استهداف المصلين في مسجد الإمام علي (ع) في القديح بالقطيف، ومقتل وإصابة العشرات، من خلال عملية انتحارية، هي مجزرة بشعة جديدة لمسلسل العمل الإجرامي والإرهابي على المواقع الدينية الشيعية في السعودية، في مناسبات دينية تتعلق بالثائر الخالد الإمام الحسين ابن علي (ع)، حفيد رسول الله محمد (ص)، حيث وقعت فاجعة الدالوة في ذكرى شهادته ومجزرة القديح في مولده، وهو نتيجة طبيعية للتصعيد الطائفي، وفشل ذريع للسلطة في معالجة الأسباب التي تغذي الكراهية والطائفية البغيضة في الوطن من خلال مؤسسات الدولة الرسمية مثل: التعليم والإعلام والدينية، وفشل شعبي في المطالبة ونيل حقوقه ومنها العدالة والمشاركة الحقيقية في إدارة الوطن.

حدوث هذه المجزرة القديح متوقعة في ظل سياسة الدولة، والإصرار على عدم الاعتراف بالسبب في حدوث هذه العمليات الإجرامية الإرهابية على المواقع الدينية داخل السعودية وخارجها، التي تنفذ على أيدي وبأجساد انتحاريين يؤمنون بالفكر السعودي الديني الرسمي الوهابي، واغلبهم يحملون الجنسية السعودية، فالمشكلة داخلية، بالاضافة إلى عدم الإستفادة من درس مجزرة الدالوة في الاحساء، عبر استهداف حسينية المصطفى، وسقوط عدد من الشهداء والجرحى في يوم عاشوراء 2014م، اي قبل نحو 7 أشهر. المجزرة التي شكلت صدمة قوية على المجتمع الشيعي في الأحساء والقطيف والمدينة والمنورة والبحرين والكويت، لأسباب كثيرة منها الروابط العائلية والقلق من ان يمتد هذا العمل الاجرامي على بقية الشيعة في بقية المدن السعودية ودول الخليج، كما كان للعمل الاجرامي الإرهابي تداعيات كبيرة جدا على الساحة الشيعية، وإنقلاب المواقف والاولويات قبل وبعد الجريمة الإرهابية على حسينية المصطفى، حيث كان الشارع الشيعي قبل الحادثة يعيش حالة من الغضب على الحكومة بسبب عدم تطبيق الإصلاح المأمول، واستمرار مسلسل الإعتقالات التعسفية ومنهم المئات من الشيعة بسبب المشاركة في الحراك والنشاط المطلبي السياسي والتظاهر والاحتجاج السلمي، إضافة إلى سقوط عدد من الشباب - الشهداء لإيمان المجتمع بمظلوميتهم - على أيدي رجال الأمن، بالإضافة إلى استمرار حملات الإساءة والتخوين للشيعة في وسائل الإعلام الرسمية.

جريمة القديح وقعت بسبب فشل سياسة السلطة، وعدم معالجتها للأسباب الحقيقية لجريمة الدالوة، حيث إنها لم تقم لغاية اليوم بالإستجابة لطلب المواطنين الشيعة، بتغيير المناهج التعليمية التي تكفر المواطنين وبالخصوص الشيعة وكذلك الخطاب الاعلامي الرسمي الذي يحرض على الطائفية، ودور المؤسسة الدينية الي تعتبر المذهب الشيعي هو العدو الأول لها، فالسلطة مصرة على مواصلة نفس سياستها السابقة.

كما ان مجزرة القديح هو فشل كبير للتيار الشيعي المحافظ الذي صدق السلطة بعد مجزرة الدالوة، لأنه يرى الأولوية المحافظة في دعم السلطة الحاكمة مهما كان سياستها، والبعد عما يزعجها -أي السلطة- على أساس انها صمام الأمان، لدرجة تشييع الشهداء باعلام النظام. مما فتح باب الاختلاف في وجهات النظر في التعامل مع الحدث مع بقية المجتمع، حيث البعض كان يرى بضرورة تسمية الأشياء بأسمائها وان ماحدث من إراقة للدماء الزكية للشهداء وترويع الناس، هي بسبب سياسة السلطة الفاشلة في إدارة البلاد، في ظل غياب دستور يمثل الإرادة الشعبية، وفصل السلطات، والتوزيع العادل للثروة، لتشييد دولة القانون والمؤسسات. بل الذي يحصل العكس؛ إستغلال المناصب، وانتشار الفساد والسرقات والبطالة والفقر، وغياب الامن والامان الحقيقي عبر عدم توافر العدالة الاجتماعية واحترام كرامة المواطن، بالاضافة إلى دور السلطة في رعاية والسماح بنشر الفكر التكفيري في مؤسسات الدولة، الذي هو مصدر الخطر الأكبر على الوطن والمواطنين.

ما حدث من استهداف مسجد الإمام علي (ع) في القديح بالقطيف، وكذلك في حسينية المصطفى (ص) في الدالوة بالأحساء هو فشل واختراق أمني خطير تتحمل مسؤوليته السلطة ويجب محاسبتها على ذلك لا مدحها والثناء على المسؤولين، ولهذا ينبغي في هذه المرحلة استغلال الحدث للضغط على السلطة لتحقيق الإصلاح الشامل في الوطن، ومعالجة الملفات المتأزمة، وضرورة الإعتراف بالتعددية المذهبية، وتجريم كل من يثير النعرات الطائفية ويحرض على القتل والإعتداء على الاخر.

لا مكانة ولا مجاملة لكل مسؤول في السلطة (جهات مسؤولة عن الظلم والفكر التكفيري)، في المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية والأمنية.

على المجتمع وبالخصوص أهالي القطيف والأحساء بعد مجزرة القديح ان يستفيدوا من التجربة السابقة في معالجة مجزرة الدالوة ليلة عاشوراء، حيث الوجهاء قدموا للسلطة هدايا ثمينة بشكل مجاني، والسلطة استغلت مجزرة الأحساء، وخرجت منتصرة من الحدث، وحققت الكثير من المكاسب؛ فقد تمكنت من التواصل مع بعض الشخصيات الشيعية وجعلهم يتسابقون فيما بينهم للتواصل معها، وظهور بعضهم عبر وسائل الإعلام الحكومية الرسمية وغيرها لتأكيد الولاء والدعم للحكومة والشكر على ما تقوم به الاجهزة الأمنية عكس السابق، وكسرت حاجز القطيعة مع الشارع الشيعي الغاضب من السلطة، الشارع الذي يحملها المسؤولية عن الإعتقالات التعسفية، وسقوط عدد من شباب الحراك الشيعة على أيدي رجال الأمن، وإصدار حكم الإعدام ضد رمز الحراك والنضال الشيخ نمر النمر، والإساءة للمذهب الشيعي في المؤسسات التعليمية والإعلام ومؤسسات الدولة.

على الناس عدم تصديق خطابات السلطة ومن يدور في مدارها، بتبرئة نفسها، وترويج نفسها بانها الضمانة للأمن والامان والسلام، ولا تصدقوا من هم سبب في حدوث الإعتداء الإجرامي مجزرة القديح، من زرعوا الكراهية والتكفير...، ولا تسمحوا للاعلام الذي كان بالأمس يسيئ إليكم، وهو سبب في حدوث الجريمة البشعة،.. من تغطية الحدث، ويندد ويتباكى، (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين).

الحل بتحول الدولة من حكم العائلة الحاكمة المستبدة للبلاد والعباد، إلى دولة القانون والمؤسسات حسب دستور يمثل الإرادة الشعبية، في ظل العدالة والحرية واحترام التعددية.

رحم الله الشهداء الأبرار المظلومين، وحشرهم مع شهداء الطف مع الإمام الحسين (ع)، الثائر الخالد لأجل تطبيق الإصلاح الشامل لينعم الناس بالعدالة والحرية كما قال: "كونوا أحرارا في دنياكم".

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق