الإستفتاء الدستوري الذي منحه الفوز بنسبة ضئيلة جداَ من الأصوات، ومن جهة حزب الحركة القومية فإن التحالف مع اردوغان مفيد له، فهو يأمل في الحفاظ على الدعم الشعبي الذي حققه الحزب في الإنتخابات التشريعية السابقة، ومن ثم فإن إقامة الإنتخابات المبكرة تخدم أهداف الحركة بقيادة...

ستشهد تركيا في 24 حزيران القادم، إنتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل عام ونصف من موعدها المقرر في تشرين الثاني عام 2019، وستمكن تلك الإنتخابات القادمة من تفعيل تحول تركيا من نظامها البرلماني إلى النظام الرئاسي، إذ يتمتع الرئيس فيه بصلاحيات تنفيذية كاسحة، ولقد تم إجراء استفتاء حول ذلك التحول في نيسان عام 2017 وكانت نسبة المؤيدين للنظام الرئاسي 51،4% ، ومع ذلك الفارق الطفيف لصالح إقامة النظام الجمهوري تشكل الإنتخابات القادمة فرصة لتحقيق هدف أردوغان بالنظام الرئاسي ذو السلطات الواسعة.

وسيتم في هذه الورقة البحثية التعرف على أبعاد تلك الدعوة لإجراء الإنتخابات المبكرة قبل موعدها المقرر في تشرين الثاني عام 2019.

من المقرر أن يخوض كل من حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان، وحزب الحركة القومية اليميني المتشدد برئاسة دولت بهتشلي، الإنتخابات القادمة بتحالف إنتخابي رسمي، بعد سماح البرلمان التركي لعقد تلك التحالفات الحزبية، وكانت بدايات التقارب بين الحزبين تعود إلى ما بعد محاولة الإنقلاب العسكري الفاشل على اردوغان في صيف 2016 وقُوي التحالف بينهما، عندما صوت أعضاء حزب الحركة القومية لصالح التعديلات الدستورية المقترحة من قبل حزب العدالة والتنمية في نيسان 2017.

ولم تكن دعوة حزب الحركة القومية لإقامة إنتخابات مبكرة هي الأولى له، بل كان الحزب القومي وراء كل الإنتخابات المبكرة منذ ثمانينات القرن الماضي، بل كان وراء إنتخابات عام 2002 التي فاز بها حزب العدالة والتنمية الحاكم لغاية الآن، ومع إختلاف دوافع كل من الحزبين لعقد التحالف الإنتخابي بينهما، فحزب العدالة والتنمية يخوض الإنتخابات المقبلة مع حزب ذات توجهات قومية ما قد يترك أثراَ كبيراَ على القاعدة الإسلامية للحزب الحاكم، كذلك على الأحزاب الكُردية التي صوتت لحزب العدالة والتنمية خلال الفترة الماضية من حكم الحزب للدولة، بينما أثر التأييد للإصلاحات الدستورية من قبل حزب الحركة القومية على تماسكها الداخلي، فحدث الإنشقاق بخروج ميرال اكشنر من صفوفها وتشكيلها لحزب الخير.

ومع ذلك، يمكن أن يكون التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية مفيداَ، فبالنسبة لحزب العدالة والتنمية فأن إجراء الإنتخابات المبكرة تمكنه من الحصول على أصوات القوميين ومن ثم تجاوز عتبة الخمسين بالمئة من الأصوات التي تؤهله للفوز من الجولة الأولى من إجراؤها، إذ يخشى اردوغان من إحتمالية عدم فوزه لوجود منافسين له -كما سنرى لاحقاَ- وهذا يعد مؤشر لتراجع شعبيته في صفوف الأتراك.

ويمكن التدليل على ذلك الأمر في الإستفتاء الدستوري الذي منحه الفوز بنسبة ضئيلة جداَ من الأصوات، ومن جهة حزب الحركة القومية فإن التحالف مع اردوغان مفيد له، فهو يأمل في الحفاظ على الدعم الشعبي الذي حققه الحزب في الإنتخابات التشريعية السابقة، ومن ثم فإن إقامة الإنتخابات المبكرة تخدم أهداف الحركة بقيادة زعيمها العجوز، إذ كما هو معلوم بأن الحركة قد وقع الإنشقاق فيها بعد تأييد الاصلاحات الدستورية التي دعا اليها اردوغان، وأدى ذلك إلى تشكيل منافس جديد لبهتشلي عبر ولادة حزب الخير بقيادة ميرال اكشنر وهي سياسية قومية من يمين الوسط، وانفصلت اكشنر عن الحركة القومية بعد تأييد الإستفتاء على تحويل النظام إلى رئاسي في نيسان 2017، ولم تكتفي اكشنر بذلك فقط، بل عملت على إستقطاب كوادر وقيادات الحركة القومية لحزبها الجديد وبالتالي أثارت مخاوف بهتشلي من عدم إمكانية تجاوز حاجز 10% من الأصوات المؤهلة لتمثيل أي حزب في البرلمان التركي وهي عتبة إنتخابية عالية، ولذا وجد بهتشلي بأن التحالف مع اردوغان هو الطريق الأنسب لضمان الدخول لبوابة البرلمان بعدد من المقاعد النيابية بغض النظر عن عدد الأصوات التي سيحققها في الإنتخابات المقبلة.

وترجع دعوة بهتشلي لإجراء الإنتخابات المبكرة إلى ما وصفه بمواجهة التحديات الإقليمية الكبرى، وإن مساحة عدم اليقين تحيط بالحياة السياسية التركية لا تخدم المصالح القومية لتركيا وهذا ما يدعو إلى إزالة اللبس في مراكز صنع القرار، بينما أنطلق اردوغان في رؤيته لإجراء إنتخابات مبكرة من الوضع الإقتصادي الذي تشهده تركيا حالياَ، إذ حققت تركيا في عام 2017 معدل نمو إقتصادي بلغ 7،4% وهي النسبة الأعلى ضمن مجموعة الدول العشرين الأكبر إقتصاداَ في العالم، مع إنخفاض في معدلات البطالة هذا من جانب، ومن الناحية الأخرى، فإن دعوة اردوغان لإنتخابات مبكرة تعود إلى استثمار المكاسب السياسية التي حصلت بعد إطلاق عملية عفرين التي وفرت مزيداَ من الحشد القومي لاردوغان والتفاف الشعب التركي خلف الحكومة، وبالتالي يخشى اردوغان من تبديد تلك المشاعر الجماهيرية خلال الأشهر المقبلة ومن ثم خسارة الحزب لمكسب سياسي مهم.

وكان الرئيس اردوغان قد عمل على تحييد أبرز المنافسين له، وهما ميرال اكشنر وصلاح الدين ديمرطاش، ففيما يخص السيدة ميرال اكشنر زعيمة حزب الخير فقد إنفصلت عن حزب الحركة القومية بقيادة بهتشلي على خلفية تأييد الإستفتاء في نيسان 2017 كما مر ذكره انفاَ، وبموجب القانون الإنتخابي التركي يجب على الحزب السياسي عقد مؤتمر للحزب قبل ستة أشهر من إجراء الإنتخابات، وبما إن البرلمان التركي قد حسم هذه النقطة بإعلانه أقامتها في 24 حزيران القادم، فإن ذلك يعني حرمان حزب الخير من إمكانية الاستعداد لها، ومن ثم لم يترك اردوغان لميرال اكشنر المجال الكافي للبدء بحملة إنتخابية وتحويل حزبها الجديد إلى قوة معارضة ضد طموحات اردوغان.

أما المنافس الثاني لاردوغان فهو صلاح الدين ديمرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، نجح في إنتخابات حزيران عام 2015 من تخطي العتبة البرلمانية وبذلك أصبح أول حزب موال للأكراد يدخل البرلمان، ومع تجدد القتال بين الجيش التركي وعناصر حزب العمال الكُردستاني لم يبعد ديمرطاش نفسه عن حزب العمال الكُردستاني، وفي تشرين الثاني عام 2016 تم اعتقاله لعدم مثوله أمام المحكمة للإدلاء بشهادته فيما يخص علاقته بحزب العمال، وسجن على أثرها مع ثمانية نواب منتمين للحزب وطرد (11) نائباَ منهم من عضوية البرلمان.

إذا –بحسب المعطيات- نعتقد بإمكانية فوز مريح لحزب العدالة والتنمية وهيمنته على المقاعد البرلمانية في الإنتخابات التشريعية المبكرة مع فوز الرئيس اردوغان بالرئاسة لمدة ثانية، وهي الأولى بعد تحول النظام من برلماني إلى رئاسي وبصلاحيات تنفيذية كبيرة، وبذلك ستكون الكلمة الفصل للرئيس التركي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق