الحالة التي وصلت إليها العلاقات الثنائية بين البلدين كانت بسبب توافر عدد من العوامل التي أثرت في طبيعتها وديمومتها، ومن بين تلك العوامل هي حرب اليمن، إذ سارعت المغرب إلى تأييد عاصفة الحزم بقيادة السعودية وتشكيل التحالف الإسلامي ومنذ اليوم الأول لإنطلاق العمليات العسكرية وإعادة...

لم يكن مستغرباَ إعلان قطع العلاقات المغربية-الإيرانية في الأوساط السياسية، إذ سبق للمملكة المغربية أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في 6 آذار 2014 على أثر التهديدات الإيرانية لسيادة البحرين في حينها، ولم تُستأنف تلك العلاقات مرة أخرى إلا في عام 2016.

ويمكن القول، بأن الحالة التي وصلت إليها العلاقات الثنائية بين البلدين كانت بسبب توافر عدد من العوامل التي أثرت في طبيعتها وديمومتها، ومن بين تلك العوامل هي حرب اليمن، إذ سارعت المغرب إلى تأييد عاصفة الحزم بقيادة السعودية وتشكيل التحالف الإسلامي ومنذ اليوم الأول لإنطلاق العمليات العسكرية وإعادة الشرعية إلى اليمن بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، ويمكن عد الموقف المغربي المؤيد للحملة السعودية بسبب تنامي العلاقات المغربية-الخليجية بصورة عامة، فالدول الخليجية تتهم إيران دوماً بالسعي لمد نفوذها إلى خارج حدود دولتها وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية للدول العربية كما في لبنان وسوريا والعراق واليمن كما تدعي ذلك، وتتناغم تلك المبررات الخليجية مع ما وصفته الأوساط السياسية الرسمية المغربية مع التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية المغربية ودعم جبهة البوليساريو وجهودها في الإنفصال عن المغرب، ومن ثم تهدف تلك الاستفزازات الإيرانية إلى إبعاد المغرب عن حاضنته العربية.

ومن هنا نرى بأن البحرين والإمارات قد وقفت إلى جانب المغرب وأيدتا قراره المتعلق بقطع العلاقات مع إيران، فوزير الخارجية البحريني خالد بن احمد آل خليفة قد أكد في تصريحات صحفية على دعم بلاده للمغرب وقرارها الصائب في قطع العلاقات مع إيران، وكذلك الحال بالنسبة للموقف الإماراتي الذي جاء هو الآخر مؤيداَ وداعماً للموقف المغربي، فقد عبر وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش عن تأييد بلاده لرفض المغرب للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية المغربية.

وتبرز مسألة العلاقات الإيرانية - الجزائرية كإحدى العوامل المؤثرة في قطع العلاقات بين المغرب وإيران، إذ بلغت العلاقات الإيرانية - الجزائرية مستوى من التطور والتعاون المتبادل بين الدولتين ويُدلل على ذلك الزيارات الثنائية بين مسؤولي البلدين وكذلك زيادة الدعم الإيراني للجزائر ولاسيما في ظل إتهامات مغربية بهذا الصدد للجزائر بالعمل على محاصرتها بالنفوذ الإيراني، فكما هو معلوم للجميع بأن المغرب لديها خلافات حدودية مع الجزائر فضلاً عن مسألة دعم الجزائر لجبهة البوليساريو وإعترافها بها كممثل رسمي للشعب الصحراوي وحقه في إقامة الدولة الصحراوية عبر حق تقرير المصير لسكانه.

وهذا يعد من أبرز الدوافع لتوتر العلاقة بينهما، فضلاَ عن ذلك كله، النشاطات الإيرانية المتزايدة في الجزائر ومحاولات نشر المذهب الشيعي في أوساط الشعب الجزائري وهذا ما تعده المملكة المغربية مساساً بالأمن القومي لها عبر محاولات إختراق العامل الإجتماعي والثقافي بين الشعبين الجزائري والمغربي، وتتهم المغرب إيران صراحة في استغلال التمثيل الدبلوماسي والترويج لتلك الأفكار، إذ سبق للمغرب أن اتهمت إيران في استغلال مسؤوليها الدبلوماسيين وهو امير موسوي المقرب من مؤسسة مرشد الجمهورية، وهذا ما أدى إلى ردود أفعال شعبية جزائرية مطالبة بطرده من الأراضي الجزائرية، وهذا ما تستند عليه المملكة المغربية في توجساتها من الأفعال الإيرانية ومحاولاتها المستمرة باللجوء إلى الدبلوماسية الناعمة لتمرير مشاريعها في العالم العربي.

وترى المغرب أن نشر المذهب الشيعي فيها من قبل إيران هو تهديد حقيقي لأمن واستقرار المغرب، فقد أوردت تقارير إعلامية مغربية عن تزايد أعداد المنتمين للمذهب الشيعي في المدن المغربية ولاسيما بين أوساط الطبقة المثقفة والطبقات العليا من المتعلمين كالأطباء والمهندسين وغيرهم وفي مختلف المدن المغربية، ومن ثم فإن السلطات المغربية تجد بأن تلك النشاطات الإيرانية في الأراضي المغربية هي بدوافع سياسية وليست مذهبية.

وتبقى مسألة الدعم الإيراني بحسب التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية المغربي ناصر بو ريطة من أبرز العوامل التي أدت إلى قطع العلاقات الثنائية بين البلدين واتخاذه إجراءات أكثر من ذلك من قبيل غلق السفارة المغربية في طهران وطرد السفير الإيراني من الرباط، وكان الوزير بو ريطة قد اتهم إيران بشكل صريح بتدريب قيادات من جبهة البوليساريو في مدينة تندوف الجزائرية عبر إستقدام مدربين عسكريين تابعين لحزب الله اللبناني وإخضاعهم لبرامج تدريبية على استخدام صواريخ أرض-جو والصواريخ المضادة للطائرات، وكل تلك الأحداث تتزامن مع إدراج قضية الصحراء الغربية على جدول أعمال مجلس الأمن، ومن هنا، فإن المغرب تتهم إيران وراء ذلك عبر إصدار التوجيهات لحزب الله لتهديد الاستقرار الداخلي للمغرب وإثارة المشاكل في منطقة الصحراء الغربية.

من جانبه، نفى حزب الله اللبناني الإتهامات الموجهة له من قبل الجهات المغربية الرسمية، حيث أكد الحزب في بيان رسمي له، بأن المغرب يبحث عن حجة لقطع علاقاته مع إيران، ولذلك نرى بأن قطع العلاقات مع إيران وإتهام حزب الله بالضلوع بتدريب قيادات من جبهة البوليساريو هي محاولة لربط الجبهة بالإرهاب، وذلك بلفت نظر المجتمع الدولي للعلاقة بين حزب الله اللبناني وتلك الجبهة مع تقديم ملف الصحراء الغربية لمجلس الأمن للنظر فيه.

وعليه نرى، بأن مسألة قطع العلاقات مع إيران لا تخلو من ضغوظات مارستها دول الخليج على المغرب بحكم العلاقات المتميزة التي تربطها معها وخصوصاَ السعودية والبحرين وتتزامن مع الحملة الأمريكية ضد إيران بشأن البرنامج النووي الإيراني وإحتمالية الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق في حالة عدم قبول طهران بتعديل بنوده.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق