بسبب التباين في طبيعة تلك التظاهرات والنتائج التي توصلت إليها، أخذ الجميع ينظر بترقب لما سوف تأول إليه الاحتجاجات القائمة في السودان، والتي فاجأت الجميع من ناحية التوقيت إذ إنها تأخرت عن التظاهرات التي حدثت في بعض الدول لذلك برزت حولها أسئلة تحتاج إلى إجابة...

لا يخفى على المتابع للشأن السياسي في المنطقة العربية التغييرات الحاصلة، إذ بعد عقود من السكوت والخضوع العربي وعلى غير المتوقع اندلعت في أكثر من دولة عربية ثورات شعبية أسقطت أنظمتها (تونس، مصر، ليبيا) وأخرى هزت عروش أنظمتها (اليمن، البحرين، سوريا)، وخلقت واقعاً جديداً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وبسبب التباين في طبيعة تلك التظاهرات والاحتجاجات والنتائج التي توصلت إليها، أخذ الجميع ينظر بترقب لما سوف تأول إليه الاحتجاجات القائمة الآن في السودان، والتي فاجأت الجميع من ناحية التوقيت إذ إنها تأخرت كثيراً عن التظاهرات التي حدثت في بعض الدول آنفة الذكر!، لذلك برزت حولها أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة:

ماهي أسباب ظهور الاحتجاجات في هذا التوقيت؟. وهل هناك احتجاجات سابقة؟. وهل هناك امكانية إلى أن تتحول تلك الاحتجاجات إلى ثورة تستطيع تغيير النظام السياسي القائم (حكومة الرئيس عمر البشير)؟

قبل الدخول في التفاصيل لابد من معرفة الاسباب التي أدت إلى انطلاق تلك الاحتجاجات والتظاهرات؟، وهنا نكون أمام إجابتين مختلفتين: إجابة يتبناها الشعب السوداني متمثلة بسوء الأحوال المعيشية (أزمة الوقود والخبز)، وإجابة تتبناها الحكومة متمثلة بكون أن هناك أطراف خارجية ومؤامرات تريد أن تنال من السودان حكومة وشعباً، إضافة إلى اتهام أطراف داخلية (حركة عبد الواحد محمد نور المتمردة في دارفور)، حيث اتهمت الحكومة هذه الحركة بأنها السبب الرئيسي بالاحتجاجات والتي تم ضبط خلية تابعة لها تحمل أسلحة غير مرخصة.

وليس هناك أي استغراب من تبرير أسباب تلك الاحتجاجات من قبل الحكومة القائمة طالما أن تلك الحكومة هي حكومة غير ديمقراطية، إذ تُعد حكومة عمر البشير هي الأطول مدة في تاريخ السودان الحديث، حيث تسلم السلطة منذ عام 1989 بعد قيامه بالانقلاب على حكومة الصادق المهدي ولغاية اليوم هو متمسك بالسلطة. إضافة إلى ذلك، يتهم البشير من قبل المنظمات الانسانية الدولية بأنه مرتكب جرائم حرب ضد الانسانية في دارفور عام 2009، وأصبح مطلوباً من قبل محكمة العدل الدولية.

وعندما نقول: لا نستغرب من الإجابة المتعلقة بالحكومة كون جميع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية إجابتها واحدة تقريباً (نحن مستهدفون، حصار اقتصادي جائر، وهناك محاولات للنيل من البلد)، ولم نجد اعترف للسبب الحقيقي والمتضمن عدم وجود حكومات تعكس رغبات الشعوب، لذلك طالما لا توجد ديمقراطية فتوقع الاحتجاجات والتظاهرات بأي وقت ولا تستغرب.

البعض يرى خلاف ذلك بالقول: ما علاقة الديمقراطية بالخبز والوقود والأمور المعاشية الاقتصادية؟.

ونختلف مع هذا الرأي إذ أن السبب الرئيسي في تسبب هذه الظروف الاقتصادية هو العامل السياسي بكل تأكيد، لأن النظام الاستبدادي يحاول أن يتمسك بالسلطة حتى وأن كان على حساب اقتصاد شعبه، فهو يعمل ويضع بقاءه في السلطة هو الأساس وجميع المطالب الاخرى ومن ضمنها مطالب الشعوب تأتي تباعاً، إضافة إلى استنزاف الأموال الطائلة للمؤسسات العسكرية والامنية التي يفترض تحويلها إلى الجانب المدني في ظل الأنظمة الديمقراطية.

وفي إطار الأزمة السودانية، نجد تساؤلات تتعلق بالردود الحكومية إذ يؤكد البشير بأنه على علم بحاجات السودانيين والشعب السوداني يستحق أن يعيش عيشة كريمة، وأخذ يوعد بزيادة الرواتب منذ الشهر القادم، والعمل على توفير الاحتياجات والمطالب. هنا نقول: إذا كانت الحكومة لديها علم بالاحتياجات لما لم تتقدم بالحلول قبل هذا التاريخ وماذا تنتظر؟، هل تنتظر التظاهرات أم يفترض أن تقوم الحكومات القائمة بدورها وواجبها تجاه شعوبها؟.

إن هذه الاحتجاجات لم تكن الأولى من نوعها لكن سبقتها احتجاجات عام 2013، ولكن البشير استطاع أن يستوعب تلك الاحتجاجات؛ وذلك بإعلانه عدم رغبته بالترشح لمنصب الرئاسة في انتخابات عام 2015، لكنه لم يوفِ بوعده وأستمر بالسلطة لغاية اليوم، لذلك يمكن تفسير تأخر تلك التظاهرات بسبب المناورة السياسية التي قام بها البشير من حيث تأجيله التظاهرات وقد تصور أن التأجيل يساعد في إنهاء المطالب، وأعتقد أيضا بأن كسب الوقت مفيد في تحقيق الاستقرار السياسي.

المظاهرات في السودان بدأت من الاحتجاجات العمالية التي طالبت بضرورة زيادة الأجور وثم إضراب الأطباء السودانيين، ثم تطورت حتى أخذت تتحول إلى أشبه بالتظاهرات الشعبية التي ظهرت في بلدان الربيع العربي، والدليل على تطور هذه التظاهرات هو تعامل الحكومة السودانية معها وعدم تجاهلها.

إن نجاح تلك التظاهرات وفشلها يعود إلى الشعب نفسه، ففي حال قبول الشعب بالحلول الترقيعية والحلول التخديرية فإن التظاهرات سيكتب لها الفشل بشكل مؤكد، أما إذا صمم الشعب برفض تلك الحلول والمطالب والتأكيد على الحق السياسي إلى جانب الحق الاقتصادي عندئذ فأن النجاح سيكون حليفها بكل تأكيد.

بمعنى أن أغلب الحكومات العربية الاستبدادية تحاول أن تشتت مطالب الشعوب وتحوليها إلى المطالب الاقتصادية حصراً، وتحاول أن تعطي وعودا وأحيانا تحدد وقت زمني (60 يوم أو 100 يوم) لغرض كسب الوقت ليس إلا، ولا تسمح بالحديث عن المطالب السياسية والتي هي المفتاح الرئيسي لكل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية.

ومما سبق يتضح أن فشل تلك التظاهرات مقروناً بعدد من المعوقات لعل من أبرزها ما يلي:

1- غياب مشروع موحد للمتظاهرين.

2- غياب الرؤية السياسية لما بعد البشير.

3- قبول المتظاهرين بالحلول التخديرية وليست الجذرية.

4- التركيز على المطالب الاقتصادية وترك المطالب السياسية بالتغيير.

وفي نفس الوقت، إن نجاح تلك التظاهرات ممكن ومتاح لكن بحاجة إلى عدد من المقومات لعل من أبرز تلك المقومات هي:

1- الدعم الإقليمي والدولي لتلك التظاهرات.

2- الدعم الإعلامي العربي والدولي لتغطية تلك التظاهرات.

3- بروز قيادات موحدة تساهم في توحيد المطالب.

4- عدم الانخداع بالحلول الترقيعية.

وفي خاتمة القول، لابد من التوضيح بأن منطقة الشرق الأوسط حبلى بالمفاجئات فلا يمكن استثناء أي بلد عربي أو غيره من حدوث احتجاجات أو مظاهرات دون سابق إنذار لا سيما في تلك البلدان التي تقاد من قبل أنظمة استبدادية وتحاول تبرر وجودها على أساس كونها القيادة الضرورية لقيادة المرحلة، وتبرر الوجود كونه حامي تلك الدولة ضد المطامح والتدخلات الخارجية، حيث يربط الحاكم وجوده بوجود البلد (الدولة أنا وأنا الدولة)، ولذلك نجد أن السودان أصبحت دولتين (انفصال دولة جنوب السودان) ولم يقدم الرئيس استقالته؛ لأنه يعتقد وجوده أهم من وحدة الدولة، لكن أغلب الشعوب أصبحت واعية ولا يمكن أن تنخدع أو تبقى مخدوعة بهذه المبررات غير المقنعة، فالشعوب بحاجة إلى حكومات تعبر عنها وتختارها وتستطيع أن تغيرها متى شاءت عن طريق التغيير السلمي وليس العنفي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق