في الحظ قويا: اذا كانت المساواة في الحظ تعني ترك الناس يموتون على جانب الطريق، فهذا لا يحترم حاجاتهم الاساسية. ايّ تفسير مبرر للمساواة لابد ان يقبل على الاقل ببعض هذه الادّعاءات المختلفة.

بما اننا لسنا مهتمين بتوزيع ذو مساواة تامة للموارد والحقوق والحريات والفرص، ولازلنا نهتم بالمساواة فما الشيء الذي نريد ان نحقق فيه تلك المساواة؟ هناك خمسة خيارات رئيسية: رفاهية متساوية (او منفعة او سعادة)، توزيع متساوي للموارد الذي يعترف بالخيار والمسؤولية، اشباع متساوي لحاجات اي فرد، احترام متساوي للحقوق، والمساواة في الفرص.

المساواة في المنفعة

لنبدأ اذاً بالنظر في السؤال حول ما اذا كان ينبغي علينا محاولة مساواة الرفاهية او المنفعة. الادّعاء يسير على الشكل التالي: اذا كان الناس متساوين اخلاقيا، عندئذ فهم يستحقون رفاهية متساوية. هذا الادّعاء يعني ان الموارد ستوزع في النهاية بشكل غير متساوي: اذا كان زيد يعاني من قصر النظر فهو يجب ان يحصل على نظارات، بينما حارث الذي يتمتع برؤية 20 الى 20 لن يحصل على نظارة لانه ليس بحاجة لها.

لهذا يحصل حارث على القليل من الموارد، لكن هذا شيء عادل لأن زيد يحتاج نظارة لتحقيق نفس المنفعة التي يحققها حارث بدونها. بديهيا هذه السياسة قد تبدو مرغوبة لكن فيها بعض المشاكل. اولا، ليس من الواضح كيفية قياس المنفعة او الرفاهية – اي، كيف يمكننا مقارنة سعادة زيد بسعادة او رفاهية حارث؟ السعادة هي ذاتية: فقط الشخص الذي يشعر في السعادة يستطيع التأكيد بانه سعيد. السعادة هي ايضا داخلية، لذا من الصعب او من المستحيل معرفة التجربة الداخلية لشخص آخر، كذلك من المستحيل معرفة اننا جميعا نشعر بنفس الاحساس عندما نقول نحن سعداء (هذا يشبه اختلاف الاحساس باللون الازرق لدى كل شخص حتى لو كان يستخدم نفس الكلمة). من الصعب جدا الوصول الى قياس موضوعي ومستقل للسعادة لكي نكون قادرين على مقارنة رفاهية او منفعة الناس – انها كمقارنة التفاح مع البرتقال.

هذه المشكلة يمكن مواجهتها بعدة طرق. ربما ابسطها هو مجرد تجاهلها والقول ان مساواة الرفاهية هي احسن طريقة لتحقيق المساواة بصرف النظر عن هذه المشاكل الفلسفية المجردة. او نحاول تقديم تفسير موضوعي عام للرفاهية الانسانية ربما يرتكز على الحاجات. غير ان رونالد دوكن Ronald Dworkin الامريكي المتخصص بفلسفة القانون يصر بانه حتى لو استطعنا التغلب على مشكلة القياس فهناك مشاكل اخرى لمساواة الرفاهية وهو ما يعني اننا يجب ان نتخلى عنها. دوكن في اشهر جدال له ضد مساواة الرفاهية يسميه مشكلة الاذواق الثمينة. لنفرض ان شارلس يحصل على عشر وحدات من المنفعة من شرب الخمر الثمين وتناول بيض الزقزوق بينما كل شخص اخر يحصل على عشر وحدات من المنفعة من شرب عصير البرتقال وتناول الخبز الاسمر. اذا كنا نساوي المنفعة فهي تتطلب اننا يجب ان نعطي شارلس الخمر المعتق مع ذلك النوع من البيض، لكن هذا يبدو غير عادل لأن كل من الخمر المعتق وبيض الزقزوق هما في الواقع اشياء ثمينة، لذا يتوجب علينا اخذ الموارد من اناس اخرين لكي نشبع حاجات شارلس. او ربما يتحتم علينا اعطاء موارد اخرى الى شارلس كأن تكون سيارة فيراري لكونه لا يستطيع الحصول على ذلك النوع من الخمر والبيض. لكن اي من هاتين المحصلتين غير عادلة. انها تبدو معاكسة للبداهة. لماذا يستحق شارلس المزيد من الموارد فقط لأن ذوقه يتطلب الكثير لاشباعه؟ لهذا، فان مساواة الرفاهية هي غير عادلة حسب دوكن.

الآن قد يرى البعض انه من الملائم ان يحصل شارلس على موارد اضافية، غير ان دوكن يعتقد بداهة ان هذا الموقف غير ملائم. لأن المثال الذي استُخدم لإشباع الحاجات من الخمر والبيض المتميز لا يمثل حاجات ضرورية لمعظم الناس. فالمنفعة التي يوجدها ذلك الخمر مع البيض لشارلس لا تبرر اخذ المزيد من الموارد من الناس الآخرين.

السؤال هو هل ان مشكلة الاذواق الثمينة تبدو اقل اشكالية لو غيّرنا المثال اعلاه؟ لو عدنا الى المثال الاول حين وجدنا من العدالة اعطاء زيد نظارة وعدم منحها لحارث. الجواب هنا هو ان الحاجات والاذواق شيئان مختلفان، الحاجات موضوعية وضرورية بينما الاذواق ذاتية وليست ضرورية لبقاءنا. لهذا يمكننا دفع كلفة الدواء الثمين او كلفة الكرسي المتحرك لستيفن هوبكنز(عالم الفيزياء المعاق) باعتبار ان هذه حاجات، لكننا لا يجب ان نعطي شارلس الخمر المعتق وبيض الزقزوق لأن هذه مجرد اذواق.

الحظ القدري والحظ الاختياري

لو تركنا هذه المشكلة جانبا فسنصل الى حل مختلف لمشكلة توزيع المنفعة وذلك عبر التمييز بين ما يعرف بـ "الحظ القدري" brute luck و"الحظ الاختياري" option luck. الحظ القدري هو الاسم الذي اعطي للاشياء غير المختارة مثل الولادة مع العمى فهو حظ قدري وكذلك الجمال، اما الحظ الاختياري يُنسب الى المواقف الاختيارية. نحن يجب ان نساوي المنفعة عندما تأتي اللامساواة من شيء خارج سيطرة الفرد او نتاج الحظ القدري، لكننا لا نحتاج لذلك عندما تكون نتيجة لإختياره. بهذه الطريقة، يعتقد بعض الفلاسفة ان المشكلة هي فقط في الاذواق الثمينة المختارة. اي، اذا كان شارلس يمتلك ذوقا مفروضا وغير اختياري تجاه الخمر والبيض (حظ قدري في امتلاك هذا الذوق) فيجب ان نعوضه. ولكن في الحقيقة لا احد ولد بذوق لهذه الاشياء او ربما القليل جدا من الناس لديهم مثل هذه الاذواق. لذا اذا كان شارلس غرس في نفسه هذا الذوق(الاختياري) فنحن لا نحتاج لتعويضه.

المساواة في توزيع الموارد

بعد ان ينتقل دوكن بعيدا عن المساواة في الرفاهية، يطرح اقتراح وهو اننا بدلا من ذلك يجب ان نساوي بين الموارد، ليس بالطريقة المعروفة في إعطاء كل شيء بالتساوي وانما ننجز المساواة بطريقة معقدة. يريد دوكن من الناس البدء بموارد متساوية، وعندما تبرز لامساواة لاحقا فذلك بسبب مزاياهم واختياراتهم الشخصية. هو يعتقد بان الكثير من اللامساواة الحالية هي غير عادلة لانها ليست نتاج الاختيار وانما نتاج لحظوظ الحياة غير المتساوية، اذا بدا ان كل واحد من المشاركين في سباق الخيل بدأ بشكل عادل، فان اي لامساواة اخرى تبرز نتيجة لخيار الحظ ستكون مبررة.

لكي ينجح هذا الاقتراح يقترح دوكن ايجاد سوق تأمين نظري. (الفكرة مدينة لتجربة الموقف الاصلي لجون رولس في نظرية العدالة). لو افترضنا اننا لدينا معرفة بما سيكون عليه المستقبل او عن جنسنا او ماهية مواهبنا وصحتنا ومكوناتنا الوراثية وديننا وغير ذلك – فما هو التأمين الذي نشتريه نحن كأفراد عقلانيين للحماية ضد الاشياء السيئة؟يرى دوكن اننا نستطيع حساب ذلك، واذا حدثت الاشياء السيئة للناس الذين اشتروا تأمين ضدها يمكننا تعويضهم، والاّ سنسمح ببروز اللامساواة. هذا الموقف يعوض عن الحظ السيء الذي لا نستحقه كما لو ( ولدنا عميان)، لكنه لا يعوض عن الحظ السيء الذي نستحقه فعلا (الخسران في السباق).

يعتقد دوكن ان ذلك سيلبّي ايضا الحاجات الاساسية للناس لأن الافراد العقلانيين سوف يشترون تأمينا دائما ضد عدم تلبية حاجاتهم الاساسية. كذلك، هذا الاجراء يحترم خيارات الناس ويعاملهم كافراد مسؤولين، لذا يعتقد دوكن انه بالفعل يؤدي مهمة جيدة في احترام حقوق الناس ومنحهم فرصا متساوية. يرى دوكن لو كان لدى زكي قليل من الدخل (رغم تلبية جميع حاجاته الاساسية)، لكنه ينفق الكثير من الوقت لبلوغ طموحه كشاعر، بينما صلاح يعمل ساعات طويلة مقابل اجور عالية نسبيا بسبب رغبته بجمع النقود والحصول على التقاعد مبكرا، فذلك جيد لكلاهما طالما اسلوب حياتهما هو ما يختاره كل منهما.

الفريق المعارض

تسعى اليزابيث اندرسون وبقوة لتبيّن لماذا مساواة دوكن في الموارد ليست هي الفكرة الصحيحة رغم انها بديهيا تبدو كذلك. فمثلا اندرسون تقول من الواضح انه ليس من العدالة ترك الناس يموتون بعد حادث سيارة مروع فقط لأنهم ليس لديهم تأمين. يجيب دوكن بانه طالما التأمين على نفسك ضد الحوادث هو عمل يقوم به الفرد العقلاني من منظور نظري، فنحن يجب ان لا نترك الناس يموتون من الحوادث في العالم الواقعي. يدعو دوكن لتعويض الناس لأنهم "اذا كانوا يتصرفون عقلانيا" فسوف يتخذون قرارا ينتهي بمحصلة "افضل" من المحصلة حين يتخذون القرار فعليا. لكن هذا هو مجرد نوع من الأبوية paternalism – اي انت تختار لشخص ما لأنك تعتقد انك تعمل خيارات افضل لرفاهيته – وان اخلاق دوكن في معاملة الناس باهتمام واحترام متساوي هو افتراضا ضد الأبوية.

في الحقيقة، ان السائق الجريح اثناء الحادث يجب ان ينال علاجا طبيا منقذا للحياة ليس بسب انه كان يمكن ان يشتري تأمينا لو كان عقلانيا، وانما لأنه انسان، والعدالة تتطلب ان لا نترك انسانا يموت اذا كان باستطاعتنا عمل شيء لانقاذه. نفس الشيء ينطبق على امثلة اندرسون الاخرى. رجل الاطفاء الجريح يستحق تعويضا ليس بسبب انه يمكن ان يكون اكثر عقلانية او اقل شجاعة لو انه اشترى تأمينا لنفسه او لم يقم بالاطفاء، وانما بسبب انه قام بمهمة حيوية واصيب اثناء العمل. وبالمثل، هل نشتري تأمينا لأنفسنا ضد كوننا "ام" لو كنا عقلانيين وفي موقف فيه لا نعرف من سنكون؟ انه يبدو صحيح بانه في عدة مجتمعات معاصرة تُعتبر الامومة خيارا خطيرا ومكلفا يترك المرأة في وضع هش وحساس – ولكن هل من اللاعقلانية للمرأة اختيار ان تكون ام؟ هل تحتاج الى تعويض؟ ام اننا من الافضل تغيير تلك المجتمعات التي تكون فيها الامومة خطيرة ومكلفة؟ لكل تلك الاسباب، سوف لا نرغب الاستخدام النظري لسوق التأمين لدوكن.

تعتقد اندرسون ايضا بان تعويض الناس لأشياء اشتروا تأمين لأنفسهم ضدها كونهم عقلانيين لا ينجح في معاملة الناس باحترام (اخلاق دوكن كلها تدور حول اهتمام واحترام متساوي). هذا لأنه على الرغم من ان كثير من الناس ربما يعتقدون من العقلاني تامين أنفسهم ضد الصمم. لكن العديد من الافراد الصم يرفضون بشدة فكرة حاجتهم للتعويض. في ضوء فوائد الجمال والطول الأخاذ (طبقا للبحوث، الناس الجذابون هم اكثر احتمالا في الحصول على وظيفة جيدة وتعامل جيد ويجدون اناس لطفاء معهم)، الافراد العقلانيين الذين لا يعرفون منْ هم، ربما يشترون تأمينا ضد كونهم مجرد افراد عاديين. ولكن اذا كانت غالبية الناس يحصلون على "تعويض القبح" فهل هذا يعد تعاملا معنا باحترام؟

احد الاجوبة هو ان لا نقبل تمييز دوكن بين الحظ القدري والحظ الاختياري. ربما لا نعتقد ان الناس حقا مسؤولون عن خياراتهم بالطريقة التي يعتقد بها دوكن، واذا كان الامر خلاف ذلك، سوف لا نوافق على التمييز بين الحظ القدري والحظ الاختياري. اما الخيار الآخر، ربما نعتقد بوجود اختلاف بين هذين النوعين من الحظ لكنه من الصعب تأكيد الاختلاف على ارض الواقع.

انواع اخرى من المساواة

اذا كنا نقبل بالتمييز بين الحظ القدري والحظ الاختياري، فهناك مخاطرة مما يمليه هذا التمييز من ترك الناس يموتون على قارعة الطريق نتيجة للحوادث بسبب حظهم الاختياري. في هذه الحالة ربما نكون من الداعين الى مفهوم الكفائية sufficientarianism– القائل بضرورة ضمان بقاء الناس فوق مستوى معين، يتم فيه اشباع حاجاتهم ولكن فقط بعد ذلك المستوى يميلون للنزول الى خياراتهم وافضلياتهم وحظهم الاختياري.غير ان هذا الاتجاه ايضا واجه بعض المشاكل تمنع اعتماده كنظرية متكاملة.

المساواة في الحقوق والفرص

بعد ان نظرنا في الطرق الثلاث لفهم المساواة (الرفاهية، الموارد، وتلبية الحاجات)، يبقى لابد من قول شيء ما عن المساواة في الحقوق والفرص. ادراك المساواة كاحترام متساوي للحقوق امر يسْهل التعامل معه. المنظّر روبرت نوزك Robert Nozick، يرى ان العدالة هي فقط الاحترام الملائم للحقوق، ولذا فان جميع حقوق الناس يجب ان تكون محترمة بالتساوي. هذا حسب زعمه يستبعد اي نوع من توزيع الموارد بعيدا عما جرى الاتفاق عليه طوعا بين الافراد.

هنا نشير الى بعض النقاط:

1- نوزك يعارض كل اشكال الضرائب والتي يراها قسرية كونها تنتهك حقوق الافراد في السيادة.

2- هو يتخلى عن الكثير من الالتزامات الاخلاقية: لو انت مثلا اضطررت الى مساعدة رجل كبير السن في عبور الشارع، فهو سيجعلك عبدا له. الناس الآخرون اصرّوا بان مساواة الحقوق هي كافية لتكون مساواة ذات معنى، لكننا قد لا نرى هذه المساواة الشكلية كافية لو كان لدى كل شخص نفس الحقوق، حيث ان عدد معين من الناس سيُقتلون لو حاولوا ممارسة هذه المساواة، لا نرى هنا تجسيدا للمساواة حتى لو ان كل شخص في هذا الموقف هو حقا متساوي امام القانون.

واخيرا هناك فكرة المساواة في الفرص. وهي كما يبدو خيارا سهلا وحلا مرحب به لكل التعقيدات المصاحبة للمساواة في الرفاهية والموارد والحاجات، لكنه ايضا ليس بالسهولة التي يبدو عليها لأول وهلة. تقريبا، ادراك المساواة الحقيقية في الفرص يستلزم التعامل الجيد مع توزيع الموارد والامتيازات بالاضافة الى بعض التغيرات الراديكالية في بناء المجتمع بما فيه ما نراه من انتهاك واسع للخصوصية. فمثلا اذا اردنا فرصا متساوية هل يجب على كل الاطفال الحصول على نفس التعليم بصرف النظر عن قابلياتهم؟ كون الاطفال الذين قرأوا في عمر الشباب حققوا نجاحا كبيرا في التعليم اللاحق، وفي ضوء التأثير غير المباشر لذلك، هل يجب علينا اجبار كل الوالدين على القراءة لأطفالهم، او منع كل اب من القيام بهذا حتى يقوم به كل طفل بمفرده؟

في النهاية يبدو من السهل القول ان كل شخص هو متساوي اخلاقيا، ولكن من الصعب جدا القول ما تعنيه تلك المساواة في التطبيق. من الواضح ان الحاجات يجب ان تُلبّى (مالم يكن هناك قرارا بحرمان البعض من تلك الحقوق)، ولكن ما وراء هذه النقطة هناك ارتباط وشبكة معقدة من العوامل تتطلب ان نبدي بعض الاحترام للاختيار والمسؤولية والحقوق الاساسية والتعامل مع الناس باحترام متساوي.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق