هل يعقل أن دولة من أهم منتجي الطاقة تفتقد للطاقة؟ هل يعقل أن دولة من أهم منتجي النفط لا تسد حاجتها من المشتقات النفطية إلا بالاستيراد؟ هل يعقل أن دولة من اغنى دول العالم يتحسر أبناؤها على الوظائف؟ وهل يعقل أن دولة تعد إحدى أهم الرقع الجغرافية الإستراتيجية لا تملك...

السياسة هي الفاكهة المفضلة في جلسات العراقيين، فهي الرفيق الدائم لهم بعد السيجارة وكوب الشاي، ولا يمكن أن تخلو جلسة بين الأصدقاء أو الأهل والأقارب من حديث للسياسة، يحددون الأفضل والأسوأ بين أفراد الحكومة، يختلفون ويتفقون، يتصارعون حول هذا الطرف أو ذاك حتى تنتهي الجلسة ويغادر كل منهم إلى بيته.

هذا جزء من الثرثرة أليس كذلك؟ لا يمكن الجزم على أن كل من يتحدث بالسياسة مصاب بالثرثرة، كما لا يمكن الجزم بأن كل من يتحدث بالسياسة هو إنسان له أفق واسع في التفكير ولديه القدرة على حل المشكلات المستعصية في البلد، علينا أخذ كل حالة ودراستها بشكل مفصل قبل إصدار حكم قطعي فيها، لكن هناك حالات عامة يشترك فيها الجميع عند حديثهم عن السياسة.

القرار السياسي يؤثر على حياة الناس

من يتذكر قرار غزو العراق، أليس القرار سياساً؟ لا علاقة للمنطق ولا القضايا الواقعية بهذا القرار، فقد اتخذه مجموعة من السياسيين ولتحقيق أهداف سياسية، وكل ما ترتب عنه من دمار للعراق وخراب لما تبقى منه كان بسبب لحظة سياسية اتخذها مجموعة من المتطرفين في الحزب الجمهوري.

ما يزال الشعب العراقي يعاني من اثار اللحظة تلك التي اتخذ فيها قرار الغزو، تم حل المؤسسات العسكرية والأمنية، بقرار سياسي أيضا ولا دور هنا للمنطق أو القضايا القانونية العادلة، تعرض العراق لعملية تشويه وتدمير لبنيته التحتية وبنيته الإدارية والبيروقراطية بتأثير السياسة.

ثم تأتي بعدها الكهرباء والخدمات، تتعاقد الحكومة مع شركة سيمنز الألمانية لتطوير قطاع الطاقة في العراق، تبشر الحكومة الشعب بالخير، بعد عدة أشهر تعلن الشركة الألمانية أن الولايات المتحدة الأميركية غير سعيدة بعقودها مع العراق، ثم يتلاشى الحلم العراقي ويعاني الشعب من انقطاع غير مسبوق للكهرباء، وبلحظة سريعة تتعاقد الحكومة الجديدة مع شركة جنرال الكتريك الأميركية لإصلاح منظومة الكهرباء الوطنية لكن من الذي يضمن تنفيذ العقود، الشعب تعود على هذا النوع من العقود، إنها وسيلة للتربح المالي والسياسي على حساب الشعب، ولنا في التاريخ القريب شواهد عديدة، تعاقدت الشركة الأميركية مع العراق منذ بدايات الغزو الأميركي وحتى الان وفازت بعدة عقود بدون ان تنقذ العراق من ازماته الكهربائية.

للسياسة تأثير غير منطقي على حياة العراقيين، بينما تضطر الحكومة للخضوع الى الشركات العالمية بدون تحسين مستوى الطاقة الكهربائية، تطرح ملف استيراد الطاقة من دول الجوار، تذهب الى دولة تقدم لها بعض التسهيلات، تتحرك الأخرى للمطالبة بالتوازن السياسي فتعود الحكومة لتحقيق التوازن في الاستيراد، بنفس المقدار المستورد من إيران يجب أن يكون هناك مقدار مماثل له من دول الخليج، وإلا اعتبر العراق دولة مارقة وسوف يتعرض لهزات سياسية عنيفة.

تتداخل السياسة الخارجية مع الداخلية بشكل واضح، والتدخل الخارجي في الشأن الداخلي أوضح من الشمس في رابعة النهار، صبيان السياسة يقودون البلاد في المحافل المحلية والدولية، يشاهد الإنسان البسيط ونفس الحال مع المفكر كيف تسير الأمور في بلاده، يعرف جيدا أن أبسط العارفين يستطيع فهم الغاز السياسة لأنها قائمة على المحاصصة بين هذه الدولة وتلك وبين هذه الكتلة وخصومها، يسكت مرة ومرتين وثلاث، لكنه لا بد وأن ينفجر في لحظة غضب لأن مسيرة الأخطاء تجبر الحجر الاصم على الحديث.

هل يعقل أن دولة من أهم منتجي الطاقة تفتقد للطاقة؟ هل يعقل أن دولة من أهم منتجي النفط لا تسد حاجتها من المشتقات النفطية إلا بالاستيراد؟ هل يعقل أن دولة من اغنى دول العالم يتحسر أبناؤها على الوظائف؟ وهل يعقل أن دولة تعد إحدى أهم الرقع الجغرافية الإستراتيجية لا تملك أي قرار سياسي لنفسها؟ وهل يعقل أن دولة كبيرة بشعبها وجغرافيتها وطاقاتها البشرية لا تستطيع إنتاج ملعقة للشاي؟

هذه أسئلة يطرحها المواطن العراقي بشكل يومي، لأنه يرى أموراً غير منطقية، يرى أن الأوضاع في بلاده غير طبيعية ما يدفعه للسؤال أكثر من مرة، ما الذي يجري في بلادي؟ اليس الأفضل أن يحكم البلاد من هم أفضل عقولها كما يقول افلاطون، تنازلنا عن أفضل العقول، لكن نريد أفضل إدارة تحكم البلاد، وحتى هذه الإدارة مفقودة لان القرارات تصدر من جهة سياسية خارج البلاد وتحدد مصير شعب كامل على ضوء مصالح دول أخرى، الشعب هنا يتفجر قهراً والحديث في السياسة ليس ترفاً ولا ثرثرة، بل هو أمر مفروض على الشعب العراقي لأنه يتعرض للخنق بشكل يومي من أحزاب الداخل وقرارات الخارج، وفي النهاية الشعب مصدر السلطات ومنها السلطة السياسية.

اضف تعليق